
emamian
الثورة الإسلامية في إيران وسرّ إنتصارها
لقد أعطت الثورة الإسلامية في إيران درساً لكل الأجيال, وصفعة قوية الى دول الاستكبار العالمي وإلى كل الذين يشككون في قيادة المرجعية الدينية للأمة وقيادة المؤسسة الدينية للسلطة.
علي الأكبر: رمز الشجاعة والإيمان ودروس خالدة للشباب المعاصر
يُعتبر علي الأكبر، ابن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، رمزًا من رموز الشجاعة والإيثار في التاريخ الإسلامي. وُلد في المدينة المنورة عام 33 للهجرة، وبرزت شخصيته القوية خلال معركة كربلاء، حيث أظهر قيمًا نبيلة ومبادئ سامية تجعل منه قدوة للشباب في مختلف العصور. علي الأكبر عليه السلام كان مثالًا للالتزام بالقيم الإسلامية. فقد أظهر احترامًا عميقًا لعائلته وقيمه، وكان يسعى دائمًا لتحقيق العدالة.
يُمكن للشباب أن يستلهموا من هذا الالتزام في حياتهم اليومية، من خلال التمسك بالمبادئ والقيم التي تعزز من مكانتهم في المجتمع. تُعتبر تضحية علي الأكبر عليه السلام من أبرز الصفات التي تجعله قدوة. فقد اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن مبادئ الحق على حساب حياته. هذه الروح الإيثارية تُعلم الشباب أهمية التضحية من أجل القضايا العادلة والمبادئ السامية. إن الإيثار لا يعني فقط التضحية بالنفس، بل يشمل أيضًا تقديم المساعدة للآخرين والعمل من أجل مصلحة المجتمع. علي الأكبر عليه السلام يُمثل نموذجًا للشجاعة والإقدام، فقد كان من أوائل الذين شاركوا في معركة كربلاء للدفاع عن الحق والعدل. في مواجهة أعداء كثر، لم يتردد في القتال حتى آخر لحظة، مما يُظهر أهمية الشجاعة في مواجهة التحديات. إن هذه الشجاعة ليست مجرد قوة بدنية، بل هي شجاعة روحية تتطلب الإيمان العميق بالقيم والمبادئ.
لذا ينبغي علينا أن نعرف كيف يمكن لشبابنا أن يتعلموا من علي الأكبر، وكيف يمكنهم أن يجعلوه قدوة لهم.
الخصائص الفريدة والبارزة لعلي الأكبر عليه السلام
1) الشجاعة الفائقة: كان علي الأكبر مثالاً للشجاعة والإقدام، حيث واجه الأعداء في معركة كربلاء بكل شجاعة وثبات. وكان أحد مواقفه في كربلاء أن الإمام الحسين عليه السلام أرسله عليه السلام حتى يجيئ بالماء. فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه: « وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد، وأنشأ الحسين عليه السلام يقول:
يا دهر أف لك من خليل
كم لك في الاشراق والاصيل
من طالب وصاحب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل
وكل حي سالك سبيلي» (1).
وأن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص برز للقتال في يوم عاشوراء من أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام. فقد روي : « روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء إلاّ أهل بيته وخاصّته، فتقدّم علي الأكبر عليه السّلام، وكان على فرس له يُدعى الجناح، فاستأذن أباه عليه السّلام في القتال فأذن له، ثمّ نظر إليه نظرة آيِسٍ منه، وأرخى عينيه فبكى، ثمّ قال: اللّهُمّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم؛ فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك. فشَدّ علي الأكبر عليه السّلام عليهم وهو يقول: أنَا عَليُّ بنُ الحسين بن علي
نحن وبيتِ الله أولَى بِالنّبي
تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدّعي
أضرِبُ بالسّيفِ اُحامِي عَن أبي
ضَربَ غُلامٍ هَاشِميٍّ عَلوي
ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أباه العطش! فيقول له الحسين عليه السّلام: اصبِرْ حَبيبي؛ فإنّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بكأسه. ففعل ذلك مراراً، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرِع، واحتواه القوم فقطّعوهُ بسيوفهم» (2).
