لم تكن تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لمحطة «أن بي سي» الأميركية، محل رضى مستشاريه؛ إذ أثارت بعض العبارات مستشاره للشؤون الخارجية، إبراهيم كالين، فتدخل لإلغائها.
ولعل أبرز هذه العبارات التي مُحيت قول أردوغان إن « تركيا ستكون في المقدمة إذا قررت واشنطن التدخل العسكري في سوريا»، حيث اكتفى كالين بتأكيد رئيس وزراء دولته اقتناعه التام في موضوع استخدام النظام للأسلحة الكيميائية.
ودعا أردوغان واشنطن إلى العمل من أجل إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، بينما برز الارتباك التركي هذا بعد المعلومات التي تحدثت من واشنطن عن عدم ارتياح الإدارة الأميركية من سياسات أنقرة في دعم الجماعات المسلحة، ولا سيما جبهة النصرة وأمثالها، وبهدف التخلص من النظام في دمشق.
وتوقعت هذه المعلومات، ومصدرها شخصيات أميركية مهمة رسمية وغير رسمية للرئيس باراك أوباما، أن يطلب من أردوغان خلال لقائه به في 16 الشهر الجاري، إغلاق الحدود في وجه الجماعات المتطرفة ومنع دخول عناصر أجنبية جديدة إلى سوريا عبر الحدود مع تركيا.
في هذه الأثناء، يرى المراقبون في كل هذا شرطاً من الشروط التي يبدو أن الوزيرين الأميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف، قد اتفقا عليها في إطار المساعي المبذولة لعقد المؤتمر الدولي الخاص بسوريا نهاية الشهر الجاري.
ويعرف الجميع أن رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، كانا وسيكونان ضده باعتباره سيكون الإثبات الرسمي لإفلاس سياسات أنقرة في موضوع سوريا.
ويعرف الجميع مدى حجم التدخل التركي المباشر في الملف السوري منذ البداية. ولعل الموقف الأكثر أهمية في هذا السياق هو فتح الحدود أمام الآلاف من الأجانب الذين دخلوا سوريا للقتال في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة.
لطالما سعت أنقرة إلى إقناع أكراد سوريا بالتمرد على النظام عبر مصالحتها مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المؤثر في الشارع الكردي السوري.
وجاء اختيار الكردي عبد الباسط سيدا، ومن بعده الكردي غسان هيتو، قياديين للمعارضة السورية ضمن المشروع التركي – القطري لجر أكراد سوريا إلى قتال النظام.
وسعت أنقرة أيضاً إلى إقناع أميركا والحلف الأطلسي، بل وحتى الجامعة العربية، بالتدخل العسكري المباشر في سوريا أو بإقامة مناطق للحظر الجوي شمال سوريا أو بإعطاء المعارضة المسلحة أسلحة نوعية ومتطورة قدمت هي بدورها البعض منها للجماعات المسلحة التي استـطاعت، بفضل هذه الأسلحة، أن تسيطر على المناطق القريبة من الحدود مع تركيا في إدلب وإعزاز وحلب.
ويبقى السلاح الكيميائي الورقة الأخيرة بيد أردوغان الذي سيسعى من خلالها إلى إقناع أوباما بأهمية الدور التركي في الملف السوري في المرحلة المقبلة حتى لا يقول أحد إن أردوغان وداوود أوغلو، قد خرجا بخفي حنين بعد كل ما تحملته أنقرة في هذا المجال، تارة لكسب المزيد من الود والدعم الأميركي، وتارة أخرى لتحقيق مكاسب استراتيجية في إطار الحسابات والمخططات والأحلام التركية العثمانية في المنطقة، وعبر التحالف الإخواني مع الدوحة والقاهرة وتونس.
ويبدو أن هذا التحالف والحلم الأردوغاني قد وصلا إلى نهاية الطريق في المؤتمر الدولي الخاص بسوريا، وخاصة إذا بقي الرئيس بشار الأسد في منصبه.
وسيدفع ذلك الجميع إلى إعادة النظر في مجمل سياساتهم وحساباتهم السابقة الخاصة بسوريا والمنطقة عموماً، وخصوصاً بعد أن أثبتت سوريا، بالدعم الأقليمي (إيران وحزب الله) والدولي (روسيا والصين)، أنها أذكى بكثير من غباء الحسابات التي وضعها البعض من أجل سوريا وعبرها المنطقة بأجملها. وكأن إيران وروسيا وحزب الله سينتظرون حتى يأتي سكين القصاب ليذبحهم جميعاً.
ويبقى السؤال الآن، كيف سيستطيع أردوغان المناورة لإقناع الرأي العام التركي بأنه كان مخطئاً في موضوع سوريا.
كذلك سيكون صعباً عليه أن يتراجع عن كل ما قاله عن الأسد شخصياً بعبارات وألفاظ وجمل عكست دائماً غضبه الشخصي حسب رأي العديد من المحللين والسياسيين والإعلاميين الأتراك والأجانب.
لقد أثبت أردوغان وداوود أوغلو أنهما لم يفهما أو يدركا أياً من معطيات الأزمة السورية؛ لأن مستشاريهما كانوا من السعوديين والقطريين ومعارضي النظام من السوريين.