لقاء التعبويّين مع سماحة اية الله الامام الخامنئي

قيم هذا المقال
(0 صوت)
لقاء التعبويّين مع سماحة اية الله الامام الخامنئي

لقاء التعبويّين 27-11-2019 

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقية الله في الأرضين.

أرحب بكم أيها الشباب الأعزاء، أيها التّعبويّون الأعزاء! يا قرّة عين الشعب الإيراني وآمال المستقبل. مبارك عليكم وعلينا وعلى الشّعب أجمع أسبوع التعبئة. وأتقدم بالشكر إلى قائد الحرس الثوري ورئيس منظمة "تعبئة المستضعفين" على الكلام الجيد الذي بيّناه. كما وأجد أنه من المناسب أن يتم تدوين التحليل الذي قدّمه السيد سلامي قائد الحرس ليوضع بمتناول الشباب. كان بيانًا جيّدًا جدًّا.

.. شكري وامتناني إلى الشعب الإيراني
يتمحور جلّ كلامي اليوم حول التعبئة. لكنّي أجده لزامًا عليّ قبل الخوض في هذا الحديث، أن أتقدم بآيات الإجلال والإكبار للشعب الإيراني العظيم بعد الحراك العظيم الذي أطلقه في الأيام القليلة الماضية[2]. فقد أثبت الشّعب الإيرانيّ مرة أخرى أنّه شعب قويٌّ وعظيمٌ. وأنا أصرّ على جميع أفراد الشعب أن يلتفت إلى قوته وعظمته هذه.

لقد شهدنا مؤامرة عميقة واسعة النطاق فائقة الخطورة أُنفق لأجلها الكثير من الأموال - وكم أنفقوا من أموالٍ طائلة- وبذلوا كل ما في وسعهم كي يتسنّى لهم القیام - في الزمان والمكان المناسبين - بأعمال التخريب والحرق والقتل والشّر. وعندما استجدّ موضوع ارتفاع أسعار الوقود، وجدوا الفرصة سانحة لتنفيذ مؤامراتهم، فدفعوا بعصاباتهم إلى الساحة. لكن الشعب قضى على هذه الحركة. بالطبع نزلت قوات الشرطة، التعبئة، الحرس الثوري وآخرون إلى الساحة وأدّوا عملهم وواجبهم في المواجهة الصعبة التي حصلت. بيد أنّ ما قام به الشعب خلال الأسبوع الأخير، كان أرقى وأهم بكثير من أي عملٍ ميداني. أعني هنا المبادرة التي انطلقت من زنجان وتبريز وانتقلت إلى سائر المدن. وسمعت أيضًا أنها امتدّت لتصل إلى بعض القرى. إلى أن أقيمت في النهاية هذه الحركة العظيمة في طهران منذ يومين.

أما بالنسبة للعدو –العدو الأساس، وليس هؤلاء الضعفاء الحقراء الصّغار- يعني الاستكبار العالمي والصهيونية العالميّة؛ أولئك الجالسون خلف شاشاتهم السياسية الكبرى يراقبون العالم، يدركون معنى هذا التّحرك العظيم للشعب الإيراني. وهم يتلقّون الصّفعة جيّدًا ويُجبرون على التراجع أمام حركة الشعب الإيراني هذه. إنني أشكر الله وأحمده. وأتقدّم بشكري وامتناني إلى الشعب الإيراني. وشكري هذا لا قيمة له. الله تعالى هو الذي يشكر وسيشكر هذا التحرك الشعبي العظيم.

"تعبئة المستضعفين" لا نظير لها في العالم!
أما في ما يخصّ التعبئة؛ أولًا، إنّ منظّمة "تعبئة المستضعفين" في الجمهورية الإسلامية، لم يكن لها نظير في العالم. وعندما جرى تأسيسها، كانت حالة فريدة. لا شيء فيها مستورد من أي مكان في العالم، ليكون أي شيء فيها تقليدًا لشيء ما في زاوية ما من العالم. لا شيء مطلقًا. إنّها حركة مستندة بشكل كامل ومئة في المئة على فكر الثورة والفكر الإسلاميّ. ألهم  الله بها قلبَ إمامنا العظيم. فتحقّقت هذه الظاهرة.

