هو الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) . السابع من أئمة أهل البيت المعصومين المطهرين.
ولد في الأبواء([1]) سنة ثمانٍ وعشرين ومئة للهجرة، وقبض(ع) ببغداد في حبس السندي بن شاهك، لستٍ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة للهجرة. وله من العمر يومئذٍ خمس وخمسون سنة، وأمه أم ولد يقال لها: حميدة البربرية، ويقال لها حميدة المصفاة وكانت من خيار النساء، وقد مدحها الإمام الصادق(ع) فقال فيها:
«حميدة المصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب. ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إليّ، كرامة من الله لي والحجة من بعدي»([2]).
وكانت مدة إمامته (ع) خمساً وثلاثين سنة، وكان يكنى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي، وكان يعرف بالعبد الصالح، ويلقّب بالكاظم(ع) .
صفت نفسه الطاهرة، وخلصت سريرته، فكان أحد كواكب البيت النبوي، يضيء طريق الأجيال، وينوّر ظلمات الدنيا بعطائه السيّال، تألّق نجمه في عنان السماء، وارتقى إلى مشارف العلى، علماً وحلماً، شجاعة وسماحة، فضلاً وكرماً، مضافاً إلى انقطاعه التام إلى الله سبحانه وتعالى، فصار مهوى للقلوب والأفئدة، ولذلك تسابقت الأقلام على مختلف انتماءاتها تشيد بفضله وتذكر مناقبه وعلوّ شأنه.
عاش الإمام الكاظم(ع) مدة مديدة من حياته في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه، ولما آلت الأمور إلى هارون الرشيد أعاد اعتقال الإمام (ع) ، وظلّ ينقله من سجن إلى آخر حتى استشهد في سجن السندي بن شاهك في بغداد بسم دسّه له الرشيد.
وكانت شهادته (ع) في الخامس والعشرين من شهر رجب لسنة مئة وثلاث وثمانين للهجرة (183هـ)([3]).
ودفن في مقبرة قريش في بغداد، في جانب الكرخ، والتي تعرف اليوم بالكاظمية ومرقده معروف يؤمّه الزوار من كل حدبٍ وصوب ومن مختلف المذاهب الإسلاميّة، وله كرامات مشهودة.
قال الإمام الشافعي (المتوفى: 204هـ) كما في (تحفة العالم): «قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب»([4])، يقصد به استجابة الدعاء عنده.
وقال الحسن بن إبراهيم، أبو علي الخلال، شيخ الحنابلة (من علماء القرن الثالث الهجري): «ما همّني أمر، فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسّلت به، إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب»([5]).
وقال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (المتوفى: 597هـ) في كتابه (صفة الصفوة) عن الكاظم(ع): «كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال»([6]).
وجاء عن ابن الأثير الجزري في كتابه (الكامل في التاريخ): «وكان يلقّب بالكاظم لأنه يحسن إلى من يسيء إليه، كان هذا عادته أبداً»([7]).
وهناك ما لا يحصى من نصوص علماء أهل السنة في الثناء على الإمام الكاظم(ع).
واللافت في حياة هذا الإمام العظيم الذي قضى معظم حياته في السجون حتى قضى فيها، أنه أكثر الأئمة ذرية، وما ذلك إلا ليظهر الله أمره ولو كره الكارهون.
فقد جاء في كتاب (الإرشاد) للمفيد: وكان لأبي الحسن موسى(ع) سبعة وثلاثون ذكراً وأنثى منهم: علي بن موسى الرضا(ع) ، وإبراهيم، والعباس، والقاسم لأمهات أولاد، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسين لأم ولد. وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد. وعبد الله وإسحاق، وعبيد الله، وزيد، والحسن، والفضل، وسليمان لأمهات أولاد. وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، وحكيمة، وأم أبيها، ورقية الصغرى، وكلثوم، وأم جعفر، ولبابة، وزينب، وخديجة، وعُليّة، وآمنة، وحسنة، وبُريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم، لأمهات أولاد.
وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى(ع) ، وأنبههم وأعظمهم قدراً، وأعلمهم وأجمعهم فضلاً أبو الحسن علي بن موسى الرضا(عليهم السلام) ([8]).
فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.
([1]) الأبواء: قرية من أعمال الفُرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً (معجم البلدان 1/79)، وفي الأبواء مدفن آمنة بنت وهب أم الرسول الأعظم (ص).
([2]) أصول الكافي للكليني 1: 550.
([3]) إعلام الورى للطبرسي 2: 6.
([4]) أئمتنا لمحمد دخيل: 65 نقلاً عن تحفة العالم: 22، ونقله أيضاً أحمد زيني دحلان في الدرر السنية في الرد على الوهابية 4: 6.
([5]) نقل قوله الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 1: 120، وابن الجوزي في المنتظم 9: 89.
([6]) صفوة الصفوة 2: 184 ترجمة رقم 191 راجع فهناك المزيد من كرامات الإمام يذكرها الشيخ. كما أن ابن الجوزي ترجم للإمام الكاظم(ع) في كتابه (المنتظم) ومدحه بكلمات تقرب مما نقلناه من النص.