في مقاله لواشنطن تايمز في التاسع عشر من أبريل الماضي ذكر ملك البحرين حمد بن عيس آل خليفة أنّ السلطة في البحرين كانت مجبرة على تنفيذ حملة القمع الوحشية المستمرة للاحتجاجات السياسية، عندما "اختطفت المطالب المشروعة للمعارضة من قبل عناصر متطرفة على علاقات بحكومات أجنبية في المنطقة"، أي عندما اختطف الانتفاضة الشعبية ثوار شيعة مرتبطون بإيران. و قدظهرت مثل هذه الاتهامات أول مرة بعد فترة وجيزة من بداية الاحتجاجات في منتصف شباط – فبراير، ولكنّها أخذت زخماً أكبر بعد السابع من مارس عندما قامت مجموعات شيعية متشددة بإعلان بما يسمى "بالتحالف من أجل الجمهورية" الذي رفض أيّ حل سياسي يقصر عن الإطاحة بعائلة آل خليفة الحاكمة، وجاء يحمل إسماً يحمل طيفاً من اسم الجمهورية الإسلامية في إيران، مما يبدو أنّه لم يترك لحكام البحرين أي خيار سوى الرد بحزم لتجنبوا قيام ثورة شيعية في البحرين.
حجج الملك حمد في ذلك المقال توحي بأن هناك نسبة كبيرة من شيعة البحرين يفضلون نظام حكم على الطريقة الإيرانية في البحرين، وهم على استعداد لحمل السلاح في سبيل ذلك. ولكن الحقيقة عكس ذلك، و على الأقل كان هذا ما ظهر لي في بداية العام 2009 عندما قمت لأول مرة في تاريخ البحرين بأجراء دراسة سياسية مسحية؛ إذ توافق غالبية السكان الشيعة ومعهم السنة على رفض أيّ نظام حكم قائم أو مقتصر على الدين فقط.
في دراستي المسحية التي غطت 435 منزلاَ، استخدمت فيه نموذج "الباروميتر العربي للديمقراطية" وطلبت من المواطنين تقييم مدى ملائمة مختلف نظم الحكم للبحرين. و قد طالب حوالي ربع المشاركين من الشيعة و السنة بنظام برلماني يتنافس فيه فقط الإسلاميون ومنافسيهم "ملائمًا" أو "ملائمًا جدا"، ولكن أكثر من نصف المجموعتين رفضوه رفضا تاما. اعتبر ربع الشيعة الذين شملتهم الدراسة نظامًا قائمًا علي الشريعة الإسلامية "ملائمًا" أو "ملائمًا جدا" بينما رفض 63 % منهم هذا النظام قطعيا واعتبروه "غير ملائم جدا". بينما اعتبر أقل بقليل من النصف من السنة الذين شملتهم الدراسة النظام قائم على الشريعة الإسلامية ، ولكن 40 % منهم اعتبروه"ملائمًا" أو "ملائمًا جدا". وهذا ينافي ما أثارة الملك حمد حول الشيعة، وفي الواقع فإن الشيعة كانوا أقل تفضيلاً من السنة للدولة الدينية. و قد رفضت حتى أكثر العناصر الشيعية تطرفا في البحرين فكرة الحكومة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، فإن أولئك الذين أشارت وجهات نظرهم السياسية إلى توافق مع "حركة حق"، وهي الراعي الرئيسي "للتحالف من أجل الجمهورية"، لم يكونوا أكثر احتمالا لدعم نظام برلماني يقتصر على الإسلاميين أو نظام قائم على الشريعة الإسلامية من المعتدلين الذين أشارت وجهات نظرهم إلى توافق مع "جمعية الوفاق" و التي كانت حتى أسابيع قليلة ماضية تمثل في البرلمان بثمانية عشر نائب من أصل أربعين. و بدلاً من تأييد فكرة الحكومة الإسلامية فقد أعربت الغالبية العظمى من الشيعة في البحرين عن رغبتهم في نظام برلماني مفتوح أو متعدد -- أي نظام ديمقراطي. و قد أجاب ما يقرب من ثلاثة أرباع من الشيعة أن النظام البرلماني الذي تتنافس فيه الأحزاب اليسارية واليمينية والإسلامية والأحزاب القومية في الانتخابات سيكون إما "مناسب جدا"أو "مناسب" للبحرين.
وكان تأييد الشيعة للديمقراطية البرلمانية في المؤشر أعلى بخمسة عشر نقطة منه في أوساط السنة. وبناء على ذلك فإذا كان ملك البحرين محقاً في اتهامه بأن الحركة المطلبية قد تمّ اختطافها من قبل "عناصر متطرفة" مدعومة من إيران، فهذا يعني انتقال التوجهات السياسية للشيعة بشكل ملحوظ في البحرين لدعم نظام إسلامي في غضون عامين فقط. ففي عام 2009 كان أكثر بقليل من النصف ممن شملهم الاستطلاع من الشيعة اعتبروا توجهم السياسي متوافق مع "جمعية الوفاق"، في حين أن أقل من 20 % اعتبروا أن "حركة حق" تمثلهم. ولكن الردود في الدراسة كشفت أيضا خيبة الأمل المتزايدة من تجربة الوفاق في المشاركة السياسية، ويقول منتقدوها أنها حققت القليل في السنوات الخمس الماضية. و كان الشعور العام لدى الناس و الذي بنت عليه جماعات مثل "التحالف من أجل الجمهورية" تحركها يميل أكثر فأكثر إلى فكرة أنه إذا كان العمل من أجل الإصلاح من داخل النظام ثبت أنه يؤدي إلى طريق مسدود، فإنّه - إذن - ربما يتوجب تغيير النظام برمته لكي يحصل الشيعة على أي نفوذ سياسي أو اجتماعي في البحرين بما يتناسب مع أغلبيتهم الديموغرافية.