ربما يمكن القول، بأن التعبئة هي أكبر شبكة ثقافية، اجتماعية وعسكرية في العالم. فلم أجد في أي مكان آخر شبكةً شعبيةً عظيمةً بهذا الاتساع وهذا العديد. الأمر المنحصر بمنظمة "تعبئة المستضعفين" في بلدنا فقط. وهي الشبكة الأكبر. لكن كيف استطاع الإمام إيجاد هذه الظاهرة منقطعة النظير في تلك المرحلة؟ أنتم لم تشهدوا الإمام. أما نحن فعشنا معه لسنوات. كان إبداع الإمام العظيم هو استحداث هذه الظاهرة التي لا نظير لها من قلب أزقّة مدن البلد وتشكيلها. فقد انبثقت هذه الحقيقة الجميلة المتجلية من صلب الناس؛ من قلب الناس. انبثقت من بين منازل الناس. هذا ما فعله الإمام.

كان تأسيس التعبئة مصداقًا تامًّا جليًّا لتحويل التّهديد إلى فرصة. التفتوا جيّدًا. في الثالث عشر من آبان سنة 1358 [4 نوفمبر 1979 م] وقعت حادثة وكر التجسّس[3]؛ تعرض الأمريكيون للإذلال جرّاء هذه الحادثة. فشرعوا بالتّهديد وإبراز ردود الأفعال. وبالإضافة إلى تهديداتهم اللّفظيّة، تحرّكت بارجاتهم باتجاه الخليج. أي أقدموا على تهديدٍ عملي.

وبالنسبة إلى الشعب الإيراني في تلك المرحلة، الذي لم يكن لديه لا قدرة عسكرية، ولا إمكانات دفاعية مُعتبرة، ولا صواريخ، ولا طائرات تعمل بالشكل المناسب. وتأتي أميركا فجأة بكل قوتها لتواجهه مهددة إياه. هذا تهديد واضح! أليس كذلك؟

ولم يكن قد مضى شهرٌ على حادثة الثالث عشر من آبان، حيث أصدر الإمام الخميني، بتاريخ الخامس من آذر 58 [26 نوفمبر 1979م]، أمرًا بتأسيس التعبئة. أي إنّ هذه الحركة العظيمة، هذا الحضور العظيم، هذا الاستعراض الكبير للقوة أمام تهديد أميركا؛ جاء بعد أقل من شهر على أحداث الثالث عشر من آبان. هذا يعني بأن التعبئة، في الحقيقة، حوّلت التهديد إلى فرصة. هذه هي حقيقة التعبئة. بينما لو أنّ أحدًا خاف من ذلك التهديد؛ مثلًا تخيّلوا لو أنّ الإمام تردّد أو احتمل بأن بمقدور أميركا أن تقوم بضربة ما. ولم تُخلق حركة التعبئة العظيمة هذه. ليس معلومًا إلام كان سيؤول إليه مصير البلد. لقد أدّى وجود التعبئة إلى تحوّل ذلك التهديد إلى هذه الفرصة العظيمة.

إذًا منطق التعبئة الأساسي هو: إزالة التهديدات وتحويلها إلى فرص. نواجه تهديدات كثيرة، ويجب تحويل كل واحدة من هذه التهديدات إلى فرص بمبادرات تعبوية. كلما زادت التّهديدات، زادت الفرص. من هنا، لم يعد التهديد يشكل تهديدًا بالنسبة لنا. إنما صار التهديد يوجِد لنا الفرص ببركة [منظمة] البسيج.

نظام الهيمنة؛ نقيض الحريّة والعدالة
ثمّة نقطة أساسية هنا. وهي أن نظام الهيمنة –وهو تعبير قمنا نحن بإضافة تعريفه إلى القاموس السياسي سابقًا. يعني نظام المستبدين. وهو النظام الذي يتربّع على رأس إدارته المستبدّون، ويقسمون العالم إلى قسمين: قسم مهيمِن وقسم خاضع [للهيمنة].
وليس هناك قسم ثالث. ليس هناك مستقلون. هذا هو نظام الهيمنة- أساسًا [هو] نقيض للحرية والعدالة. نقيض الحريّة والعدالة على حدٍّ سواء.

هو نقيض العدالة؛ حيث يمكنكم أن تلاحظوا في الدول الغنية لهذا النظام، مثل أميركا وبعض الدول الأوروبية الغنية، كيف يموت الناس جوعًا على قارعة الطريق. يموت المشردون في الطرقات، من البرد شتاءً ومن الحر صيفًا. تقع أغلب ثروات هذه الدول بيد قلّة قليلة. في حين على البقية الكدّ لتأمين لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة. هناك مجموعة أخرى كما ذكرنا ممن لا يملكون أي قدرة، ليس أمامهم خيار سوى البقاء والعيش في الشوارع. لذا فإن هذا النظام هو نقيض للعدالة. طبعًا هذه الأمور هي من نصيب دولهم. أما بما يتعلق بسائر شعوب العالم، فهم يمارسون ما يقدرون عليه من "لا عدالة" دون أي رادع.

