emamian

emamian

أكد رئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي أن للجمهورية الإسلامية الإيرانية رؤية صريحة بشأن فلسطين، وقال أن إيران أعلنت منذ البداية بان الكيان الصهيوني كيان غاصب.

العالم ايران

وبعد عودته مساء السبت من زيارة قصيرة ومكثفة إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في الاجتماع المشترك لقادة منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، شرح الدكتور رئيسي نتائج وإنجازات الزيارة وقال: كان هذا الاجتماع مهماً من ناحيتين؛ أحدهما أنه عقد بحضور كافة الدول الإسلامية والعربية، والآخر أن موضوعه كان القضية الأساسية لعالم اليوم ولجميع شعوب العالم.

وأضاف : الجمهورية الإسلامية الإيرانية لديها كلمات متقنة لتقولها بشأن قضية فلسطين، وحاولت أن أكون صوت الشعب الايراني والمتظاهرين الذين ينادون من أجل حقوق الفلسطينيين في الشوارع . الجمهورية الاسلامية الايرانية ومنذ بداية انتصار الثورة الإسلامية كان لها رأي صريح وواضح بشان حقوق الشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى، كانت تنظر دائما إلى الكيان الصهيوني باعتباره كيانا مزيفا غاصبا ولا هوية له.

وشدد السيد رئيسي على أن مرور الزمن، حتى لو كان 75 عاما، لا يخلق شرعية وحقوق ملكية لكيان غاصب ومحتل، وقال: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بناء على الرأي الواضح والصريح للإمام الراحل وقائد الثورة الاسلامية، كانت ومازالت تعتبر قضية تحرير القدس وضمان حقوق الشعب الفلسطيني القضية الأولى للعالم الإسلامي ومعياراً لتحديد ومعرفة المواقف الحقيقية للدول.

واعتبر رئيس الجمهورية تبيين وجهة نظر الجمهورية الإسلامية تجاه فلسطين وتوضيح أبعاد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية للصهاينة في غزة، من بين أهدافه الأخرى للمشاركة في هذا الاجتماع واضاف: أهم الفروق الاساسية بين حضورنا وخطابنا في هذا الاجتماع مقارنة بالمشاركين الآخرين، هو اعتبار أمريكا المذنب الرئيسي في هذه الجرائم، والتي لعبت الدور الأكبر في إنشاء وبقاء وتسليح ودعم الكيان الصهيوني في فلسطين وقتل النساء والأطفال الفلسطينيين.

كما شرح آية الله رئيسي حلوله ومقترحاته العشرة التي طرحها في هذا الاجتماع لخروج غزة من الأزمة الحالية وأكد على ضرورة دعم المقاومة باعتبارها السبيل الوحيد لتحرير القدس الشريف وقال: نحن في هذا الاجتماع وخلافا لما يقوله البعض حول مستقبل القضية الفلسطينية بصيغة حل الدولتين، قدمنا ​​حلاً ديمقراطياً بالكامل يقوم على الرجوع إلى أصوات جميع الفلسطينيين، بما فيهم المسلمين والمسيحيين واليهود، لتحديد مصيرهم.

واشار الى عقد نحو 10 لقاءات جانبية على هامش هذه القمة مع رؤساء الدول العربية والإسلامية، وأعرب عن ارتياحه لبيان موقف الجمهورية الإسلامية الواضح من قضية فلسطين وغزة، فضلا عن استعراض العلاقات الثنائية والودية والعلاقات الدولية خلال هذه اللقاءات وغيرها من الفرص، وقال: نأمل أن يكون ما تم في هذه الزيارة وفي هذا الاجتماع يهدف إلى تأمين المصالح الوطنية والأمة الإسلامية.

 

أعلن حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، مساء الثلاثاء، استقالة وزرائه في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومقاطعة مجلس النواب، وائتلاف إدارة الدولة، احتجاجًا على إنهاء عضوية الحلبوسي

واعتبر الحزب في بيان رسمي، قرار المحكمة الاتحادية العليا "خرقا دستوريا صارخا، واستهدافا سياسيا واضحا".

وقال الحزب، إنّه التزم طوال "عام كامل بجميع الاتفاقات السياسية، والورقة التي تشكلت على أساسها الحكومة التي انبثقت من ائتلاف إدارة الدولة، على الرغم من كلّ ما حدث من استهدافات خلال هذا العام".

وأصدر حزب رئيس مجلس النواب المقال 4 قرارات، بعد اجتماع لقيادته بحسب البيان:

مقاطعة جلسات ائتلاف إدارة الدولة.

استقالة ممثلي الحزب في الحكومة الاتحادية كل من:

وزير التخطيط محمد تميم.

وزير الصناعة والمعادن خالد بتال.

وزير الثقافة والسياحة أحمد البدراني.

استقالة ممثلي الحزب من رئاسة ونواب رؤساء اللجان النيابية.

المقاطعة السياسية لأعضاء مجلس النواب عن الحزب لجلسات مجلس النواب.

وقال الحزب في ختام بيانه إنّه "لن يتوانى في الدفاع عن حقوق أهله"، واعتبر ما يجري "معوقات آنية لن تفت عضد الأمة ولن يكون بوسعها اعتراض المسيرة".

المصدر :العالم

أكدت القوات المسلحة اليمنية، أنها لن تتردد في استهداف أي سفينة تابعة للكيان الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر أو أيّ مكان اخر.

وأوضحت القوات المسلحة في بيان تلاه المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع أنه تم إطلاق دفعة من الصواريخ الباليستية على أهداف مختلفة للعدو الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منها أهداف حساسة في منطقة أم الرشراش "إيلات".

وأشار البيان إلى أن إطلاق الصواريخ الباليستية أتى بعد 24 ساعة فقط من عملية عسكرية أخرى نفذتها القوات المسلحة بالطائرات المسيرة على الأهداف الصهيونية ذاتها.

كما أكد البيان البدء في اتخاذ كافة الإجراءات العملية لتنفيذ التوجيهات الصادرة بشأن التعامل المناسب مع أيّ سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر.

ونوه البيان بأن العمليات ضد العدو الإسرائيلي لن تتوقف حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على إخواننا في غزة الباسلة.

 

د. محمد الصباني

الغطرسة الغربية أصبحت تستهدف الإنسان والمسلم خاصةً في أصل الوجود (غيتي)

كثيرة هي الأحداث المُحيطة بالشرق الأوسط والمتعلّقة به، لكنّ الملاحظ أنّه مع كل حدث يتشكّل وعي وينهدم وهْم.

وبالنظر إلى الوعي المتشكّل، يبدو أنّ الكينونة العربية والإسلامية- عقلًا ووجدانًا- أصبحت تتلمّس بوادر صراع جعلها تطرح سؤالَ إمكان استمرار وجودها، وتتقلّب في الشعور به وفي امتداداته تقلبًا بين الخوف والرجاء، بحسب ما تلتقطه من إشارات غيرها الثقافي والحضاري الذي يعتبر نفسه مثالًا لجوهر الخير.

وبالتالي فهو يملك الحقّ في إبادة الكينونة العربية والإسلامية باعتبارها مثالًا لجوهر الشرّ دون أدنى إحساس بتأنيب الضمير، ولا بالأولى تحمّل مسؤوليته الخُلقية تجاه هذا الفعل الذي نراه حقيرًا ويراه كبيرًا.

ذلك بأنّ العقل الغربي وما يلحقه من كيانات اصطنعها لنفسه، اعتقل كلّ التواريخ داخل التاريخ الأميركيّ، جاعلًا منه النهاية التي لا منتهى بعدها، كما عبّر عن ذلك فوكوياما في "نهاية التاريخ"، بحيث لا إبداعَ فوق إبداع العقل الأميركيّ ولا تاريخ بعد تاريخه، وكل من يتحرك لإبداع تاريخه فهو الشرير المطلق- بحسب تنظيرات ليو ستراوس- والمرتدّ عن تاريخ سيّده، ومن ثَمة يستحقّ التأديب والقتل.

