emamian

emamian

بمناسبة حلول العام الهجري الشمسي الجديد 1404، أطلق الإمام الخامنئي شعار "الاستثمار من أجل الإنتاج"، داعيًا إلى تعزيز الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب. كما أكد سماحته على ضرورة تلاحم الأمّة الإسلامية لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني.

بمناسبة حلول العام 1404 هـ.ش الذي يصادف عيد النوروز، وجّه الإمام الخامنئي بتاريخ 20/03/2025 خطابا إلى الشعب الإيراني. وتمنّى سماحته أن تشمل بركات ليالي القدر وعنايات أمير المؤمنين (ع) حال جميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز»، معلنًا أن شعار العام الجديد هو «الاستثمار من أجل الإنتاج». وأكّد سماحته على وجوب تلاحم الأمّة الإسلاميّة في وجه جرائم الكيان الصهيوني، وأنّ معاودة الكيان الصهيوني الهجوم على غزّة جريمة كبيرة جدًّا ومفجعة، وهي تتمّ بضوء أخضر من أمريكا.

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يا مُقلّبَ القلوبِ والأبصار، يا مُدبِّرَ اللّيلِ والنّهار، يا مُحوّلَ الحَولِ والأحوال، حَوّل حالَنا إلى أحسنِ الحال.

تتزامن بداية العام الجديد مع ليالي القدر وأيام استشهاد أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه). نأمل أن تشمل بركات هذه الليالي وعنايات مولى المتقين (عليه الصّلاة والسّلام) على مدى العام، حال أهلنا الأعزّاء، وشعبنا، وبلدنا وجميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز».

كان العام 1403 هـ. ش عامًا مليئًا بالأحداث. إنّ الأحداث التي يتوالى وقوعها في هذا العام، تشبه أحداث العام 1360 هـ. ش. التي حملت إلى أهلنا الأعزّاء مشقّاتٍ ومصاعب. في بدايات العام، استُشهد رئيس الجمهوريّة، محبوب الشعب الإيراني، المرحوم السيد رئيسي (رحمة الله عليه). قبل ذلك، استُشهد عددٌ من مستشارينا في دمشق، بعد ذلك وقعت أحداثٌ مختلفة في طهران ثمّ في لبنان، وفقدَ الشعب الإيراني والأمّة الإسلاميّة شخصيات ذوي مكانة. كانت هذه أحداثًا مريرة قد وقعت. إضافة إلى هذا، ضغطت المشكلات الاقتصاديّة على الناس طوال العام، وخاصّة في الشطر الثاني منه، وتسببت صعوبات المعيشة بمعاناة الناس. سادت هذه المصاعب العام كله، لكن في المقابل، برزت ظاهرة عظيمة ومذهلة، وهي إبراز قوّة الإرادة لدى الشعب الإيراني والروحيّة المعنويّة لديه، واتحاده واستعداداته ذات المستوى العالي. بدايةً، إزاء حادثة من قبيل فقد رئيس الجمهوريّة، والتشييع العظيم الذي سطّره الناس، والشعارات التي رددوها، والروحيّة العالية التي أبدوها، وعلى الرغم من هول هذه المصيبة، فقد عجزت عن إشعار الشعب الإيراني بالضعف، الذي تمكّن بسرعة من إجراء الانتخابات ضمن المهلة القانونيّة المحددة، وانتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد، وتشكيل الحكومة، وإخراج العمل الإداري في البلاد من حالة الفراغ. هذه الأمور بالغة الأهميّة، وتكشف عن الروحيّة العالية والقدرات العظيمة والقوّة المعنويّة لدى الشعب الإيراني، وهي تستوجب شكر الله عليها؛ إضافة إلى هذه الأمور، فإنّ أحداث الأشهر الأخيرة، التي أصابت عددًا كبيرًا من إخوتنا في لبنان، إخوتنا في الدين وأشقائنا اللبنانيّين، استطاع الشعب الإيراني مدّ يد العون لهم برحابة صدر. إنّ ما حدث في هذا المجال، أي سيل المساعدات الشعبيّة بنحوٍ عجيب إلى إخوتهم اللبنانيّين والفلسطينيّين، لهو من الأحداث الخالدة التي لن تُنسى في تاريخ بلدنا، فالذهب الذي آثرت به سيداتنا ونساؤنا بسخاء وقدّمنه في هذا السبيل، وكذلك المساعدات التي قدّمها أهلنا ورجالنا، كلّها أمور مهمّة؛ إنها تثبت قوّة الإرادة لدى الشعب وعزمه الراسخ. هذه الروحيّة، وهذا الحضور، وهذا الاستعداد، وهذه القوّة المعنويّة، هي ذخرٌ لمستقبل البلاد وديمومة حياة إيراننا العزيزة. سوف تستفيد البلاد من هذا الذخر الاستفادة القصوى، إن شاء الله، وسيُواصل الله المتعالي أيضًا تفضّلاته على هذا الشعب.

طرحنا في العام المنصرم شعار «الطفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة»، وكان ضروريًّا للبلاد، بل كان مصيريًّا بمعنى من المعاني. حالت مختلف الأحداث في العام 1403 هـ. ش دون تحقّق هذا الشعار بالمعنى الحقيقي للكلمة. طبعًا، بُذلت جهودٌ جيّدة، واستطاعت الحكومة، والناس، والقطاع الخاص، والمستثمرون، وروّاد الأعمال، استطاعوا إنجاز أعمال جيّدة. لكن ما تحقّق تفصله مسافة عمّا كان يُنتظر. لذا، فإنّ قضيّتنا الأساسيّة هذا العام أيضًا هي قضيّة الاقتصاد. ما سأطرحه هذا العام، وهو المنتظر من الحكومة الموقّرة والمسؤولين المحترمين وأهلنا الأعزّاء، هو مجدّدًا قضيّة اقتصاديّة؛ قضيتنا الاقتصاديّة ستكون أيضًا شعار هذا العام، وهي مرتبطة بالاستثمار في الاقتصاد، واحدة من القضايا المهمّة للاقتصاد في البلاد، هي الاستثمارات الإنتاجيّة. يحقّق الإنتاج طفرةً عندما يتمّ الاستثمار. طبعًا، يجب أن يجري الاستثمار من قِبل الناس بنحو أساسي، وأن تخطّط الحكومة لمختلف أساليبه. لكن، عندما لا يكون لدى الناس دافع أو قدرة على الاستثمار، فلا بدّ للحكومة من أن تخوض الميدان أيضًا، لا تحت عنوان التنافس مع الناس، بل كونها بديلًا لهم، فحيثما لا يدخل الناس، فلتدخل الحكومة الميدان وتستثمر. على أيّ حال، الاستثمار في الإنتاج هو من القضايا الضروريّة لاقتصاد البلاد ومن أجل معالجة مشكلة معيشة أبناء الشعب. إنّ تحسين معيشة الناس يحتاج إلى التخطيط، لكن هذا التخطيط ليس ممكنًا من دون مقدّمات من هذا القبيل. ينبغي حتمًا أن تأخذ الحكومة والناس أيضًا الاستثمار من أجل الإنتاج على محمل الجدّ وأن يتابعوه بعزم ودوافع كثيرة. إنّ مَهمّة الحكومة هي توفير الأرضيّات، وإزالة موانع الإنتاج، ومَهمّة الناس هي أن يتمكّنوا من توظيف رؤوس أموالهم الصغيرة والكبيرة في طريق الإنتاج. إذا جرى توظيف رأس المال في طريق الإنتاج، فإنّه لن يتّجه نحو أعمالٍ مضرّة من قبيل شراء الذهب، وشراء العملات الصعبة وما شابه. لن يُقدم الناس على الأعمال المضرّة بعد ذلك. يمكن للمصرف المركزي أن يؤدّي دورًا في هذا المجال، كما يمكن للحكومة أيضًا صنع أدوار مؤثّرة كثيرة. عليه، فإنّ شعار العام هو «الاستثمار من أجل الإنتاج» وسوف يؤدي، إن شاء الله، إلى انفراجة في معيشة الناس، كما إنّ تخطيط الحكومة مع مشاركة الناس جنبًا إلى جنب، سوف يعالج المشكلة، إن شاء الله.