نظام الهيمنة نقيضٌ للحرية أيضًا؛ فأهمّ نوع من حريّات الشّعوب، هو الحريّة العامة للدّولة. أي استقلالها. وكنتُ قد ذكرتُ سابقًا أن الاستقلال يعني حرية الشعب. عندما نتحدث عن الاستقلال، فنحن نتحدث عن حرية الشعب، عن قدرته على القيام بما يريد بحريّة. ونظام الهيمنة نقيض لهذه الحرية؛ فيُذيقون الشعوبَ الويلاتِ. يومًا بالاستعمار، ويومًا بالاستعمار الجديد، ويومًا بأساليب عصرنا الحالي -أساليب الحرب الناعمة. وبالطّبع، عندما يستدعي الأمر، يدخلون بقواتهم العسكرية غير آبهين.

فاليوم، يدخل الأمريكيّون إلى منطقة شرق الفرات في سوريا وينادون: "جئنا من أجل النّفط!" وهل هو بيتكم؟! صحيح أنه بلد آخر، لكنهم يقولون: "هناك نفط، أتينا من أجل النفط." لا يخجلون من التصريح بهذا الكلام! أو ينهضون ويدخلون دون إذن إلى بلد مثل العراق. فلا يقصدون حكومة البلد، ولا يكترثون إلى عاصمة ذلك البلد. فلديهم قواعدهم هناك، يقصدون قواعدهم مباشرة. إذًا هم يهينون رسميًا حرية واستقلال الشعوب. بالتالي إن نظام الهيمنة نقيض للعدالة والحرية على حدٍّ سواء.
الإسلام هو رافع راية العدالة والحرية. وهو رافع هذه الراية بصراحة ودون أيّ حرج.

لا يخفي الإسلام شيئًا من كلامه. فهو يواجه، وبشكل صريح وواضح، الظلم وانعدام العدالة. في بدايات الثورة، عندما كان الأمريكيّون يواجهون الثورة وكانت العقوبات وسائر المشاكل، دخل الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان. في اليوم نفسه، أعلَم الإمام [الخميني] السوفيتيين، واستدعى السفير على ما أذكر. وسأله -بحسب رواية الإمام: "لماذا دخلتم إلى أفغانستان؟"

يومها، كان كلّ مَن في العالم يحذّرنا: "أنتم أساسًا في مواجهة أميركا، لا تقحموا أنفسكم الآن بمواجهة مع هؤلاء!" لكنّ الإمام لم يقبل بهذا الكلام مطلقًا. في تلك الفترة كنتُ رئيسًا للجمهورية. وكنّا إذ نشارك في المجامع العالمية، وكان الأمريكيّون وكذا السوفييتيون، وكلٌّ في مواجهة الآخر، نضرب نحن الاثنين. الأمريكيين السوفيتيين على حد سواء دون مراعاة. هكذا هو الإسلام، هكذا هو الإسلام الأصيل. أما أولئك الذين يتغنّون بالإسلام، لكنّهم حاضرون للخضوع لاستكبار جناح الرأسمالية في العالم، أو جناح الاشتراكية في العالم -الذي كان حاضرًا ذات يوم- هم بعيدون عن الإسلام. الإسلام، مواجه صريح لنظام الهيمنة؛ يعني مناصر للعدالة والحرية.

إذًا، هناك نزاع ومواجهة وصدام بشكل قهري. بطبيعة الحال، النزاع العسكري غائب؛ وهذا أفضل. ولكن توجد العديد من أنواع وأقسام النزاع الأخرى. المواجهة بحسب مقتضيات كل نقطة أمر حتميّ. المهم هو أنه في كل نقطة يحضر الإسلام، وفي كل قالب يظهر، سيعارضه نظام الهيمنة. وذلك بسبب التوجّه الذي أشرت إليه.

ومن الطبيعي أنه وعندما يظهر الإسلام بقالب نظام سياسي،  بقالب دولة، وسلطة ذات شعب، وحكومة، وجيش، وقوات مسلّحة، وقدرات علمية، وجامعة... عندما يظهر كما ظهر في الجمهورية الإسلامية، ستتضاعف العداوات مئة مرّة.

