emamian

emamian

أعلن وزير الصحة العلاج والتعليم الطبي الايراني بهرام عين اللهي عن استعداد الجمهورية الاسلامية الايرانية لتصدير 4 ملايين من اللقاح المحلي الصنع المضاد لكورونا الى الدول الاخرى.

وخلال زيارته لنصب الشهداء التذكاري في منطقة شلمجة الحدودية بمحافظة خوزستان (جنوب غرب) قال وزير الصحة: تعد إيران من الدول الرائدة في العالم في مجال إنتاج لقاح كورونا ويوجد حاليًا 6 مراكز إنتاج لقاح في البلاد تنتج أنواعًا مختلفة من اللقاحات.

وأكد على استعداد وزارة الصحة لتصدير أربعة ملايين جرعة من لقاح كورونا المنتج محليا، وقال: بدأ تصدير لقاح كورونا وحتى الآن تم تصدير 200 ألف جرعة لقاح إلى نيكاراغوا.

ولفت وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي أن 97٪ من الأدوية في ايران يتم تصنيعها محلياً، مضيفا: تحقيقاً لشعار العام (الانتاج القائم على المعرفة وتوفير فرص العمل) يتم التخطيط لإنتاج 100٪ من الأدوية المطلوبة محلياً.

وقال عين اللهي: بسبب الاكتفاء الذاتي في إنتاج العديد من المواد الصيدلانية، نحن مستعدون لتصدير الأدوية التي تحتاجها الدول الأخرى.

وتابع: نشهد اليوم إنجازات كبيرة لخريجي جامعات العلوم الطبية في جميع أنحاء البلاد، وتوجد هذه القدرة في إيران على تقديم الخدمات الصحية لمواطني الدول الأخرى، وخاصة الدول المجاورة ، في سياق السياحة الطبية.

وأكد وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الى أنه سيتم افتتاح أول مشروع للسياحة الطبية في ايران في منطقة شلمجة الحدودية مع العراق: تم الانتهاء من الأعمال التمهيدية لهذا المشروع ويتم حاليا تنفيذ الأنشطة ذات الصلة به.

وقال عين اللهي: نظرا لقصر المسافة بين مدينة البصرة (جنوب العراق) ومنطقة شلمجة الحدودية، يمكن لمواطني هذا البلد، وخاصة اهالي البصرة ، الاستفادة من المرافق الطبية في مستشفى الشهيد سليماني المتعدد الأغراض في شلمجة للسياحة الطبية، بالإضافة إلى ذلك، ستتاح الفرصة لسكان قرى المنطقة الاستفادة من الخدمات الصحية والعلاجية لهذا المجمع الطبي.

واعرب وزير الصحة الايراني عن أمله في تدشين هذا المستشفى خلال الأشهر الأربعة المقبلة، وقال: سيعمل أساتذة وأطباء أكفاء في مركز شلمجة الطبي.

وأشار عين اللهي إلى الامكانيات الطبية لـ 63 جامعة للعلوم الطبية في ايران، وقال: هناك 20 ألف عضو هيئة تدريس ناشطون في جامعات العلوم الطبية، ويتابع 270 ألف طالب دراستهم في هذ الجامعات في جميع التخصصات.

 

رغم مواجهتها للمشاكل استطاعت طهران في العام الايراني المنصرم ان تضع نفسها في مسار تحسين اوضاعها الاقتصادية ونمو الانتاج وازدياد صادرات النفط مع وجود الضغوط الاميركية وذلك باعتراف المنظمات والمؤسسات الدولية وقد اعترفت اميركا بفشلها الذريع في سياسة الضغوط القصوى ضد ايران.

اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين

 في مستهل العام الايراني المنصرم (الذي انتهى قبل اسبوع) وقعت كل من ايران والصين على وثيقة التعاون الاستراتيجي لـ 25 عاما المقبلة، وللوقوف على اهمية هذه الاتفاقية تكفي الاشارة بأن الرئيس الاميركي قال تعليقا عليها " كنت قلقا بشأنها منذ عام".

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية ان التوقيع على هذه الاتفاقية أحبط المحاولات الاميركية لفرض العزلة على ايران والصين، مضيفة ان هناك مؤشرات واضحة على انهيار الحظر وان الصين تتلاعب بالحظر الاميركي وايران تستهزئ بمطالب بايدن لعودتها اولا الى الاتفاق النووي.

كما قالت صحيفة " تايمز اوف اسرائيل" الصهيونية ان هذا الاتفاق ورغم كونه اقتصاديا لكنه سيضعف أدوات الضغط الاميركية قبل المفاوضات مع ايران ويحد من النفوذ الاميركي في غربي آسيا.

حادثة أخرى وقعت في مستهل العام الايراني الماضي كشفت عن الاهمية الجغرافية الاستراتيجية لايران بين قارتي آسيا واوروبا وهي حادثة انسداد قناة السويس اثر جنوح سفينة يابانية عملاقة لمدة 6 ايام علما بأن كل ساعة من ذلك الانسداد كلفت التجارة العالمية 400 مليون دولار كخسائر، ما دفع دول العالم نحو التفكير بايجاد طريق بديل وهو الاراضي الايرانية وموانئها وخطوط اتصالها الحديدية والبرية التي تربط بين آسيا واوروبا.

وفي نهاية ربيع العام الايراني الماضي اوردت وكالة رويترز ان ايران لديها 200 مليون برميل من النفط كمخزون عائم في البحار وكذلك في مخازنها على الساحل بالاضافة الى محطات لتخزين النفط الايراني في الدول الاخرى مثل الصين،ما يمكنها من تصدير النفط .

ارتفاع حجم صادرات النفط الايراني

ادعت وكالة رويترز للأنباء في احد تقاريرها ان سبب ارتفاع حجم صادرات النفط الايراني هو ازدياد التصدير الى الصين، وعلى الأثر قالت احدى الشركات التي ترصد الشحنات النفطية في العالم ان حجم صادرات النفط الايراني الى الصين بلغ مليون برميل في اليوم في ديسمبر 2019 ومليون و650 الف برميل في اليوم في مارس 2021.

ومع اقتراب نهاية العام الايراني المنصرم اقرت مؤسسة بريطانية ان انتاج النفط الايراني وصل الى مليونين و 540 الف برميل في اليوم، وقد اوردت منظمة اوبك ايضا هذه الارقام في تقرير لها.

اعتراف صندوق النقد الدولي بتحسن النمو الاقتصادي في ايران خلال عام 2021

توقع صندوق النقد الدولي ان تحقق ايران نموا اقتصاديا بنسبة 2/5 بالمئة في عام 2021 وفي نهاية العام اعلن الصندوق ان توقعاته قد تحققت.

اما مؤسسة IMF الدولية فقد قالت بدورها ان الحظر على ايران يفقد تأثيره وحجم صادرات النفط الايراني يرتفع وان نسبة النمو الاقتصادي الايراني في قطاع النفط بلغت 4/1 بالمئة.