ومن ملموسات هذا الوعي المتشكّل لدى الكينونة العربية والإسلامية، ما يلوح في الأفق من بوادر احتلال جديد لكل جغرافية هذه الكينونة، يبدو ذلك جليًا من خلال التراجعات الخطيرة عن الحريات الأساسية واحترام مبادئ حقوق الإنسان، والاستعداد الواضح لخرق القانون وعدم الامتثال للحدّ الأدنى من الأخلاق المشتركة التي تعارف عليها العالِمون في عدّة ميادين، وعلى رأسها عدم المساس بسلامة المدنيين والمشافي في حالة الحرب.

وكأن هناك إعدادًا لنفسية العالَم ولنفسية المسلم، خاصة، لتقبّل الاحتلال الجديد وصبغه بالصبغة العقليّة، حتى يضحي أمرًا معقولًا ومتقبلًا، مستعينين في ذلك بفلسفة السوق الغربية التي سَلَّعَت الإنسان، حيث إن المنتِج المُسَلِّع ينظر إلى الآخر على اعتبار أنه مجرد شيء أو موضوع جامد، ومادام هو كذلك، فللمنتِج حقّ التصرّف في هذا الشيء وَفق إرادته وبما يخدم مصالحه، محوًا لقيمه (الآخر) وتصفيةً لجسده واحتلالًا لأرضه وتدخلًا في حريته واختياره.

اعلان

وعليه، فإذا قصد هذا الإنسان/ الشيء نحو الفعل الذي يحفظ حياته وقيمه، اعتبرته الذات المتغطرسة بحكم شيئيّته متمردًا تمردًا يستوجب استعمال القوّة لردّه عن ضلاله الذي هو محاولته حماية حياته وقيمه وَفق ثقافته وحضارته، حتى يعود إلى شيئيّته التي اعتبرها المنتِج المتغطرس جوهرًا في الآخر.

وتأسيسًا على ما سبق، يتبين أنّ الغطرسة الغربية أصبحت تستهدف الإنسان والمسلم خاصةً في أصل الوجود، فكأنها تُخَيِّرُ غيرها في العيش عبدًا لها أو الموت، ذلك بأنّ منطق الإلحاق لدى الغرب يهدفُ إلى الهيمنة على كلّ فعل خارج فعله، بحيث يكون خيرًا متى التحق فعلُ المستعبَد بفعل السيّد، ويكون شرًّا متى خرج فعل الأوّل عن فعل الثاني.

إنّ تعثّر الحضارة الغربية اليوم في استيعاب الآخر الحضاري لَنذيرٌ من النُّذُر على استيفائها أجلَها وفقدِها مرتكزاتِ تجديدِ وجودها، وذلك ما نلاحظه في بلاغاتها الراهنة متجليّة في عودتها إلى خطاب الانغلاق والانكفاء على الذات، خصوصًا مع تنامي حضور اليمين المتطرّف

وهذا ما يجعلنا نتيقّن ألا وجودَ لدولة إلا إذا كيَّفَت وجودها هذا مع المؤسسات المالية الكبرى، كصندوق النقد الدوليّ والبنك الدولي وغيرهما، ومعنى هذا أنّ الغرب وما يلحقه من كيانات اصطنعها لنفسه، لن يسمح للآخر بدخول العالم إلا على شرطه، دافعًا إياه إلى التخلّي عن كينونته وشروطه الثقافيّة الخاصّة، ولو كان الثمن الذي يؤدّيه هذا الآخر استنزافًا لخيراته وتجويعًا لأحيائه وإغراقًا في ديونه بشكل يسمح بإعادة إنتاج الاحتلال.

وكيف لايكون ذلك، والغرب وما يلحق به من كيانات اصطنعها، يرى نفسَه هو الذي صنع العالم الراهن، ودخل بالإنسان إلى قيم الحداثة، ومن ثَمة فهو أولى بقيادة عالمه، بل إنّ ذاك الصنع وهذا الإدخال يمنحانه امتيازًا على الناس الذين يجب عليهم تبنّي قيمه والانقياد له طوعًا أو كرهًا.

وعليه فلا مناصَ لمختلِف الثقافات من دخول العالم، لكن على شرط الغالب وصانع الحداثة، وهذا الدخول إما أن يكون دخول إعجاب أو دخول إرغام، خاصة أننا أمام دارْوينيَّة جديدة تنعش فلسفة البقاء للأقوى عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، هادمة بذلك مبدأ الأقوى خُلقيًا ومعنويّا ورُوحيّا.

اعلان

ويكفينا دليلًا على ذلك أنّ البحث العلمي والتطور التقني نشأ في سياق القتل والتدمير؛ بمعنى أنّهما ترعرعا في أحضان المؤسّسة العسكرية الغربية، كما كان الشأن في ظهور كثير من المخترعات والتقنيات الدقيقة إبّان الحرب العالمية الثانية لأغراض حربية وأهداف عسكرية.

وضميمة لما هو عسكري، أصبح هذا المتغطرس الغربي يمارس- بمعيّة الكيانات التي اصطنعها لنفسه- حربًا مفاهيمية ومصطلحيّة، وذلك بتسلّطه على المنظومة الثقافية للأمة لتجريدها من مضمونها، وحشوها بمضامين جديدة تخدم مصالحه وأهدافه، بما في ذلك قلب المفاهيم وتوظيفها توظيفًا سياسيًا منحازًا، مع غسل الأدمغة والتأسيس لثقافة الزيف، مستعينًا بتفوّقه في تقنيات العالم الرقْمي.

كل ذلك بغية إحداث اضطراب في القيم والتصوّرات، وإنشاء اختلال في المفاهيم والمصطلحات، وإنجاز أعطاب في الثقافة والمرجعيّة التي تَوافَقَ عليها المجتمع وأقام عليها منظومتَه التسالميّة والتصالحيّة.

وبِناءً على ما ذُكِر نخلُص إلى أنّ الحضارة الغربية المعاصرة فشلت في تدبير العالم الذي أصبح بؤرةً للفوضى والدماء، وفي العالم العربيّ والإسلاميّ خاصةً.

إنّ تعثّر الحضارة الغربية اليوم في استيعاب الآخر الحضاري لَنذيرٌ من النُّذُر على استيفائها أجلَها وفقدِها مرتكزاتِ تجديدِ وجودها، وذلك ما نلاحظه في بلاغاتها الراهنة متجليّة في عودتها إلى خطاب الانغلاق والانكفاء على الذات، خصوصًا مع تنامي حضور اليمين المتطرّف.

وهكذا يتّضح أنّ هذه الحضارة بدأ ينفلت منها عقال ضبط علاقة الداخل بالخارج، كما أنّ مكْر العولَمة قد انقلب عليها من جهةِ تبنّيها منطقَ الخصوصيّة والهُوية الذي حاربته طويلًا، ومن جهة أنَّ الوافد عليها من الفضاءات الأخرى- ونركّز على العربي والمسلم خاصة- قد استفاد من مُخرجات العولمة جغرافيًا من حيث أراد الغرب الإفادة منها زمانيًا، فأصبحت قيم المسلم تسكن الغرب جغرافيًا وتزاحم قيمه وتغالبها في كثيرٍ من المجالات.

يتقوَّى هذا أكثر مع موت الأيديولوجيات في الزمن الراهن، والعمل على بناء سرديّات تؤسّس لأثر فعل الإنسان في التاريخ، باعتبار الزمن المعاصر يحملُ للإنسان تحدياتٍ وجوديةً خطيرة.

وإذا شاء الغرب تدارك أمرِه فما عليه إلا أنّ يعترف بالتنوع الثقافي احترامًا وتفاعلًا، وذلك بترك العالم العربي وشأنه في حفاظه على أنظمته الدفاعية المادية والرمزية وفي تقوية صلته بمرجعيّته، وكذلك مع سائر المجتمعات، وإلَّا يفعلْ يدفعْ ثمن ذلك عاجلًا أو آجلًا، ويجلب لنفسه الخرابَ كما جلَبه من قبلُ حين انقلبت العولمة عليه، وحين أنكر بجشعه التنوّع البيئي، فدفع الأرض نحو الاحتضار، غافلًا عن أنّه فئة من ساكني هذه الأرض، فإن ذهبت فهو أول الذاهبين، وإن نجت فهو من الناجين.