لا يمكن المقارنة بين عداء نظام الهيمنة لحزب إسلامي في دولة ما، وعدائه للجمهورية الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية تمثّل نظامًا سياسيًّا مستقرًّا، مستحكمًا، له طوله وعرضه، يضمّ كل الأجهزة اللّازمة، يملك القدرة على البيان، لديه القدرة على التأثير، وكذا القدرة على الحضور والنفوذ في كل نقاط العالم، يدير نيّفًا وثمانين مليون نسمة. من هنا، يغدو العداء لهذا النظام عداءً غير عاديّ أبدًا! وهذه حقيقة؛ من يغفل عنها في مساره السياسي، فسوف يخطِئ.

يلتزم نظام الهيمنة -بكل وجوده، بكلّ خبثه، وبكلّ قوّته- مواجهة النّظام الإسلامي. وهذا هو قراره. لقد قلتها مرارًا: إنّ أمريكا ومعها نظام الهيمنة، بذلَت كلّ ما بوسعها لمواجهة إيران والشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية، وإن كان هناك شيء لم يفعلوه فالسبب هو عدم قدرتهم على ذلك. أو لوجود أسباب تحول دون ذلك. لقد قاموا بكل عمل يمكن القيام به ضمن عدائهم لهذا النظام. والنتيجة هي ما تشاهدونه. هذه الشجرة العظيمة، الشجرة الطّيّبة، شجرة طوبى، تزداد اقتدارًا يومًا بعد يوم. ويقف هذا الصرح المستحكم أمام الأعداء بقوة واستحكام أكثر من ذي قبل. هنا تكتسب كلمة المقاومة معناها. عندما نقول "قوى المقاومة، تيار المقاومة، جبهة المقاومة" فهذا ما نتحدث عنه. يعني أنه هناك حقيقة تسمّى "الإسلام"، رفعت رأسها في التاريخ المعاصر. علمًا أنّ هذه الحركة الإسلامية العظيمة لم تكن قبل مئة عام. لم تكن قبل خمسين عامًا. لكنها اليوم تحكم الطوق على نظام الهيمنة. يبادر ويقوم بأعمال في سبيل الحريّة والعدالة.

فَلِذّْلِك فَادعُ وَاستَقِم..
هذه الحركة موجودة الآن. ويسعون بكل ما أوتوا من قوة لثنيها. لذا جاءت: "فَلِذّْلِك فَادعُ وَاستَقِم"[4] الدعاء لازم كما الاستقامة. هذا هو معنى المقاومة.

ما هو الاسم الكامل للتّعبئة -يعني مجموعتكم- في بلدنا؟ "قواتُ مقاومةِ تعبئة المستضعفين". ولكن من هم المستضعفون؟ يُفَسَّر مفهوم "المستضعفين" بشكل خاطئ. حيث يُطلق على الأشخاص الأدنى مرتبة، أو بتعبير آخر -كما شاع خلال السنوات الأخيرة- الفئات الأكثر تقبّلًا للأذى؛ يعني التي تسكُت على الأذى. لكنّه ليس تعريف القرآن للمستضعفين. فالقرآن يقول: "وَنُريدُ اَن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعِفوا فِي الاَرضِ وَنَجعَلَهُم اَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الورِثين"[5]. المستضعفون هم أئمّة وقادة عالم البشريّة الكامنين. هذا هو معنى المستضعفين؛ الأشخاص الذين سيرثون الأرض وكل ما هو موجود عليها. هذه هي "تعبئة المستضعفين". المستضعف هو الوريث الكامن للعالم. خليفة الله الكامن على الأرض. والإمام والقائد الكامن لعالم البشرية.

إذًا المفترض هو أن تكون هناك مقاومة. وتستلزم هذه المقاومة بنية معنوية. وهذا ما أؤكد عليه وأصرّ عليه دائمًا: إذا أردتم أن تقاوموا، يجب أن يكون لديكم بنية. والبنية المعنوية أهم من البنية المادية والعسكرية. فالبنية العسكرية تُختصر بالمدافع والدّبّابات والصّواريخ وما شاكل ذلك من إمكانات. في حين أن البُنية المعنوية هي حقائق في وجودكم أنتم، وفي قلوبكم أنتم، وتؤثّر على ماهية حركتكم.

