إنّ دراسة حياة الأفذاذ من الرجال، إنّما تصبح ضرورة ملحّة، حينما تكون فرصة لاستيعاب كثير من المعاني البناءة، وللتعرف على حقائق الحياة، والوقوف على عميق أسرارها، من خلال دراسة فكر ورؤية، ثم حركة وموقف هؤلاء القمم؛ ليكون ذلك رافداً ثرّاً للجانب العاطفي، ومسهماً في تعميق الوعي العقيدي، المهيمن على هذا الإنسان في كل شؤونه، ومختلف أحواله وأطواره..
دراستنا لسلمان المحمّدي
ومن هنا.. فاننا لن نسمح لدراستنا لحياة سلمان المحمّدي، أن تتخذ إلا طابع الاستفادة من التجربة الفاضلة، لتسمو بنا، ونسمو نحن بها، لتكون ربيعاً لنا نتخير من أزهاره، ونجني من أثماره، ونلتذ بأفانين تغريد أطياره.
ونكون نحن لها التجسيد الحي، والنموذج الفذ، والمثل الأعلى..
ولكننا.. إذ نؤمن بأن قضايا التاريخ، مما لا يمكن حسم الأمر فيها، بسهولة، الأمر الذي يتخذ صفة الضرورة، قبل أن يمكن استيحاء العبرة والفكرة من أية قضية..
معلومات أولية:
اسمه: سلمان([1]).
كنيته: أبو عبد الله، أو أبو الحسن، أو أبو إسحاق.
ولادته: لا مجال لتحديدها.
وفاته: في الثامن من شهر صفر سنة أربع وثلاثين للهجرة.
بلده: جي (قرية في أصفهان). وقيل: إنه من رامهرمز، من فارس.
محل دفنه: المدائن.. بلد قرب بغداد، فيه قبره رحمه الله، وقبر حذيفة بن اليمان..
أبوه: كان أبوه دهقان أرضه. وهو يعدّ من موالي رسول الله(ص) .
وكان قد تداوله بضعة عشر مالكاً، حتى أفضى إلى رسول الله(ص) وعتقائه وأصحابه بل من خواص أصحابه.
وكان قد قرأ الكتب في طلب الدين.
حرفته: كان يسفّ الخوص، ويبيعه ويأكل منه، وهو أمير على المدائن.
إسلامه: عدّ في بعض الروايات من السابقين الأولين. كما قال ابن مردويه ويقال: بل أسلم أوائل الهجرة.
مشاهده: روي: أنه شهد بدراً وأحداً، ولم يفته بعد ذلك مشهد.
عطاؤه: في عصر الخلافة: خمسة آلاف، وكان يتصدق بها، ويأكل من عمل يده.
بيت سكناه: لم يكن له بيت يسكن فيه، إنما كان يستظل بالجدر والشجر، حتى أقنعه البعض بأن يبني له بيتاً، إن قام أصاب رأسه سقفه، وإن مدّ رجليه أصابهما الجدار.
من خصائص سلمان:
قد عرفنا من بيت سكناه ومن حرفته، ومما يصنعه بعطائه زهد سلمان، وعزوفه عن الدنيا، ولا نريد استقصاء ذلك هنا أكثر من ذلك..
وقد وصفه البعض بأنه: كان خيراً فاضلاً، حبراً عالماً، زاهداً، متقشّفاً([2]). وكانت له عباءة يفرش بعضها، ويلبس بعضها...
كان يحب الفقراء ويؤثرهم على أهل الثروة والعدد. وكان، كما يقال، يعرف الاسم الأعظم. وكان من المتوسّمين، وقد قيل: الإيمان عشر درجات، وكان سلمان في الدرجة العاشرة([3])، وكان يحب العلم والعلماء.
إنّ سلمان - كما روي عن الإمام الصادق(ع) - كان عبداً صالحاً، حنيفاً، مسلماً، وما كان من المشركين. وفي حديث رسول الله(ص) : «لا تغلطنّ في سلمان، فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أطلعه على علم البلايا والمنايا والأنساب، وفصل الخطاب..»([4]).
منزلته ومقامه:
بعض ما سبق يشير إلى علو مقامه، وسامق منزلته، ولا نرى أننا بحاجة إلى المزيد، ولكننا ننقل هذا الخبر عن عائشة:
عن عائشة، قالت: «كان لسلمان مجلس من رسول الله(ص) ينفرد به بالليل، حتى يكاد يغلبنا على رسول الله(ص) »([5]).
وقد قال رسول الله(ص) - كما سيأتي: «سلمان منّا أهل البيت»([6]).
وعن الصادق(ع) : «كان رسول الله(ص) ، وأمير المؤمنين(ع) يحدثان سلمان بما لا يحتمله غيره، من مخزون علم الله، ومكنونه»([7]).
ويأتيه الأمر: «يا سلمان، ائت منزل فاطمة بنت رسول الله(ص) ، فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد اُتحفت بها من الجنة..»([8]).
وعلَّمته صلوات الله وسلامه عليها أحد الأدعية المهمة أيضاً..
وعن النبيّ(ص): «سلمان منّي، ومن جفاه فقد جفاني، ومن آذاه فقد آذاني»([9]) الخ..
وقال الإمام الصادق(ع) لمنصور بن بُزُرْج - كما روي - : «لا تقل: سلمان الفارسي، ولكن قل: سلمان المحمّدي»([10]).
من لطائف الإشارات:
ونذكر من لطائف الإشارات، وطرائف الأحداث:
إن رسول الله(ص) قد آخى بين سلمان، وأبي ذر، وشرط على أبي ذر: أن لا يعصي سلمان.
ويقال: إن تاج كسرى وضع على رأس سلمان، عند فتح فارس، كما قال له رسول الله(ص) . وكان سلمان أحد الذين استقاموا على أمر رسول الله(ص) بعد وفاته..
وكان من المعترضين على صرف الأمر عن علي أمير المؤمنين إلى غيره، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال.
وفاة سلمان
وحين توفي سلمان تولى غسله وتجهيزه، والصلاة عليه ودفنه، علي أمير المؤمنين(ع) ، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك. وهذه القضية من الكرامات المشهورة لأمير المؤمنين(ع) ([11])، بل من الكرامات المؤكدة لسلمان.
([1]) ويكفي للاطلاع على جانب من حياته رحمه الله مراجعة كتاب (بحار الأنوار)، وكتاب سفينة البحار1: 647، وكتاب نفس الرحمان في فضائل سلمان.
([2]) الاستيعاب بهامش الإصابة 2: 58، وسفينة البحار 1: 647.
([3]) كما في باب الخصال العشرة من كتاب الخصال للشيخ الصدوق عن الصادق.
([5]) الاستيعاب بهامش الإصابة 2: 59، وسفينة البحار 1: 648.
([6]) بحار الأنوار 17: 169 ب1. والمناقب 1: 85.