وفي العام الايراني المنصرم دشنت ايران انبوبا لنقل النفط بين منطقتي غورة وميناء جاسك وكان الهدف من مد هذا الانبوب الاستراتيجي في خضم الحظر الاميركي ايجاد طريق للالتفاف على مضيق هرمز وتقوية تصدير النفط وسد الطريق امام الاميركيين لايقاف حركة التصدير الايراني عبر تنويع طرق الشحن وأماكنه، وقد اصبحت ايران قادرة على تصدير نفطها عبر البحر حتى في حال قيامها باغلاق مضيق هرمز لتأديب اعدائها.

ازدياد صادرات البنزين الايراني بنسبة 6 اضعاف في عام 2020

في نهاية الصيف الماضي قال تقرير لرويترز ان حظر تصدير الخام الايراني ادى الى قيام ايران بزيادة تصدير مادة البنزين وقد أفشلت ايران المحاولات الاميركية لوقف ايراداتها النفطية عبر زيادة تصدير البتروكيميائيات والمشتقات النفطية. و رأى العالم كيف تحدت ايران أميركا والعالم الغربي حينما توجه اسطول من ناقلات النفط منها نحو فنزويلا وكانت تحمل البنزين ما أثار الغضب الاميركي.

وتبادلت فنزويلا مع ايران النفط الخام والمشتقات النفطية خلال العام الايراني الماضي رغم الحظر الاميركي واوردت وكالة انباء بريطانية في احدى المرات تفريغ 2/1 مليون برميل من المكثفات الغازية الايرانية في الموانئ الفنزويلية في شحنة واحدة.

وضاعف التعاون الفنزويلي الايراني قدرة كاراكاس على الالتفاف على الحظر الاميركي ومضاعفة صادراتها النفطية.

ارسال الوقود الى لبنان

ارسلت ايران 3 شحنات من الوقود خلال العام المنصرم الى لبنان الذي كان يعاني من نقص في الوقود ووقود محطات الطاقة بفعل المؤامرة العربية الغربية.

الاقتصاد الاميريكي هو المنتفع من رفع الحظر عن ايران

بعد كل هذه الاجراءات الايرانية والنجاحات التي حققتها طهران في مواجهة الحظر الاميركي يبدو ان اميركا تفكر الان برفع الحظر عن ايران، ويمكن القول ان الازمة الاوكرانية وارتفاع اسعار النفط واسعار المحروقات في أميركا وارتفاع معدلات التضخم ايضا ساهم في ذلك، ويقول موقع بلومبرغ الاميركي ان عودة ايران الى اسواق النفط العالمية ستنقذ سائقي السيارات الاميركيين.

البنك الدولي: الاقتصاد الايراني يتحسن

قال تقرير للبنك الدولي صدر في شهر فبراير الماضي ان الاقتصاد الايراني يشهد تحسنا بعد عقد من عدم النمو بسبب الحظر« وبعد مضي اسبوع من صدور هذا التقرير قال البنك الدولي مجددا ان نسبة نمو الاقتصاد الايراني بلغت 3/1 بالمئة.

ارتفاع اسعار النفط الايراني وعودة حجم الصادرات الى ما قبل الحظر

لقد ازدادت صادرات النفط الايراني في العام الماضی بمقدار 416 الف برميل عن العام الذي سبقه كما ارتفع سعر الخام الايراني ايضا بمقدار 29 دولارا عما كان عليه في العام ما قبل الماضي، وقد اعلنت وزارة النفط الايرانية ان قدرة ايران على انتاج النفط وصلت في نهاية العام الماضي الى ما كانت عليه قبل فرض الحظر الاميركي أي 3/8 ملايين برميل في اليوم .

واعترفت اميركا في نهاية ذلك العام ايضا بهزيمتها في ممارسة الضغوط القصوى على ايران، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ند برايس ان هذه السياسة التي اتبعتها ادارة ترامب فشلت فشلا ذريعا.

 

الإثنين, 28 آذار/مارس 2022 11:51

ميراث شهر رمضان

إنّ إرثنا من شهر رمضان، ينبغي أن يكون بأن نحافظ على مكتسباته، وعلى أجوائه الروحية والعبادية والقيم التي زرعها فينا، أن لا نقطع تواصلنا مع القرآن الذي حرصنا في هذا الشهر على أن نختمه مرّات عديدة، أن لا نهجره ولا نقليه، بل أن نستمرَّ، وكما كنّا في شهر رمضان، في تلاوته وحفظه وفهمه وتدارسه، وإن لم يكن بالقدر ذاته. وميراث آخر من شهر رمضان، في أن نحافظ على الأجواء الروحية والإيمانية التي حرصنا عليها في هذا الشهر، بأن نذكر الله في السرّ والعلن، وفي آناء الليل وأطراف النهار، وفي الدُّعاء وأداء الصلوات بأوقاتها، والاهتمام بصلاة الليل وأداء النوافل. ميراث شهر رمضان، بأن نستمرَّ ببسط أيدينا بالعطاء والصدقات لعباد الله، أن نبحث عنهم، فلا ننتظر أن يأتوا إلينا ليبذلوا ماء وجوههم حتى نغدق عليهم من عطائنا، فمن صام، لابدّ من أن يتعالى عن أنانيّته، ويخرج من شرنقة ذاته، ليصبح عبداً باراً، ولا يوجد برّ بلا تواصل وبلا تراحم.

ويبقى من ميراث شهر رمضان، أن نصوم بعده، لكن ليس الصيام عن الطعام والشراب، بل عن كلّ حرام وقبيح من القول والفعل، وكلّ خلق سيِّئ.  فبعد شهر رمضان، نعود إلى الطعام والشراب، ليبدأ هذا النوع من الصيام، وأن نتابع تواصلنا مع أرحامنا ومع جيراننا. إذاً، لابدّ من أن نتابع ما بدأناه في هذا الشهر في بقيّة الشهور، فشهر رمضان لم يرده الله سبحانه أن يكون مجرّد شهر من الشهور، بل هو سيِّد الشهور، وسيِّد الأيّام والليالي، ولابدّ من أن تنعكس قيمه على بقيّة الشهور والأيّام. وبعد ذلك، أن ندرس مدى انسجامنا مع الهدف الذي من أجله كان رمضان، فشهر رمضان هو شهر التغيير، هو شهر إعادة صياغة شخصيّتنا على الصورة التي يريدها الله سبحانه.