أودّ أن أشير أيضًا إلى هذه الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الأخيرة. إنّ معاودة الكيان الصهيوني الغاصب شنّ الهجوم على غزّة هي جريمة كبيرة جدًّا ومُفجعة. يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تقف متلاحمة في وجه ذلك. عليهم أن يضعوا نزاعاتهم في شتّى القضايا جانبًا، فهذه القضيّة هي قضيّة الأمّة الإسلاميّة. بالإضافة إلى هذا، ينبغي على جميع أحرار العالم، وفي أمريكا نفسها، وفي الدول الغربيّة والأوروبيّة وسائر الدول، أن يواجهوا بحزم هذه الخطوة الخائنة والمفجعة التي يرتكبها هؤلاء. يُقتَل الأطفال مجدّدًا، وتُدمّر البيوت، ويُهجَّر الناس، وينبغي على الناس أن يوقفوا هذه الفاجعة. طبعًا، أمريكا شريكة في المسؤوليّة إزاء هذه الفاجعة. أصحاب الآراء السياسية في العالم، توصّلوا جميعًا إلى أنّ هذه الخطوة حصلت بإشارة من أمريكا، أو على الأقل بموافقتها وبضوء أخضر منها. لذلك، إنّ أمريكا أيضًا شريكةٌ في هذه الجريمة. كذلك هي الحال بالنسبة إلى أحداث اليمن أيضًا، إذْ إنّ العدوان على الشعب اليمني والمدنيّين اليمنيّين، هو أيضًا جريمة ينبغي التصدّي لها حتمًا.

نأمل أن يكون الله المتعالي قد قدّر في هذا العام الجديد الخير والصلاح والنصر للأمّة الإسلاميّة، وأن يتمكّن الشعب الإيراني من بدء هذا العام، الذي يبدأ الآن، والمضي فيه حتى نهايته بسعادة، ورضا، واتحاد تام، ونجاح، إن شاء الله. أرجو أن يكون القلب المقدّس لصاحب العصر (أرواحنا فداه) والروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل (قده) والأرواح الطيّبة للشهداء راضية عنا ومسرورة.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

ليلة 23 من شهر رمضان المبارك، إحدى الليالي الوترية في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، تُعرف لدى بعض المسلمين بـ”ليلة الجهني”، وهي من الليالي التي يُحتمل أن تكون ليلة القدر، التي قال الله عنها: “ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر”

وكالة أنباء الحوزة - ليلةُ الجُهَني ليلةٌ مباركة جاء ذكرها في عدد من الروايات والأحاديث، وهي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك والتي يُتوقع أن تكون ليلة القدر.

أما سببُ تسميتها بالجُهني كما صرَّح بذلك الشيخ الصدوق (1) (قدَّس الله نفسه الزَّكية) فيعود إلى نسبتها إلى رجل من أصحاب النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) يُسمى بعبد الله بن أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِي الْجُهَنِي (2) إثرَ حديثٍ جرى بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وآله).

ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة الجهني

أما قصته فهي كما ترويها الأحاديث والروايات كالتالي:

رَوى مُحَمَّدُ بْن يُوسُف عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (3) (عليه السَّلام) يَقُولُ:

"إِنَّ الْجُهَنِيَّ أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِبِلًا وَغَنَماً وَغِلْمَةً وَعَمَلَةً، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْمُرَنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا (4) فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَسَارَّهُ فِي أُذُنِهِ (5)، فَكَانَ الْجُهَنِيُّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ دَخَلَ بِإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَأَهْلِهِ (6) إِلَى مَكَانِهِ" (7) .

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (8) (عليهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اللَّيَالِي الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغُسْلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

فَقَالَ: " لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ".

وَقَالَ: "لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ هِيَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِّ".

"وَحَدِيثُهُ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): إِنَّ مَنْزِلِي نَاءٍ عَنِ الْمَدِينَةِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا؟

فَأَمَرَهُ بِلَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ" (9) .

ويبدو أن المسلمين لمَّا تعودوا رؤية الجهني في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان فقط خلال السنة لإنشغال هذا الرجل بإبله وغنمه وعدم تمكنه من الحضور في غيرها من الأيام والليالي لذلك أسموا هذه الليلة بإسمه .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يُستفاد من مجموع الروايات والأحاديث الواردة بهذا الشأن أن المسلمين آنذاك فهِموا بصورة غير مباشرة من إسْرارِ النبي (صلى الله عليه وآله) للجُهَني، وما لَحِقَ ذلك اللقاء من مواظبة الجُهني على إحياء هذه الليلة والحضور في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة المنورة للعبادة والذكر أن ليلة الثالث والعشرين هي ليلة القدر.


1. الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، والمتوفى سنة: 381 هجرية، في كتابه من لا يحضره الفقيه: 2 / 161، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران.

2. نسبة إلى جُهَيْنَة، وهي قبيلة معروفة، راجع مجمع البحرين: 6 / 230، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، المولود سنة: 979 هجرية بالنجف الأشرف/ العراق ، والمتوفى سنة: 1087 هجرية بالرماحية، والمدفون بالنجف الأشرف / العراق، الطبعة الثانية سنة: 1365 شمسية، مكتبة المرتضوي، طهران / إيران .

3. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

4. أي أدخل فيها المدينة.

5. أي أسَرَّ له حديثاً في أذن ، بحيث لم يطلع على ذلك أحد.