اعتمادي هنا هو على الشّباب. وأنتم تلاحظون بأنّني غالبًا ما أُبرز تعلُّقي بالشباب. وأعقد أملي على الشباب من أجل المستقبل.

لكن من هو الشاب الذي يمكنه أن يشكل قوّة الدّفع للنّهوض بالبلاد نحو الحضارة الإسلامية الحديثة؟ أي نوع من الشباب هو؟ هنا يكتسب مفهوم "البنية المعنوية" معناه. فالشاب الذي يتّصف بالاندفاع، بالإيمان، بالحكمة، والمُقدِّر لإمكاناته، وأهل العمل، وأهل الابتكار، والتوكّل على الله، والثقة النفس. هو بالضّبط في النقطة المقابلة لما يريده العدو لشبابنا. فالعدو يريد لشباب بلادنا أن يكون متقاعسًا، فاقدًا للإيمان، يائسًا، أسيرًا للشهوات، تنبلًا، عطّالًا، مُتذمّرًا، متكاسلًا، مبتلىً بالإدمان، منكسرًا. هكذا يريدون لشباب بلدنا. هذا هو الهدف من الأعمال التي يستهدفون بها شبابنا. ما يُريدونه هُم، هو بالضبط نقيضٌ لما نحتاجه نحن.

إذًا، التّعبوي هو شاب من الطراز الأوّل. هذا هو ما نأمل وكذا يجب أن يكون. يعني أن يكون مندفعًا، مؤمنًا، متوكِّلًا، إلهيًّا، واثقًا من نفسه، أهل العمل والابتكار، مُقدّرًا لشبابه، ومُقدّرًا لنعمة وجوده. فلو كان لدينا هكذا مجموعة -ونحن لدينا هذه المجموعة بحمد الله. وسأذكر لاحقًا بعض الموارد حول سعة عمل التعبئة؛ الأمر المعلوم لديكم، لكن يجب إطلاع عامة الناس- مجموعة بهذه السعة والعظمة من هذا النوع، بالطبع ستكون معرضًا لعداء أكثرية أعداء البشرية والحرية والعدالة.

إنّ التّعبئة أكثر المجموعات، أو في صفّ المجموعات الأولى، بلحاظ عداء نظام الهيمنة وجبهة الإستكبار لها. وليس فقط في إيران. بل في أيّ مكان تتواجد فيه نماذج من طراز التعبئة؛ فهم [نظام الهيمنة] في المستوى نفسه من العداء للحشد الشعبي في العراق، وفي المستوى نفسه من العداء لحزب الله في لبنان؛ هذه النماذج الشعبية، الشبابية، المندفعة، الإلهية.

وأنا أقول لكم: إن انتصاركم مضمون!
قلنا إنّهم يعادون التعبئة أكثر، إلّا أنّهم يعادون كلّ الشعب على حدٍّ سواء. وما سبب عدائهم لكل الشعب؟ المسيرات التي حصلت خلال الأيام الأخيرة تكشف عن السبب. لأن حال شعبنا هي كذلك: بمجرّد أن يشعر بأنّ العدوّ دخل الساحة، وبدأ بنشاطه؛ يتهافتون بأجسادهم إلى الساحة. وكذا فعلوا. فكان هذا الأسبوع قمّة عظمة الشعب الإيراني حقًّا. وهذا الأمر يدفع هؤلاء إلى العداء. فيعادونه بالفعل. وكل من يربط قلبه وذيله بهؤلاء، سيشعر نفس الشعور تجاه الشعب الإيراني.

لكن من المؤكّد أنه لا أثر لهذا العداء. أي إنّ النّصر مضمون. وأنا أقول لكم: إن انتصار الشعب الإيراني وانتصار التعبئة، وانتصار هذا التّيّار الثّوري العظيم في إيران مضمون. يقول الله تعالى في القرآن: "إن ينصُركمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكم"[6] أي إنّكم ما إن نصرتم الله، فلن يقدر أحد على غلبكم. لكن كيف تكون نصرة الله؟ "إن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم‌‌"[7] إذا نصرتم دين الله، والتوجّه الإلهي، والمنطق الإلهي، إذا نصرتم الله؛ فالله سوف ينصركم بدوره ويعينكم. وهذا ما يحدث اليوم. حيث يسعى هذا التيار الثوري العظيم في البلد، وراء الأهداف الإلهية، وراء إيجاد مجتمع إسلاميّ، وراء تحقّق الشّريعة الإلهية في البلد. إذًا العمل عمل الله، وفي سبيل الله، ونصرة لله. وما إن صار نصرة لله، فالله سوف ينصر. وعندما ينصر الله "فَلا غالِبَ لَكم". لن يغلبكم أحد.