إنّ فشل الحضارة الغربيّة وصنائعها وامتداداتها يتجلّى في سقوط آلية الديمقراطية- التي ابتكرها يومًا وتبجّح بها دهرًا- أمام محكّات القضية الفلسطينية وكل قضايا المستضعفين في الأرض، من أجل ذلك ينبغي لنا أن نربط بين هذه الديمقراطية الغربية وبين الثمن الذي يدفعه الآخرون من المظلومين والمسحوقين والمغلوبين، ومن ذلك الربط بينها وبين إرهاق الشعب الفلسطينيّ واستباحة أرضه وحرمته وكرامته ودمه.

وكذلك الربط بين ديمقراطية أميركا وبين إبادة الهنود الحمر واحتلال أراضيهم، وهذا النموذج يتكرّر في عدة ديمقراطيات مع اختلافٍ يسير في بعض الشروط والملابسات.

لقد كشف الواقع أنَّ الديمقراطية في علاقتها بالآخر تقوم على القتل والهدم، ولهذا يحقّ للإنسان المعاصر أن ينكر مبادئها ويحتجّ عليها، فكيف تدّعي حماية الإنسان والدفاع عن حقّه في الحياة والاختلاف والتعددية ثم تقتله في نهاية المطاف؟!، وكيف تكون آلية من آليات التسوية والتعايش وهي قائمة على نفي الآخر؟!، وكيف تكون ديمقراطية وأشد الأنظمة تمسكًا بها كانت أكبر داعم للاستبداد (مثل سوهارتو و بينوشيه)؟!.

هكذا يبدو أنّ المنظومات الديمقراطية الآن هي امتداد للمنظومات الإمبريالية والاحتلالية بالأمس مع تغيير في عناوين القتل والسلب والنهب والمحو والهيمنة والإذلال.

مع كلّ هذه العلامات التي يمكن أن تشكّل إرهاصات لوعي عربي جديد، فإنَّ دون ذلك عدّة تحدّيات أهمها؛ ضرورة التنادي إلى بناء ثقافة معاصرة تأخذ من الوحي بقدر ما تأخذ من نافع الثقافات النبيلة التي أظهرت تضامنها وتفهّمها لقضية المسلمين الكبرى، لعلّها تجد صيغة تدشن بها الدخول إلى عالم جديد يعيد الاعتبار للمعنى وللحكمة والإنسان.

 

المصدر:الجزیره

اعتبر سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن” شهداءنا هم أهل الايمان بالله ورسله وأنبيائه وكتبه، وأهلهم صابرون وراضون بقضاء الله وقدره وهم يحفظون انجازات أبنائهم وأصبحوا شركاء بالدم في هذه المسيرة”.

وخلال احتفال يوم الشهيد الذي نظمه حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت والمناطق اللبنانية قال سماحته:”الشهداء في مسيرتنا لهم مكانة خاصة ونحن نشعر ببركاتهم في كل ساعة وكل يوم بالأمن والأمان والتحرير والحرية والشرف والحماية من خلال قوة الردع التي صنعوها”.

وأردف بالقول:”هذا اليوم هو يوم شهيد حزب الله ونقصد به كل شهيد، من أول شهيد مع انطلاق مسيرة المقاومة في حزب الله عام 1982 إلى آخر شهيد تم تشييعه اليوم”،معتبرا ان”هذا اليوم تم اختياره بعد تفجير مقر الحاكم العسكري في صور وشاهدنا كيف كان وجه شارون أسوداً أمام مبنى الحاكم بعد العملية النوعية التي نفذها أمير الاستشهاديين أحمد قصير التي ما تزال العملية الأقوى والاعظم في تاريخ المقاومة”.

واضاف سماحته”دم الاستشهادي أحمد قصير ودماء كل الشهداء هي التي انتصرت على السيف الأميركي الإسرائيلي المصلت على منطقتنا”.

وتابع السيد “عوائل شهدائنا يحملون مواصفات التضحية والصبر والإيمان والإحتساب”.

وفي الأحداث الجارية في غزة قال سماحته:” هناك حدثان يتعاظمان الحدث الأول العدوان الإسرائيلي على الناس أهل غزة وكل ما هو مدني والحدث الثاني هو التصدي البطولي والعظيم للمقاومة الفلسطينية في مواجهة قوات العدو”.

واعتبر انه” من الغريب في جرائم العدوان على غزة هو الاعتداء الفاضح والمتبنى رسمياً من قبل العدو بحجج واهية وهذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والمهجرين من بيوتهم والمنازل المدمرة”.
وقال سماحته :”الصهاينة يخطؤون في الحساب هم يقومون بكل هذا القتل وهذا التوحش لهدف وهو ليس انتقام والهدف هو الإخضاع ليس إخضاع أهل غزة فقط بل إخضاع شعب فلسطين وهدفه أن يقول إن كلفة المقاومة غالية وعليكم أن تتخلوا عنها، ومن أهداف القتل العمدي والمتوحش مخاطبة لبنان من خلال جرائمه في غزة”.

واكد ان”العدو يريد تحطيم ارادة المطالبة بالحقوق المشروعة والدفع بثقافة الاستسلام وأن يقول لكل الفلسطينيين من خلال جرائمه في غزة انسوا أرضكم ومقدساتكم”.

ولفت سماحته الى ان”العدو يخطئ من جديد في حساباته لأن جرائمه في فلسطين منذ 1948 لم توقف العمل المقاوم بل تعاظم وصولًا إلى ما أنجزه المقاومون في كتائب القسام في 7 تشرين الأول،و

أيضًا المقاومة في لبنان منذ الـ1982 حتى اليوم رغم المجازر لم يتركها الناس”.

واشار السيد نصرالله الى ان”هناك وسائل إعلام عربية وكُتاب عرب يساعدون بشكل متعمّد أو غير متعمّد على تحقيق الهدف الاسرائيلي”.

وأكد أن “شعوبنا لن تيأس لأن خيارها الوحيد هو المقاومة وليس الاستسلام والخضوع وإن غلت وتعالت التضحيات كما يحصل في غزة وفي الضفة أيضًا”.

وأردف قائلاً:” إذا كانت شعوبنا ترفض التطبيع بمعزل عن ارادة بعض الحكام قبل المجازر في غزة ،فبعد هذه الوحشية سيكون رفضهم للتطبيع مع العدو سيكون أصلب وأقسى”.

ولفت سماحة السيد الى ان”العدوان على غزة سبّب تبدل الرأي العام العالمي وكشف الزيف الاسرائيلي، وهذا التبدل يخدم أهل غزة ومشروع المقاومة والأهم هي المظاهرات التي تحصل في واشنطن ولندن وباريس والدول الأوروبية لأنها تضغط على حكوماتها”.

واكد السيد ان”من يدير هذا العدوان هو من يستطيع وقفه وهي الإدارة الأميركية”.

وتوجه السيد نصر الله للأمريكيين بالقول:” إذا أردتم ألا تذهب المنطقة الى ‫حرب إقليمية عليكم وقف العدوان والحرب على غزة”.

واعتبر ان”العالم والشعب الفلسطيني بالخصوص يتطلعون للقمة العربية الإسلامية بغض النظر عن نتائجها ، ويطالبونهم بوقف الحرب”.

وتساءل سماحته”  ألا تستطيع 57 دولة عربية وإسلامية أن تفتح المعبر على غزة لإدخال المساعدات والدواء والماء والوقود وتستنقذ الجرحى؟”.

وقال السيد ان:”المقاومين في غزة يبدعون في مواجهة أقوى الفرق العسكرية الصهيونية التي تعجز عن الحديث عن صورة انتصار او انكسار عند المقاومة الفلسطينية”.

وأضاف”عندما يزج كيان إسرائيل بأقوى ألوية النخبة ‫في قتال غزة فهذا دليل عجز وهي فشلت في تقديم صورة النصر”.

وأشار سماحته إلى أن”الضفة الغربية تتقدم لمزيد من المواجهة ‫والاشتعال والعدو يقول إنه قد يضطر لنقل قوات لمواجهة ما يخشاه هناك”.

