
emamian
مع استحكام حلقات الأزمة السياسية.. هل تنجح مبادرة الأمم المتحدة للحل في السودان؟
لا يبدو أن المؤسسة العسكرية السودانية تعارض وساطة الأمم المتحدة خاصة وأن رئيس بعثتها فولكر بيرتس ظل على تواصل مع القادة العسكريين خلال الأزمة التي استفحلت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لقاء سابق بين رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس (يسار) ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان (الصحافة السودانية)
مزدلفة عثمان
الخرطوم- مع استحكام حلقات الأزمة السياسية في السودان، تقدمت الأمم المتحدة بمبادرة لوقف تدهور البلد الذي بات مرشحا للانزلاق صوب مربع العنف مع تطاول خلافات ساسته والاحتجاجات الشعبية شبه اليومية، التي تدعو لعزل المكون العسكري عن السلطة.
وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" (UNITAMS) -أول أمس السبت- إنها بدأت مع الشركاء المحليين والدوليين في إطلاق المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية، تتولى الأمم المتحدة تيسيرها بهدف التوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية، والتقدم في مسار مستدام نحو الديمقراطية والسلام
اقرأ أيضا
وفي فبراير/شباط 2020، أنشئت يونيتامس بقرار من مجلس الأمن الدولي بعد طلب حكومة السودان، لدعم عملية الانتقال الديمقراطي.
و أن مكتب رئيس البعثة الأممية في السودان، فولكر بيرتس، سيكشف اليوم الاثنين عن تفاصيل المبادرة التي حظيت بدعم دولي فور إعلانها، في وقت تباينت فيه ردود فعل الأوساط السودانية حيالها بين الترحيب والحذر والرفض.
لماذا أثارت المبادرة الجدل؟
تنظر عدة أطراف سودانية بعين الريبة لمبادرة بيرتس باعتبارها تسعى إلى إيجاد مخرج للمكون العسكري، وحمل السياسيين الفاعلين والقوى المحركة للشارع على التفاوض معه.
في حين يرفع المحتجون في مظاهرات مستمرة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لاشرعية"، مؤكدين حالة انعدام الثقة تجاه القادة العسكريين، بعد استبعادهم الشركاء المدنيين والإطاحة بحكومتهم واعتقال وزرائهم، وفي حين سماها قائد الجيش "إجراءات تصحيحية"، تصفها غالبية الأحزاب السياسية بـ"انقلاب" لا يجوز فيه الحوار مع العسكر.
وبحسب ما رشح عن المبادرة، فإنها ترمي لإنهاء العنف، وتشمل جميع "أصحاب المصلحة" كما تسميهم الأمم المتحدة، من المدنيين والعسكريين والحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية التي ستتولى الأمم المتحدة تسهيلها.
تعقدت الأزمة في السودان بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل أسبوع
كيف ساءت الأوضاع؟
تعقدت الأوضاع السياسية في السودان بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي، بسبب تعذر التوافق بين المكونات السياسية، وفشله في تكوين حكومته إثر إعادته إلى منصبه بموجب اتفاق سياسي وقعه مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو الاتفاق الذي أبرم ليكون مخرجا من الأزمة التي خلفتها قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن الاتفاق بين البرهان وحمدوك أثار حفيظة القوى السياسية التي أطاح بها قائد الجيش، واتُّهِم حمدوك نفسه بموالاة الانقلابيين في حين حاول تبرير الاتفاق بالسعي إلى حقن الدماء وإشاعة التوافق.
وازداد الوضع تأزما مع استمرار الاحتجاجات وموجة القمع الأمني العنيف للمتظاهرين، مما أدى لسقوط 60 قتيلا ومئات الجرحى منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهو ما أسهم في تأجيج الخلاف بين الأحزاب وقوى الشارع والمكون العسكري، ليرتفع سقف المطالب برحيل كل قادته الحاليين، وهو ما سيعقد مهمة مبعوث الأمم المتحدة ويضع مبادرته أمام تحدٍّ صعب.
جذور الأزمة؟
من وجهة نظر رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل فإن الأزمة بدأت عندما أطاحت قرارات البرهان بالوضع الدستوري القائم في 25 أكتوبر/تشرين الأول وعطل بموجبه الوثيقة الدستورية و"هو ما يتم التصدي له حاليا في الحراك السلمي بالشارع لإسقاط الانقلاب" كما يقول، ومن ثم بدء تأسيس عملية دستورية جديدة.
ويشدد فيصل في حديثه للجزيرة نت على ضرورة عدم التعامل مع المبادرة الأممية في سياق فشل السودانيين في الحل، خاصة أن الاتفاق الذي أثمر الوثيقة الدستورية كان برعاية الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا، كما أن السودان عضو في الأمم المتحدة وجاءت بعثتها السياسية بطلب من الحكومة.
كيف نظرت الأحزاب السياسية للمبادرة؟
لم تظهر غالبية القوى الحزبية موقفا حاسما حيال مبادرة الأمم المتحدة باعتبار أن تفاصيلها ما زالت غامضة، لكن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، أفاد بأن بعثة يونيتامس لديها تفويض -بموجب قرار مجلس الأمن 2525- لدعم الانتقال المدني في السودان، وأن هذا الانتقال "عصف به انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول".
وعليه، قالت قوى الحرية والتغيير -في بيان- إن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان.
وقال الائتلاف إنه سيتعاطى بإيجابية مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة "الانقلاب"، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، ويقول بابكر فيصل وهو عضو في المجلس المركزي للحرية والتغيير، إنه من المهم التعرف على محتوى المبادرة قبل تحديد موقف حيالها.
وفي المقابل، كان تجمع المهنيين أشد وضوحا وهو يعلن رفضه القاطع للمبادرة الأممية؛ إذ أكد -في بيان على حسابه بفيسبوك- رفضه التام للدعوة "التي تسعى للدفع تجاه التطبيع مع مجرمي المجلس العسكري الانقلابي وسلطتهم الفاشية".
وأشار إلى أن الشعب أعلن أن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بإسقاط "المجلس العسكري الانقلابي"، وتقديم أعضائه للعدالة "على ما اقترفوه من مذابح ومجازر بحق الشعب السوداني المسالم الأعزل في محاكم خاصة".
وذهب التجمع إلى الأبعد باتهام فولكر بيرتس بالسعي إلى تثبيت اتفاق البرهان – حمدوك، وقال إن "ممارسات فولكر تخالف أسس ورسالة المنظمة الدولية في دعم تطلعات الشعوب للحرية والسلم والعيش الكريم، وحريٌ به الإصغاء لأهداف شعبنا وقواه الثورية في الحكم الوطني المدني الكامل وهزيمة آخر معاقل الشمولية".
ومن جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كمال كرار، أنه لا حوار في ظل "سلطات الانقلاب".
الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر رحب بالمبادرة
بينما قال المؤتمر الشعبي -على لسان الأمين السياسي للحزب كمال عمر- إنهم يرحبون بأي دعوة للحوار والتواصل، للخروج من الأزمة.
وفي دوائر الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني، لاقت المبادرة الأممية قبولا باعتبارها تعزز الحوار وتعيد تعريف دور الشركاء الدوليين، بلوغا لتوافق وطني يجمع الآراء ويمهد للانتقال الديمقراطي المفضي لانتخابات عامة.
ورحب بها حزب بناء السودان ورأى فيها إعلاء للحلول السياسية السلمية، ودعا البعثة ورئيسها للاضطلاع بدور أكبر وأوضح لدعم الانتقال الديمقراطي بالسودان في ظل انعدام الثقة بين الأطراف السياسية والمكون العسكري.
وشدد كذلك على أهمية أخذ مطالب الشارع السوداني في الاعتبار بما يشمل الحوار مع كل الأطراف، ويفضي لحل سياسي يجعل القوى المدنية في قمة هرم السلطة الانتقالية، مع ضرورة إبعاد المكون العسكري أو تقليل تأثيرهإغلاق مربع الحوار المشروط
ما موقف الجيش والدعم السريع؟
لا تزال المؤسسة العسكرية تلتزم الصمت حيال المبادرة، في حين أجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اتصالا برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قبل ساعات من إطلاق الوساطة وتناقشا حولها، وتعهدت المنظمة الدولية بدعم الفترة الانتقالية وتشجيع الحوار بين الأطراف السودانية لضمان الانتقال السلس الذي يفضي للانتخابات.
وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، هاتفت في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، ونقلت إليه لأول مرة إمكانية الاستفادة من بعثة يونيتامس في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، بينما أبلغها حمدان أن المخرج من الأزمة يتمثل في إدارة حوار وطني يفضي إلى توافق شامل.
كما هاتفت الدبلوماسية الأميركية، يوم الجمعة الماضي، عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي، وحدثته عن وساطة الأمم المتحدة لحل الأزمة السودانية.
ولا يبدو من هذه الاتصالات أن المؤسسة العسكرية تعارض وساطة الأمم المتحدة، خاصة وأن رئيس بعثتها فولكر بيرتس ظل على تواصل مع القادة العسكريين خلال الأزمة التي استفحلت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هل عجزت الأطراف السودانية عن الحل؟
يرى القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي، حاتم السر، أن تأييد بعض القوى السودانية للمبادرة الأممية المدعوم من أميركا والاتحاد الأوروبي ودول الجوار السوداني هو إقرار بالأمر الواقع، خاصة أن الشأن السوداني تدوّل أصلا ولم يعد محليا.
ويقول السر إن الحوار السوداني السوداني أصبح "نداء المرحلة الذي لا نملك ترف التفريط فيه، وإلا فإن السودان سيدفع ثمنا باهظا، لا يمكن تخيل عواقبه ولا تحمل تبعاته".
ويشير إلى أن حقائق الأمر الواقع أجبرت القوى السياسية السودانية على قبول المبادرة، وهي (الفرصة الأخيرة) لحل الأزمة وتمهيد الطريق أمام الانتخابات.
وبشأن دعوات إبعاد الجيش من الحياة السياسية، يقول السر إن ذلك محل اتفاق القوى السياسية وحتي العسكريين لا يعارضون، لكن في وضعية الانتقال السوداني الحالي فإن الأمر لا يتم بالقوة، وإنما عبر الحوار والتوافق، وإن السيناريو الأفضل هو الاتفاق على موعد للانتخابات والتي ستفرز بدورها نظام حكم مدني منتخبا.
المصدر : الجزيرة
كيف تكون عزيزاً؟
إنّ العزّة والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإسلام العظيم، وغرسها في نفوس المسلمين، وتعهَّد نماءها بما شرعه من عقائد، وسنّه من أحكام، ووجَّه به من آداب، فالمؤمن عزيزٌ بما أعزّه الله به من إيمان، وبما منحه من كرامة. قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[1]. كما أنّ المؤمن مُؤَيَّدٌ منصور، مكْفِيٌّ ومدفوعٌ عنه، ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرًا وباطنًا، وقد خاطَبَ الله المؤمنين قائلاً: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[2].
فالمؤمن عزيز بعزّة الله حتى لو كان فقيراً معدماً من المال، ولو طوى شهراً كاملاً جوعاً تراه لا يذلّ لأحد إلا لله سبحانه لأنّه علِم وتيقّن أنّ النافع الضار هو الله، وأنّ الذي بيده ملكوت كلّ شيء هو الله تعالى، وأنّه لا شيء يحدث إلا بأمر الله: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[3]، فالخلق خلقه، والأمر أمره، فهل بقي لأحد شيء بعد ذلك؟
روى مولانا الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: "الرجل كلّ الرجل نِعْمَ الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في رضاء الله، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل".
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يُفوّض إليه أن يذلّ نفسه ألم ترَ قول الله سبحانه وتعالى هاهنا ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾"[4].
وللمحافظة على هذا العزّ الذي يُبقي المؤمن منيعاً رفيع القدر بسبب دينه، فلا يحتاج في عزّه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به، لأنّ عزّته بالدين لا بالعشائر والتابعين - من أجل هذا - يُطالعنا مولانا الإمام الباقر عليه السلام بوصيّته الخالدة: "وَاطْلُبْ بَقَاءَ الْعِزِّ بِإِمَاتَةِ الطَّمَعِ، وَادْفَعْ ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ الْيَأْسِ، وَاسْتَجْلِبْ عِزَّ الْيَأْسِ بِبُعْدِ الْهِمَّة".
فطلب بقاء العزِّ يكون بإماتة الطمع، وإلا فالمآل إلى الذلّ، ويُدفع ذلّ الطمع بعزّ اليأس.
[1] سورة المنافقون، الآية 8.
[2] سورة آل عمران، الآية 139.
[3] سورة الأعراف، الآية 54.
[4] أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، الأحتجاج، ج 2، ص 321، الطبعة 1: دار المرتضى، مشهد.
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع عائلة الشهيد الحاجّ قاسم سليماني
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع عائلة الشهيد الحاجّ قاسم سليماني والأعضاء في لجنة إحياء ذكراه بتاريخ 2022/01/01م
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
المقياس الدّولي لحادثة شهادة الشّهيد سليماني
رحمة الله ورضوانه على شهيدنا العزيز. لقد صارت حادثة الشهادة لهذا العزيز العظيم حدثاً وطنياً، بل حدثاً إسلامياً دولياً. حسناً، هذه الذكرى الثانية. الناس يفعلون هذه الأشياء [لتكريمه]، وسأعود إلى قضية الناس هذه. نحن في الحقيقة نتحرك تبعاً للناس، وإن لقاءنا وحديثنا وأمثالهما هي في الواقع تبعاً لتلك الحركة المبتكرة للناس التي تجري في أنحاء البلاد كافة.
الصّدق والإخلاص رمزان لمدرسة سليماني
قد قلنا عبارةً، قلنا «مدرسة سليماني»[2]. صار الشهيد سليماني مدرسة أو كان مدرسةً. في ما يخص هذه المدرسة، رأيت الآن أنه -بحمد اللّه- تم نشر عدد من الكتب التي لم أرها من قبل. إذا أردنا تبيين ما نسميه «مدرسة سليماني» بجملتين قصيرتين، يجب أن نقول إن هذه المدرسة هي الصدق والإخلاص. هاتان الكلمتان هما في الواقع عنوانٌ ورمز ودليل لمدرسة سليماني. «الصدق» يعني الشيء نفسه الذي جاء في الآية الشريفة: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾[3]، التي سأشرحها الآن بإيجاز. «الإخلاص» أيضاً، نفسه الذي ورد في كثير من آيات القرآن ومن جملتها هذه الآية الشريفة: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾[4]. هذان العنوانان القرآنيان شكّلا حركة الشهيد سليماني.
شهادة الفريق سليماني حجّة على الأعداء
هذه الحركة مباركة، فحياة هذا الرجل مباركة من بدايتها إلى نهايتها، وشهادته أيضاً - نحن نقول في زيارة الأئمة (ع): «وَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ وَأَلْزَمَ أعْداءَكَ الْحُجَّةَ»[5] - أي قبْض الروح بيد الله، لكن قبض الروح هذا أوجب قيام الحجة على أعدائك وأعداء الله. هنا الشيء نفسه: النفوس بيد الله.
يجب أن يرحل الجميع عن هذه الدنيا، كل شخص يرحل بطريقة ما عن هذه الدنيا. الشهيد رحل عن الدنيا أيضاً، لكن طبيعة شهادته أتمت الحجّة على الأعداء وعلى من شهدها كافة.
علامات الصّدق ومعانيه
1. تحمّل ألم الجهاد
حسناً، الآن ماذا يعني ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾؟ أي التعامل بصدق مع الهدف، مع العهد الإلهي، مع المُثل. هذه هي مشكلتنا. مشكلتنا في أحيان كثيرة هي أن قدم الصدق تزلّ في حركتنا وتعاملنا مع مُثُل الإسلام والثورة. لقد عمل هذا الرجل، وكان يعمل في حياته، بصدق بالمعنى الحقيقي للكلمة كما رأينا هذه الحياة وعرفناها من قرب، سواء في «الدفاع المقدس»، أو بعده، وحتى مسؤولية «قوّة القدس»، أو في «قوة القدس». تحمّل عناء الجهاد في سبيل الأهداف. هذا معنى «بصدق».