طبعًا للتعبئة مظهران اثنان. فلتنتبهوا لهذا حتمًا. أحدهما مظهر الجهاد في ساحة الدّفاع الصلب. وهو ما تتلقون لأجله التدريبات العسكرية. وفرضت معجزة حضور التعبئة نفسها بوضوح خلال فترة الدفاع المقدس في حرب الثمان سنوات. وكانت كل مجموعاتنا العسكرية تأنس بحضور التعبويّين في ساحات النّزال. وكذلك بعد الحرب، في مختلف الحالات والحوادث التي تعرض لها البلد، كان للتعبئة حضور في ساحة الدفاع الصلب والدفاع العسكري. كذلك في ساحة الدفاع النّاعم، في الحرب الناعمة الراهنة. ففي ساحة الحرب النّاعمة؛ أي ساحة العلم، ساحة تقديم الخدمة، ساحة الإعمار، ساحة التبليغ الديني، ساحة الثقافة. تواجدت التعبئة كما في الساحة العسكرية. ويجب أن تحضر وتسعى وتتحرك.

تنتمي كل هذه الوجوه إلى التعبئة بدءًا من حسين فهميده، وبهنام محمدي، ومحسن حججي وإبراهيم هادي. مرورًا بشهداء البرنامج النووي. انظروا في هذه الوجوه! كم أن الاختلاف في المكانة الاجتماعية بين هؤلاء شاسع! لكنهم معًا  في التعبئة. كما إنّ شهداء البرنامج النووي تعبويون أيضًا. وكل من ذكرتُهم تعبويّون. كان باكري وزين الدين وحسين خرازي وأمثالهم، ضمن الحرس. لكنهم كانوا تعبويين أيضًا. الشهيد صيّاد كان في الجيش، لكنّه كان تعبويًّا أيضًا. وكذلك الشهيد بابائي. كان التحرّك تحرّكًا تعبويًّا. والتوجه توجّهًا تعبويًّا، والنزعة نزعةً تعبويّة. وصولًا إلى شمران وآويني وكاظمي وأمثالهم. كانوا تعبويّين أيضًا. كان "كاظمي أشتياني"، الذي أهدانا الخلايا الجذعية، تعبويًّا بقدر ما كان حسين خرازي وحسين فهميده. هؤلاء جميعهم تعبويون. هذه هي التعبئة. هذا العرض العريض، هذه الساحة الوسيعة، جميعها من مظاهر التعبئة. ومئات أخرى من الوجوه المعروفة.

أعزائي! أريد القول إنّ هؤلاء قدوة. ويحتاج الشباب في أي مكان إلى القدوة. وهؤلاء قدوات للشباب. أحيوا هذه القدوات وضعوها نصب أعينكم. طبعًا تتم كتابة الكتب، وتحرير السير الذاتية. هذا لا يكفي. اجعلوا هؤلاء أمام أنظاركم بمختلف الأساليب الحديثة في الدنيا. هؤلاء هم أفضل القدوات. يمكنكم أن تجدوا أفضل القدوات في التعبئة. فلتعيدوا إحياءها! يجب أن تظهر نماذج مشابهة في التعبئة كل يوم. قال الإمام [الخميني] بأن التعبئة شجرة طيبة[8]. والشجرة الطيبة هي تلك التي "تُؤتي اُكـُلَها كلَّ حينٍ بِاِذنِ رَبِّهـا"[9] أي أنها تثمر في كل المراحل.

حسنًا، فلأقدّم بعض التّوصيات. لأن اليوم، أربعون عامًا تمضي من عمر التّعبئة. وحان الوقت للاستفادة من التجارب. يجب أن تركّزوا قدر الإمكان على تجارب هذه الأعوام الأربعين وتستفيدوا منها. لقد قمتُ بكتابة عدد من التّوصيات. طبعًا -وبحمد الله- مسؤولو الحرس والتعبئة المحترمون، ملتفتون للأعمال التي يجب أن يقوموا بها.