وحول التدخل اليمني قال سماحته:”اليمن اتخذت قيادتها وشعبها موقفاً شجاعاً وجريئاً ورسمياً وعلناً وأرسلوا صواريخ ومسيّرات إلى فلسطين وقد كان لذلك آثار مهمة حتى لو افترضنا أن الصواريخ والمسيرات لم تصل والعدو الإسرائيلي يتكتم على ذلك،اليمن فيما يقوم به مشكور على الرغم مما وجهه من تهديدات أميركية قبل العمل العسكري وبعده ويواصلون الموقف الرسمي مع الحضور الشعبي الذي لا مثيل له في العالم في مدن اليمن وفي أكثر من يوم”.

واضاف سماحته”عمليات المقاومة الإسلامية في العراق تخدم عملية تحرير العراق وسوريا من القواعد الأميركية ويجب أن يوظفها العراقيون والسوريون لأجل ذلك لكن الحيثية التي انطلقت منها هي نصرة غزة”.
واكد السيد ان “الأميركيين هم يضغطون على الأخوة في العراق وهم يضغطون علينا في لبنان، والسفيرة الأميركية في لبنان إما كاذبة وإما جاهلة والأميركيون لم يتركوا قناة أجنبية أو غير أجنبية أو لبنانية إلا وأرسلوا عبرها التهديدات”.

وتابع:”لا أظن أن هناك أحد يطالب سوريا كدولة وشعب بتقديم أكثر مما تقدمه وهي التي تخرج من حرب كونية وتقاتل داعش بحماية أمريكية، و رغم كل الجراح في سوريا فهي لا زالت في موقعها الصامد والحاضن للمقاومة”.

وأضاف” الطائرة المسيرة التي وصلت إلى إيلات قبل أيام سجلت إنجازًا كبيرًا، والعدو وقع في حالة من الضياع في تحديد المصدر فقام بقصف إحدى تشكيلاتنا في سوريا وارتقى لنا عدد من الشهداء”.

وحول الموقف الإيراني قال سماحته :” موقف إيران الراسخ والمستمر سياسيًا وماديًا وعسكريًا للمقاومة الفلسطينية لم يعد خفيًا على أحد وهو معروف للجميع، واذا كان هناك قوة من مقاومة للبنان وفلسطين والمنطقة فالدعم العسكري والمالي بالدرجة الأولى هو من إيران”.

وأضاف” الإيرانيون لم يبخلوا بالمال والسلاح والتدريب والجهد لحركات المقاومة في المنطقة ولا زالت إيران مستمرة رغم كل التهديدات”.

وتابع” إيران لا تبدل موقفها من دعم المقاومة وهي ستبقى دائمًا وأبدًا في موقع الحامي والمساند للمقاومة”.

وحول جبهة لبنان قال سماحته :”العمليات مستمرة منذ 8 تشرين الأول وحتى اليوم، و رغم كل الإجراءات الوقائية استمرت عملياتنا في الجبهة ورغم الحضور الدائم للمسيّرات الإسرائيلية المسلحة التي شكلت عاملًأ جديدا في المواجهة، و أي خطوة إلى الأمام في جبهة لبنان هي بمثابة عمل استشهادي، وهذا يعبّر من خلال حجم العمليات اليومية عن مدى شجاعة وصلابة المجاهدين الاستشهاديين”.

وأشار سماحته إلى انه”في الأسبوع الماضي حصل ارتقاء كمي من ناحية عدد العمليات وعلى مستوى نوع السلاح المستخدم فنحن للمرة الأولى نستخدم الطائرات المسيرة الانقضاضية، و الصواريخ التي دخلت الخدمة في الأيام الماضية على جبهة لبنان هي صواريخ بركان التي تزن 300 كغ إلى نصف طن، واستخدام صواريخ الكاتيوشا كان للمرة الأولى في هذه المواجهة في الرد على الجريمة الوحشية في عيناثا والاعتداء على إقليم التفاح”.

وأضاف” المسيرات والكاتيوشا كانت في مناطق أعمق داخل الأراضي المحتلة، وهذا استلزمته طبيعة المعركة فيما يرتبط بغزة والتصعيد في الجنوب، و أكثر من 350 إصابة من الجنود والمدنيين وصلت إلى مستشفى واحد في الجليل شمال فلسطين المحتلة”.

واردف قائلا:”في الأسبوع الماضي شهدنا استهدافًا للمدنيين ولإحدى سيارات كشافة الرسالة الإسلامية وكان الرد من المقاومة الإسلامية، والمقاومة ردت بسرعة ودون تردد على الجريمة في عيناثا وأبلغنا العدو في بيان رسمي أننا لن نتسامح على الإطلاق بالمس بالمدنيين”.

وكشف السيد نصرالله عن” الإدخال اليومي لمسيرات الاستطلاع إلى شمال فلسطين المحتلة وبعضها يصل إلى حيفا وعكا وصفد ويجتاز الشمال أحيانًا، بحيث اننا ندخل كل يوم عددًا من الطائرات المسيرة الاستطلاعية إلى شمال فلسطين المحتلة بمعزل عن المسيّرات الانقضاضية”.

ولفت سماحته إلى انه”شهدنا في الأيام الماضية موجة جديدة من التهديدات الإسرائيلي باتجاه لبنان بسبب الارتقاء الكمي والنوعي في هذه الجبهة، و المسار العام في جبهة جنوب لبنان مستمر وستبقى جبهة ضاغطة”.
وأشاد السيد نصرالله بالمجاهدين الأبطال والبيئة الحاضنة التي تتحمل المواجهة في الجبهة اللبنانية وعبء التهجير والخسائر المادية.

وقال إن:”الموقف السياسي والشعبي اللبناني العام موقف داعم ومشكور ويجعل من هذه الجبهة فاعلة ومؤثرة ولا أريد التعليق على المواقف الشاذة”.

واعتبر ان ” المعركة اليوم مختلفة ولست أنا من يعلن عن الخطوات، فسياستنا في المعركة الحالية هي أن الميدان هو الذي يفعل وهو الذي يتكلم، و في جبهة لبنان يجب أن تبقى العيون على الميدان وليس على الكلمات”.

وأضاف” نحن في معركة الصمود والصبر وتراكم الإنجازات وجمع النقاط ومعركة الوقت الذي هو حاجة للمقاومة وشعوبها ويساعد في إلحاق الهزيمة بالطغاة”، مؤكداً ان ” كل العوامل داخل الكيان وخارجه ستضغط على قيادته، والضغط يجب أن يتواصل والصبر والصمود يجب أن يتواصل”.

وختم” نحن نتطلع إلى أفق تنتصر فيه فلسطين ويفشل فيه العدو عن تحقيق أي هدف من أهدافه”.

 

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:22

المعنى الحقيقيّ لانتظار الفرج

انتظار الفرج

انتظار الفرج مفهومٌ واسعٌ جدًّا. وأحد أنواعه هو انتظار الفرج النهائيّ؛ أي إنّ النّاس عندما يرون طواغيت العالَم مشغولين بالنّهب والسّلب والإفساد والاعتداء على حقوق النّاس، لا ينبغي أن يتخيّلوا أنّ مصير العالَم هو هذا. لا ينبغي أن يُتصوّر أنّه في نهاية المطاف لا بدّ ولا مناص من القبول بهذا الوضع والإذعان له، بل ينبغي أن يُعلم أنّ هذا الوضع هو وضعٌ عابر-"للباطل جولة"1- وأمّا ما هو مرتبطٌ بهذا العالَم وطبيعته فهو عبارة عن استقرار حكومة العدل وهو سوف يأتي. إنّ انتظار الفرج والفتح في نهاية العصر الّذي نحن فيه، حيث تُعاني البشريّة من الظلم والعذابات هو مصداقٌ لانتظار الفرج، ولكن لانتظار الفرج مصاديق أخرى أيضًا.