لقد كان القرآن واضحاً في دلالته، عندما بيّن الصورة التي لابدّ من أن نتّصف بها حتى نكتب عند الله من الصائمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183) وأمّا كيف يعرف الإنسان نفسه؛ هل بلغ درجة التقوى أم لا؟ فهو يتحقّق بطريقتين:

الطريقة الأولى، هي بأنّ يعرض نفسه على الآيات والأحاديث التي تحدّثت عن المتقين وبيّنت صفاتهم، للتأكّد من اشتماله على هذه الصفات. من هذه الآيات الكريمة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/ 15-19). ومن الأحاديث الشريفة التي تتحدّث عن صفات المتقين: «لا يكون العبد مؤمناً، حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه»، «لا يكون الرجلُ تقياً، حتى يُحاسِبَ نفسَهُ محاسبةَ شرِيكه، وحتى يَعلَمَ من أين مَلبَسُهُ، ومَطعَمُهُ، ومَشرَبُهُ». ومن الحديث: «أنّ أهل التقوى أيسر أهل الدُّنيا مؤونةً، وأكثرهم لك معونةً، تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوّالون بأمر الله، قوّامون على أمر الله، قطعوا محبّتهم بمحبّة ربّهم، ووحشوا الدُّنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله عزّوجلّ وإلى محبّته بقلوبهم، وعلموا أنّ ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه». والطريقة الأُخرى لتأكيد آثار شهر رمضان في نفوسنا، هي قياس مدى قربنا أو بعدنا عن الصفة التي تقابل التقوى، أي الفجور، وقد ورد: «فإنّ الناس اثنان: برٌّ تقيٌّ، وآخر فاجرٌ شقيٌّ».

 

الإثنين, 28 آذار/مارس 2022 11:49

شهر رمضان واخلاص الصوم لله

عمار كاظم

 

هذا شهر الصيام – رمضان – الذي اعتبره الرحمن الرحيم موسماً للطاعات تتكاثر فيه الأعمال الصالحات: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/ 185). فقد اختصه الله من بين الشهور بهذه الميزة؛ فأنزل فيه هذا الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولقد حفظ المسلمون – على تعاقب الأجيال – لهذا الشهر حرمته وميزته، فأقبلوا يضاعفون فيه العمل الصالح، ويزدادون نشاطاً واجتهاداً في ليله ونهاره، في قيامه وصيامه، يستيقظون فيه كثيراً، وينامون قليلاً، يرصدون قدومه للتزود من صالح الأعمال والأخلاق حتى تكون مضاعفة الحسنات، حيث فضّل الله بعض الأيّام على بعض وفي قمّة هذه الأيّام المفضلة شهر رمضان. وإذا كان الكتاب يعرف من عنوانه، فإنّ لفظ الصوم يومئ إلى عظيم معناه، الذي يحمله مبناه. إذ الصوم في اللغة: مطلق الإمساك عن أي عمل. حتى جاز أن يقال: صام عن الكلام. أي سكت وأمسك عن الحديث، وإلى هذا يشير قول الله – سبحانه – حكاية عن السيدة مريم: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم/ 26). وجاء المعنى الشرعي موائماً لهذا المعنى اللغوي.. فلم يخرج عن دائرة الإمساك والتوقف، وإنما أحيط بقيود خاصة أضفتها عليه طبيعة الصياغة الشرعية للغة، فقال الفقهاء: إنّ الصوم شرعاً هو الإمساك عن جميع المفطرات. لكن هل هذا هو الصوم مبنى ومعنى؟ لعلنا نحن – المسلمين – حين نعود إلى أسس الإسلام الخمسة، نجدها قد أحكمت، فهي مترابطة، ومتفاعلة وهي سلسلة متعانقة الحلقات يشد بعضها بعضاً، تهدف إلى تربية المسلم على النقاء والصفاء في صلته بالله خالقه، وفي صلته بالمخلوقين أيّاً كان نوعهم أو جنسهم، وبهذا لا يكون المعنى الفقهي للصوم معبراً عما يجب أن يكون عليه وإنما لابدّ أن يضاف إليه كلّ عمل إيجابي محمود، وكلّ امتناع عما ينافي الخلق القويم، والصراط المستقيم، والسلوك الإنساني السليم، فلابدّ للمسلم الصائم أن يحافظ على الصلاة في مواقيتها، وأن يتلو القرآن الذي بارك الله به شهر رمضان وأن تعقد المجالس لمدارسته والتفقه في أحكامه ومعانيه، اكتساباً لفضائله والتزاماً بحلاله، واجتناباً لحرامه، فلا كذب، ولا غش، ولا سباب، ولا تطفيفاً للكيل والميزان، ولا غيبة ولا نميمة، ولا أكلاً لأموال النّاس بالباطل، ولا سخرية بمسلم ولا مسلمة، بل ولا بأي مخلوق لله. وبالجملة فالصوم دعوة إلى أداء كلّ الواجبات، في العبادات والمعاملات، ورعاية لكافة حقوق المخلوقات والامتناع – كذلك – عن جميع المحرمات والشبهات. وهذا الصوم وسيلة إلى اعتياد الأعمال الصالحات، وإلى البعد عن سيئ العادات، وبالإخلاص فيه وأدائه كاملاً ينمحي من مجتمع المسلمين كلّ ما اعتادوه مما يخالف أحكام الإسلام من قول أو عمل، وهو وسيلة لتربية الوازع الديني لدى كلّ مسلم؛ ذلك لأنّ الصوم سر بين المسلم وربه فلا يداخله الرياء، ومتى كان الوازع الديني ملء قلب المسلم وقلب المسلمة استقام النّاس على صراط الله، هذا الوازع الذي يحث على الطاعة ويزع عن الفساد والعصيان هو مراقبة الله – سبحانه – واليقين بأنّه يعلم السر وأخفى، وذلك ما عبر عنه قول الرسول (ص): "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك". ذلك ما يجب أن يسعى الصائم إلى تحقيقه وكسبه من صومه؛ حتى لا يشقى بالصوم وهو يظن أنّه قد أدى فرضاً لازماً، وفهم أنّه بمجرد امتناعه عن المفطرات الحسية قد صام؛ إذ بقدر ما تتقلص حقائق الصوم وأهدافه يتقلص الأجر، وتتفاوت النسب بينه وبين الوزر، وهذا المعنى يقرره قول الرسول (ص): "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع.. ورب قائم ليس له من قيامه إلّا السهر". إنّ واقع الحال أنّ أكثر المسلمين لم يدركوا من معاني الصوم إلا أنّه الإمساك عن الطعام والشراب والرفث إلى لحلائل من النساء، وهذا القدر من معنى الصوم – في الحقيقة – واجب أساسي لكلّ صوم، غير أنّ الإسلام – وهو دين استهدف في فروضه وآدابه وأخلاقه تربية الإنسان مادياً ونفسياً وخلقيّاً – قد اعتبر الإمساك عن هذه الماديات والرغبات وسيلة لغاية، وبداية لنهاية، ومنطلقاً إلى عبادة أسمى وصوم أكمل وأجمل، لا يغني عنه الجوع ولا الكف عن الشهوات ساعات معدودات، تلك هي تقوى الله التي عبر عنها القرآن في نهاية آية الصوم بقوله تعالى: (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، وتلك غاية يسرها الله – سبحانه – في شريعة الإسلام التي أمرت بما يستطاع من أعمل الخير، واجتناب كلّ الشر، فقاعدة هذه الشريعة في قضية التكليف تقضي بأنّ ارتكاب الشرور بأنواعها المختلفة حرام على المكلف، أما أوامر الله ورسوله، فيكون لزوم أدائها في نطاق القدرة الذاتية لكلّ مكلف، يدل لهذا قول الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (التغابن/ 16). وقول الله سبحانه: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/ 119). ولقد بيَّن رسول الله (ص) هذه القاعدة وأكّد حقيقتها في قوله: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه". فلنستقبل شهر رمضان بإخلاص الصوم لله، وأن نصوم عن المفطرات وعن السوءات والسيئات، وأن نكتسب بصومنا أحسن الأعراف والعادات. نسأل الله لأُمّة الإسلام في هذا الشهر فلاحاً وصلاحاً وتغيراً إلى أحسن حال حتى تكون خير أُمّة أخرجت للنّاس.