2. الوفاء للإسلام والثّورة
الوفاء للإسلام والثورة. بقي وفيّاً للإسلام وللثورة بكل كيانه. الوفاء! بقي وفيّاً للعهد الذي قطعه مع الله والإمام [الخميني]. كان وفيّاً بكل كيانه وبمنتهى الدقة لواجباته تجاه الشعب الإيراني والأمة الإسلامية، سواء واجباته تجاه الشعب الإيراني، أو واجباته تجاه الأمة الإسلامية.
هناك من يحاول خلق ازدواجية بين الشعب والأمة. جذور هذا العمل عند العدو، وهم يفعلون ذلك. بالطبع، يخطئ بعض الأشخاص ويتبعون الخط نفسه عن غير قصد. في الداخل أيضاً، نرى أحياناً أن ذلك الشخص الذي يعمل من أجل الأمة الإسلامية لا يعود يلتفت بالضرورة نحو الشعب الإيراني، أو بالعكس. أثبت شهيدنا العزيز، الشهيد سليماني، أنه يمكن للمرء أن يكون الأكثر الوطنية في البلاد، وفي الوقت نفسه الأكثر الأممية فيها؛ الأكثر وطنيّةً والأكثر أمميّةً في الوقت نفسه.
علامات الوطنيّة والأممية عند الشهيد سليماني
كان الأكثر وطنيّة. من أين يُعرف ذلك؟ من تشييع جنازته! أي اجتماع لدينا في هذه السنوات المديدة خلال الثورة - مرحلة التجمعات العظيمة - مثل تشييع عشرات الملايين الشهيدَ سليماني؟ من كان أولئك؟ إنهم الشعب، أليس كذلك! لا يمكن تصوير الشعب في الأوهام. الشعب هو هذا الواقع القائم. عشرات الملايين قد شيّعوا هذا الرجل بعد استشهاده، ولذلك هو الأكثر وطنية. وهو أيضاً الأكثر أمميةً، لأن اسمه وذكره انتشر أكثر فأكثر في العالم الإسلامي خلال هذين العامين. يتكرر مراراً اسم الشهيد سليماني وذكره في العالم الإسلامي، وهو في تزايد مستمر. يرى الإنسان هذا ويشاهده. لقد كان بحق مظهراً للصدق: ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.
3. الجهد الدّؤوب
وفق ما شاهدنا عمله من قرب، كان حقاً مظهراً من مظاهر الجهد والعمل الدؤوب بلا كلل. في بعض الأحيان، عندما كان يذهب مثلاً إلى بلد ما، كان يرسل إلينا [تقريراً] عندما يعود. عندما كنت أقرأ هذا التقرير، يُذهلني الكم الهائل من العمل الذي حدث مثلاً في بضع أيام آنذاك. لقد أخذت نسخة من بعض هذه التقارير لأحتفظ بها لنفسي. كتبت عليها أيضاً أنني احتفظت بها حتى يُعرَف ويُدرَك كم كان يُنجِز هذا الرجل من الأعمال. لدي الآن نسخ عدة - تقريران أو ثلاثة - من هذا القبيل... العمل الدؤوب!
4.5. الشّجاعة والتّدبير
[العمل الدؤوب] المصحوب بالشجاعة، أي ليس العمل عملاً عادياً، وإنما يحتاج إلى الشجاعة. إنه يحتاج إلى الشهامة، ويعتمد على العقلانية. الشجاعة والعقلانية أيضاً، كلاهما مثير للإعجاب. إنه [أيضاً] مُدبّر. كان يعرف العدو بصورة صحيحة، وأدواته أيضاً. فالشهيد سليماني لم يكن غافلاً عن ماهية إمكانات العدو التي يمكنه أن يستفيد منها ويوجّه ضربةً. كان يعرف إمكانات العدو تماماً، لكنه في الوقت نفسه دخل الميدان بمنتهى الشهامة والقوة. لم يكن يخاف من العدو، وكان يختار أسلوب العمل بحكمة.
قلت مرات عدّة في حضور جمع من كبار المسؤولين في البلاد، والشهيد كان لا يزال حيّاً - سواء في حضوره أو غيابه - إنه كان يؤدي عمله بتدبير. وشجاعته... إلى درجة أننا نرى الآن كيف تتناقل الألسن أعماله الشجاعة. الأعمال التي كان يؤديها بحكمة كانت دقيقة. هذا هو «الصدق»، وهذا معنى ﴿صَدَقوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ﴾.
الثّمرة الدّنيويّة لإخلاص الشّهيد سليماني
أما إخلاصه... الصدق والإخلاص. إذا لم يكن هناك إخلاص، يصير العمل بلا بركة. حين ترون أن العمل يصير مباركاً يكون هذا بسبب الإخلاص. من أين يمكن فهم إخلاصه؟ مِن أنه لم يكن يسعى أبداً أن يُرى. كان يهرب من أن يُرى ذرة واحدة أيضاً. كان يهرب من أن يُرى، والآن صارت الحال أن يراه العالم كله، الدنيا كلها تراه. لقد كان يعمل العمل من أجل الله، ومن دون تظاهر ولا تباهٍ. أول مكافأة دنيوية أعطاها الله المتعالي عن هذا الإخلاص كانت ذلك التشييع بعشرات الملايين. كان ذلك التشييع أول أجر في الدنيا على إخلاصه، وبالطبع جزاء الآخرة محفوظ مكانه. كان هذا الانتشار لاسم الشهيد سليماني ورواج شخصيته وذكره واسمه في الدنيا أجره الدنيوي. في هذين العامين، ورد اسم الشهيد سليماني آلاف المرات على ألسن الناس وعبر أقلام الأفراد. هذا العام أيضاً، الناس يحتفلون بعفوية - قلت إنني سأعود إلى ذلك - وهذا بسبب إخلاص هذا العزيز.
الشّهيد سليماني أنموذج لشباب العالم الإسلاميّ
صار الشهيد سليماني أنموذجاً. واحدة من أبرز الحقائق هي أن الشهيد سليماني صار أنموذجاً. اليوم كثيرون من الشباب في العالم الإسلامي - خاصة في هذه المنطقة، أي ما أعرفه يتعلّق بهذه المنطقة - متعطشون لوجود أبطال مثل الشهيد سليماني. إنهم متعطشون اليوم. وكلما يزداد انتشار ذِكر سليماني أكثر، يزداد اهتمامهم وتعطشهم لوجود مثل هؤلاء الأبطال في بلدانهم.
اليوم الشهيد سليماني في منطقتنا رمز للأمل والثقة بالنفس، رمز للشجاعة، رمز للصمود والانتصار. الله يفعل هذه الأعمال، إنها ليست في أيدي أحد. نحن لا نعرف أن نفعل مثل هذه الأشياء بأي تدبير. هذه الأعمال من فعل الله.
سليماني الشّهيد أخطر على أعدائه من سليماني اللواء
قال أحدهم إنّ الشهيد سليماني أخطر على أعدائه من اللواء سليماني. لقد أدرك الأمر بصورة صحيحة، وهو كذلك فعلاً. أولئك الذين اغتالوا قبل عامين الشهيد سليماني والشهيد العزيز أبا مهدي وسائر رفاقهما كانوا يظنّون أنّ الأمر انتهى. كانوا يظنّون أنّهم قتلوهم وقُضي الأمر وانتهى. انظروا اليوم إلى حالهم، انظروا في أيّ حال ووضع هم، انظروا إلى وضع أمريكا! يفرّون بتلك الطريقة من أفغانستان، وهي مضطرّة إلى التظاهر بالخروج من العراق - طبعاً على الإخوة العراقيّين أن يتابعوا القضيّة بيقظة -، أمريكا مُجبرة على القول: سأؤدي دوراً استشاريّاً بعد الآن، أي تقرّ برغبتها عن الوجود عسكريّاً هناك، ولا يمكن لها ذلك. انظروا إلى قضيّة اليمن، وانظروا إلى قضيّة لبنان.
ازدهار تيّار المقاومة في المنطقة ببركة دم الشّهيد سليماني
التيار المناهض للاستكبار في المنطقة، تيار المقاومة في المنطقة، يتحرك ويعمل اليوم بصورة أكثر رونقاً وأكثر حيوية وأكثر أملاً مما كانت منذ عامين. في سوريا أيضاً هؤلاء علقوا، وفي ليس لديهم أيّ أمل في مستقبلهم هناك. هذه بركات ذلك الدم العزيز ودم المظلومية. إنها من بركات هذه الدماء.