و بدلا من النظر إلى إيران، ينبغي على الحكام في البحرين النظر في أنفسهم لمعرفة سبب التطرف الشيعي. و في الحقيقة فإن الجزء الذي ينطق أكثر بالواقع في بيان الملك حمد ليس هو ذلك الجزء الذي تحدث فيه عن "اختطاف المتطرفين ذوي العلاقات مع حكومات أجنبية في المنطقة" ولكنه في ذلك الجزء الأخر الذي ذكر فيه "المطالب المشروعة للمعارضة". فالمشكلة في البحرين لا تكمن في التطرف المستوحى من إيران، ولكنها تكمن في أن تعريف الحكومة البحرينية "للمطالب المشروعة" هو تعريف يستبعد منها أبسط المطالب للشيعة العاديين. وقد سعى الشيعة البحرينيون منذ زمن طويل لوضع حد للتميز على الأساس الديني في القطاع العام، لاسيما استبعادهم من الشرطة، والقوات المسلحة و الوزارات السيادية مثل الدفاع و الداخلية والشؤون الخارجية .
و قد انتقد الشيعة (و بعض السنة كذلك) برنامج الدولة الذي امتد على مدى عقد كامل من الزمن لتجنيس العرب والسنة من غير العرب للعمل في الأجهزة الأمنية في محاولة لتغيير ديموغرافية البلد. و قد شكت الشخصيات المعارضة من الطائفتين من طريقة ترسيم الدوائر الانتخابية في البلاد على أساس طائفي من أجل الحد من نفوذ الوفاق والجمعيات العلمانية السنية. و بطبيعة الحال فإن السلطات البحرينية ترفض كل هذه الاتهامات. و من غير الواضح إذن ما إذا كان الملك حمد على استعداد لتقديم ما سماه "مطالب مشروعة" للمعارضة. و مما لاشك فيه فإنه لن يكون هناك حل نهائي لأي من الشكاوى الأساسية التي عبر عنها الشيعة.
ومن جهة نظر العائلة الحاكمة فهي ترى بأن التدابير التي تسببت في هذه المظالم هي نفسها التي حدت من مدى ضرر الأزمة الحالية عليها. فعلى الرغم من أن المعارضة تستطيع أن تنزل بمئات الآلاف إلى الشوارع، فهي لا تملك وسيلة قانونية لفرض الإصلاح السياسي، كما لا تستطيع أيضا الوصل إلى السلاح للكفاح من أجل ذلك. و في الوقت نفسه تتمتع السلطة بغالبية موالية مصطنعة في البرلمان، و قوة جاهزة من الجنود غير البحرينيين لا يوالون غير النظام. و بدلا من تقديم تنازلات سياسية جوهرية فقد حذا الملك حمد حذو غيره من دول مجلس التعاون الخليجي وعرض على المعارضين شيء واحد: المال. فبعد وقت قصير من بدء الاحتجاجات أعلنت الحكومة عن حزمة سخية من الرعاية الاجتماعية بما في ذالك زيادة الرواتب و خطط جديدة لإسكان مدعوم. و قدمت دول مجلس التعاون الخليجي حزم مساعدات مالية بقيمة عشرة مليارات دولار من تلقاء نفسها فيما أطلق عليه اسم "خطة مارشال الخليج" للبحرين. ولكن هذه المحاولة المكشوفة على المستوى السياسي لشراء المتظاهرين زاد من غضبهم، كما لخص ذلك باقتدار إبراهيم شريف المعتقل الحالي ورئيس جمعية "وعد" العلمانية التي تعرضت للحل و الذي صرح بأن "هذه الثورة للحرية والكرامة وليست لملء بطوننا".
و من خلال إلقاء اللوم على المعارضة و التدخل الأجنبي و التطرف الديني والإحباط الاجتماعي و الاقتصادي فقد سعت البحرين مثل غيرها من دول الخليج إلى طمس ونزع الشرعية من مصادر الاستياء خصوصاً تلك المتعلقة بالاستبعاد السياسي المتعمد لشرائح من الشعب. فالمتطرفون بالنسبة للملك حمد إذن ليسوا هم "الإسلاميون الشيعة" و إنما ببساطة هم أي معارضين يرفضون قبول صفقة العطايا المادية مقابل الصمت السياسي و هو "العقد" الذي يتكئ عليه الحكم في البحرين وبقية دول الخليج الأخرى. ولكن حكام البحرين برفضهم لمعالجة أهم المطالب الأساسية للتيار الشيعي أو حتى الاعتراف بشرعية شكاواهم فإنهم يخلقون فئة من المواطنين خطرين بخطورة "الثوار المدعومين من إيران" المزعومين الذين يبدو أنّ الحكم يخشاهم .