 

الإثنين, 28 آذار/مارس 2022 11:48

شهر رمضان فرصة لتطهير قلوبنا

من جملة مكتسبات شهر رمضان الكبيرة التوبة والإنابة؛ العودة إلى الله تعالى. نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «واجمع بيني وبين المصطفى وانقلني إلى درجة التوبة إليك». اللّهُمّ ارفعنا إلى درجة التوبة، لنعود عن الطريق الخطأ، والعمل السيِّئ، والظنون السيِّئة، والأخلاق الذميمة.

يقول الإمام السجّاد (عليه السلام) في دعاء وداع شهر رمضان المبارك مخاطباً خالق العالم: «أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك وسمّيته التوبة»؛ فتحت لنا هذا الباب لنسارع إلى عفوك وننهل من نِعمة عفوك ورحمتك؛ هذا الباب هو باب التوبة. نافذة رحبة نحو مناخات العفو الإلهيّ الصافية. لو لم يفتح الله تعالى سبيل التوبة على عباده لكان وضعنا نحن العباد المذنبين سيِّئاً جدّاً. يقع الإنسان في الخطايا والزلّات والمعاصي نتيجة غرائزه الإنسانية وأهوائه النفسية. وكلّ واحد من تلك الذنوب يحدث جرحاً في قلب الإنسان وروحه. ماذا كنّا سنفعل لولا طريق التوبة؟

يقول الإمام عليّ (عليه السلام) في دعاء كميل: «لا أجد مفرّاً ممّا كان منّي ولا مفزعاً أتوجّه إليه في أمري غير قبولك عذري». لو لم تكن هناك حالة قبول العذر التي منَّ الله الكريم الرحيم بها علينا، كيف كنّا سنستطيع إنقاذ أنفُسنا من كلّ ما أنزلناه بأنفُسنا، ومن شرور كلّ تلك الأعباء الثقيلة من الذنوب، والمخالفات، والخطايا، واتّباع الأهواء؛ لما كان لنا مفرّ ولا ملاذ. الله تعالى هو الذي فتح أمامنا هذا الملاذ ألا وهو التوبة.

تقودنا أهواؤنا وقلوبنا الغافلة إلى ارتكاب الأخطاء والوقوع في الزلّات، وقد وفّر لنا شهر رمضان فرصة غسل أنفُسنا وتطهيرها، هذا الغسل له قيمة كبيرة. هذه الدموع تطهّر القلوب ويجب أن نحافظ عليها ونبقيها. كلّ هذه الآلام الكبرى والأمراض المهلكة الخطيرة أي الأنانيات، والكبر، والحسد، والاعتداءات، والخيانة، واللاأبالية - وهي أمراضنا الكبرى - تجد لها في شهر رمضان علاجها وتغدو ممكنة التطبيب. يُقبِل الله تعالى، ولاشكّ أنّه قد أقبل وتوجّه.

كان شهر رمضان الذي مررنا به هذه السنة حسناً جدّاً، حيث المجالس التي شهدها هذا الشهر - مجالس القرآن، ومجالس الذكر، ومجالس الدُّعاء والموعظة-. كم من إنفاق حصل في هذا الشهر، وكم من المساعدات قُدِّمت طوال الشهر الفضيل للضعفاء؛ هذه لها قيمة كبيرة. كلّ واحد من هذه الأنشطة ينشر عطراً في روح الإنسان ويوفِّر له فتحاً؛ فلنحافظ على هذه الأُمور.

 

الإثنين, 28 آذار/مارس 2022 11:47

روحيّة العطاء في شهر رمضان

أيّام شهر رمضان، في مفهومنا الإسلامي، هي مناسبةٌ للبذل والعطاء، كيف نعيش من خلال القرآن روحيَّة العطاء؟

يريد الله سبحانه تعالى للإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأةً، أن يعيش روحيَّة العطاء، وذلك بما تمثّله كلمة الصّدقة من مفهوم العطاء قربةً إلى الله تعالى، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ (الحديد/ 18)، حيث يحثّ الله الإنسان على أن يوظّف بعض قدرته الماليّة للإنفاق على الفقراء والمساكين، لأنّه قد لا يملك الفرصة في أن يتصدَّق على الفقراء والمحرومين في المستقبل، ويقول له بأنَّ الصدقة عبادة؛ فأنت إذا أعطيت إنساناً فقيراً محروماً قربةً إلى الله تعالى، فإنّ عطاءك هذا صلاةٌ تصلّيها، فكما أنّ الصلاة تكون بالأذكار والحركات من ركوع وسجود، فإنّها تكون بالصّدقات أيضاً. وهذا هو الذي جعل عليّاً (عليه السلام) يتصدّق بخاتمه وهو في حال الرّكوع، لأنّه كان لا يرى فرقاً بين الصدقة والصلاة، بل كان يرى أنّه عندما يكون في حال ركوع وسجود بين يدي الله، يكون في حالة صلاة، وكذلك عندما يتصدَّق، يرى نفسه في حالة صلاة أيضاً، فهناك صلاة الرّكوع، وهناك صلاة الصّدقة.

ثم إنّ الله تعالى يقول بأن لا تعتبر الصّدقة عندما تتصدّق بها خسارة؛ لأنّ الله سبحانه يعتبر صدقة المتصدّقين والمتصدّقات قرضاً حسناً في حساباته، والصّدقة عندما تعطيها للفقير، فإنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، كما جاء في بعض الأحاديث، فالله يستقرض منك بالفائدة، والفائدة عند الله ليست كفوائدنا نحن، بل يعطيها مضاعفةً، ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (البقرة/ 261).