تعامُل الشّهيد سليماني مع عائلات الشّهداء
نُقل عن الشهيد أنه قال في خطاب له: مَن يعيش شهيداً يصير شهيداً. لقد عاش على ذلك النحو، حقاً عاش شهيداً. عاش كما الشهداء. وكذلك بعض الصفات الأخلاقية للشهيد [محط اهتمام].
أنا أقرأ هذه الأيام كتاباً يتناول شرحاً لحالة الشهيد [سليماني] الأخلاقيّة وحياته... كتب أحد أصدقائه القدامى في عنوانٍ كما أعتقد: «سليماني الذي أعرف»[6]. وردت فيه أمورٌ لافتة؛ يقول: أرادوا إجراء عمليّة جراحيّة[7] لحفيد أحد أصدقائه الشهداء، فذهب إلى المستشفى وانتظر حتى انتهاء العمليّة. قالت والدة ذاك الطّفل حسناً إنّ العمليّة انتهت، يا حاج، فلتذهبوا وتتفرّغوا لإنجاز أعمالكم. قال: لا! والدُكِ، أي جدّ هذا الطّفل، ذهب بدلاً عنّي واستُشهد، وأنا أقف الآن هنا بدلاً عنه. بقي واقفاً حتّى عاد الطّفل إلى وعيه. اطمأنّ إليه ثمّ ذهب. هكذا كان تعامله مع عائلات الشهداء. أيضاً تعامله مع الأشرار والمفسدين خارج البلاد بطريقة، وداخل البلاد بطريقة أخرى... في جنوب كرمان ومنطقة جيرفت وتلك الأعمال التي أنجزها خلال تلك الأعوام بطريقة أخرى[8]، وتلك القوّة التي أبرزها والتحرّكات الحاسمة والشديدة التي كان يفعلها، كانت على نحو أنه عندما يدخل مكاناً معيّناً يعرفون أنّه قد جاء. قدومه بحد ذاته يبيد معنويّات الطرف المقابل والعدوّ ويزيلها بتلك الطريقة.
خوف المستكبرين من اسم الشّهيد سليماني حتى في الفضاء المجازيّ
اليوم أيضاً المستكبرون يرتعبون من اسمه، ومن ذِكره. انظروا في الفضاء المجازي - ربما لديكم اطلاع أكثر مني - كيف يتعاملون مع اسمه. هذا تنبيه آخر لنا ولمسؤولي الفضاء المجازي في البلاد كي يُدركوا ما عليهم فعله، حتى لا يتصرف العدو بأي طريقة يرغب فيها، في أيّ مكان يرغب فيه. طبعاً الفضاء المجازي في العالم هو تحت سيطرة المستكبرين. يخافون من اسمه ويرتعبون من انتشاره أيضاً. هذا ما يعنيه الأنموذج؛ يخشون من أن ينتشر.
الشّهيد سليماني الحيّ الأبديّ
على أي حال، الشهيد سليماني خالد، فهو حي إلى الأبد. أولئك الذين اغتالوه - ترامب وأمثاله - مكانهم في مزبلة التاريخ وسيكونون بين منسيي التاريخ في المزبلة، لكنه حيّ إلى الأبد. هكذا يكون الشهيد، وأعداؤه يضيعون ويُدفنون. طبعاً - إن شاء الله - يضيعون ويدفنون بعد أن ينالوا قصاصهم الدنيوي.
أنتم أيضاً، عائلته المحترمة وأيضاً أصدقاءه ورفاقه في النضال، وأيضاً العميد [إسماعيل] قاآني[9] الذي يعمل ويتحرك بصورة جيدة للغاية، الحمد لله. تابعوا جميعكم هذا النهج إن شاء الله، واجعلوه يتقدم.
وعدَنا الله المتعالي بالنصر؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُو﴾[10]. وعدَ بالدفاع. حسناً، نحن نتحرك في سبيل الإرادة الإلهية والأهداف الإلهية، والشعب يعمل من أجل الإسلام. هذا الدفاع ثم النصر: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُه﴾[11]، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[12].
نتمنى أن تكونوا جميعاً موفقين ومؤيدين، إن شاء الله. الأعمال التي ذكرَتها هذه السيدة هي أيضاً جيدة. كل هذا سيستمر على أحسن وجه إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، تحدث كل من السيدة زينب سليماني (ابنة الشهيد سليماني)، واللواء حسين سلامي (القائد العام لـ«حرس الثورة الإسلامية»).
[2] خطبتا صلاة الجمعة، بتاريخ 17/10/2020م.
[3] سورة الأحزاب، الآية 23.
[4] سورة الزمر، الآية 11.
[5] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص738.
[6] «سليماني الذي أعرف»، كتاب ذكريات وخواطر حجة الإسلام الشيخ علي شيرازي.
[7] بكاء سماحته.
[8] بعد الدفاع المقدَّس، تولى الشهيد سليماني بصفته قائد فرقة ثار الله 41 (التي تتألف من قوات من محافظات كرمان وسيستان وبلوشستان وهرمزجان)، توفير الأمن في جنوب شرق البلاد ومحاربة المجرمين ومهرّبي المخدرات حيث تمكن من إحلال الأمن في تلك المناطق.
[9] العميد إسماعيل قاآني (قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية).
[10] سورة الحجّ، الآية 38.
[11] سورة الحجّ، الآية 40.
[12] سورة محمّد، الآية 7.
دخول الاتفاقية الشاملة للتعاون الاستراتيجي بين طهران وبكين حيز التنفيذ وتصريحات للخارجيتين
أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن "الاتفاقية الشاملة للتعاون الاستراتيجي بين طهران وبكين، دخلت أمس الجمعة، حيز التنفيذ"
عبد اللهيان يبحث مع نظيره الصيني العلاقات الثنائية بين البلدين
وفي تصريح للصحفيين بعد اجتماعه بنظيره الصيني وانغ يي، قال أمير عبد اللهيان: "خلال الزيارة، اتفقنا أولا على بدء الجانبين بتنفيذ وثيقة التعاون الشامل للأعوام الـ25 القادمة اعتبارا من اليوم، وفي ذات الوقت الذي تجري فيه المحادثات بين الجانبين في الصين، أعددنا الأساس للإعلان اليوم عن بدء تنفيذ وثيقة التعاون الشامل بين البلدين".
وأضاف: "إلى جانب القضايا الأخرى المدرجة على جدول الأعمال، نقلت رسالة خطية من الرئيس، إبراهيم رئيسي، إلى نظيره الصيني شي جين بينغ، تضمنت تنفيذ وثيقة التعاون بين البلدين للأعوام الـ25 القادمة ومختلف القضايا الإقليمية والدولية..أجرينا محادثات تفصيلية بشأن المحادثات الجارية بفيينا حول رفع الحظر، إذ يؤدي المندوب الصيني مع نظيره الروسي دورا إيجابيا في دعم الحقوق الإيرانية بشأن الموضوعين النووي وإزالة الحظر".
من جانبه، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، "استعداد بلاده لتطوير التعاون مع إيران في مختلف المجالات من ضمها الاستثمارات والطاقة والبنوك والثقافة، رغم الحظر الأمريكي غير القانوني والجائر ضد الشعب الإيراني"، مشددا على أن "سياسة بكين المبدئية في استمرار دعم مواقف إيران في مفاوضات فيينا، وعلى ضرورة أن تعوض الولايات المتحدة عن أخطائها الناجمة جراء انسحابها من الاتفاق النووي".
ووصف وانغ يي وثيقة التعاون بين البلدين للأعوام الـ25 القادمة بأنها "مهمة جدا"، معتبرا أن "اتفاق الجانبين لبدء تنفيذ الوثيقة، حدث مهم وأساسي لتحقيق تطور جوهري في العلاقات بين البلدين".
وعقدت الجولة الثانية من المباحثات بين وزيري الخارجية الإيراني والصيني خلال المأدبة الرسمية التي أقامها وانغ يي على شرف نظيره الإيراني.