فعندما يُقال لنا انتظار الفرج، فلا يعني انتظار الفرج النهائيّ، بل يعني أنّ كلّ طريقٍ مسدود قابلٌ للفتح. الفرج يعني هذا، الفرج يعني الشقّ والفتح. فالمسلم يتعلّم من خلال درس انتظار الفرج أنّه لا يوجد طريق مسدود في حياة البشر ممّا لا يُمكن أن يُفتح، وأنّه لا يجب عليه أن ييأس ويُحبط ويجلس ساكنًا ويقول لا يُمكن أن نفعل شيئًا؛ كلا، فعندما يظهر في نهاية مطاف حياة البشر ومقابل كلّ هذه الحركات الظّالمة والجائرة، عندما تظهر شمس الفرج، فهذا يعني أنّه في كلّ هذه العقبات والسدود الموجودة في الحياة الآن، هناك فرجٌ متوقّع ومحلّ انتظار. هذا هو درس الأمل لكلّ البشريّة. وهذا هو درس الانتظار الواقعيّ لجميع النّاس.

لهذا، عُدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، ويُعلم من ذلك أنّ الانتظار هو عملٌ لا بطالةٌ. فلا ينبغي الاشتباه والتصوّر أنّ الانتظار يعني أن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما. الانتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في كلّ المجالات. وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)2 أو (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)3 أي أنّه لا ينبغي أن تيأس الشعوب والأُمم من الفرج في أيّ وقتٍ من الأوقات.

لهذا ينبغي انتظار الفرج النهائيّ، مثلما ينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفرديّة والاجتماعيّة. لا تسمحوا لليأس أن يسيطر على قلوبكم، فانتظروا الفرج واعلموا أنّ هذا الفرج سيتحقّق؛ وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاركم انتظارًا واقعيًّا، وأن يكون فيه العمل والسّعي والاندفاع والتحرّك.

إنّنا اليوم ننتظر الفرج. أي إنّنا ننتظر مجيء يدٍ مقتدرةٍ تنشر العدل وهي هزيمة الظّلم والجور الّذي سيطر على كلّ البشريّة تقريبًا، فيتبدّل هذا الجوّ من الظّلم والجور وينبعث نسيم العدل في حياة البشر لكي يشعر النّاس بالعدالة. إنّ هذا هو حاجة أيّ إنسانٍ واعٍ بشكلٍ دائم؛ الإنسان الّذي لم يجعل رأسه في حجره ولم يستغرق في حياته الخاصّة. الإنسان الّذي ينظر إلى الحياة العامّة للبشر بنظرة كلّية فإنّه من الطبيعيّ أن يكون في حالة انتظار، هذا هو معنى الانتظار. فالانتظار يعني عدم الاقتناع والقبول بالوضع الموجود لحياة البشر، وهو السّعي من أجل الوصول إلى الوضع المطلوب؛ ومن المسلَّم به أنّ هذا الوضع المطلوب سوف يتحقّق على يد وليّ الله المقتدرة الحجّة بن الحسن المهديّ، صاحب الزمان|.

يجب أن نعدّ أنفسنا كجنودٍ مستعدّين لتلك الظروف والشّرائط، ونُجاهد في هذا المجال. إنّ انتظار الفرج لا يعني أن يجلس الإنسان ولا يفعل أيّ شيء، ولا ينهض لأيّ إصلاحٍ بل يُمنّي نفسه بأنّه منتظرٌ لإمام الزّمان عليه الصّلاة والسلام، فهذا ليس انتظارًا.

ما هو الانتظار؟ الانتظار يعني أنّه لا بدّ من مجيء يدٍ قادرةٍ مقتدرةٍ ملكوتيّةٍ إلهيّةٍ وتستعين بهؤلاء النّاس من أجل القضاء على سيطرة الظّلم، ومن أجل غلبة الحقّ وحاكمية العدل في حياة البشريّة ورفع راية التّوحيد؛ تجعل البشر عبادًا حقيقيّين لله. يجب الإعداد لهذا الأمر. فكلّ إقدامٍ على طريق استقرار العدالة يُمثّل خطوةً نحو ذلك الهدف الأسمى. الانتظار يعني هذه الأمور. الانتظار حركةٌ وليس سكونًا. ليس الانتظار إهمالاً وقعوداً إلى أن تصلح الأمور بنفسها. الانتظار حركةٌ واستعدادٌ. هذا هو انتظار الفرج.



1- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 71.
2- سورة القصص، الآية 5.
3- سورة الأعراف، الآية 128.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:05

معنى أن يستبدل الله (عزّ وجل) قوماً بقوم آخرين!

المادّة الأصلية لمفهوم "الاستبدال" هي الحروف الثلاثة الآتية: الباء والدال واللام. وهي تعني في اللغة ترجيح شيء على شيء آخر. وقد ورد هذا المفهوم في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، ومنها ما ورد في سياق الحديث عن بني إسرائيل في قوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾[1]. ومعنى هذه الآية كما هو واضحٌ أتتّخذون الذي هو أدنى وأقلّ قيمةً بديلًا عن الذي هو خيرٌ وأحسن قيمة. وهذا المعنى لمادّة بدل هو حاصل ما يتبنّاه أهل اللغة وعلماء التفسير، يقول المصطفوي: "أنّ الأصل في المادّة هو وقوع شيءٍ مقام غيره"[2]. وقد يوحي هذا التفسير بعدم الفرق بين الاستبدال والتداول، ولكن يكشف التدقيق في الكلمتين عن شيء من الفرق بينهما يتبيّن بعد البحث عن فلسفة الاستبدال.
 
فلسفة الاستبدال الإلهيّ
تستند فكرة الاستبدال إلى أنّ الإنسان خُلِق على هذه الأرض بإرادة الله سبحانه، ولمّا كان الله منزّهًا عن العبث واللغو: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾[3]، و﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾[4]. وإذا كان الأمر على هذا النحو فمن البديهيّ السؤال عن السبب وعن الحكمة التي اقتضت أن يخلق الله الإنسان على الأرض، بل أن يخلق له الأرض وغيرها من المخلوقات كما تفيده الآيات الدالّة على تسخير كثيرٍ من الأشياء للإنسان: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾[5].
 
وبالرجوع إلى كتاب الله عزّ وجلّ نجد أنّه يبيّن لنا الهدف من خلق الإنسان على الأرض بعبارات عدّة لا ندّعي أنّها تدلّ على معنًى واحدٍ بالضرورة ولكنّها على أيّ حال تفيد أنّ ثمّة هدفًا يريد الله تحقيقه على يد الإنسان، فمرّة يعبّر عن هذا الهدف باسم الخلافة والاستخلاف، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[6].
 
وأخرى يعبّر عنه بالعبادة كما في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[7].
 
وثالثةً يعبّر عن هذا المعنى بقوله: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾[8].
 
وهذه الآية وغيرها ممّا يمكن العثور عليه بمزيد من البحث تفيد أنّ لله من وراء خلق الإنسان غرضًا وغايةً. وقد أرسل الله رسله تترى إلى البشريّة ليحفظوا مسيرة الإنسانيّة على هذا الخطّ الإلهيّ وكتب على نفسه أن ينصر رسله وأن يحقّق الأهداف التي أرسلهم من أجلها، كما كتب على نفسه أن يحقّق الأهداف التي من أجلها خلق الإنسان نفسه. فإذا أبى جيلٌ من الأجيال أو قرنٌ من القرون بحسب التعبير القرآنيّ عن تحقيق الأهداف التي يريد الله تحقيقها على يديه، جرت عليه سنّة الاستبدال وأحلّ قومًا آخرين محلّ القوم الذين فشلوا في تحقيق ما يراد منهم تحقيقه. وهذا هو الاستبدال أي هو نقل راية الله من يدٍ إلى يدٍ، وقد حصل هذا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّات عدّة في معاركه. ومن أشهر هذه المرّات إعطاؤه الراية إلى أمير المؤمنين يوم خيبر بعد فشل عدد من أصحابه في فتح الحصن.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة البقرة، الآية 61.
[2] التحقيق في كلمات القرآن، ج 1، ص 251.
[3] سورة الأنعام، الآية 73.
[4] سورة الأنبياء، الآية 16.
[5] سورة لقمان، الآية 20.
[6] سورة البقرة، الآية 30.
[7] سورة الذاريات، الآية 56.
[8] سورة هود، الآية 61.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:02

دور المقاومة في حياة المجتمعات

إن مقاومة أي شعب هي التجسيد الأروع لإرادة الحياة الكريمة وهي الطريق الأمثل لتحقيق القيم الإنسانية من أجل رفع الأثقال والأغلال عن كاهل المظلومين والمضطهدين.. وهي في قاموس الشعوب الذخيرة الوجدانية والمرجع الصالح، والذاكرة لا تموت وتنطوي على أرفع المعاني التي توجب الافتخار والاعتزاز لتكون الحقيقة الممتدة في تاريخ الشعوب ولتغدو جزءاً من التكوين الثقافي الذي يستحق اهتمام الباحثين والمفكرين والمؤرخين والأدباء وأهل الفن والإعلام فيتناول كل صنفٍ من هؤلاء هذه الأمثولة بطريقته الخاصة في مساهمة فاعلة لترسيخ انتماء جامع لكل الأجيال التي تتغنى بتاريخها وبطولات قادتها وعظمائها والتي تطربُ لها الأحاسيس لمجرد ذكرها وتتفاعل مع كل تفاصيلها بكل زهو وشعور بالاعتزاز الذي يؤكد الصدق والجدارة ذلك لأن الأمة التي لا تضحي من أجل ذاتها وهويتها ليست جديرة بالحياة فضلاً عن البقاء.