وهذا هو الذي يدفعنا لأن نفكّر دائماً في انتهاز فرصة إمكاناتنا، حتى نُعين الناس الذين يحتاجون إلى معونتنا. وقد يعتبر الكثيرون منّا حاجة النّاس إليهم عبئاً عليهم، ولكن: «من نِعَمِ اللهِ عَلَيْك، حاجة النّاس إليك»؛ لأنّ الناس عندما يحتاجونك وتعطيهم مما أنعم الله به عليك، فإنّ ذلك يرفع درجتك عند الله سبحانه وتعالى. وقد ورد في الأحاديث عن بعض أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أنّهم كانوا إذا جاءهم سائلٌ أو صاحب حاجة، استعجلوا قضاء حاجته.

 

أصدرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مساء الأحد بياناً أشادت فيه بالعملية البطولية التي وقعت في الخضيرة المحتلة.

و أطلق اثنين من فلسطينيي الداخل المحتل النار تجاه عدد من شرطة الاحتلال و المستوطنين، مما أدى لمقتل اثنين و إصابة 10 آخرين، وصفت إصابات 2 منهم بالخطيرة جداً.
وقال بيان لحركة الجهاد الاسلامي: عملية الخضيرة الفدائية هي رد باسم الشعب الفلسطيني وأحرار الأمة على كل محاولات شرعنة الاحتلال لفلسطين.

واضاف البيان : تبارك حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، العملية البطولية التي نفذها مقاومان من أبناء شعبنا الميامين في فلسطين المحتلة عام 48، والتي جاءت كردٍ باسم كل الشعب الفلسطيني وكل أحرار الأمة العربية والإسلامية على قمة الشر التي يشارك فيها وزراء خارجية عرب إلى جانب وزير الخارجية الصهيوني ووزير الخارجية الصهيوني، الذين يجتمعون في جزء محتل ومغتصب من فلسطين لبحث سُبل تعزيز الاحتلال الصهيوني ومحاولة شرعنة وجوده الباطل على أرضنا الفلسطينية.
وقالت حركة الجهاد الاسلامي في بيانها:  إننا إذ نوجه تحية فخر واعتزاز بمنفذي هذه العملية، فإننا نؤكد على وحدة المصير والهدف، ووحدة المعركة التي يخوضها كل أبناء شعبنا، وهي معركة تجسد امتداداً لجهاد شعبنا الطويل ومعاركه التي خاضها كالبنيان المرصوص ضد العدو الصهيوني، والتي كان آخرها معركة سيف القدس التي لا تزال مفاعليها حاضرة عبر تصاعد المقاومة في الضفة والقدس وامتدادها إلى فلسطين المحتلة عام 48.

وأكدت إن هذه العملية تحمل رسالة ردع قوية للمستوطنين ولجنود الاحتلال الذين عاثوا فسادا وقتلوا بدم بارد المئات من الشباب والشابات والاطفال على الحواجز وارتكبوا جرائمهم البشعة في وضح النهار وأمام العدسات دونما رادع ودون أدنى مراعاة للحرمات.

المصدر : فلسطين اليوم

اكد مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني جدية وعزم الجمهورية الاسلامية الايرانية على الوصول الى الاتفاق النهائي في فيينا، مصرحا بانه من الممكن الوصول الى الاتفاق لو تحلت اميركا بالواقعية.

جاء ذلك خلال اجتماع مساعد مسؤول السياسة الخارجية ومنسق مفاوضات فيينا انريكي مورا في طهران اليوم الاحد، مع مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني.

وفي الاجتماع تبادل الجانبان وجهات النظر حول احدث اوضاع مفاوضات رفع الحظر في فيينا، وتباحثا حول القضايا المتبقية في هذه المفاوضات.

واكد باقري جدية وعزم الجمهورية الاسلامية الايرانية للوصول الى الاتفاق النهائي في فيينا وقال: لو تحلى الجانب الاميركي بالواقعية فمن الممكن الوصول الى الاتفاق.

وقدّم مورا خلال الاجتماع تقريرا حول احدث مشاوراته مع سائر الاطراف.

وسيواصل باقري ومورا الاتصالات والمشاورات الوثيقة خلال الايام القادمة ومن المقرر ان يلتقي مورا وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان اليوم ايضا.

وكان مورا قد اعلن في تغريدة كتبها في حسابه على موقع تويتر الجمعة بانه سيزور طهران السبت لاجراء محادثات مع مساعد وزير الخارجية كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني وقال: سنسعى من اجل ردم الفجوات المتبقية في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي.

واضاف: ينبغي علينا ايصال هذه المفاوضات الى نهايتها. الكثير من الامور في خطر.

وبعد ذلك اوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مصدر مطلع بان مورا سيزور واشنطن بعد طهران من اجل الوصول بمفاوضات فيينا الى نتيجة نهائية.

وتاتي زيارة مورا الى طهران وفق تفاهم مسبق وتم الاعلان سابقا بانه من المتحمل ان يلتقي بعض كبار المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية بناء على طلب منه.

ويوم امس قال وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان اننا قريبون من نقطة الاتفاق ، ولكن ما زالت هناك قضايا قليلة ومهمة ومن المقرر أن يصل السيد مورا إلى طهران في غضون ساعات وتاتي زيارته في اطار تبادل الرسائل غير المباشرة بين طهران وواشنطن .

واضاف عبداللهيان في مقابلة مع القناة السادسة بالتلفزيون الايراني حول المفاوضات الاخيرة في فيينا : الاتفاق لن يتجاوز الاتفاق النووي . لقد تمكنا من قطع أشواط كبيرة في مجال رفع الحظر .

وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن طهران تواصل مفاوضات فيينا لإلغاء الحظر لكنها لن ترهن مستقبل البلاد بنتائجها

وأضاف أمير عبداللهيان أنه تم التوصل في فيينا إلى تفاهمات هامة بشأن إلغاء الحظر، لكن المفاوضات لم تبلغ نقطة التوصل لاتفاق، مشددا على أن طهران تسعى إلى الوصول لاتفاق جيد وقوي ومستدام يلغي الحد الأعلى من الحظر، وتطالب برفع أشكال الحظر بناء على اتفاق 2015 ، بما يشمل تسهيل التعاملات المالية بين إيران وبقية العالم.

 

الأحد, 27 آذار/مارس 2022 19:02

في بيتنا.. حِصة حُب

أيها الوالد الكريم.. الحب وحده لا يكفي، الإعلان عن هذا الحب والاعتراف به وإظهاره بطرق مختلفة أهم في عيون أبنائك، لذلك فإنّ من الضرورة أن تعطيهم يومياً "حصة حب"، تفتح لهم فيها قلبك، وتفصح لهم عن حبك، وتتركهم يشعرون بعطفك وحنانك، حتى تنشرح لك صدورهم، وتميل إليك قلوبهم وعقولهم... لا يهم كم من الوقت تستغرقه هذه الحصة؛ المهم هو كيفية قضاء هذا الوقت مع أبنائك، لذلك فإننا نقدم لك – فيما يلي – بعض الوسائل العملية التي تناسب حصّة الحبّ اليومية...