المصدر: "إرنا"
حضور القلب مفتاح السعادة
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كلّ شاغل يُشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله عزّ وجلّ واذكر وقوفك بين يديه، قال تعالى: هنالك تبلوا كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق... وقف على قدم الخوف والرجاء"[1]. فحضور القلب إذاً هو إفراغه من أيّ شيءٍ يُشغله عن الله تعالى وعظمته.
وقد ورد في جامع السعادات: "حضور القلب: وهو أنْ يُفرغ القلب عن غير ما هو ملابسٌ له ومتكلّمٌ به، حتى يكون العلم مقروناً بما يفعله وما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرهما. فمهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذكرٌ لما هو فيه من غير غفلةٍ عنه، فقد حصل حضور القلب. ثم حضور القلب قد يُعبّر عنه بالإقبال على الصلاة والتوجّه، وقد يُعبّر عنه بالخشوع بالقلب.."[2].
والمراد من حضور القلب في الصلاة هو أن يكون مشغولاً وملتفتاً إلى حال الصلاة ومتوجّهاً إلى الله في أفعاله وأقواله وغيرها ومفرّغاً فكره عمّا سوى الحقّ[3].
بقدر حضور القلب تُقبل العبادة
إنّ القلب هو المحور في العبادات، وهو الذي تبتغي العبادة تغييره والتأثير فيه وتشكيله على صورة العبودية وتحويله إلى عابدٍ حقيقي. فما هو السرّ في ذلك؟
إنّ رعاية حضور القلب في العبادات هو أحد أهمّ الآداب القلبية، إذ ليس للعبادة من دونه روحٌ أو معنىً، وهو مفتاح الكمالات والسعادة.
وقد ورد عن رسول الله محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُحَدِّثْ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَه"[4].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ مِنَ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبُعُهَا وَخُمُسُهَا إِلَى الْعُشْرِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِقَلْبِك"[5].
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ عَبْدٍ لَا يَحْضُرُ قَلْبُهُ مَعَ بَدَنِه"[6].
وعن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنّهما قالا: "إِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا"[7].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا أَحْرَمْتَ فِي الصَّلَاةِ فَأَقْبِلْ عَلَيْهَا فَإِنَّكَ إِذَا أَقْبَلْتَ أَقْبَلَ اللهُ عَلَيْكَ وَ إِذَا أَعْرَضْتَ أَعْرَضَ اللهُ عَنْكَ فَرُبَّمَا لَمْ يُرْفَعْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا الثُّلُثُ أَوِ الرُّبُعُ أَوِ السُّدُسُ عَلَى قَدْرِ إِقْبَالِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلَاتِهِ وَ لَا يُعْطِي اللهُ الْغَافِلَ شَيْئاً"[8].
بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، الباب التاسع والثلاثون، في افتتاح الصلاة، ص87.
[2] النراقي، محمد مهدي بن أبي ذر، جامع السعادات، نشر الأعلمي، بيروت، الطبعة الرابعة، ج3، ص 323.
[3] راجع السيد عبد الحسين دستغيب، صلاة الخاشعين، دار التعارف، ص 35.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص249.
[5] م. ن، ص260.
[6] م. ن، ص 242.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص363.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص 266.
تقرير يكشف 7 منشآت استراتيجية صهيونية ستدكّها صواريخ ايران
نشر موقع مختص بتحليل البيانات الاستخباراتية والاستطلاعية قائمة تضم سبع منشآت استراتيجية للعدو الاسرائيلي قال إن من المفترض أن تقصفها إيران ردا على أي هجوم محتمل من قبل الكيان.
وذكر تقرير نشره مركز The Cyber Shafarat–Treadstone 71: "في حال هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، مهما نجحت هذه العملية أم فشلت، هناك سبع نقاط استراتيجية في الكيان الإسرائيلي قد تشن إيران ضربات صاروخية عليها في الساعات القليلة الأولى بعد الهجوم الإسرائيلي".
وأوضح التقرير أن هذه المنشآت تحظى بأهمية استراتيجية قصوى، ما يجعل من قصفها انتقاما مناسبا للهجوم الذي من المفترض أن يشنه الكيان الإسرائيلي.
وهذه المنشآت الاستراتيجية السبع هي:
مركز الأبحاث النووية في ديمونا الذي يضم منشآت خاصة بإنتاج البلوتونيوم وبنى تحتية أخرى خاصة بالأسلحة النووية.
منشأة تيروش التي تعد أول موقع لتخرين رؤوس حربية استراتيجية منها رؤوس نووية تمتلكها "إسرائيل".
منشأة عيلبون التي تعد ثاني موقع لتخزين رؤوس نووية تكتيكية تمتلكها "إسرائيل".
منشأة كفار زخاريا (كفر زكريا) التي تعد مخصصة لتخزين ونشر صواريخ نووية.
مختبر ناحال سوريك للبحوث النووية الذي يعد موقعا مخصصا لبحث وتصميم وإنتاج الأسلحة.
منشأة يودفات التي تعد مخصصة لتركيب الأسلحة النووية،
منشأة "رفائيل رفائيل" التي يعتقد أنها تعمل خصوصا على تركيب الأسلحة النووية.
وقدر التقرير فرص نجاح الهجوم الإيراني المفترض على هذه المنشآت بصواريخ من نوع "دزفول" و"الحاج قاسم" بأكثر من 85%.
المصدر:العالم
الأمانة بمفهومها الواسع..
عند الحديث عن الأمانة فإنّ أغلب النّاس يتبادر إلى أذهانهم الأمانة في الأمور الماليّة، إلّا أنّ الأمانة بمفهومها الواسع تستوعب جميع المواهب الإلهيّة والنِّعم الرّبّانيّة على الإنسان.
إنّ جميع النّعم المادّيّة والمواهب المعنويّة الإلهيّة على الإنسان في بدنه ونفسه هي في الحقيقة أمانات إلهيّة بيد الإنسان.
1- الأموال: الأموال والثّروات المادّيّة، والمقامات، والمناصب الاجتماعيّة، والسياسيّة، هي أمانات بيد النّاس، ويجب عليهم مراعاتها وحفظها وأداء المسؤوليّة تجاهها.
2- الأبناء: الأولاد أمانة أيضاً بيد الوالدين، والطلّاب أمانة بيد المعلِّمين، والكائنات الطّبيعيّة أمانة بيد الإنسان لا ينبغي التّفريط فيها.
3- التَّكليف الشّرعي: قد أطلقت الآيات القرآنيّة الأمانة على التّكاليف الإلهيّة، يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾[1]. فالمقصود من الأمانة الإلهيّة هي المسؤوليّة والتّكليف الملقَى على عاتق الإنسان حيث لا يتيسّر ذلك إلّا بوجود العقل والحريّة والإرادة.
4- الصّلاة: وكذلك الرِّوايات أطلقت الأمانة على الصّلاة، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام عندما سُئل عن سبب تغيّر حاله وقت الصّلاة، قال: "جاء وقت الصّلاة، وقت أمانة عرضها الله على السّموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها"[2].
5- عمل الإنسان: عن أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً للأشعث بن قيس: "وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة"[3].
6. الأسرار: في الحديث النّبويّ: "المجالس بالأمانات"[4]، لأنّ في المجالس أسراراً وخصوصيّات لا ينبغي إفشاؤها.
آثار أداء الأمانة
إنّ من أهمّ فوائد أداء الأمانة على المستوى الاجتماعيّ هي مسألة الاعتماد وكسب ثقة النّاس، والحياة الاجتماعيّة مبنيّة على أساس التَّعاون والثِّقة المتبادلة بين أفراد المجتمع.
فلولا وجود الثِّقة والاعتماد لساد قانون الغاب، ولحلّ التَّنافر بدلاً من التّكاتف والتّعاون والتّعامل.
ثمّ إنّه إذا سادت الأمانة في المجتمع، فإنّها ستكون سبباً لمزيد من الهدوء والسّكينة الفكريّة والرّوحيّة، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة يُسبّب القلق والخوف للأفراد، بحيث يعيشون حالة من الإرباك في علاقاتهم مع الآخرين من الخطر المحتمل الّذي ينتظرهم.