واقع الأمّة
إن امتنا التي نفخر بعراقتها وحضارتها وإنجازاتها بين الشعوب والأمم قد طالها من الظلم والاعتداء على مدى قرنٍ كامل كل أنواع التعسف والاستعباد وواجهت كل المراحل الماضية بقوة وثبات وأنتجت الثورات والمقاومات تحت عناوين مختلفة وفي مناطق متعددة إلى أن وصلت إلى مرحلة تشبه الإنهاك ولم يكن هول ما أصابها كافياً لإسقاطها وهي التي تعودت بفكرها وتاريخها ورجالها أن تتحمل أصعب الظروف لكن المشكلة التي جعلتها في موقع الخطر الحقيقي والاستحقاق الأدهى هو أنها بدأت تُدفع باتجاه الخروج من الذات والانقلاب على الهوية، هذا الخطر هو أشد ما واجهها، فإن مراحل الاحتلال والانتداب والتقسيم إلى بلدان ودويلات وأعراق ومذاهب وصولاً إلى مرحلة زرع الكيان الصهيوني في قلب عالمنا الإسلامي والعربي كل هذا تمت مواجهته وقُدمت مئات الآلاف من الشهداء في سبيل ذلك ومن الصعب أن تجد مرحلة لم تكن حافلة بالمقاومة العسكرية والثقافية والاقتصادية.

لكن ما عسى هذه الأمة أن تفعل حيال هذا الحشد الطاغوتي المتتالي الذي سخر كل قوى العالم المادية والمعنوية والسياسية والمترافق مع سيلٍ من الدعاية الكاذبة ووسائل التأثير على الشخصية بغية إفراغها من كل مضامين القوة فيها حتى وجدنا أن بعض القادة وحتى بعض العلماء والمفكرين قد نالهم من هذا التأثير والضغط ما جعلهم في غير الموقع الصحيح.. إن حصول المجازر وعمليات التشريد والطرد من الأرض المقتطعة أو المحتلة وان وقوف القرارات الدولية والسياسات العالمية ومصالح ذوي النفوذ وراء هذه الهجمات المتتالية كان في كثير من الأحيان مبعثاً على اليأس والضعف والهوان. ولا ننسى الأثر السيئ للخيبات المتتالية على مدى عقود مع ما مرت فيه الأمة من مشاهد الخيانة والنكوص وبيع الكرامات من قبل بعض الحكام والمأجورين ـ كل هذه الأمور أوصلت الأمة إلى أسوأ حالاتها في الانحدار والسقوط حتى لقد أصبح الكلام عن منطق الحق في بعض المراحل كلاماً غير واقعي وخارج سياق الأحداث واضطررنا للقبول بقلب المعادلات وصولاً إلى الانقلاب على القيم وهذا أسوأ ما وصلنا إليه.

مهمتان أساسيتان
لا أريد أن أتحدث عن تاريخ معلوم ووقائع واضحة للجميع من أجل التوصيف أو التبرير أو التبرؤ من واقعنا.. لكن ما أردته هو أن اختصر عوامل الانهيار والتراجع التي فعلت فعلها في إنساننا وكادت أن تفرغ شخصيته من عوامل القدرة والانتماء حتى لقد أصبحت الثقافة البديلة الوافدة هي المعيار وهي المحرك وهي الفاعل في مجريات الأحداث ولأقول وبكل وضوح إن مقاومتنا الغالية والعزيزة في لبنان نشأت في مثل هذه الظروف وكان يقع على عاتقها تحقيق مهمتين أساسيتين:

1- مواجهة المحتل وإخراجه من أرضنا التي دُنست بفعل احتلاله.

2- مواجهة الواقع البائس من أجل تجاوز كل العقبات والموانع المثقلة بتراكمات مأساوية جعلت هويتنا الثقافية الأصيلة غريبة في مجتمعها وأمتها.

وقد كان جلياً للمقاومة وأبنائها في البداية أن الانتصار في المواجهة الثانية هو الذي يؤسس للانتصار في المواجهة الأولى ولذا كانت المهمة شاقة ومكلفة.. المقاومة من هنا بدأت وقامت بدور عظيم وتاريخي لم تغادره على مدى أكثر من عشرين عام واجهت فيها الوحدة والغربة حتى لقد ألحقت بها النعوت المشينة وكان عليها أن تصمد ولا تسقط.. إن هذا الواقع فرض على المقاومة جهداً استثنائياً اصطلح عليه بالعود إلى الذات وإعادة ترميم الهوية الثقافية في الشخصية المنكسرة والتائهة والمتحيرة وقبلت هذا التحدي وكان عليها أن تكسر كل القيود وان تعمل ليل نهار من أجل إرساء قواعد جديدة في الصراع بعيداً عن كل الأساليب الممجوجة والتجارب الفاشلة.

المهمة الصعبة
في الظاهر كانت المقاومة تمارس عملاً عسكرياً وإعلامياً لكنها من ناحيةٍ أخرى كانت تعيش في داخلها ومجتمعها جهاداً مضنياً يهدف إلى إعادة الاعتبار للقدرة الفكرية والثقافية في إثباتٍ عملي تجريبي بات لا ينفع معه الكلام والنظرية والتغني بالأمجاد والركون إلى الاستدلالات العقلية والمنطقية والتاريخية فقط، كان المطلوب أن تعاد الثقة بالمعنى الفعلي إلى هذا الانتماء الحضاري الذي كادت أن تتقطع أوصاله وشرايينه بفعل الهزائم المتتالية، وعليكم أيها الأخوة الأعزاء أن تتصوروا حجم المهمة الصعبة التي يغفل عنها اغلب الناس عادة ولا يعيرونها الأهمية اللازمة لكنها هي الحقيقة والسند الخلفي والمدد الروحي الذي كان المنشأ الفعلي لكل النتائج الباهرة التي حصلنا عليها بفعل المقاومة ومجاهديها، من خلال هذه النظرة الفاحصة والثاقبة يمكننا أن ندرك المهمة التي قام بها ثلة من العلماء والأساتذة والمثقفين الذين كانوا يقومون بدور بث العقيدة وروح التضحية والثبات من الموقع الجهادي المباشر. وإن مجرد التدقيق في عطاءٍ جليل للشهيد السيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب وغيرهم من استشهدوا أو لم يستشهدوا ممن عُرفوا أو لم يعرفوا يلفتنا إلى طبيعة المهمة الثقافية الشاقة في ظروف غير مؤاتية وبيئة غير مساعدة، فيا تُرى أية ثقافة ستقدم لهذا الجيل المحاصر والمتعب والمثقل بالنكبات دون أن يكون فعله ردة فعل فقط بل ليكون منسجماً في إطار مشروع متكامل، كيف ستقنعه والهزيمة والإحباط يلفان كل حياته وهو منذ أن فتح عينه على هذه الدنيا تطفأ في وجهه كل ملامح الأمل والطموح وهو يرى عدوه يتغطرس في كل شيء ويسيطر على كل شيء.. في مثل هذه الأوضاع لا يكفي أن تحدثه عن موسى والسحرة وعن إبراهيم والنمرود وعن عيسى واليهود وعن محمد بن عبد الله وحصار الشعب أو المدينة لأنه كان يعلم أن هذه المعارف كانت موجودة ولربما بشكل أفضل عند من سبقه في التجربة ولم يفلح، في مثل هذه الأوضاع كان المطلوب أن تقدم له نماذج فعلية تقتدي بموسى وإبراهيم وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.. كان المطلوب أن تدفع في هذه التجربة بكل قوة الثقافة والتاريخ ودفع الروح من أجل إخراج الفكر والانتماء إلى حيز الواقع لتقدم تجربة حية مصحوبة بعلامات الصحة وشواهد الصدق.