 

1-  من فضلك.. أعطني هدية: من الجميل أن نحرص على تبادل الهدايا مع أصدقائنا وأحبابنا، ولكن ما الذي يجعلنا نحرم أبناءنا من روعة هذه الهدايا وجمالها؟! هل ننتظر حتى يقول الابن لأبيه: من فضلك أعطني هدية؟!.. إنّ أبناءنا هم أحوج الناس إلى هذه الهدايا وأحقهم بها.

2-  أخوك أفضل منك: يلجأ الوالدان أحياناً لدفع الابن إلى السلوك الحسن عن طريق مقارنته بإخوته، فيقول له أبوه: أخوك أفضل منك لأنّه يطيعني ولا يعصي أمري، أو لأنّه يستذكر دروسه ولا يكثر اللعب... وهذا أسلوب غير صحيح لتشجيع الابن، لأنّه يخلق من الغيرة بين الأبناء، وربما تطور لشيء من الكراهية بينهم، ويشعر الابن بأنّ الأبوين يحبان أخاه بدرجة أكبر مما يحبانه هو، وربما يدفع هذا الشعور الابن إلى الانتقام من أخيه أو إيذاءه.

والأفضل إذا أردنا أن نشجع الابن فلنقل له: أنت كنت أفضل بالأمس من اليوم، إننا نريدك أن تكون متقدماً دائماً وحسن السلوك، فلنقارن الابن بنفسه في الأوقات المختلفة، فهو بالتأكيد تارة يكون مطيعاً وتارة أخرى يكون غير ذلك، ولنعلم أنّ الابن لديه حساسية شديدة من ناحية إخوته ومعاملة أبويه لهم، فلا نحاول أن نستأثر أحداً من الأبناء بشيء – مهما كان تافهاً – على الآخرين، حتى لو بالكلمة أو البسمة أو النظرة أو السلام.

3-  المدح والثناء.. طريق البناء: في بعض الأحيان يفشل الأب (أو الأُم) في توصيل الحب للابن، لأنّه يركز أساساً على أخطائه ويتناسى محاسنه، أو يتحدث عن ميزات للآخرين لا تتوافر فيه، وهذا خطأ في أسلوب التربية، لأنّ مدح الابن له أثر فعّال في نفسه؛ فهو يحرّك مشاعره وأحاسيسه، ويجعله يسارع – بكلِّ جديّة وارتياح – إلى تصحيح سلوكه وأعماله.

أيها الوالد الكريم.. إذا كنت تريد أن يحبك أبناؤك؛ فأحبّهم أنت أوّلاً واجعلهم يشعرون بهذا الحب، ولكي تنجح في هذه المهمة عليك أن تمدحهم، اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه، ولن تعْدم ذلك الشيء، فالناس يختلفون ويتفاوتون ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كلِّ فرد منهم، وهذا ما يؤكده "ديل كارنيجي" في كتابه " كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" حيث يقول: إنّ الناس يحبون أن تمتدح الناحية الجميلة فيهم، وأنا أذكر أنني ذهبت إلى مكتب البريد يوماً لأرسل خطاباً، ووقفت أنتظر دوري في الصف المنتظم لأسجل الخطاب، فلاحظت أنّ الموظف المنوط به التسجيل متبرِّم بعمله، ملول منه: يزن المظاريف، ويناول الطوابع، ويرد باقي النقود، ويحرر الإيصالات... حلقة مفرغة من العمل المتشابه الذي عهِدَه سنة بعد أخرى، فقلتُ في نفسي: فلأحاول التحبب إلى هذا الشاب، وبديهي أنني إذا أردت أن أتحبب إليه فيجب أن أقول له قولاً لطيفاً، لا عن نفسي وإنما عنه هو، وساءلت نفسي: ترى ما الذي يستحق أن أبدي إعجابي به؟! والإجابة عن هذا السؤال عسيرة أحياناً، خصوصاً حيال الغرباء، ولكنها في تلك المناسبة بالذات كانت ميسورة، فسرعان ما لمحت شيئاً اعتزمت أن أبدي له إعجابي به... وبينما الشاب يزن مظروفي قلت له في لهجة مخلصة: لكم أتمنى لو كان لي مثل شعرك الفاحم اللماع، فنظر إليَّ الشاب وهو نصف ذاهل، وقد أشرق وجهه سروراً وقال في تواضع: حقاً؟ إنّه ليس في مثل بهائه الأوّل، فأكدت له أنّه ما زال جميلاً أخاذاً، وقد سُرَّ لذلك أيما سرور وقال: إن كثيرين قبلي قد أبدو إعجابهم بشعره... وأحسب أنّ هذا الشاب قد ذهب إلى منزله ظُهْر ذلك اليوم وهو يكاد يسير على الهواء، وأظن أنّه ما إن دخل إلى منزله حتى قص ما جرى بيني وبينه على زوجته، وأظن أنّه تطلَّع إلى صورته في المرآة وقال لنفسه: حقاً... إنّه شعر جميل...

أيها الوالد الكريم.. أين ينبغي لك ولي أن نبدأ بتطبيق هذه الوصفة السحرية: المدح والثناء والتقدير؟ لماذا لا نبدأ في عقر دارنا؟ أنا لا أعرف مكاناً آخر أشد من بيوتنا حاجة إلى ذلك، ولا أشد منها حرماناً...!!

4-  اسمعني.. إن كنت تحبني[1]: لا أحد يسمعني.. جملة تتردد على لسان الكثير من الأبناء، خصوصاً صغار السن منهم، وسواء وصلت هذه الجملة إلى آذان الآباء أو لم تصل؛ فإنّ الطفل يرددها دائماً علانية أو بينه وبين نفسه؛ لأنّه لا ينتظر من الكبار أن يسمعوه فحسب؛ بل ينتظر منهم الاهتمام بحديثه والتفاعل معه، وهذا التفاعل إنما يظهر من خلال تعابير الوجه المختلفة بما توحيه من انفعالات؛ سواء كانت الدهشة أو الموافقة أو حتى الرفض، ولا يكفي الإنصات الصامت فحسب، لهذا يجب علينا – كآباء – أن نتيح الفرصة لأبنائنا ليتحدثوا إلينا، نعم قد يبدو حديثهم مملّاً أحياناً ومكرراً أحياناً أخرى، لكن السماح لهم بالتعبير عما بداخلهم عامل هام لنموهم نفسياً وخلقياً وعقلياً.