والأمانة سبب في كسب المحبّة وتعميق أواصر الصداقة بين أفراد المجتمع، في حين إنّ الخيانة تُعتبر عاملاً للكثير من الجرائم والحوادث السلبيّة وأشكال الخلل الاجتماعي. وفي بعض الروايات إشارة لطيفة إلى هذا المعنى حيث يقول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَير مـا تَحـابُّوا وَتَهـادُوا وَأَدُّوا الأَمـانَةَ وَاجتَنبُوا الحَرامَ وَوَقَّرُوا الضَّيفَ وَأَقـامُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكـاةَ، فَإذا لَم يَفَعَلُوا ذَلِكَ ابتَلَوا بِالقَحطِ وَالسِّنِينَ"[5].
الأمانة تدعو الإنسان إلى صدق الحديث، كما إنّ صدق الحديث يدعو الإنسان إلى الأمانة في الجهة المقابلة، لأنّ صدق الحديث نوع من الأمانة في القول، والأمانة نوع من الصدق في العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ هاتين الصفتين يرتبطان بجذر مشترك وتُعبّران عن وجهين لعملة واحدة، ولذلك ورد في الأحاديث الإسلامية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا قَويَت الأَمـانَةُ كَثُرَ الصّدقُ"[6].
هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الأحزاب، الآية 72.
[2] الحويزي، نور الثقلين، ج 4، ص 313.
[3] نهج البلاغة، تحقيق الصّالح-، ص 366.
[4] الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 75، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، لا.مط، لا.ط، 1386 - 1966م.
[5] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص 254.
[6] الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص285.
الأزمة السودانية.. القوى السياسية تبحث المقترح الأممي والاتحاد الأفريقي يلتقي البرهان
احتجاجات بالخرطوم ضد ما وصفه معارضون بالانقلاب العسكري
2تبحث أطراف الأزمة في السودان مقترح الأمم المتحدة الخاص بإطلاق مشاورات سياسية لدعم الانتقال الديمقراطي بالبلاد، في حين التقى وفد من الاتحاد الأفريقي رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان لدعم المقترح الأممي.
وأعلنت قوى "الحرية والتغيير-مجموعة المجلس المركزي" قبولها المقترحَ الأممي. وقد التقى وفدها ببعثة الأمم المتحدة في السودان، حيث سلم المجلس المركزي رؤيته بشأن المقترح الأممي للحوار بين الفرقاء.
وخلال مؤتمر صحفي عقب لقاء الممثل الأممي، أعلن وجدي صالح القيادي في الحرية والتغيير-المجلس المركزي، قرار القوى التعاطيَ إيجابا مع المقترح الأممي، على أساس إنهاء ما وصفها بالحالة الانقلابية التي يعيشها السودان، وصياغةِ دستور جديد.
وشدد على رفض القوى القاطعِ لأي مفاوضات مع العسكريين. كما دعا المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى توسيع المقترح الأممي ليشمل الترويكا والاتحادَ الأوروبي، وأن يتم تحديد المشاورات وفق سقف زمني محدد.
وأوضح القيادي بهذه القوى أن الحراك الشعبي سيتواصل في الشارع، داعيا المؤسسة العسكرية إلى إجراءات لبناء الثقة كإطلاق سراح المعتقلين ووقف عمليات القمع.
من جهتها، قالت بعثة الأمم المتحدة "يونيتامز" (UNITAMS) -في إحاطة إعلامية لها بشأن مقترحها- إن الجهود السودانية الداخلية لم تنجح حتى الآن في مواجهة الأزمة.
لقاءات أممية
وأضافت "يونيتامز" أنها ستعقد لقاءات بشكل منفرد مع جميع القوى السياسية والأحزاب والفاعلين من المدنيين والعسكريين. كما ستدعو الحركات التي لم تستكمل بعد عملية السلام للمشاركة، وذلك لجعل المشاورات شاملة قدر الإمكان.
وطالبت البعثة الأممية بحماية حق السودانيين في التجمع السلمي وحرية التعبير، ودعت قوات الأمن إلى تحمل مسؤوليتها في ضبط النفس، والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
وفي سياق الدعم الدولي للمقترح الأممي، أعلنت الخارجية الأميركية أن وفدا بقيادة مساعِدة وزير الخارجية ومبعوثها للقرن الأفريقي سيبدأ جولة في الفترة من 17 إلى 20 من يناير/كانون الثاني الجاري، تضم كلا من السعودية والسودان وإثيوبيا.
وسيحضُر الوفدُ الأميركي اجتماع "أصدقاء السودان" في الرياض، قبل التوجه إلى الخرطوم حيث سيلتقي قادة عسكريين وناشطين وشخصيات سياسية، حسب بيان الخارجية الأميركية.
مشاورات أفريقية
في غضون ذلك، بدأ الاتحاد الأفريقي مشاوراته مع القوى السياسية بالخرطوم دعما لجهود الأمم المتحدة، حيث التقى البرهانُ مفوَّضَ الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي بانكول أديوي الذي سلمه رسالة من رئيس مفوضية الاتحاد تتعلق برؤية الأخير تجاه الأوضاع في السودان.
ودعا المفوضُ الأفريقي خلال اللقاء إلى نبذ العنف وتغليب المصلحة الوطنية.
وفي سياق، آخر، نظمت مجموعات من الكوادر الطبية وقفة احتجاجية أمام مقر النيابة العامة في الخرطوم للمطالبة بحكم مدني، وإبعاد العسكر عن السلطة.
وندد المحتجون بحوادث الاعتداء على المشافي والكوادر الطيبة خلال المظاهرات الشعبية، وناشدوا المنظمات الدولية الضغط على السلطات للحد من استخدام العنف خلال المظاهرات السلمية.
كما نفذت أسر وأصدقاء المعتقلين السياسيين وقفة احتجاجية اليوم الأحد أمام النيابة العامة بالخرطوم، وطالبوا بإطلاق سراحهم أو تقديمهم للمحاكمة.
وتأتي الوقفة بعد مرور 4 أيام على دخول المعتقلين السياسيين في إضراب مفتوح عن الطعام بسبب تمديد اعتقالهم. وقال ممثل أسر المعتقلين إن جهات سياسية تدخلت في قضية اعتقال ذويهم وتجديد حبسهم رغم رفض القضاء لذلك.
المصدر : الجزيرة
هل تستطيع إيران وباكستان تحقيق الاستقرار في أفغانستان؟
دورية لمقاتلي طالبان في جلال آباد بأفغانستان (الأوروبية)
"البحث عن الاستقرار في أفغانستان.. هل تستطيع إيران وباكستان إدارة إمارة طالبان؟" بهذا العنوان استهل خبير إستراتيجي مقاله في مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs)، مشيرا إلى أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان الصيف الماضي أزعج العديد من الدول المجاورة التي اعتادت على قيام الولايات المتحدة بالأعباء الثقيلة في المنطقة.
وألمح كامران بخاري -وهو اختصاصي الأمن القومي والسياسة الخارجية في معهد التطوير المهني بجامعة أوتاوا- إلى أنه مع وجود حركة طالبان في كابل من المرجح أن تتوسع الشبكات المسلحة، وقد ينتشر انعدام الأمن عبر حدود أفغانستان، وقال إن هذا الاحتمال يظل مدعاة للقلق في نحو 12 دولة.
وأضاف أن أكبر جارتين لأفغانستان (إيران وباكستان) هما الدولتان اللتان تتمتعان بأكبر قدر من النفوذ في البلاد والأكثر عرضة للخطر، حيث إن حدودهما الطويلة معها، إلى جانب الروابط التاريخية والعرقية واللغوية والثقافية سمحت لهما بلعب أدوار مهمة في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
وأضاف الكاتب أن أيا من دول آسيا الوسطى الثلاث المجاورة أو الصين التي تقع أيضا على الحدود غير الساحلية مع أفغانستان لا تتمتع بنفس المستوى من النفوذ في البلاد.
وتعتمد الصين على كل من إيران وباكستان في إدارة أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، وتعتمد دول الخليج العربي على باكستان أيضا لضمان خدمة مصالحها في البلاد.
وعلق بخاري بأنه عقب رحيل الولايات المتحدة ستكون إيران وباكستان المتنافسين الرئيسيين في تشكيل مستقبل أفغانستان التي تديرها طالبان.