بالإضافة إلى ذلك، توصياتي هي الآتي:
التوصية الأولى؛ أن تكونوا على أهبة الاستعداد للعمل في كافّة المجالات التي تحدثنا عنها: الدّفاع في الساحة الصلبة، في الساحة نصف الصلبة، والدفاع في الساحة الناعمة. يجب أن يكون لدى التعبئة في جميع أماكن ونقاط البلد، الاستراتيجيات والتكتيكات الجاهزة. أن يكون لدى [تشكيل التعبئة] التكتيكات والاستراتيجيات الجاهزة للتعامل مع مختلف الحوادث. سواء في مجال الدفاع الصلب أو نصف الصلب أو في كافة المجالات الأخرى. لا تتفاجأوا. اسعوا أن لا تتفاجأوا في أيّ قضيّة. إنّ تجربة اللجان في الثمانينيات تجربة جيدة. فلتتمّ الاستفادة من تلك التجربة. في تلك الفترة كان للجان الثورة الإسلامية تواجد مستمر في مختلف الأماكن. أول ما كان يشاهده الجميع عند أي حدث، هو تواجد الإخوة من اللجان. طبعًا كانوا في بدايات عملهم ولم يكن لديهم ما لديكم اليوم من وعي وإمكانيات، لكنهم كانوا حاضرين دائمًا وهذا الحضور الدائم مهم جدًّا.

التوصية الأخرى؛ في الحرب الناعمة، لا تتصرّفوا عن ردة فعل [بانفعال] أبدًا. طبعًا يجب الرد على العدو. ولكن الأفضل من العمل عن ردة فعل، هو العمل عن إقدام وابتكار. كونوا متقدّمين بخطوة عن عدوّكم دائمًا. توقّعوا ماذا يريد أن يفعل [العدو]. ما الحركة التي يريد أن يقدم عليها. وأقدموا على حركة مضادّة استباقية قبله. تمامًا مثل لاعب الشطرنج المحترف الذي يتوقع خطوة خصمه التالية، فيقدم على حركة يقفل من خلالها الطريق أمامه حتى لا يتسنى له القيام بها. تحرّكوا دائمًا متقدّمين عنه.
لا تَدعوا علاقتكم بالمسجد تضعف. فالتعبئة وليدة المساجد. تمّ إرسالهم إلى الجبهات من المساجد، وإلى المساجد عادت أجساد الشهداء المطهّرة. وغالبًا ما جرى توجيههم في المساجد. لا تنقطعوا عن المسجد. وطبعًا، تصرّفوا في المساجد وفق الأخلاق الإسلامية. لا تجعلوا التواجد فيه سببًا للانقسام والاختلاف والشجار وما إلى ذلك.

تعاونوا وتآزروا مع المجموعات التي تتحرّك في جهة أهداف التعبئة، وليست جزءًا من قوات المقاومة. هناك مجموعات تحظى بحضور على مستوى البلد ككل إن كان في الجامعة، أو خارجها، أو في أي مكان آخر؛ حركتها في جهة أهداف تعبئة المستضعفين. لكنها ليست جزءًا من قوات المقاومة في التعبئة. تعاونوا مع هؤلاء، وآزروهم وواكبوهم.

أطلِعوا الناس على خدمات التعبئة. فالتعبئة تقدّم الكثير من الخدمات العظيمة. لكنّ أغلب الناس لا يعلمونها. فعندما تقدّم التعبئة خدمات في منطقة ما، لا يعرف سوى أبناء المنطقة بهذا الأمر. لقد أرسلوا إليّ بعض الإحصاءات عن نشاطات التعبئة. وليست التعبئة هي من أرسلتها؛ بل طرف آخر. وهي إحصاءات مثيرة للاهتمام: تشكيل أحد عشر ألف نواة لمجموعات جهادية ذات نشاط جغرافيّ تأخذ على عاتقها مسؤولية إنجاز أربعين ألف مشروع خدماتي. وقد تم إنجاز وتسليم نصف هذه المشاريع بالفعل. انظروا عظمة هذه الأرقام! تأسيس أحد عشر ألف مجموعة جهادية خدماتية والقيام بكل هذه الإجراءات الخدماتية.

بدأتِ التعبئة الجامعية مؤخّرًا عبر 4500 طالب بحركة تتمحور حول تحديد المشاكل، ولعب دور ريادي تخصصي في حلّها. وهذا ما نوصي به الطلاب دائمًا. يندرج هذا العمل المهم والعظيم ضمن توصياتنا المستمرة. وهو ما بدأته وتقوم به التعبئة الجامعية.
إضافة إلى ذلك جرى استحداث اثني عشر ألف صندوقٍ للقرض الحسن في مختلف الأماكن. وأرجّح أن يكون العدد أكبر حسبما يتبادر إلى ذهني، لكن هذا هو العدد الذي تبلّغتُ به.

