بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا﴾
تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة و تواجه أزمات كبرى و تحدّيات هائلة تمسّ حاضرها و تهدّد مستقبلها ، و يدرك الجميع ـ و الحال هذه ـ مدى الحاجة الى رصّ الصفوف و نبذ الفرقة و الابتعاد عن النعرات الطائفية و التجنّب عن إثارة الخلافات المذهبية ، تلك الخلافات التي مضى عليها قرون متطاولة و لا يبدو سبيل الى حلّها بما يكون مرضيّاً و مقبولاً لدى الجميع ، فلا ينبغي اذاً إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين ، و لاسيما انها لا تمسّ أصول الدين و اركان العقيدة ، فان الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد و برسالة النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و بالمعاد و بكون القرآن الكريم ـ الذي صانه الله تعالى من التحريف ـ مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية و بمودة أهل البيت عليهم السلام ، و نحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة و منها دعائم الاسلام : الصلاة و الصيام و الحج و غيرها .
فهذه المشتركات هي الاساس القويم للوحدة الاسلامية ، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة و المودة بين أبناء هذه الأمة ، و لا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل و بعيداً عن المشاحنات و المهاترات المذهبية و الطائفية أيّاً كانت عناوينها.
فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام و رقيّ المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم و التقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية لئلا تؤدي الى مزيد من التفرق و التبعثر و تفسح المجال لتحقيق مآرب الاعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الاسلامية و الاستيلاء على ثرواتها .
و لكن الملاحظ ـ و للأسف ـ أن بعض الاشخاص و الجهات يعملون على العكس من ذلك تماماً و يسعون لتكريس الفرقة و الانقسام و تعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين ، و قد زادوا من جهودهم في الآونة الأخيرة بعد تصاعد الصراعات السياسية في المنطقة و اشتداد النزاع على السلطة و النفوذ فيها ، فقد جدّوا في محاولاتهم لاظهار الفروقات المذهبية و نشرها بل و الاضافة عليها من عند أنفسهم مستخدمين أساليب الدسّ و البهتان لتحقيق ما يصبون اليه من الاساءة الى مذهـب معين و التـنقيص من حقوق أتباعه و تخويف الآخرين منهم .
و في إطار هذا المخطط تنشر بعض وسائل الإعلام ـ من الفضائيات و مواقع الانترنيت و المجلات و غيرها ـ بين الحين و الآخر فتاوى غريبة تسيء الى بعض الفرق و المذاهب الاسلامية و تنسبها الى سماحة السيد دام ظله في محاولة واضحة للإساءة الى موقع المرجعية الدينية و بغرض زيادة الاحتقان الطائفي وصولاً الى أهداف معينة.
ان فتاوى سماحة السيد دام ظله انما تؤخذ من مصادرها الموثوقة ـ ككتبه الفتوائية المعروفة الموثّقة بتوقيعه و ختمه ـ و ليس فيها ما يسيء الى المسلمين من سائر الفرق و المذاهب أبداً ، و يعلم من له أدنى إلمام بها كذب ما يقال و ينشر خلاف ذلك .
و يضاف الى هذا ان مواقف سماحته و البيانات الصادرة عنه خلال السنوات الماضية بشأن المحنة التي يعيشها العراق الجريح ، و ما أوصى به أتباعه و مقلّديه في التعامل مع إخوانهم من أهل السنة من المحبة و الاحترام ، و ما أكّد عليه مراراً من حرمة دم كل مسلم سنياً كان أو شيعياً و حرمة عرضه و ماله و التبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أيّاً كان صاحبه .... كل هذا يفصح بوضوح عن منهج المرجعية الدينية في التعاطي مع أتباع سائر المذاهب و نظرتها اليهم ، و لو جرى الجميع وفق هذا المنهج مع من يخالفونهم في المذهب لما آلت الامور الى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب كل مكان و قتل فظيع لا يستثني حتى الطفل الصغير و الشيخ الكبير و المرأة الحامل و الى الله المشتكى .
نسأل الله تبارك و تعالى أن يأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه خير هذه الأمة و صلاحها انه على كل شيء قدير .
مكتب السيد السيستاني (دام ظله) النجف الاشرف
۱٤ / المحرم / ۱٤۲۸