نهاية الحقبة الطويلة من التدخلات المباشرة للقوى العظمى في أفغانستان تركت فراغا خطيرا، وعلى الرغم من خلافاتهما العديدة تسعى كل من إيران وباكستان إلى تحقيق الاستقرار والأمن في بلد كان في حالة حرب منذ جيلين
ولفت بخاري إلى أن نهاية الحقبة الطويلة من التدخلات المباشرة للقوى العظمى في أفغانستان تركت فراغا خطيرا، وأنه على الرغم من خلافاتهما العديدة تسعى كل من إيران وباكستان إلى الاستقرار والأمن في بلد كان في حالة حرب منذ جيلين، وغالبا ما تباعدت مصالحهما أو دخلت في صراع مباشر في أفغانستان، لكنهما الآن ستضطران إلى التعاون بطرق لم يسبق لهما القيام بها في الماضي.
وأشار إلى أن أفغانستان تمثل بوابة رئيسية لإيران وباكستان إلى آسيا الوسطى، ولا سيما من حيث طرق الطاقة والتجارة، وهما حريصتان على الاستفادة من جهود الاتصال الإقليمي للصين من خلال برنامج البنية التحتية الواسع "مبادرة الحزام والطريق".
كما أن لباكستان مصلحة مشتركة في استقرار أفغانستان، وهذا الاستقرار قد يصبح أكثر احتمالية إذا نسقت مع إيران وتعاونتا أكثر مما تتنافسان عليه في أفغانستان، وتدرك إيران وباكستان أنه يجب أن تتعاونا في إدارة الوضع الأمني بأفغانستان، ويشير تشكيل حكومة طالبان المؤقتة إلى درجة من التنسيق بين البلدين.
وقال بخاري إنه على الرغم من محاولات التعاون هذه لا يسع إيران وباكستان إلا أن تكونا حذرتين من بعضهما البعض، إذ إن طهران قلقة من علاقات إسلام آباد الوثيقة مع السعودية والإمارات، وتخشى أن يستغل السعوديون والإماراتيون هذه العلاقات لخلق مشاكل لإيران.
واختتم الكاتب مقاله بأنه سيكون لإيران وباكستان التأثير الأكبر على أي نتيجة تظهر في أفغانستان التي تديرها طالبان، وستعتمد القوى العظمى مثل الصين وروسيا على علاقاتها الثنائية مع طهران وإسلام آباد، لمحاولة التأكد من أن حالة عدم اليقين في أفغانستان لا تزعج خططها الإستراتيجية لوسط وجنوب آسيا.
وبافتراض أن أفغانستان ستحقق في نهاية المطاف بعض مظاهر الاستقرار فإن إيران وباكستان ستسعيان إلى الاستفادة من نفوذهما، لتعزيز مصالحهما الاقتصادية في البلاد وفي المنطقة، ولكن في المستقبل المنظور ستكافح كل منهما للتأكد من أن هذا البلد الذي كان يعيش حالة من الفوضى الجيوسياسية بينهما لا يقوض أمنهما القومي.
المصدر : فورين أفيرز
مسلمو أوروبا.. وأولويات العصر
طه سليمان عامر رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا
يتمتع المجتمع الأوروبي في عمومه بتعظيم دور المجتمع المدني وتأثيره في الحياة بمختلف مجالاتها.. (غيتي إيميجز)
يتطور الحضور المسلم في أوروبا من حيث الكم والكيف يوما بعد يوم، وكي نتجنب تشتت الجهود والانشغال بالوسائل عن الغايات والأعمال كثيرة التكلفة ضعيفة الأثر عن الأعمال الأكثر إنتاجا فإن علينا أن نرهق عقولنا قليلا لتحديد أفضل الأعمال من فاضلها، وأولاها بصرف الجهود والأوقات، لذلك يلزمنا أن ندندن حول عدد من الأولويات التي يجب أن ننشغل بها في المرحلة القادمة، وسوف أشير إلى عدد منها، تاركا بقيتها إلى مقالات أخرى بحول الله تعالى.
العناية بالتربية والتكوين
تؤدي الأعمال والأنشطة الجماهيرية دورا كبيرا في التعريف بالإسلام وتعاليمه وأخلاقه وآدابه، إلا أن من الخطأ الذي نقع فيه -أحيانا- أن نصرف كثيرا من طاقاتنا في الوسائل العامة والبرامج الجماهيرية إلى أن تتحول إلى غاية -وهي في الأصل وسيلة- دون أن نراجع نتائجها، والأصل أن الوسيلة إذا تقاصرت عن تحقيق مقصودها وجب العدول عنها إلى غيرها، بعد التدقيق والتمحيص.
وترانا نرهق كوادرنا من الشباب حتى يستنفدوا قدراتهم، وعلى الجانب الآخر لا ننفق معشار هذا الجهد في العمل التكويني التربوي الذي يفضي إلى صناعة القيادات واكتشاف المواهب وتوظيفها، مما يؤدي إلى ضمور العمل، ثم نشكو من قلة العاملين.
والمتتبع لنشاط العديد من المؤسسات الإسلامية على الساحة الأوروبية يتجلى له تراجع في الكفاءات والكوادر، وفقدان طاقات عديدة لأسباب مختلفة، ما بين المرض أو التقاعد المبكر، أو حصاد كورونا كثيرا من أهل الفضل، أو غير ذلك من الأسباب.
ولا ريب أننا أمام تحد كبير للحفاظ على مؤسساتنا، وحسن أدائها، وتطوير عملها، ومن ثم يجب أن يتوجه قسط كبير مما نملك من الوقت والجهد والمال إلى التربية إلى العناية بالجيل الناشئ، من مهد طفولته إلى يفاعته إلى شبابه.
والسؤال: من أين نبدأ؟
عمود الخيمة ومفتاح الباب وأساس البناء وحجر الزاوية هو المربي، فلا بديل عن العناية بالبدء به اختيارا وتكوينا وتوجيها وترشيدا وبناء، والقاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فالوسيلة حكمها هنا من حكم الغاية.
إذن، فليكن سعينا في العام الجديد العناية بالمربي، بالمعلم، بتكوين الآباء، ولا سيما في عصرنا الذي تتعرض له الأسرة لغوايات إبليسية مدججة بأخطر الأساليب والحيل الماكرة التي تبغي استئصال بنيانها وهدم أركانها ومسخ هويتها وتعطيل وظيفتها وإفساد فطرتها وتلويث براءتها.
على المؤسسات الإسلامية والمساجد أن تصنع برامج تكوينية للمربين والمشرفين، وأن تنفق في ذلك الجهد والمال.
التربية الروحية دواء العصر
من أدواء عصرنا أن رأس الإنسان أصبح أكبر من حجمه، فثَقُل به بدنه ولم تعد تحمله أقدامه، وغدا يعاني من فرط الشهوات وهزال الروح، فإنه وإن سكن قصرا منيفا ضاق عليه، وإن تسربل بالحرير قال ما أخشنه، وإن استهلك من الطعام أطيبه حسد كانس الطريق إن وجده هادئ البال مرتاح الضمير، وإن تسجّى على لين الفراش تقلَب تقلُّب المحموم، يطارده القلق والأرق.
ومن ثم علينا أن نبذل جهدا كبيرا في تفعيل الوسائل التربوية التي تطهر القلب وتنقيه، وتجمّل الخلق وتُرقيه، وتقوي الضمير وتزكيه، وتهذب السلوك وتنميه.
وحسبنا القرآن العظيم دليلا ومرشدا وموجها ومعينا، وهو الشفاء لما في صدرونا من الشهوات، ولعقولنا من الشبهات، ولحياتنا من المطامع والمتاعب.
ثم نُولي وجهنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيرته المباركة لنستروح بها، ونستهدي به، ونقبس من أنواره، ونتفيأ ظلال أصحابه الغر الميامين، فنجدد بسيرتهم إيماننا، ونستجلب الرحمات بمحبتهم ومدارسة حياتهم، وإذا كانت الرحمات تتنزل بذكر الصالحين فما بالنا إذا ذكرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا ذكرنا أصحابه عليه الرضوان.