أيها الوالد الكريم... تخيل أنك طفل صغير عائد من مدرسته فرحاً، ثمّ دخلت المنزل فوجدت والدك، فأخذْتَ تحكي له بشغف عن شيء ما حدث في مدرستك أو في طريق عودتك، فقاطعك والدك بقوله: أنا مشغول ولا أستطيع سماعك... فما هو إحساسك عندها؟!... يا له من إحباط كبير، وكثيراً ما نفعله مع أبنائنا، ولا نشعر أننا أحرجناهم أو قطعنا عليهم لحظة الشوق إلينا وإلى محادثتنا...!!!

أيها الوالد الكريم... نعلم أنّ مشاغلك وأعمالك كثيرة، ولهذا قد لا تستطيع سماع أبنائك، أو قد ينفد صبرك أثناء استماعك لهم، ولكن حرصك على سلامة نفسية فلذات أكبادك يجب أن يكون شغلك الشاغل، فاستمع لهم دون نقد أو مقاطعة أو إعراض، ودون إصدار أحكام مسبقة على ما يقولون، فإنّ لذلك أثراً عظيماً في نفوسهم.. واعلم أنّه إذا لم تحسن الاستماع لأبنائك فهناك آخرون يحسنونه، لا تدري بالضبط مَنْ هم...!!!

5-  ابتسم من فضلك: إنّ تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثراً من صوت اللسان، وكأنى الابتسامة تقول لك عن صاحبها: "إني أحبك، إني سعيد برؤيتك"... ولا تحسب أننا نعني بالابتسامة مجرد "علامة" ترتسم على الشفتين لا روح فيها ولا إخلاص، كلا!! فهذا لا تنطلي على أحد، وإنما نتكلم عن الابتسامة الحقيقية التي تأتي من أعماق نفسك، تلك هي الابتسامة التي تفتح مغاليق النفوس، وتنفذ إلى أعماق القلوب.

كما أخبرنا رسول الله (ص) أن تبسّمنا يضيف إلى ميزان الحسنات ثواب الصدقات، روى الترمذي عن أبي ذر (رض) قال: قال رسول الله (ص): "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة". وعن تأثير الابتسامة الصادقة في نجاح صاحبها يقول "ديل كارنيجي" في كتابه "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس": طلبتُ من تلامذتي أن يبتسم كلّ منهم لشخص معيّن كلّ يوم في أسبوع واحد، ثمّ يراقب أثر تلك الابتسامة، وهذا ما نقله إليَّ "وليم شينهارت" الوسيط في سوق الأوراق المالية بمدينة نيويورك: "إنني متزوج ولي أولاد، لكنني قلّما ابتسمت لزوجتي، بل قلّما حدّثتُها سواء على مائدة الإفطار أو بعد عودتي من العمل، فأنا منشغل دائماً، وقد سارت حياتنا الزوجية على وتيرة آلية، حتى طلبت أنتَ منّى أن أبتسم لشخص ما، فآثرت أن يكون ذلك الشخص هو زوجتي، وجلست في صبيحة اليوم التالي إلى المائدة؛ فقلت مبتسماً: صباح الخير يا عزيزتي، ولم تندهش المرأة فحسب، بل انّها ذُهلت فعلاً، لكني أسرعت فوعدتها أن تنتظر منّي مثل هذه التحية والابتسامة الرقيقة كلّ يوم، فهل تدري ماذا كانت النتيجة؟! لقد اكتشفتُ سعادة جديدة لم أذق مثلها طوال الأعوام الأخيرة، وحفّزني ذلك على الابتسام لكلِّ من أتعامل معه؛ فصرت أبتسم لعامل المصعد، والعامل في شباك التذاكر، والزبائن الذين أعمل معهم في البورصة، وصار الجميع يبادلونني التحية، ويسارعون إلى خدمتي... لقد شعرت بأنّ الحياة صارت أكثر إشراقاً وأيسر منالاً، وقد زادت أرباحي الحقيقية بفضل تلك الابتسامة، وعجبت من سبب غفلتي عن ذلك طوال المدة السابقة".

 

الكاتب: عبدالله محمّد عبدالمعطى

المصدر: كتاب كيف تكون أباً ناجحاً (حلقات تربوية هادفة)

 

[1]- في أمريكا أصبح الاستماع أحد الواجبات التي يفرضها القانون على الآباء تجاه الأبناء، ففي حالات الطلاق بدأت ولاية "ميريلاند" الأمريكية تجربة جديدة في نوفمبر 1993م تقضى بأن يحضر الآباء والأُمّهات – إجبارياً وبحكم المحكمة – ندوات مفتوحة يستمعون فيها للأبناء وهم يحكون تجاربهم الشخصية حول تأثير الطلاق وانفصال الأبوين على نفسيتهم، وما يعقبه من شعور بالذنب والفشل والغضب وعدم الثقة، هذه التجربة الرائدة، تمّ تعميمها في 12 ولاية أخرى على مستوى الولايات المتحدة.

 

الأحد, 27 آذار/مارس 2022 19:00

القيم في القرآن الكريم.. مفهوماً

القِيَمُ جمع قِيمَة، وجذرُها قَوَمَ، ووردت مشتقاتها في القرآن الكريم حوالي ستمائة وتسع وخمسين (659) مرّة، منها قام وأقام وقيام وقائم وقيُّوم وقِيَم وقَيِّم وقوام وتقويم، في حوالي مائة وستين (160) مرّة، واستقام ومستقيم في سبع وأربعين (47) مرّةً، وقيامة في سبعين (70) مرّة، وقَوْم في ثلاثمائة واثنتين وثمانين (382) مرّةً.

- فالله سبحانه حيٌّ قيُّوم، يقوم بذاته ويستغني عن غيره، ويسوس الأُمور ويسيطر عليها، فهي خاضعة له، (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) (طه/ 111)، وهو سبحانه: (قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (الرعد/ 33)، فهو بها عليمٌ، ولها حفيظٌ، وعليها رقيب.

- والدِّين القيّمُ الموصل إلى كلّ خير بلا انحراف أو زيغ، وما سواه أديانٌ غيرُ مستقيمة، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) (الروم/ 43).

- والصراط المستقيم: الواضح الموصل إلى هدفه وغايته دون عناء في الجهد، ودون ضلال في الطريق، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (هود/ 112)، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة/ 6).

- والقرآن يهدي للتي هي أقومُ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9)، من العقائد والشرائع والأخلاق، فمن اهتدى بهديه كان أقومَ الناس، والكُتُبُ القيِّمة هي الكُتُبُ التي يعدلُها ثمنٌ غال، ومكانةٌ رفيعة، وفائدةٌ كبيرة، وتجمعُ ما في غيرها من الخير.

- وقد خَلَقَ اللهُ الإنسانَ في أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/ 4)، إذ اكتملت في خلقه صفات الحسن في التكوين الجسمي والعقلي والروحي، بما يتناسب والهدف من الخلق والوظيفة في الوجود.

- وكان بين ذلك قَواماً: توسطاً واعتدالاً ورشداً في الأمر بلا إفراط ولا تفريط، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).