6. وفي مستدرك وسائل الشيعة زيادةٌ، وهي: وَوُلْدِهِ وَغِلْمَتِهِ، فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ بِمَنْ دَخَلَ بِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، راجع: مستدرك وسائل الشيعة: 7 / 469، للشيخ المحدث النوري، المولود سنة: 1254 هجرية، والمتوفى سنة: 1320 هجرية، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1408 هجرية، قم / إيران.

7. تهذيب الأحكام: 4 / 330، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.

8. أي الإمامين محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).

9. من لا يحضره الفقيه: 2 / 160، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، والمتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران .

وصف قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في اليوم الأول من العام 1404 هـ ش (21/3/2025)، خلال لقائه مع مختلف فئات الشعب، تقليد الإيرانيين في بدء العام الجديد بالدعاء والتوسل والاجتماع في الأماكن المقدسة بأنه دليل على النظرة الروحانية للشعب تجاه عيد «النوروز». وأوضح سماحته آثار الدعاء والاستقامة في تحقيق الانتصارات الكبرى لجبهة الحق على مرّ التاريخ، مشيرًا إلى أن العام الماضي كان عامًا للصبر والصمود وبروز القوة الروحانية لدى الشعب الإيراني.

ولفت الإمام الخامنئي إلى أن هذه الأيام تتعلق بأمير المؤمنين (ع)، وأضاف: «ينبغي أن يرجع الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية إلى نهج البلاغة للاستفادة من دروس الإمام علي (ع)، باعتباره أفضل إنسان بعد النبي (ص)، كما ينبغي أن يولي الناشطون في المجال الثقافي اهتمامًا خاصًا بدراسة هذا الكتاب العظيم وتعليمه».

وعدّ سماحته ليالي القدر فرصة ثمينة للدعاء والتضرع إلى الله، وقال: «كل ساعة من هذه الليالي تساوي عمراً كاملاً، وإن التوجه والتوسل بالأئمة (ع) وأدعية الناس، ولا سيما الشباب، هي أمور يمكنها أن تغيّر مصيرهم ومصير حياة شعب بأكمله».

وفي جزء آخر من كلمته، أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن التهديدات الأمريكية لن تجدي نفعاً مع إيران، قائلاً: «فليعلم الأمريكيون أنهم لن يصلوا إلى نتيجة أبدًا بتهديدهم لإيران».

وتابع سماحته: «إذا أقدم الأمريكيون أو غيرهم على أي خباثة تجاه إيران، فسيتلقون صفعة قاسية».

وأكّد الإمام الخامنئي أن وصف الساسة الأمريكيين والأوروبيين لقوى المقاومة بأنها «قوات إيرانية بالوكالة» هو خطأ فادح وإهانة لهذه القوى، موضحًا: «ما معنى قوات بالوكالة؟! الشعب اليمني يمتلك دافعه الخاص، وحركات المقاومة في المنطقة تمتلك دوافعها الخاصة أيضًا في مواجهة الصهاينة، وجمهورية إيران الإسلامية ليست بحاجة إلى قوات بالوكالة. رأينا واضح، ورأيهم واضح أيضًا».

وأوضح قائد الثورة الإسلامية أن الصمود والمقاومة في وجه فظائع الكيان الصهيوني وأنواع الظلم الذي يمارسه أمران متجذران في المنطقة، مضيفًا: «منذ بداية اغتصاب فلسطين، كان اليمن في طليعة الدول التي تصدت لهذا العدوان، حيث وقف حاكمه آنذاك في المحافل الدولية معارضًا لهذه الخطوة».

كما أشار سماحته إلى اتساع نطاق الاحتجاجات المنددة بجرائم الكيان الصهيوني ليشمل حتى الشعوب غير المسلمة، بالإضافة إلى المظاهرات الطلابية والشعبية في أمريكا والدول الأوروبية، منتقدًا: «يلجأ الساسة الغربيون إلى إجراءات مثل قطع الميزانية عن الجامعات التي شهدت تظاهرات طالبية داعمة لفلسطين، وهذا بدوره يعكس حقيقتهم في ما يخص مزاعمهم حول حرية التعبير، الليبرالية، وحقوق الإنسان».

وشدّد الإمام الخامنئي على رفض الشعوب لفظائع الكيان الصهيوني ومقاومتها بكل الوسائل المتاحة، مشدّدًا: «تقف جمهورية إيران الإسلامية بثبات في مواجهة هذه الفظائع، وتعلن بصراحة مواقفها ونهجها الدائم في دعم المناضلين الفلسطينيين واللبنانيين المدافعين عن أوطانهم».

وجدّد قائد الثورة الإسلامية تأكيده، ردًا على تهديدات أعداء إيران: «لم نكن يومًا البادئين بأي مواجهة أو اشتباك، ولكن إذا تجرّأ أحدهم على ارتكاب أي خباثةٍ، فسيتلقى صفعات قاسية».

وفي جانب آخر من حديثه، أشار سماحته إلى التضحيات المستمرة التي تقدمها جبهة الحق في مواجهة الباطل، موضحًا: «ينبغي النظر إلى أحداث العام الهجري الشمسي 1403 (من 21 مارس 2024 إلى 20 مارس 2025) من هذا المنظور، فانتصار الحق في هذه المعركة محسوم، لكنه يتطلب تضحية وثمن، مثلما جرت هذه السنة الإلهية في مرحلة الدفاع المقدس».

وأشار الإمام الخامنئي، في معرض حديثه عن فقد شخصيات بارزة خلال أحداث العام الماضي، إلى أن النتيجة الحتمية لتحمل هذه الأحداث المريرة و«الاستقامة والاستعانة بالله» هي هزيمة الأعداء، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني الفاسد والخبيث، مشدّدًا على أنّه «في العام 1403 هـ.ش الصعب، تجلّت القوة الروحانية والصبر والشهامة والشجاعة لدى الشعب الإيراني بصورة مشرقة».

إلى ذلك، عدّ سماحته التشييعَ المهيبَ للشهيد رئيسي، والمشاركة الحاشدة في «صلاة جمعة النصر» رغم تهديدات العدو، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية، وتشييع قادة المقاومة الذين اغتالهم الكيان الصهيوني، تجليات واضحة للقوة الروحية والمعنوية للشعب الإيراني.

وأشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أن مسيرات «22 بهمن» التاريخية كانت ذروة هذا المسار، مؤكدًا أنها «أظهرت للعالم بأسره وفاء الشعب الإيراني للثورة الإسلامية وتمسّكه بالجمهورية الإسلامية، ووجهت رسالة قوية للمستكبرين والمنافقين، وعرّفت العالم إلى حقيقة الشعب الإيراني».

كما أكّد سماحته ضرورة فهم خصائص الشعب الإيراني وهويته، حتى داخل البلاد، موضحًا: «قد تؤدي الضغوط الاقتصادية والمعيشية إلى إحباط أيّ شعب، لكن الشعب الإيراني القوي والشجاع، ورغم كل الصعوبات، نزل إلى الساحة في العام الماضي مدافعًا عن النظام الإسلامي».