نعم إن العمل الثقافي الذي اختارته المقاومة قد لا يكون مألوفاً في أسلوبه عند أهل الثقافة وبحسب الأعراف السائدة، وأحياناً كثيرة والى أيامنا هذه نسمع انتقادات توجه لهذه الثقافة التي تغاير المصطلحات والأنماط التقليدية الموجودة ونحن وإن كنا لا نلوم البعض لأننا نقدر حجم المؤثرات البيئية والمتغيرات الفاعلة والمتراكمة لكن كنا ندرك أيضاً أن الثقافة الأصيلة بمعنى الانتماء الحضاري الفعلي هي دور قبل أن تكون مصطلحاً وهي رسالة قبل أن تكون تقليداً وهي ذات غاية سلوكية وعملية قبل أن تكون نقاشاً ذاتياً أو ذهنياً.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:00

نسبة النصر إلى الله تحت ظلال التوحيد

النصر هو نعمة من النعم الإلهيّة التي يمكن أن تُنسب إلى الله تعالى، بناء على نسبة النعم إليه تعالى، ولكن لأجل خصوصيّة هذه النعمة نستعرض عددًا من الآيات التي تنسب هذه النعمة بخصوصها إلى الله عزّ وجلّ. بل إنّ بعض آيات القرآن الكريم يحصر هذه النعمة به عزّ وجلّ دون غيره من الناس أو المخلوقات.
 
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرً﴾[1]. بناء على أنّ المراد من النصر كما تقدّم هو العون والمدد الذي يمنّ الله به على المؤمنين لتتحقّق لهم النتيجة التي يرجونها منه تعالى.
 
ويقول تعالى في آية يحصر فيها النصر والعون به دون غيره من الوسائل والوسائط: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[2].
 
ويقول عزّ وجلّ أيضًا: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[3].
 
الدعاء بالنصر وطلبه من الله
ولا يقف الأمر عند حدّ الإخبار عن فعل الله في القرآن، بل أدّبنا التراث الدعائي الصادر عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام على طلب النعم كلّها من الله، ومنها النصر. وتكتفي بذكر نصّين، هما:

1- دعاء الافتتاح: هذا الدعاء من الأدعية التي يواظب المسلمون على قراءتها في ليالي شهر رمضان وهو من مفاخر الأدعية الإماميّة. وفيه طلب كثير من النعم من الله تعالى، ومن هذه النعم النصر الذي تكرّر ذكره بأشكال مختلفة على النحو الآتي في الدعاء للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه: "اللهمّ أعزّه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا يسيرًا، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا... وانصرنا به على عدوّك وعدوّنا... وأعنّا على ذلك بفتح تعجّله... ونصرٍ تعزّه وسلطان حقٍّ تظهره...".
 
2- من الصحيفة السجاديّة: وفي الصحيفة السجاديّة الكثير ممّا له صلة بهذا المعنى، وعلى رأس ما يمكن الإشارة إليه من أدعية الصحيفة وممّا له صلة بمفهوم النصر وطلبه من الله، قوله عليه السلام: "وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ"[4]. وليس هذا المورد الوحيد في هذه الصحيفة المباركة، بل ثمّة غيره كثير ممّا يدلّ على النصر من عند الله تعالى، وينبغي أن يُطلب منه.
 
التوحيد الأفعالي ونسبة النصر إلى الله
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "اكتب بقلم العقل على صفحة القلب: لا مؤثّر في الوجود سوى الله". كلمة رائعة تصدر عن شخص خبر انحصار التأثير في الوجود بالله سبحانه وتعالى، وعاشه معرفة وتجربة وسلوكًا. وهذه الكلمة الرائعة ليست مجرّد تجربة شخصيّة يعبّر عنها هذا العارف الكبير في لحظة وجدٍ وساعة كشف، بل هي جزء من عقيدة الإمامية في التوحيد. وتوضيح ذلك أنّ التوحيد بحسب الرؤية الإمامية ينقسم إلى أقسام عدّة هي:

1- التوحيد في مقابل التعدّد: ومعنى هذه المرتبة من التوحيد الإيمان بأنّ الله واحدٌ لا شريك له. وهو أدنى مراتب التوحيد. وهذه المرتبة يعبّر عنها بعض العلماء بأنّها توحيد العوامّ، لقدرة جميع الناس على فهمها وإدراكها والاعتقاد بها.
 
2- التوحيد في مقابل التركيب: ومعنى هذه المرتبة نفي تركّب الذات الإلهيّة من أجزاء، كالوجود والماهيّة وغير ذلك. ويستدلّ علماء العقيدة على هذه المرتبة من التوحيد بأنّ المركّب يحتاج إلى أجزائه والله سبحانه غنيّ عن كلّ شيء حتّى عن الأجزاء.
 
3- التوحيد في مقابل زيادة الصفات: والمراد من هذه المرتبة من مراتب التوحيد أنّ صفات الله تعالى ليست زائدة على الذات، لأنّها إن كانت حادثة فهذا يعني أنّ الله لم يكن متّصفًا بها ثمّ صار، وإن كانت قديمة فهذا يعني تعدّد القدماء، الأمر الذي لا ينسجم مع التوحيد بمعناه الأسمى الذي تقرّه العقيدة الإماميّة. وإن كان غير الإمامية يقبلون هذا المعنى ويؤمنون بما يسمّونه "القدماء الثمانية"[5].
 
4- التوحيد الأفعاليّ: وحاصله أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى أحد ليساعده على نيل ما يريد وتحقيق ما يشاء. وبحسب تعبير الشيخ جعفر سبحاني: التوحيد الأفعالي هو أن نعترف بأنّ العالم بما فيه من العلل والمعاليل، والأسباب والمسبّبات، ما هو إلا فعل الله سبحانه، وأنّ الآثار صادرة عن مؤثّراتها بإرادته ومشيئته. فكما أنّ المخلوقات غير مستقلّة في ذواتها بل هي قائمة به سبحانه فكذا هي غير مستقلّة في تأثيرها وعليّتها وسببيّتها. فيستنتج من ذلك أنّ الله كما لا شريك له في ذاته، كذلك لا شريك له في فاعليّته وسببيّته، وأنّ كلّ سبب وفاعل، بذاتهما وحقيقتهما وبتأثيرهما وفاعليّتهما، قائمٌ به "سبحانه وأنّه لا حول ولا قوّة إلا به"[6]. وتوجد مرتبة أخرى من التوحيد يحتاج التمييز بينها وبين هذه المرتبة إلى تدقيق ومزيد تفصيل ليس هذا محلّه وهو ما يسمّيه بعض العلماء بـ"التوحيد الاستقلاليّ"[7].
 
ويمكن إثبات هذه المرتبة من التوحيد بالاعتماد على العقل والدليل الفلسفيّ، كما يمكن إثباتها بالرجوع إلى القرآن الكريم. والدليل العقليّ الذي يستند إليه العلماء لإثبات هذه المرتبة من التوحيد يرتكز إلى تفسير طبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوقين أو فلنقل بين العلّة الموجدة وبين الموجودات. فوجود الممكن وجود رابط غير مستقلٍّ، وما ليس مستقلًّا في أصل وجوده لا يمكن أن يكون مستقلًّا في تأثيره بل من الضروريّ أن تكون آثاره مرتبطة ومتوقّفة على العلّة الموجدة كأصل وجوده.
 
