شهادة الصحابي عمار بن ياسر في معركة صفين(9/ صفر / السنة 37 هـ)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شهادة الصحابي عمار بن ياسر في معركة صفين(9/ صفر / السنة 37 هـ)

كان عمار بن ياسر  من السابقين الأولين هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وصلى إلى القبلتين وشهد بدراً واليمامة وأبلى فيهما بلاءاً حسناً وكان هو وأمه ممن عذّبوا في الله فأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فنزل فيه: (إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ)([1]).

وقال رسول الله(ص)  كما رواه ابن حجر في الإصابة: «من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله»([2]).

قال: وتواترت الأحاديث عن النبي(ص)  «إنّ عماراً تقتله الفئة الباغية» وأجمعوا على أنه قتل مع علي(ع)  بصفين.

وفي (الاستيعاب): هذا من إخباره (ص)  بالغيب وإعلام نبوته وهو من أصحّ الأحاديث.

وقال رسول الله(ص) : «إن عماراً ملىء إيماناً إلى مشاشه»([3]).

ويروى: «إلى أخمص قدميه».

وقال (ص) : «عمار جلدة ما بين عيني»([4]).

ورآه النبي(ص)  يوم بناء المسجد يحمل لبنتين لبنتين وغيره لبنة لبنة، فجعل ينفضّ التراب عنه ويقول (ص): «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».

وقيل لحذيفة حين احتضر وقد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سمية (يعني عماراً) فإنه لن يفارق الحق حتى يموت.

وروى نصر بن مزاحم أنه لما كانت وقعة صفين، ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال: «والله هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهنّ».

ولما كان يوم صفين خرج عمار إلى أمير المؤمنين(ع)  فقال: يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال. فقال (ع) : «مهلاً رحمك الله». فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثاً فبكى أمير المؤمنين(ع)  فنظر إليه عمار فقال: يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله(ص) ، فنزل أمير المؤمنين(ع)  عن بغلته وعانق عماراً وودعه، ثم قال: «يا أبا اليقظان جزاك الله عنا وعن نبيك خيراً فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت» ثم بكى أمير المؤمنين(ع)  وبكى عمار.

ثم ركب أمير المؤمنين(ع)  وركب عمار.

وبرز عمار إلى القتال وكان قد جاوز التسعين، وأنشأ يقول:

نحن ضربناكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله

 

فاليوم نضربكم على تأويله
ويُذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله([5])

ثم قال: والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق وإنهم على الباطل. ثم قال:

الجنة تحت ظلال الأسنة

 

اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه

واشتدّ به العطش فاستقى فأتي إليه بلبن فشربه، ثم قال: «هكذا عهد إليّ رسول الله(ص)  أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن».

وحمل عليه ابن جون السكسكي، وأبو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جون فاحتزّ رأسه.

وروى ابن سعد بسنده قال: لما بلغ علياً(ع)  نعي عمار قال: «إن امرءاً من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار، ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة لغير رشيد! رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، فوالله لقد رأيت عماراً وما يُذكر من أصحاب النبيّ ثلاثة إلا كان رابعاً، ولا أربعة إلا كان خامساً!»([6]).

إنّ عمّاراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا موطنين ولا ثلاث! فهنيئاً له الجنّة، فقد قُتل مع الحقّ والحقّ معه، يدور الحقَّ معه حيثما دار، فقاتل عمّار وسالبه في النار([7]).

ثم تقدم علي(ع)  فجمع عمّار بن ياسر إلى هاشم المرقال أمامه ثم صلى عليه فكبّر خمساً أو ستاً أو سبعاً([8])، ورثاه الحجّاج بن عمرو الأنصاري بأبيات مشجية.

وقال المسعودي في (مروج الذّهب): وكان قَتْلهُ عند المساء، ولم يغسله علي(ع)  وصلى عليه ودفنه في صفّين([9]).ويُنسب إلى عمّار من الشعر قوله:

تَوَقَّ من الطُّرْق أوساطها
وسمْعَك صُن عن سماع القبيح
فإنّك عند سماع القبيح

 

وعُدَّ من الجانب المشتَبِه
كصون اللسان عن النُطق به
شريك لقائله، فانتبه([10])

فسلام الله على عمّار وأبويه الشهيدين ياسر وسُميّة، يوم ولدوا، ويوم استشهدوا، ويوم يبعثون أحياء، بل هم اليوم أحياء عند ربّهم يرزقون (وَلَكِن لاّ تَشْعُرُونَ).

مقام عمار بن ياسر في الرقة

أما اليوم فقد تحوّل مكان استشهاد عمار إلى مزار يؤمّه المحبّون والموالون، وذلك في مدينة الرقة السورية في منطقة صفين التي شهدت أحداث تلك الوقعة الشهيرة، وقد حاز هذا المقام اهتماماً بالغاً من قبل الجمهورية الإسلامية حيث تمّ بناؤه وتشييده على أحسن ما يكون.

 

([1]) سورة النحل: الآية 106.

([2]) بحار الأنوار 31: 196، وقعة صفين: 341.

([3]) المصدر السابق.

([4]) المصدر السابق.

([5]) وقعة صفين: 341.

([6]) الطبقات الكبرى 2: 363.

([7]) عن الفتوح لابن الأعثم الكوفي 3: 368.

([8]) الطبقات الكبرى 3: 363 عن الأشعث بن قيس، والشك في التكبيرات منه، وأنظر أنساب الأشراف 3: 318.

([9]) مروج الذهب 2: 381 ط بيروت، بتحقيق أسعد داغر.

([10]) الدرجات الرفيعة في طبقات أعلام الشيعة، للسيد المدني الشيرازي: 283، ط بغداد.

قراءة 986 مرة