ورأى الإمام الخامنئي أن التركيز المتكرر على قضية الإنتاج في شعارات الأعوام الأخيرة ينبع من تأثيره الأساسي في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وأشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أن أيّ استثمار في مجال الإنتاج، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، هو أمر مفيد وضروري، داعيًا الجميع إلى استثمار رؤوس أموالهم في الإنتاج، سواء أصحاب الإمكانيات المحدودة عبر إنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة، أو كبار المستثمرين عبر مشاريع ضخمة.

وشدّد الإمام الخامنئي على أن تهيئة الظروف وتسهيل استثمار المواطنين هو الواجب الأهم للحكومة في تحقيق شعار العام.

كما أشار سماحته إلى هواجس المسؤولين بشأن تحسين معيشة الناس، موضحًا: «يسعى مسؤولو البلاد بجدية إلى تحسين الأوضاع المعيشية للناس، لكن هذا الهدف لا يتحقق بالإجراءات الداعمة فقط، بل يتطلب خطوات جذرية، ويُعدّ الاستثمار إحداها وأهمها».

يَروي المؤرِّخونَ حالَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في شهرِ رمضانَ الذي كانتْ فيهِ شهادتُهُ، قائلينَ: وَلَقَدْ كَانَ أَمِيرُ في ذَلِكَ الشَهْرِ، يَفْطُرُ لَيْلَةً عِنْدَ الْحَسَنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه)، لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلاَثِ لُقَمٍ، وَيَقُولُ: «أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَأَنَا خَمِيصٌ». فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا، أَكْثَرَ الْخُرُوجَ وَالنَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: «وَاللَّهِ، مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ، وَإِنَّهَا هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدَ اللهُ»[1].

وكانَ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) ينتظرُ تلكَ اللَّيلةَ المباركةَ التي سيصلِّي في فجرِها صلاةً طالَ انتظارُها! إنَّها تلكَ الصلاةُ التي قالَ عنها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «كأنِّي بكَ وأنتَ تُصلِّي لربِّكَ، وقدِ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخِرينَ، شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمودَ، فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ، فخضَّبَ منها لحيتَكَ»[2].

عرَفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) تلكَ الليلةَ، فخرجَ إلى المسجدِ مُستبشِراً، وأبَتْ مسيرةُ عليٍّ (عليه السلام) إلَّا أنْ يكونَ المسجدُ مبتدأَ ولادتِهِ، والمسجدُ منتهى شهادتِهِ. دخلَ الصلاةَ هائماً في اللهِ، وحينما شعرَ بضربةِ الشهادةِ على رأسِهِ، كانتْ كلمتُهُ التي عبَّر فيها عنْ نتيجةِ كلِّ ذلكَ العشقِ للشهادةِ، فقالَ (عليه السلام): «فُزْتُ وَرَبِّ الكعبةِ»[3]، ثمَّ قالَ بعدَها: «وَاللَّهِ، مَا فَجَأَنِي مِنَ المَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ، وَطَالِبٍ وَجَدَ»[4].

نعم، لقدْ طلَبَ قتلاً في سبيلِ اللهِ، فوجدَ ما طلَبَ في بيتِ اللهِ، وفي شهرِ ضيافةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

عنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ (عليه السلام) الضَّرْبَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، كُنَّا عِنْدَهُ لَيْلاً، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ؟»، فَقُلْنَا: حُبُّكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ: «أَمَا وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالزَّبُورَ عَلَى دَاوُودَ، وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، لَا يُحِبُّنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَسُرُّهُ، وَلَا يُبْغِضُنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَكْرَهُهُ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) أَخْبَرَنِي أَنِّي أُضْرَبُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُوسَى (عليه السلام) -أَوْ قَالَ وَصِيُّ مُوسَى (عليه السلام)- وَأَمُوتُ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ يَمْضِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رُفِعَ فِيهَا عِيسَى (عليه السلام)».

قالَ الأَصْبَغُ: فَمَاتَ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فِيهَا[5].


[1] ابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص60.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[3] السيّد الرضيّ، خصائص الأئمّة، ص63.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص387، الرسالة 23.
[5] النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، ج2، ص446.

عجيب هو حبُّ الإمام علي (عليه السلام) الذي انتشر بين القريب منه والبعيد عنه.

حبّ المعتقدين من أهل الطاعة
أمّا حبّه ممّن تولاه فحدّث ولا حرج، فهو كان وما زال دافعاً للتضحية بالأغلى فها هو حجر بن عدي الكندي يؤتى به وأصحابه من قبل جند معاوية إلى مرج عذراء فيحبسون فيه بسبب حبّهم وولائهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وإذا بهم يصلون عامة الليل، فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم، فقال لهم حجر: اتركوني أتوضأ وأصلي، فإني ما توضأت إلا صليت. فتركوه فصلى، ثم انصرف منها وقال: والله ما صليت صلاة قط أخفّ منها، ولولا أن تظنوا فيَّ جزعاً من الموت لاستكثرت منها، ثم قال لهم جند معاوية: إنا قد أمرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم، فأبوا، فحُفرت لهم القبور، وأحُضرت الأكفان، وقتل عدد من أصحاب حجر، وحينما وصل الأمر إليه قال لهم: لا تحلوا قيودي؛ فإني اجتمع أنا ومعاوية على هذه المحجة، ثم قال للمأمور بالقتل: إن كنت أمرت بقتل ولدي فقدّمه، وضرب عنقه، فقيل له: تعجَّلت الثكل!! فقال (رض): خفت أن يرى ولدي هول السيف على عنقي، فيرجع عن ولاية عليّ (عليه السلام).

حبّ المعتقدين من أهل معصية
ها هو الشاعر اسماعيل الحميري، في رحلة اختصاره وقد بدا على وجهه أثر الذنوب ثم زال لتظهر عليه بارقة نور انتشرت في وجهه فأشرق نوراً وبهاء، فإذا به قبيل وفاته يعبِّر عن حبِّه لعلي (عليه السلام) الذي أنقذه من تلك العقبة فيقول:
كذب الزاعمون أن علياً لن ينجي محبه من هناة
قد وربي دخلتُ جنَّة عدن وعفا لي الاله عن سيئاتي
فأبشروا اليوم أولياء علي وتولّوا علياً حتى الممات
ثم من بعده تولّوا بنيه واحداً بعد واحد بالصفات

وها هو ذلك السارق المحبّ يمثل بين يدي الإمام علي (عليه السلام) يعترف بالسرقة، فأراد الإمام أن يبعده عن الاعتراف الكامل المؤدّي إلى قطع اليد، لكن السارق أصرّ، فقطع أمير المؤمنين (عليه السلام) يده، فحملها وسار بين الناس، رآه أحدهم وسأله من قطع يدك؟ فأجاب: قطعها سيدي ومولاي... أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فتعجّب السائل وقال: قطع يدك وتمدحه.