العمل المشترك مع مؤسسات المجتمع المدني
يتمتع المجتمع الأوروبي في عمومه بتعظيم دور المجتمع المدني وتأثيره في الحياة بمختلف مجالاتها، على عكس المجتمعات التي تسود فيها الأنظمة الاستبدادية التي يتعاظم فيها حجم الدولة على حساب الأفراد والناس.
مساحات واسعة وفرص كبيرة لا نستفيد بها على الوجه المأمول، وأعني بذلك فرص التشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني.
وما يزيد الشعور بالتقصير أن تلك المؤسسات حريصة على تشريك شرائح المجتمع في الأعمال التي تدخل في اختصاصها، أذكر ذات مرة أنني تحدثت في خطبة الجمعة عن أهمية العمل التطوعي مع مؤسسات المجتمع المدني، وأن رسالة المسلم تقتضي أن يكون له حضور ظاهر وأثر واضح، وبعد الفراغ من الصلاة سألني بعض الشباب قائلين: أليس الأولى أن نركز على تنظيم أنفسنا أولا، والعمل على إنجاح مؤسساتنا ومساجدنا، ثم نلتفت بعد ذلك إلى المجتمع والعمل التطوعي الذي تُحدثنا عنه؟
قلت: لو أننا انتظرنا حتى يكتمل بناء مساجدنا ماديا ومضمونيا ثم نخرج للمجتمع فأبشركم أننا سنبقى حبيسي جدران مساجدنا، لا أثر لنا ولا دور، وبقاء الجماهير الغفيرة من الأوروبيين لا يدرون عنا إلا ما يسمعونه من غيرنا، لا ما يرونه ويقفون على حقيقته من خلال معاملتنا ومشاركتنا في حمل هموم المجتمع وآماله وآلامه.
ترى لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيننا هل يرضى بهذه الهمة الخامدة والغاية القاصرة؟
ألم يكن يصل الرحم، ويحمل الكَل، ويُكسب المعدوم، ويعين على نوائب الدهر؟
ألم يأمرنا الحق تبارك وتعالى أن نفعل الخير بشكل مطلق كما في آخر سورة الحج، وجعل صناعة الخير ثمرة طبيعية لتفاعل القلب مع الجوارح مدفوعا بقوة الإيمان بالله الرحمن الرحيم.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩] (سورة الحج: 77)
إن الناس عامة لا يتأثرون بالكلام الحسن والبيان الرصين بقدر ما يتأثرون بالفعل الذي ينشر السعادة، والسلوك الذي يرسخ للسلام، والمشاعر التي ترسي المحبة والطمأنينة.
هل يعني كلامنا أنه لا حضور لنا في جنبات العمل التطوعي بالمجتمع الأوروبي؟
بالطبع لا، فإن كل مسلم حول العالم عليه أن يفخر بالنماذج العظيمة الرائدة المشرقة لمسلمي أوروبا الذين يتفانون في خدمة أوطانهم دون النظر إلى مغنم سوى مرضاة الله تعالى وخدمة مجتمعاتهم ورفاهيتها، فأينما التفت على مستوى أوروبا قاطبة وجدت آلاف المساجد التي تسهم بصدق في أمن وسلامة المجتمع الأوروبي من خلال خطابها المعتدل، وحضها المسلمين دوما على أن يكونوا مواطنين صالحين منتجين نافعين للناس.. كل الناس، على اختلاف عقائدهم وألوانهم.
إن رصيد المسلم من حب الخير وصناعته، والعطف على الضعفاء والكف عن إيذاء الناس وحفظ أموالهم وأعراضهم رصيد وافر، ذلك لأن القرآن الكريم -الذي يجهله رسالته ملايين البشر- هو من يؤسس للرفاهية الروحية والسلامة المجتمعية والراحة النفسية والطمأنينة القلبية.
عشرات الألوف من الشباب المسلمين الأوروبيين يمثلون اليوم والغد أملا كبيرا لأوروبا في المحافظة على المكتسبات الحضارية، والنهوض الاقتصادي، والتطور العلمي.
وقد أثبتت أزمة كورونا في العامين الماضيين المسؤولية العظيمة التي أظهرتها المؤسسات الإسلامية قاطبة في الحفاظ على سلامة المجتمع رغم ما تطلبته من خسائر مادية كبيرة، ولا سيما أن الأغلبية الساحقة من المساجد لا تتلقى درهما ولا دينارا من هنا أو هناك.
ولو أردتَ تتبع ملامح الإسهام الحضاري لمسلمي أوروبا لمجتمعاتهم فهذا ما يقصر عنه مقال أو كتاب، بل يستدعي ذلك دراسات وافية.
إننا لا نرسم صورة مثالية، بل نرى مساحات الإشراق والإنجازات، وفي الوقت ذاته نعاين جوانب الخلل والتقصير، فنحمد الله تعالى على التوفيق لفضائل الأعمال، ونستغفر من النقص والتأخر، ثم نبحث عن الثغرات الخالية فنسدها قدر الوسع والطاقة.
ما آمله في عامنا الجديد أن يكون لكل مسجد وكل جمعية صغيرة أو كبيرة سهم وافر في العمل التطوعي مع مؤسسات المجتمع المدني، مثل التطوع ساعات في الإطفاء، مع جمعيات الرفق بالحيوان، جمعية المحافظة على البيئة، مع جمعيات مكافحة العنصرية، ومع أطباء بلا حدود.. إلخ.
صناعة النفسية الإيجابية عند مسلمي أوروبا
منذ نزل القرآن الكريم على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "اقرأ بسم ربك الذي خلق "، منذ هذا اليوم فتح الرحمن الرحيم طريق النور والأمل للإنسانية، فمن يقرأ بسم الله ويكتب بسم الله ويشق طريقه في الحياة بسم الله ويتعلم بسم الله ويُعلم الجاهل بسم الله ويلتمس سبيل النجاة للحيارى بسم الله ويعمل ويُنتج بسم الله ويعبر البحر والبر بسم الله ويقارع الظالمين بسم الله، ويصلح ما اعوج من السلوك والأفكار والمشاعر بسم الله لن يعرف اليأس إلى قلبه بابا، ولن يتسلل الشك إلى عقله، ولن يهتز يقينه أمام موجات الماكرين هنا أو هناك.
كلمات يجب أن تختفي من قاموس المسلم في الشرق والغرب تلك التي تعبر عن سخط أو تشاؤم أو قنوط، ففي عصرنا وفي كل عصر نجد الصعوبات الفردية والأسرية والجماعية، وتلك طبيعة الحياة، والحكمة من وقوع الأكدار في هذه الدار كما ذكر القرآن الكريم في عديد السور، وإلا لما خلق الله الجنة والنار في الآخرة.
لن يقول يوما: لا أقدر، ولن يتردد في إيمانه بأن له إرادة حرة، ولن يعجز، وسيرى النور ويعيش بالأمل يحدوه العمل، ومن أمره أن يردد في كل صلاة "إياك نعبد وإياك نستعين" سيمده بالصبر والقوة والعزيمة، وإن ضعف يوما لأنه بشر فسيربط الله على قلبه، وإن سأل الله تعالى العون فسيجد برد اليقين وضياء الإيمان يفتح له الطريق.
قد يخفق المرء في عمله الخاص أو العام، غير أنه لن يجلس باكيا على اللبن المسكوب يعض أصابع الندم، بل سينطلق معتبرا من الأخطاء، يعوض فشل الأمس بنجاحات كثيرة، يعرف بعدها حكمة الله تعالى في زلته الماضية بعد أن تألم وتعلم.
تلك هى النفسية الإيجابية التي لا تستسلم للمصاعب والتحديات، ولا تنهزم نفسيا، بل تقابل التحديات بالأفكار العملية والبرامج التطبيقية، وحسبنا حديث رسول الله -صلى الله عليه (وآله) و سلم- "استعن بالله ولا تعجز" رواه مسلم.
نريد في عامنا الجديد أن نحدد أهم الملفات التي يجب أن نحقق فيها إنجازات كبيرة، ونقطع فيها خطوات جادة مستعينين بالله تعالى، متوكلين عليه، موقنين بتوفيقه وعونه، متجردين من حولنا، مستمطرين غوث الله جل جلاله .
المصدر:الجزيره