في الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام الإقليمية بإبراز تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن اكتمال الملء الثالث لسد النهضة، والاحتفال بهذه الخطوة، كان الأمين العام لمجلس النواب المصري يعلن إبلاغ أعضاء البرلمان بموعد جلسة طارئة حُدّدت قبل 14 ساعة فقط من موعدها، لمناقشة أمر طارئ.
وذهبت بعض التوقّعات إذذاك إلى طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي، تفويضاً سياسياً للتعامل مع أزمة السدّ وتعقيداتها، فيما كان التعديل الوزاري مستبعَداً بشكل كبير، لعدّة أسباب أهمّها أنه لا يوجد داعٍ للاستعجال إلى درجة دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد في اليوم التالي مباشرة، وكأن كارثة تلوح في الأفق.
لكن المفاجأة أن الجلسة التي لم تتجاوز مدّتها 15 دقيقة، وانعقدت بناء على دعوة رئيس الجمهورية، كان هدفها اعتماد تعديل حكومي تضمّن الإطاحة بـ13 وزيراً.
ومرّر البرلمان التعديلات من دون مناقشة أو حتى إبداء الاعتراض، بل إن النواب الذين لم يستخدموا سلاح الاستجواب سوى مرّة وحيدة مع وزيرة الصحة، سارعوا إلى التصفيق للتعبير عن تأييدهم لاختيارات الرئيس الذي وجّه الشكر إلى الوزراء المُقالين ورحّب بالوزراء الجدد، مؤكداً المضيّ في السياسات والخطط المعتمَدة سابقاً نفسها.
ولم يسبق تلك الخطوةَ نشرُ أيّ معلومات عن الوزراء الجدد أو حتى أسمائهم التي بقيت طيّ الكتمان حتى لحظة بدء الجلسة، وهو ما ينافي الغاية ممّا نصّ عليه الدستور لناحية رهْن تعيين شخوص الحكومة بموافقة البرلمان، والذي استهدف جعْل الأخير شريكاً للرئيس في هذه الصلاحية.
ولم تقتصر مفاجآت السيسي على ما تَقدّم، بل امتدّت إلى تغيير قاعدة راسخة متمثّلة في أن يؤدّي الوزراء اليمين أمام الرئيس في مقرّ رئاسة الجمهورية في قصر الاتحادية في منطقة مصر الجديدة في العاصمة، حيث سافر البدلاء من أجل ذلك إلى الساحل الشمالي، وتحديداً مدينة العلمين الجديدة التي يقيم الرئيس فيها منذ نهاية الشهر الماضي، وبجواره المقرّ الصيفي للحكومة التي تَعقد اجتماعاتها أسبوعياً فيه منذ مطلع الصيف، في وقت تتفاقم الأزمات الاقتصادية من دون بوادر حلول.
ولم يحمل التعديل الوزاري تغييراً نوعياً؛ إذ اقتصر على الوزارات الخدمية بشكل رئيس، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، التي أطيح منها بطارق شوقي لتهدئة الغضب الشعبي، وأُحلَّ بدلاً منه فيها نائبه رضا حجازي.
كما لم يشمل التعديل أياً من الوزارات السيادية، لكن ينظَر إلى تغيير وزير الريّ وإسناد حقيبته إلى المهندس هاني سويلم باعتباره خطوة مهمّة على طريق تبنّي معالجة مختلفة لمشكلة نقص المياه والتعامل مع ملفّ سدّ النهضة، بالنظر إلى أن الوزير المتعاون مع جامعات دولية وله أبحاث عدّة، مختصّ بمعالجة مشكلة ندرة المياه وتحليتها وغيرها من المسائل التي تدْخل في صُلب استراتيجية الدولة في المرحلة المقبلة.
كذلك، أطيح بوزيرة الهجرة، نبيلة مكرم، المتّهم نجلها في قضية قتل في الولايات المتحدة، وعُيّن وزير التعليم العالي وزيراً للصحة بديلاً لهالة زايد، فيما خرجت من المشهد أيضاً وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، ومعها وزير السياحة والآثار خالد العناني، الذي سُجّلت لمصلحته نقاط في إدارة العديد من الملفّات، لا سيما في ما يتعلّق بعرض الآثار واكتشافها، إلّا أنه أُخذ عليه ظهوره «المبالغ فيه» من وجهة نظر الأجهزة السيادية مع الرئيس، خلال إعادة افتتاح طريق الكباش العام الماضي وموكب المومياوات الملكية، وسط أخبار متباينة عن منصب دولي سيكون في انتظاره قريباً.
أمّا الوزير الوحيد المرتبط بالمنظومة الاقتصادية بشكل مباشر، فهو وزير قطاع الأعمال العام الذي أقيل، علماً أنه لم ينجح أحد في البقاء في هذه الحقيبة لفترات طويلة، فيما جاءت إقالة وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي، على خلفية إخفاقه في التعامل مع ملفّ تحصيل أموال المخالفات العقارية وعدم تنفيذه توجيهات السيسي بهذا الشأن.
وفي وقت تُنتظر أيضاً تغييرات واسعة لمحافظي الأقاليم، يتردّد في الكواليس أن التعديل الوزاري الأخير سيكون «مؤقتاً» حتى نهاية العام، على أن يتبعه تعديل أوسع قد يطاول الوزارات السيادية، إلى جانب تعيين رئيس جديد للحكومة ووزراء في المجموعة الاقتصادية، بعد انعقاد قمّة المناخ والاتفاق مع «صندوق النقد الدولي» على القرض الذي تنتظره مصر، لتنتقل الحكومة الجديدة إلى المقرّات البديلة في العاصمة الإدارية، مع بداية العام المقبل.
المصدر: الأخبار