يقف السودان أمام مرحلة سياسية جديدة، تشكّل فرصة لنقل السلطة إلى المدنيين، وإنهاء تبعات انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
العالم- السودان
جاء ذلك عبر الاتفاق الذي ستوقّع عليه قوى تحالف الحرية والتغيير، وأطراف أخرى، مع المكون العسكري في البلاد، بهدف تشكيل سلطة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وصولاً إلى إجراء انتخابات.
غير أنّ هذه التسوية، التي ترفضها أطراف سودانية عديدة، تحوم الشكوك بنجاحها في وضع حد للأزمة السياسية، في ظل اتهامات للمكون العسكري بأنه غير جاد ويستخدم التسوية ضمن تكتيكاته السياسية، إضافة إلى غياب التوافق الكامل عليها، وهو ما يدفع أطرافاً عديدة، وأبرزها لجان المقاومة، للعودة إلى الشارع لإسقاط هذا الاتفاق.
يضاف إلى ذلك عدم حسم العديد من القضايا الخلافية، وأبرزها العدالة الانتقالية وإزالة تمكين نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والتي جرى تأجليها إلى المرحلة الثانية من التسوية، وهي نقاط قد تفجّر الاتفاق من أساسه.
وأعلن كل من المكون العسكري وقوى "الحرية والتغيير"، في بيانين منفصلين الأول من أمس الجمعة الماضية، نيّتهما التوقيع على أول اتفاق بينهما الإثنين المقبل، بعد أكثر من عام على انقلاب البرهان الذي أطاح "الحرية والتغيير" من الحكم.
ولن يكون تحالف "الحرية والتغيير" هو الطرف الوحيد الموقّع على الاتفاق مع العسكر، إذ ستوقّع عليه قوى سياسية أخرى، من بينها "المؤتمر الشعبي" حزب الراحل حسن الترابي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فصيل محمد الحسن الميرغني، وجماعة "أنصار السنة المحمدية"، والحزب الجمهوري، إضافة إلى حركات مسلحة موقّعة على اتفاق سلام مع الحكومة، أبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عضو مجلس السيادة مالك عقار، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، وتجمّع قوى التحرير برئاسة الطاهر حجر، وهو أيضاً عضو في مجلس السيادة.
واجتمعت كل الأطراف، أول من أمس الجمعة الماضية، في مقر إقامة البرهان، بحضور رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتيس، وممثل الاتحاد الأفريقي محمد بلعيش، ورئيس بعثة منظمة "إيغاد" في السودان إسماعيل وايس، ومعهم سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات والنرويج، وسفير الاتحاد الأوروبي.
ووفق بيان صدر عن "الحرية والتغيير"، فإن الاجتماع ناقش جاهزية الأطراف السودانية للشروع في توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، الذي يؤسس لسلطة مدنية انتقالية تتولى أعباء تنفيذ مهام ثورة ديسمبر واستكمال الطريق نحو بلوغ غاياتها، واتفقت الأطراف على أن يكون التوقيع الإثنين المقبل.
وأوضح البيان أن مرحلة التوقيع على الاتفاق الإطاري تعقبها مباشرة مرحلة إكمال تفاصيل بعض القضايا بأوسع مشاركة من قوى الثورة وأصحاب المصلحة، ليتأسس عليها الدستور الانتقالي، وتنشأ مؤسسات السلطة الانتقالية، على ألا تتجاوز مدة المرحلة الثانية أسابيع محدودة.
وأشار بيان آخر من مجلس السيادة إلى أن الاتفاق الإطاري السياسي يشكل أساساً لحل الأزمة السياسية الراهنة بالبلاد، مبيناً أن الاتفاق سيظل مفتوحاً للنقاش والمشاركة من الأطراف الأخرى المتفق عليها، لتطوره في المرحلة الثانية إلى اتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية، في غضون أسابيع محدودة، تمهيداً لتشكيل سلطة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني من يحكمه.
ويضع الاتفاق الإطاري في نصوصه مبادئ عامة للتحوّل الديمقراطي وإنشاء سلطة مدنية كاملة في مستوياتها السيادية والتنفيذية والتشريعية، من دون أن يكون العسكر جزءاً منها. ولكن الاتفاق لن يتطرق إلى تفاصيل العدالة الانتقالية وإزالة تمكين نظام البشير، وقضايا أخرى لا تزال في طور النقاش تُركت للاتفاق النهائي المقدر له، حسب مصادر تحدثت إلى "العربي الجديد"، في الـ19 من الشهر الحالي أو الـ25 منه.
لكن بعيد الإعلان عن الاتفاق الإطاري، تصاعدت في السودان الحملات الرافضة له. وسارع عدد من لجان المقاومة إلى إصدار بيانات بعد ساعات من الإعلان عن موعد التوقيع، من بينها تنسيقيات لجان الخرطوم، التي عبّرت عن رفضها التام لتلك التسوية. وأعلنت عن مليونية في يوم التوقيع تتوجه إلى القصر الرئاسي لتأكيد الرفض والتمسك بتطلعات الشعب.
كما جاء الاعتراض الأبرز من تحالف "الحرية التغيير-الكتلة الديمقراطية"، والحزب الاتحادي الديمقراطي فصيل جعفر الميرغني. وجدد رئيس حركة "العدل والمساواة"، وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم، رفض الكتلة الديمقراطية للاتفاق الإطاري، مشيراً إلى أنهم طالبوا في آخر اجتماع مع البرهان بوقوف المكون العسكري على مسافة واحدة من كل القوى السياسية في البلاد.
وأوضح أن الكتلة الديمقراطية تنادي منذ مدة بطاولة مستديرة للنظر في كل الطروحات والمبادرات من قبل جسم وطني، للوصول إلى ورقة واحدة تتفق عليها كل المكونات السياسية والاجتماعية.
المصدر: العربي الجديد