حصدت تعبئة العشائر والتعبئة النسائية أعلى المراتب في مهرجان مالك الأشتر. وهذا مدعاة للفخر!
كما ونشرت تعبئة الأساتذة الجامعيين في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة -أي قبل عدة أشهر- رسالةً تحمل توقيع تسعمائة أستاذٍ جامعيّ. هذه الرسالة جاءت ردًّا على ما كتبه بعض الأشخاص اليائسين الذين يواجهون حالةً من الانهيار. فحضر تسعمائة أستاذٍ جامعيّ إلى الساحة. ونشروا رسالة تفصيلية استدلالية عظيمة، مقابل ما كتبه أولئك اليائسون. وكان هذا التّصرّف نموذجًا للحضور في الميدان في الوقت المناسب.

تقيم تعبئة الوزارات في صلاة الجمعة نشاط "مكاتب خدمات". حيث يتقرّب المعنيّون من خلاله إلى الناس ويجيبون عن أسئلتهم.

تأخذ تعبئة الزراعة على عاتقها مسؤولية إنتاج خمسةٍ من المحاصيل الزراعية الرئيسية بالتعاون مع ثلاثين ألف مهندسٍ زراعيٍّ ولاحظوا كم هو رقم كبير. إنهم ينتجون محاصيل القمح، الشعير، الذرة وغيرها من المحاصيل الرئيسية.

كانت هذه أمثلة من إنجازات التعبئة التي على المسؤولين المحترمين في التعبئة أن يقوموا بعرضها بشكل فنّي أمام الرأي العام. حتى يعرف الناس أن التعبئة، وبالإضافة إلى حفظ أمنهم من الأشرار الموكل إليهم مهمة التخريب والحرق والتدمير والقضاء على الأموال العامة والخاصة وتخريب منازل الناس وغيرها من الممارسات السيئة، ونزولهم إلى الساحات جنبًا إلى جنب مع قوات الشرطة وسائر الأجهزة المعنية من أجل الخدمة والدفاع عن الأمن؛ تقوم بهذه الخدمات العظيمة أيضًا. هذه مسائل مهمة للغاية. ويجب أن يعلم بها شعبنا العزيز.

توصية أخرى أيضًا؛ أن تكون التعبئة سريعة المبادرة، إلى جانب انتشارها الكبير. لا تدعوا التعبئة أسيرة للقيود الإدارية الشائعة. لأن الكثير من الأعمال والبيروقراطية الإدارية تشلّ حركة القوى البشرية. لا تدعوا التعبئة تُشل.

النقطة الأخيرة؛ اعلموا بأنّ التعبئة معرّضة وبشدةٍ لمؤامرات العدو واختراقاته. لا تنسوا هذا الأمر. لهذا قلنا في ذكر أهمية التعبئة، بأن العدو يسعى بكلّ قوّته للتآمر عليها واختراق صفوفها كي يشغلها بمشاكل داخلية. وطبعًا، [تشكّل هذه] الحركة العظيمة [حركة] مبارزة ومواجهة. واعلموا أنكم، بحول الله وقوّته، ستنتصرون على الجميع.

رحمة الله على الإمام [الخميني] العظيم الّذي زرع هذه الشجرة الطيبة والغرسة المباركة. رحمة الله على شهداء هذا النّهج، وعلى المديرين الذين بذلوا الجهود لأجل التعبئة طوال هذه السنوات وعلى جميع التعبويّين. وفّقكم الله جميعًا وبارك لكم أسبوع ويوم التعبئة.
 
[1] في بداية هذا اللقاء تحدّث اللّواء "حسين سلامي"، القائد العام لحرس الثورة الإسلامية. والعميد "غلام رضا سليماني"، رئيس منظمة تعبئة المستضعفين.
[2] التظاهرات التلقائية العفوية للشعب في مدن مختلفة من البلاد تأييدًا للنظام وإدانةً لأعمال الشغب التي حصلت في الأيام الأخيرة بعد قانون رفع الدعم عن البنزين.
[3]- السيطرة على السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلاب السائرين على خط الإمام.
[4]سورة الشورى آية 15
[5]سورة القصص آية 5
[6] سورة آل عمران آية 160
[7]سورة محمد آية 7
[8]صحيفة الإمام الخميني، ج 21، ص 94
[9] سورة آل عمران آية

قراءة 1785 مرة