فأجاب: كيف لا أفعل وقد خامر حبّه لحمي ودمي.

حبّ من لم ينتسب إلى مدرسته
وها هو العالم الكبير النسائي صاحب سنن النسائي الذي هو من الصحاح الستة عند أهل السنّة، يزعجه عدم معرفة أهل الشام بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويلامس الصورة المشوّهة التي قدّمها الأمويون لهم، فوقف يحدّثهم عن فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هُدِّد، لكنّه استمر غير آبه بالتهديد حبّاً بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) حتى قُتل في مسار حبّ الإمام علي (عليه السلام).

حبّ من لم ينسب إلى دينه
وها هو الشاعر اللبناني المسيحي بولس سلامة ينشد في أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً:
لا تقل شيعة هواة عليّ إنَّ في كل منصفٍ شيعيّا
هو فخر التاريخ لا فخر شعب يدعيه ويصطفيه وليّا
جلجل الحق في المسيحي حتى عاد من فرط حبّه علويّا

لماذا أحبّه هؤلاء؟
قد يقول قائل: إنَّ المسلمين أحبّوا عليّاً (عليه السلام) بسبب ما سمعوه وقرأوه من دعوة الله تعالى ورسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى حبّه بدءاً بقوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، فعن ابن عباس: "لما نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت موّدتهم؟

قال (صلى الله عليه وآله): "علي وفاطمة وولداها". استمراراً بروايات كثيرة جداً رواها عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أهل السنة فضلاً عن الشيعة من قبيل:
ما رواه الخوارزمي بسنده عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من أحبّ علياً قَبِل الله منه صلاته وصيامه وقيامه، واستجاب دعاءه، ألا ومن أحبّ علياً أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينة في الجنّة".

ما رواه – أيضاً - الخوارزمي بسنده عن حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله): "إن ملك الموت يترّحم على محبّي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما يترّحم على الأنبياء (عليه السلام)"
ما رواه الخوارزمي بسنده عنه (صلى الله عليه وآله): "إنّ السعيد كلّ السعد من أحبّ علياً في حياته وبعد موته".
ما رواه الخوارزمي بسنده عنه (صلى الله عليه وآله): "لو اجتمع الناس على حبّ علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لما خلق الله النار".
ما رواه الذهبي عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): "حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله".

ما رواه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): "يا علي لا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا كافر ومنافق" إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة حول حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن حبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعوة إليه، وبياناً لثوابه عند الله تعالى، والتي لا يمكن للمرء أن ينكر كونها عاملاً فاعلاً في حبّ المسلمين لأمير المؤمنين (عليه السلام) لكن إذا دقّقنا في معنى الحبّ نعرف أكثر عن سرّ حبِّ علي (عليه السلام)، وبالتالي نعرف سرّ حبِّ غير المسلمين الذين لم يكن حبّهم له بسبب القرآن الكريم وخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله).

معنى الحبّ
فالحبُّ هو ميلٌ من القلب نحو كمال يراه المُحبّ في المحبوب، فالإنسان بطبيعته غرس اللهُ فيه حبَّ الكمال، وهو بطبيعته يحبّ الجمال؛ لأنه كمال، ويحبّ الصدق والوفاء والشجاعة والعدل والكرم لأنها كمالات، من هنا فإنّ قلب الإنسان ينجذب بدون اختيار إلى الجميل والشجاع والعادل والكريم.

أجل إنّه ينجذب بدون اختيار، بل بسبب تلك الفطرة الجاذبة له نحو الكمال، فالإنسان لا يستطيع أن يحب من يريد بمجرد إرادته، بل إنه في قضية الحبّ مجذوب نحو كمال المحبوب.

سرُّ حب علي (عليه السلام)
بناءً على ما تقدّم، فإنّ ما ذكره النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن حبّ الإمام علي (عليه السلام) هو ليس تكليفاً شرعياً بحبّه، بل هو إرشاد إلى كمال علي (عليه السلام).

وهذا ما نلاحظه في روايات تنصّب دلالتها على كمال أمير المؤمنين (عليه السلام)، كقوله (صلى الله عليه وآله): "من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، والى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب".

إنه حديث يرشد إلى بعض كمالات أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى علمه وحلمه وهيبته وعبادته وزهده.

وقد أشار بعض الصحابة إلى كمالات الإمام علي (عليه السلام) الداعية إلى حبّه، فها هو ابن عباس المحبّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: "لو كانت بحار الدنيا مداداً وأشجارها أقلاماً، وأهلها كتّاباً فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفضائله من يوم خلق الله الدنيا إلى أن يفنيها فما بلغوا معشار ما اتاه الله تبارك وتعالى ."

وكذا نلاحظ أن بولس سلامة المسيحي المحبّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدّث عن كمالاته التي جذبته إليه، فأحبه فيقول في تتمة شعره السابق:
أنا من يعشق البطولة والإلهام والعدل والخلق الرضيا
فإذا لم يكن علي نبياً فلقد كان خلقه نبويّا
يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إني أحبّ علياً

الأحد, 23 آذار/مارس 2025 10:34

أبعاد عظمة القرآن الكريم

إعلم أيها العزيز أن عظمة كل كلام وكل كتاب إما بعظمة متكلمة وكاتبه، وإما بعظمة مطالبه ومقاصده، وإما بعظمة نتائجه وثمراته، وإما بعظمة الرسول والواسطة، وإما بعظمة المرسل إليه وحامله، وإما بعظمة حافظه وحارسه، وإما بعظمة شارحه ومبيّنه، وإما بعظمة وقت إرساله وكيفية إرساله. وبعض هذه الأمور دخيل في العظمة ذاتاً وجوهراً([1]) وبعضها عرضاً وبالواسطة، وبعضها كاشف عن العظمة. وجميع هذه الأمور التي ذكرناها موجودة في هذه الصحيفة النورانية بالوجه الأعلى والأوفى؛ بل هي من مختصّاته بحيث أن أي كتاب آخر إما ألاَّ يشترك معه في شي‏ء منها أصلاً، أو لا يشترك معه في جميع المراتب.
 
أما عظمة متكلمه ومنشئه وصاحبه؛ فهو العظيم المطلق([2]) الذي جميع أنواع العظمة المتصورة في الملك والملكوت([3])، وجميع أنواع القدرة النازلة في الغيب([4]) والشهادة([5]) رشحة من تجليات([6]) عظمة فعل تلك الذات المقدسة، ولا يمكن أن يتجلّى الحق تعالى بالعظمة لأحدٍ وإنما يتجلى بها من وراء آلاف الحجب([7]) والسرادقات، كما في الحديث "إن لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه دونه"([8]).