وهكذا فإنّ جماع المعاني اللغوية في أُصولها القرآنية تشير إلى أنّ الكون كلّه قائم على نظام تتقوّم به أشياؤه وظواهره، وأنّ حياة الإنسان في الكون تتقوّم بمنظومة من القيم تحدّد تصوّراته وعلاقاته وأعماله الظاهرة والباطنة. فكما أنّ الرؤية الكونية عند المسلم تتضمّن نظاماً في الاعتقاد ينشئ تصوّرات الإنسان وعباداته، ونظاماً في المعرفة ينشأ التشريعات والعلاقات، فكذلك تتضمّن هذه الرؤية نظاماً للقيم تتحدّد به دوافع السلوك والعمل.

        نظام القيم + نظام المعرفة + نظام الاعتقاد = نظام الإسلام.

وإذا تأمّلنا في الدلالات المختلفة لمجمل الألفاظ القرآنية ذات العلاقة بجذر القيم، فإنّنا سنجدها تتركّز في أربعة مجالات من الدلالة، تتضافرُ وتتعاون في إعطاء الدلالة الكلّية للقيمة والقيم في الاصطلاح القرآني، وهذه المجالات الأربعة هي:

1- الوزن والفائدة والثمن والخيرية، فالأمرُ الذي لا قيمة له، لا وزن له ولا فائدة فيه، أمّا الأكثر قيمةً فهو الأفضل، والأكثر خيراً: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف/ 105).

2- الثباتُ والاستقرار والتماسك: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) (الدخان/ 51).

3- المسؤولية والرعاية؛ فالقائم على الأمر مسؤولٌ عن رعايته وإدارة شؤونه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النِّساء/ 34)، والله سبحانه هو: (اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (البقرة/ 255)، وهو سبحانه قائمٌ على كلّ نفس: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (الرعد/ 33).

4- الاستقامة والصلاح: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن/ 16).

والقيم والأخلاق هي محدّدات وضوابط لسلوك الناس، تُميِّز النوع الإنساني عن غيره من المخلوقات، ولذلك فإنّها ترتبطُ بمتطلبات الاجتماع الإنساني والعيش المشترك، كما ترتبط بالكرامة الإنسانية. وتقع قضايا القيم في القلب ممّا شرّعت له الأديان والفلسفات المختلفة منذ بدء الحياة الإنسانية. ومن ثمّ فإنّ هذه القضايا ليست قضايا نسبية تترك الطريقة التي يتمُّ فيها فهمُها والتعامل معها للقناعات الشخصية، والتوجهات الإيديولوجية للفرد، وليست هي معايير يتمُّ تحديدها والتقنين لها بالأساليب الديمقراطية ليلتزم بها أفراد الجماعة، مع إبقاء الهامش الأكبر لما يمكن أن يعدّ ضمن الحرّيات الشخصية فحسب، وكذلك ليس من الحكمة أن ننفي عن قضايا القيم والأخلاق وجود منطلقات موضوعية عامّة يجمع عليها العقلاء من الناس لخصائص فيها في حدِّ ذاتها.

والقيمُ والأخلاق – في هذا السياق – لا تقتصر على ما كان معروفاً من قضايا الصدق والأمانة والوفاء وأمثالها من الفضائل العامّة، التي تتعلق بسلوك الفرد مع نفسه ومع الآخرين، وإنّما تشمل – بالإضافة إليها – فئاتٍ من القيم الخاصّة بالحياة المدنية؛ من مسؤولية اجتماعية، واحترام الآخرين، وقيم الولاء والانتماء العامّة في دوائره المختلفة على مستوى الشعب والأُمّة والإنسانية، كما تشمل القيم المهنية المتعلقة بالتعامل مع أشياء البيئة وحسن تنظيمها واستثمارها. وعلى هذا الأساس تعدّدت المجالات التي ظهرت فيها فئات القيم، فثمة قيمٌ للحكم والسياسة، وقيمٌ للأُسرة والمجتمع، وقيمٌ للإنتاج والاستهلاك في الاقتصاد، وقيمٌ علمية «أكاديمية» في التعليم، وقيمٌ في التعامل مع البيئة، وقيمٌ إنسانية في التعامل مع الآخرين، وهكذا.

كثيرة هي المصطلحات القرآنية التي تتعلّق بالدلالة المعاصرة لمصطلح القيم، وأهمّيتها في الحكم على السلوك البشري، فإذا كانت الأخلاق وصفاً لسلوك الإنسان، فإنّ القيم معايير لتقويم هذا السلوك، فالإنسان يسلك سلوكاً أخلاقياً محدّداً؛ لأنّه يتبنّى قيماً محدّدة. ونحن نلاحظ أنّ المصطلحات القرآنية ذات العلاقة بالقيم تقع في مستويات مختلفة في العموم والخصوص؛ إذ يمكن تصنيف القيم في فئات حسب معايير متعدّدة:

- فالحقُّ، والعدلُ، والخيرُ، والإحسان، والتقوى هي قيمٌ عليا حاكمة رئيسية، بينما الحياء، والبرّ، والصبر، والعفو، والوفاء هي قيمٌ مشتقة فرعية.

- والعدلُ، والشورى، والحرّية، قيمٌ في البناء السياسي للأُمّة؛ والتكافل، والكرم، والصدقة، قيم في البناء الاجتماعي للأُمّة؛ بينما الشجاعة، والحلم، والصدق، هي قيمٌ في التزكية النفسية للأفراد.

- وقد يكون التصنيف على أساس التمييز بين قيم الأمر وقيم النهي.

- وقد يكون التصنيف على أساس القيم الواجبة والقيم المندوبة.

- وقد تكون «مقاصدُ الشرع» الخمسة نظاماً مناسباً لتصنيف القيم، تندرج تحت كلّ منها قيم فرعية منبثقة عنها.

- والإسلام هو «الدِّين القيِّم» و«دين القيِّمة»، وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم ست مرّات، الأمر الذي يسوِّغ القول بأنّ دين الإسلام هو دين القيم الفاضلة، والثابتة. ومن ثمّ فإنّ نظام القيم في الإسلام هو نظام الإسلام بصورته الكلّية العامّة: عقيدة، وعبادة، وشريعة، وأخلاقاً.

- وهكذا...

لكن أي تصنيف للقيم لا يُلغي حقيقة التداخل والترابط بين المعاني والدلالات المختلفة للقيم والفضائل، بحسب زاوية النظر إلى فئات القيم أو إلى أيِّ قيمة مفردة، فقد ترتفع قيمة العدل لتصبح إطاراً لكلّ القيم الأُخرى، وقد ترتفع قيمةُ التقوى لتكون هي المستوى الأعلى. وإذا أخذنا «التوحيد» بوصفه قيمةً إسلامية، فسيكون – من غير شكّ – هو القيمة العليا.

 

المصدر: البلاغ