وأما من القرآن الكريم فتوجد آيات عدّة يمكن أن يُستفاد منها هذا المعنى، ومن هذه الآيات:

أ- قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾[8]. ففي هذه الآية يبيّن الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ فاعل الرمي هو الله، والنتيجة المترتّبة على الرمي ينبغي أن تُنسب إلى الله، وليس إلى سواعد المجاهدين.
 
ب- كلّ الآيات التي تنسب بعض أفعال الإنسان إلى الله تعالى، كقوله عزّ وجلّ: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾[9]. ففي هذه الآية ينفي الله عزّ وجلّ الزرع عن الإنسان وينسبه إلى نفسه ولو بصيغة السؤال. وهذا يعني أنّه هو المؤثّر الأوحد في الوجود، على الرغم من اعتقاد الإنسان السطحيّ بأنّه هو الذي يزرع ويسقي الزرع ويرعاه لينمو ويحين وقت حصاده.
 
ج- قوله تعالى: ﴿وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[10]. يقول السيد الطباطبائي في تفسير مجموعة الآيات التي وردت هذه الآية في سياقها: وهذه الآيات تعلّل ذلك (أي أنّ الشرك يسوق الإنسان إلى الهلاك) بأنّ ربّ الجميع واحدٌ إليه تدبير الكلّ يجب عليهم أن يدعوه ويشكروا له وتؤكّد توحيد ربّ العالمين من جهتين: إحداهما: أنّه تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض جميعًا ثمّ دبّر أمرها بالنظام الأحسن... والثانية: أنّه تعالى هو الذي يهيّئ لهم الأرزاق بإخراج أنواع الثمرات..."[11] ثمّ يتابع السيد الطباطبائي شرح مفهوم النظام الواحد الحاكم على الكون كلّه بجميع تفاصيله وجزئيّاته، ويقول أخيرًا: "والباحث عن النظام الكونيّ يجد أن الأمر فيه على هذه الشاكلة، فالحوادث الجزئية تنتهي إلى علل وأسباب جزئية، وتنتهي هي إلى أسباب أخرى كلية حتى تنتهي الجميع إلى الله سبحانه غير أن الله سبحانه مع كلّ شيء وهو محيط بكل شيء"[12].
 
إذًا هذه هي الرؤية الإسلامية إلى التوحيد، وعلى ضوء هذه الرؤية وانطلاقًا منها ينسب المسلمون النصر إلى الله كما ينسبون الرزق إليه على حدٍّ سواء. فالأمر بناء على هذه الرؤية ليس من باب التبرّك، ولا من باب المبالغة بل هذه النسبة من مقتضيات العقيدة الدينيّة الإسلامية، وجزء من الرؤية الكونية الإسلاميّة.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الأحزاب، الآية 9.
[2] سورة آل عمران، الآية 126, وانظر: سورة الأنفال: الآية 10.
[3] سورة الصف، الآية 13.
[4] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجاديّة، من دعائه لأهل الثغور.
[5] انظر: محمد تقي مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة هاشم محمد، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، قم، 1997م، ص 151 - 153.
[6] الشيخ جعفر سبحاني، مفاهيم القرآن، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم، ج 1، ص 15.
[7] لمزيد من التفصيل، انظر: الشيخ اليزدي، مصدر سابق، ص 155.
[8] سورة الأنفال: الآية 17.
[9] سورة الواقعة، الآيتان 63 و 64.
[10] سورة الأعراف، الآية 54.
[11] الميزان في تفسير القرآن، ج 8، ص 147.
[12] (م.ن)، ص 150.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 02:58

معرفة الإمام (عليه السلام) في عصر الغيبة

يمكننا تحديد الوظائف الملقاة على عاتق المنتظِر تجاه إمام العصر والزمان، وتجليات الولاية بالصورة العملية، وفق الأمور الآتية:

1- معرفة الإمام:
أشار الدعاء الملكوتيّ الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام إلى أوّل واجبٍ من واجبات أهل الانتظار والولاية: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"[1].
 
إنَّ أوّل ما يجب على المؤمن من أهل الانتظار والولاية الالتزامُ به: معرفةُ الإمامة والإمام معرفةً ترتكز على أساس معرفة التوحيد ومعرفة النبوّة. إذ لو أدركنا أنّ النبي خليفة الله الذي يلزم علينا أن نعمل على أساس وحي كلامه، لزم علينا أن نعرف الإمام على ضوء معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلّا قد ينتهي بنا القول إلى أنّ الإمامة يمكن أن تتشكّل تحت لواء السقيفة.
 
لو أحاط المؤمن علماً بهذه الحقيقة النوريّة، فسوف يرتبط بالتوحيد عبر مسار الإمامة والنبوة، ولن يتمسّك بغير الدين في الفكر والعمل. وإن استطاع الوصول إلى هذه المرتبة، استطاع حلّ مشاكله العلمية والعملية كلّها. ففي المجال الاجتماعيّ لن يتبنّى الأنظمة غير الدينيّة، بل سيلتزم بالقانون المتمحور حول أمر الله، لا أمر الناس، ومن هذا المنطلق لن يسلّم إلّا بالقانون الإلهيّ الذي يسعى مقامُ النبوّة والإمامة الشامخ إلى بيانه وتفسيره.
 
2- الثبات على الدين في عصر غيبته عليه السلام:
من أهم التكاليف الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر، وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهديّ عليه السلام، كما يتوجب علينا عدم التأثر بموجات التشكيك وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشككين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنّ القائم من وُلدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً يشكّكه فيزيله عن ملّتي، ويخرجه من ديني"[2].
 
3. تجديد البيعة والولاية له عليه السلام:
يعتبر دعاء العهد أحد أهم الأدعية المخصوصة بمنتظِري الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والواردة عن الإمام الصادق عليه السلام. والدعاء يتضمن جملة من المعارف التوحيدية، ويؤكد على ضرورة الارتباط الدائم بإمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ولزوم الاستقامة والدفاع عنه، مع الإشارة إلى الخطوط العريضة لبرنامج حكومة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. والدعاء يصف حالات المنتظرين الحقيقيين، ويشير إلى عقد المؤمن العهد مع الإمام عليه السلام وإشهاد الله عليه، لغرض توكيد هذا العهد الذي على أساسه يكون الداعي في كلّ زمان ومكان من أنصار إمام العصر وأتباعه الذابين عنه والعاملين بسنتّه وسلوكه، سائلاً الله أن يسدده ليبذل مهجته في هذا الطريق: "اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيامي، عهداً وعقداً، وبيعةً له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبداً …"[3].
 
4- الارتباط الروحيّ بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:
إنّ ما هو مطلوبٌ ومقدورٌ لجميع المحبين والمنتظرين هو إيجاد وحفظ الارتباط الروحيّ والمعنويّ مع الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما يحصل إثر رعاية أدب الحضور والارتباط معه.

وعليه، فالدعاء للإمام عليه السلام، والقيام بالمستحبّات، والتزوّد بالأعمال الصالحة نيابة عنه، وإهداء ثوابها إلى الأرواح الطيّبة للعترة الطاهرة عليهم السلام، من أفضل السبل لتعزيز الارتباط مع وجوده المبارك، كما أنّ أرقى سبيل لهذه النيابة أن لا يطلب من الإمام مقابل عمله أمراً لنفسه، لأنّ ذلك ينقص من قدر عمله. والوجه فيه: أنّ طلبنا بقدر إدراكنا، كما أنّ إدراكنا في أكثر الأحيان محجوبٌ بحجاب أُمنيّاتنا، ما يكون معه مطلوبنا المترقّب بذلك محدوداً. وعليه، فالأرجح من باب الأدب أن لا نطلب من ذلك الوجود المبارك أمراً خاصّاً، لوضوح أنّه من تلك السلالة التي سجيّتهم الكرم[4]. ومعه، فمن اللائق أن نوكل إليهم مسألة العطاء، نظراً إلى أنّ ما تقتضيه سجيّة الكريم في العطاء أن يكون عطاؤه مستمرّاً وافراً.
 
التربية الولائية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 337.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 51، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 68.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص96.
[4] حسبما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة التي ورد فيها أنّ الأئمّة عليهم السلام عادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم البلد الأمين، ص 302، ومن لا يحضره الفقيه، ج2، ص 615-.