وعند أهل المعرفة قد صدر هذا الكتاب الشريف من الحق تعإلى بمبدئيّة جميع الشؤون الذاتية والصفاتية والفعلية، وبجميع التجليات الجمالية([9]) والجلالية، وليست لسائر الكتب السماوية هذه المرتبة والمنزلة. وأما عظمته بواسطة محتوياته ومقاصده ومطالبه فيستدعي ذلك عقد فصل على حدة، بل فصول وأبواب، ورسالة مستقلة، وكتاب مستقل حتى يسلك نبذة منها في سلك البيان والتحرير، ونحن نشير بطريق الإجمال بفصل مستقل إلى كلياته، وفي ذلك الفصل نشير إلى عظمته من حيث النتائج والثمرات إن شاء الله.
 
وأما عظمة رسول الوحي وواسطة الإيصال فهو جبرائيل الأمين والروح الأعظم الذي يتصل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد خروجه عن الجلباب البشري، وتوجيه شطر قلبه إلى حضرة الجبروت([10]) بذاك الروح الأعظم، وهو أحد أركان دار التحقق الأربعة بل هو أعظم أركانها وأشرف أنواعها، لأن تلك الذات النورانية ملك موكل للعلم والحكمة وصاحب الأرزاق المعنوية والأطعمة الروحانية. ويستفاد من كتاب الله والأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقدمه على سائر الملائكة.
 
وأما عظمة المرسل إليه ومتحمّله، فهو القلب التقي النقي الأحمدي الأحدي([11]) الجمعي([12]) المحمدي الذي تجلى له الحق تعالى بجميع الشؤون الذاتية([13]) والصفاتية([14]) والأسمائية والافعالية، وهو صاحب النبوة الختمية، والولاية المطلقة، وهو أكرم البرية، وأعظم الخليقة وخلاصة الكون، وجوهرة الوجود، وعصارة دار التحقق، واللبنة الأخيرة، وصاحب البرزخية الكبرى، والخلافة العظمى.
 
وأما حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾([15]) وأما شارحه ومبيّنه فالذوات المطهرة المعصومون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجة العصر عجل الله فرجه([16]) والذين هم مفاتيح الوجود، ومخازن الكبرياء، ومعادن الحكمة والوحي، وأصول المعارف والعوارف، وأصحاب مقام الجمع والتفصيل.
 
وأمّا وقت الوحي فليلة القدر([17]) أعظم الليالي و﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾([18]) وأنور الأزمنة، وهي في الحقيقة وقت وصول الوليّ المطلق والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
 


([1]) الجوهر: هو الوجود المستقل الذي لا يفتقر إلى محل ولا أنه تابع لشيء آخر.
([2]) المطلق: أي الوجود المطلق، يراد منه اللّه سبحانه وتعالى الذي لا يحد بحد ويقابله الوجود المقيد، مثل وجود الجماد والنبات والمعادن والعقول والنفوس و..
([3]) راجع صفحة 5 قد مر ذكره.
([4]) الغيب: ما يقابل عالم الشهود وهو مقام الجمع لدى العرفاء.
([5]) الشهادة: أي عالم الشهادة المحسوسة المادية.
([6]) قد مر ذكره في صفحة 5 راجع ذلك(التجلي).
([7]) الحجاب: يقصد العرفاء من الحجاب العوائق التي تتوسط بين العاشق والمعشوق.
([8]) بحار الأنوار ج‏58 ص‏45 الحديث 13 من الباب 5.
([9]) التجلي الجمالي: وهو التجلي بالرحمانية والرحيمية حيث يوجب الرعاية واللطف والرحمة، وأن كل ما هو تجلي جمالي يستلزم التجلي الجلالي لأن التجلي هو تجلي الحق على حقيقة لذاته عز اسمه أو هذا معناه احتجاب الحق سبحانه بحجاب العز والكبرياء عن غيره هذا هو التجلي بالجلال. كما أن كل تجلي بالجلال يستلزم التجلي بالجمال.
([10]) الجبروت: يطلق عالم الجبروت على عالم العقول المجردة وقال صدر المتألهين أن عالم الجبروت هو عالم العقول الكلية كما يطلق لدى بعض الفلاسفة على عالم البرزخ.
([11]) الأحد: هو كل شي‏ء لا يكون له مثيل من جنسه.
([12]) الجمع: هو مشاهدة الحق دون انتباه إلى الخلق حيث لا يكون الخلق حجايا للعارف وهذه مرتبة الفناء.
([13]) التجلي الذاتي: هو انكشاف الحقائق الغيبية من وراء الحجب.
([14]) التجلي الصفاتي: هو تجلي الصفات والأسماء والحجب النورانية.
([15]) سورة الحجر، الآية 9.
([16]) هو الإمام الثاني عشر من أئمة المسلمين من سلالة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو محمّد بن الحسن عليه السلام، ولد في الخامس عشر من شهر شعبان عام 255 ه.ق، أمّه نرجس، تولّى الإمامة في عامه الخامس،لكنه غاب عن أنظار الناس بأمر من الله وبسبب الأوضاع في ذلك الزمان، وقسمت غيبته إلى قسمين: فترة الغيبة الصغرى ودامت 69 عاماً، كان خلاله يتصل مع الناس بشكل غير مباشر بواسطة نوّاب أربعة. وبعد وفاة النائب الرابع بدأت فترة الغيبة الكبرى، وهي مستمرة إلى يومنا هذا، حتى يقضي الله سبحانه وتعالى بظهوره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. الفكر الإسلامي يعتبر أن المواجهات المستمرة للإمام المهدي عليه السلام وظهوره هي آخر حلقة من حلقات مواجهة أهل الحق مع أهل الباطل، أي أن مواجهات أهل الحق على مرّ التاريخ تبقى متأججة، وأرضية انتصار الحق تتحقق يوماً بعد يوم إلى أن يتحقق ظهور المهدي الموعود عليه السلام عندها تصل هذه المواجهات إلى النتيجة النهائية وظهور شمس العدل والحق على البشرية. ذلك اليوم سيكون يوم البلوغ الفكري والمعنوي والاجتماعي للإنسانية.
([17]) حسب الروايات فإن ليلة القدر هي إحدى ليالٍ ثلاث من شهر رمضان 19 و21 و23. وحسب القرآن فإن ليلة القدر هي خيرٌ من ألف شهر، وأن الله سبحانه وتعالى يقدّر كلّ الأمور في هذه الليلة حتى العام التالي، الليلة التي نزلت على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث نزلت الملائكة بأمر ربها على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لتدبير أمر ما. ليلة القدر، هي ليلة الرحمة، ليلة العناية الإلهية الخاصة، ومن أجل هذا يوصي أئمة الدين بإحياء هذه الليلة والاستفادة منها بالدعاء والمناجاة مع الله سبحانه وتعالى، وقد عيّنوا أعمالاً وصلوات وأدعية خاصة لهذه الليلة.
([18]) القدر: 3.

الأحد, 23 آذار/مارس 2025 10:32

ما هي خصائص ليلة القدر؟

يقول تعالى في سورة القدر:﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر، سَلامٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ إلى طُلُوعِ الْفَجْرِ﴾
 
هناك خصائص متعدّدة لليلة القدر، وهي:

1- نزول الملائكة والروح
لعلّ من أهمّ خصائص ليلة القدر، هو نزول الروح، وفي الرواية: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه  عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[1]، قَال  عليه السلام: خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّه  صلى الله عليه وآله وسلم، وَهُوَ مَعَ الْأئمّة عليهم السلام، وَهُوَ مِنَ الْمَلَكُوت"[2].
 
2- سلام دائم
"ومعنى سلام، هي أنّ هذه الليلة ما هي إلّا سلامة وخير، فأمّا سائر الليالي، فيكون فيها بلاء وسلامة، أو ما هي إلّا سلام لكثرة سلام الملائكة على المؤمنين"[3].
في تفسير القمّيّ، قال: "تحيّةٌ يُحَيَّا بها الإمام إلى أن يطلع الفجر"[4].
قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ في تفسيره: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر﴾، "يُسَلِّمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مَلائِكَتِي وَرُوحِي بِسَلامِي، مِنْ أَوَّلِ مَا يَهْبِطُونَ إلى مَطْلَعِ الْفَجْرِ"[5].
 
"والدائم: الممتدّ زمانه والثابت والمتتابع، يُقَال: دام المطر، إذا تتابع نزوله.
والبركة: كثرة الخير ونماؤه"[6].
 
3- ليلة القدر وتعيّن مقدّرات السنة
عَنْ حُمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَر  عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾[7]، قَالَ: "نَعَمْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَلَمْ يُنْزَلِ الْقُرْآنُ إلاَّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. قَال عليه السلام: يُقَدَّرُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إلى مِثْلِهَا، مِنْ قَابِلٍ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَطَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَمَوْلُودٍ وَأَجَلٍ، أَوْ رِزْقٍ، فَمَا قُدِّرَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَقُضِيَ فَهُوَ الْمَحْتُومُ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْمَشِيئَةُ. قَالَ: قُلْتُ: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، أَيُّ شَيْ‏ءٍ عُنِيَ بِذَلِكَ؟ فَقَال عليه السلام: الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا، مِنَ الصلة وَالزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ الْخَيْرِ، خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَوْ لَا مَا يُضَاعِفُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا بَلَغُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ بِحُبِّنَا"[8].
 
4- تنزّل الملائكة في ليلة القدر
"عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ"
"المراد بمن يشاء من عباده: إمام الزمان  عليه السلام، وبما أحكم من قضائه: ما قضى وأبرم وأمضى وحتم ولم يكن فيه تقديم وتأخير، ولا تبديل وتغيير"[9].
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: "مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، قُسِّمَ فِيهَا الْأَرْزَاقُ، وَكُتِبَ فِيهَا الْآجَالُ، وَخَرَجَ فِيهَا صِكَاكُ الْحَاجِّ، وَاطَّلَعَ اللَّهُ إلى عِبَادِهِ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِلاَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مُسْكِرٍ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، فِيه?ا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، ثُمَّ يُنْهَى ذَلِكَ وَيُمْضَى ذَلِكَ، قُلْتُ: إلى مَنْ؟ قَالَ: إلى صَاحِبِكُمْ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ"[10].
عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  عليه السلام: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، قَالَ: "تِلْكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، يُكْتَبُ فِيهَا وَفْدُ الْحَاجِّ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ، وَيُحْدِثُ اللَّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يُلْقِيهِ إلى صَاحِبِ الْأَرْضِ، قَالَ الْحَرْثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْبَصْرِيُّ: قُلْتُ: ومَنْ صَاحِبُ الْأَرْضِ؟ قَالَ: صَاحِبُكُمْ"[11].



[1] سورة الإسراء، الآية 85.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص273.
[3] السيّد علي خان المدني الشيرازيّ، رياض السالكين، مصدر سابق، ج6، ص32.
[4] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، تحقيق السيّد طيب الموسويّ الجزائريّ، مطبعة النجف، لا.م، 1387ه، لا.ط، ج2، ص431.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج25، ص80.
[6] السيّد علي خان المدني الشيرازيّ، رياض السالكين، مصدر سابق، ج6، ص33.
[7] سورة الدخان، الآية 3.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص157.
[9] السيّد علي خان المدني الشيرازيّ، رياض السالكين، مصدر سابق، ج6، ص34.
[10] الشيخ الحويزيّ، تفسير نور الثقلين، مصدر سابق، ج4، ص625.
[11] الصفّار، محمّد بن الحسن بن فروخ، بصائر الدرجات، تصحيح وتعليق وتقديم الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلميّ، إيران -  طهران، 1404ه - 1362ش، لا.ط، ج1، ص221.

الأحد, 23 آذار/مارس 2025 10:31

ليلة القدر والاجتهاد في العبادة

ليلة القدر هي الليلة التي اختارها الله سبحانه لإظهار الربوبية الشاملة من حيث التقدير والتدبير، لذلك فهي الظرف الزماني الأنسب لإظهار العبودية الكاملة لله تعالى، ومن هنا فالعبادة في هذه الليلة لها أثر خاص متميز على ما ورد في الروايات الكثيرة عنهم‏ عليهم السلام.
 
ومن الواضح أن الإيمان التام بالتقدير الإلهي يستدعي العمل وبذل الطاعة في هذه الليلة.
 
كما أن الإحياء المذكور ثمرة الإيمان ومتفرع عليه، وبالعمل فيها يرجى الخير للعبد في التقدير بحسب درجة إيمانه.
 
وعليه فالعبادة في خصوص هذه الليلة تتجلى بأمرين:
1- الإعتقاد اليقيني بمضامين هذه الليلة المباركة (التقدير الإلهي).
2- إحياؤها بالعمل.
 
الجانب الإعتقادي في ليلة القدر (التقدير الالهي)
﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾([1]).
 
﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾([2]).
 
عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَ﴾ قال: "تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمره، وما يصيب العباد، والأمر عنده موقوف له، فيه المشيئة فيقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، (ويمحو ما يشاء) ويثبت وعنده أم الكتاب".
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "في تسعة عشر من شهر رمضان يلتقي الجمعان قلت: ما معنى قوله: "يلتقي الجمعان"؟ قال: يجمع فيها ما يريد من تقديمه وتأخيره، وإرادته وقضائه".
 
عن أبي عبد الله عليه السلام: "أن ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تثبت البلايا والمنايا والاجال والارزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول".
 
الجانب العملي في ليلة القدر(إحياؤها):
عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل عن ليلة القدر: كيف هي خير من ألف شهر؟ قال عليه السلام: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر..".
 
عن أبي عبد الله عليه السلام: ".. فطوبى لعبد أحياها راكعا وساجدا ومثل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها، فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إنشاء الله".
 
ثواب من أحيا ليلة القدر:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قال موسى: إلهي اريد قربك، قال: قربي لمن يستيقظ ليلة القدر، قال: إلهي اريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي اريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدق بصدقة في ليلة القدر. قال: إلهي اريد أشجار الجنة وثمارها، قال: ذلك لمن سبح تسبيحة في ليلة القدر، قال: إلهي اريد النجاة من النار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رضاك، قال: رضاي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر".
 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يفتح أبواب السموات في ليلة القدر، فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله تعالى له بكل سجدة شجرة في الجنة، لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وبكل ركعة بيتا في الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وبكل اية تاجا من تيجان الجنة، وبكل تسبيحة طائرا من النجب، وبكل جلسة درجة من درجات الجنة، وبكل تشهد غرفة من غرفات الجنة، وبكل تسليمة حلة من حلل الجنة".
 
عن الباقر عليه السلام: "من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار".
 
علينا أن لا ننسى في هذه الليلة المباركة الدعاء لحفظ ولي أمر المسلمين الإمام القائد الخامنئي دام ظله ولنصر المجاهدين في سبيل الله ولفك الأسرى من سجون الأعداء.
  


([1]) النحل: 2.
([2]) الدخان: 5-1.

الأحد, 23 آذار/مارس 2025 10:23

أيّة ليلة هي ليلة القدر؟

لقد أكّدت روايات كثيرة أنّ ليلة القدر ليست ليلة معيّنة بذاتها، فهي الليالي العشر الأخيرة من الشهر الشريف. وهي عند الأخوة السنّة ليلة السابع والعشرين منه. إلاّ أن الروايات الواردة من طرف أئمة الهدى عليهم السلام، لا تجعلها ليلة بعينها، إنما تردّدها بين ليلة تسع عشرة ولو كان الشهر تسعة وعشرين يوماً تكون أول الليالي العشر الأخيرة، وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين من هذا الشهر. وما ذلك الترديد سوى زيادة في تشويق العبد للتفرغ للعمل الصالح، ليمحض الله اهتمامه وطاعته في هذه الليلة، وفي ذلك رفع لقدر المؤمن وتشريف له بهذه العبودية.
 
فعن محمد بن يعقوب الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد ﴿بن يحيى﴾، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن حسّان بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "سألته عن ليلة القدر؟ فقال: إلتمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين"[1].
 
وفي رواية أخرى عن طريق محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين..."[2].
 
وفي رواية تبيّن مدى الترابط بين الليالي الثلاث، بالإسناد إلى علي بن الحكم، عن ابن بكير، عن زرارة قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام: التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين"[3].
 
ولكن ما يتيحه الله لعباده، وما يمكن أن يملأ به العباد أوعيتهم من رشحات الأنس وتجليّات الوصال، أعظم من أن يحول دونه عدد الليالي التي يسافر فيها أهل القلوب المتوثّبة والنفوس الطامحة. ففي رواية محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر، واجتنب الليل، وتفرّغ للعبادة"[4].
 
أفضل ما ينبغي طلبه ليلة القدر:
إنّ أعزّ ما ينبغي للمؤمن العاقل طلبه في ليلة القدر هو فكاك الرقبة من النار، والفوز بالجنة. وهذا لا يكون إن أراده ميسّراً إلا إن غفر الله ذنوبه. وهو ما تشير إليه الكثير من الأحاديث باعتباره ثواباً لعمل ليلة القدر.
 
فعن محمد بن أبي عمير قال: "قال موسى بن جعفر عليه السلام: من اغتسل ليلة القدر وأحياها إلى طلوع الفجر خرج من ذنوبه"[5].
 
وفي حديث آخر عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن موسى، عن آبائه عليهم السلام، قال: "قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: من أحيى ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماوات ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار"[6].
 
وقد تقدّم أن ليلة القدر يقدّر الله فيها ما سيكون إلى مثلها من قابل، فليسأل العبد ربّه خاتمة حسنة وعاقبة منجية ليدرك بالموت الفوز بلقاء الله.
  


[1] الكافي، ج4، ص156، ح1.
[2] الفقيه، ج2، ص103، ح460.
[3] الكافي، ج4، ص549، ح8.
[4] الكافي، ج4، ص155، ح3.
[5] وسائل الشيعة، ج15، ص398، ج11، عن فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق، ص137، ح146.
[6] فضائل الأشهر الثلاثة، ص118، ح114.

الجمعة, 14 آذار/مارس 2025 08:50

القرآن يغير حياتك في شهر الله

القرآن كفيل بأن يغير لك حياتك في شهر الله إن التزمت بعلاقة ثابتة وراسخة وعميقة معه. وهو بالإضافة إلى ذلك يحجز لك الزاد الأنفع في دار الخلود. يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾([1]).

والعلاقة الحقيقية مع القرآن الكريم كفيلة بأن تمنحك ما يلي:
 
الحديث مع الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبَّ أحدُكم أن يحدِّث ربَّه فليقرأ القرآن"([2]).
 
أهلية القيادة: بعَثَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفداً إلى اليمن، فأمَّر عليهم أميراً منهم وهو أصغرهم، فمكث أياماً لم يسر... فقال له رجل يا رسول الله أتؤمِّره علينا وهو أصغرنا؟ فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قراءته القرآن([3]).
 
جلاء القلوب: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ هذه القلوب تَصْدأ كما يَصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن"([4]).
 
الغنى الأكبر: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرَأ القرآن فهو غنىً لا فقرَ بعدَه"([5]).
 
الأُنس الأكبر: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أَنس بتلاوة القرآن، لم تُوحشه مفارقة الإخوان"([6]).
 
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي"([7]).
 
كفَّارة الذنوب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليك بقراءة القرآن، فإنَّ قراءته كفارةٌ للذنوب، وسَترٌ في النار، وأمانٌ من العذاب"([8]). عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ، لا تَغفل عن قراءة القرآن، فإنَّ القرآن يَحيي القلب، ويَنهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي"([9]).
 
تحت ظلال الوحي: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ القرآن فكأنما استُدرجت النبوة بين جَنْبيه، غير أنه لا يُوحى إليه"([10]).
 
أحبّ الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فعن الإمام علي عليه السلام لما سمع ضجة أصحابه في المسجد وهم يقرأون القرآن: "طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "([11]).
  


([1]) فاطر 29.
([2]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2524.
([3]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2524.
([4]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2524.
([5]) الكافي، ج2، ص 605.
([6]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2524.
([7]) الكافي، ج2، ص 602.
([8]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2524.
([9]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2525.
([10]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2525.
([11]) ميزان الحكمة، ج3، ص 2521.