2) العلم والمعرفة: البصيرة الدينية تعني القدرة على فهم المعاني العميقة للدين وتطبيقها في الحياة. كان علي الأكبر عليه السلام يتمتع ببصيرة دينية استثنائية. حيث كان يدرك أهمية القيم والمبادئ الإسلامية في مواجهة التحديات. في كربلاء، تجلى هذا الفهم عندما اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن الحق، رغم معرفته بعواقب ذلك. وأيضا في طريق الذهاب إلى كربلاء، وقعت واقعة تبرز لنا ما مدى بصيرة علي الأكبر عليه السلام وعلمه ومعرفته بالأمور الإلهية. فقد روي: « ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتقا يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فقا له ابنه علي: يا أبه أفلسنا على الحق؟ فقال: بلى با بني والذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبه إذن لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزا ولدا عن والد ثم بات عليه السلام في الموضع» (3).
3) شباهته برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن علي الأكبر عليه السلام كان أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4). وقد قال الله سبحانه وتعالى في حق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (5). فكذلك علي الأكبر عليه السلام كان سجاياه الأخلاقية والجسمية كجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
دور علي الأكبر في واقعة عاشوراء
قلنا إن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص من أهل البيت عليهم السلام الذي خرج إلى قتال الأعداء وقاتل قتال الأبطال. وقد روي حول قتاله عليه السلام:« تقدّم علي الأكبر نحو القوم فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً بلغ المائة وعشرين، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيل؟ فقال له الحسين: قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها. فبينما هو يقاتل قتال الأبطال بصر به مرة بن منقذ العبدي فقال: علي آثام العرب إن مرّ بي إن لم اثكله أباه، فمرّ الأكبر يشدّ على الناس كما مرّ في الأوّل فاعترضه مرّة بن منقذ وطعنه، فصرع واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم« (6).
وأيضا كان من الذين ذهب إلى نهر العلقمي حتى يأتي بالماء إلى مخيم أبيه الإمام الحسين عليه السلام.
مكانة علي الأكبر عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام
لعلي الأكبر عليه السلام مكانة عظيمة وجليلة عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام. وهذه المكانة العظيمة ليست فقط لأجل أن علي الأكبر عليه السلام هو الإبن الأكبر للإمام، بل هذه المكانة تنشأ من مقامه وفضائله عند الله عزوجل. لأن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم من قبل الله سبحانه وتعالى. وهذه المكانة الرفيعة تتجلى في كلام الإمام الحسين عليه السلام حينما ذهب علي الأكبر عليه السلام إلى قتال الأعداء حيث روي: « لما رأى الإمام إصرار ولده الأكبر على القتال وتفانيه في محاربة القوم صاح: يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، وسلط عليك من يذبحك على فراشك. ثم قال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه النّاس برسولك محمّدٍ خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً و كنّا إذا اشتقنا إلي رُؤيةِ نَبيك نَظرنا اِليه. ثم قال: أللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، وإجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا. ثمّ رفع صوته وتلا: ﴿ إنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وآلَ إبراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ على العالَمين ذُريةً بَعضُها مِنْ بعض واللهُ سَميعٌ عليمٌ ﴾ (7) » (8).
وعندما استشهد علي الأكبر عليه السلام، أسرع الإمام الحسين عليه السلام إلى مصرعه حيث روي: « فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه، ووضع خده على خده وقال: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العفاء. قال الراوي: وخرجت زينب ابنت علي تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه، وجاءت فأكبت عليه. فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء» (9).
هذه كانت جملة من الخصوصيات التي كان علي الأكبر عليه السلام واجد لها. وفقنا الله للتأسي به في الثبات على طريق الحق ونصرة الإمام عليه السلام.
1) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 221 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 2.
2) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 44 / الصفحة: 367 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
5) سورة القلم / الآية: 4.
6) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
7) سورة آل عمران / الآية: 33.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 43 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
بركات انتصار الثورة الإسلامية في إيران في كلام الإمام الخامنئي (دام ظله)
هذا عصر استيقظ فيه العالم الإسلامي، وأخذ المسلمون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالعزة والرفعة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه المسلم يخجل في أية نقطة من نقاط العالم كان من انتمائه إلى الإسلام، ومردّ هذا الشعور يعود إلى هذه الثورة التي فجرها القائد الكبير الإمام الخميني، بتضحيات الشعب الإيراني العظيم وإيثاره المدهش، فأفضى انتصارها في هذه البقعة الحساسة من الدنيا، إلى ذهول العالم.
عشر سنوات والجمهورية الإسلامية تصمد بشهامة في وجه مختلف المؤامرات الاستكبارية، وهي تدافع عن قوة الإسلام واقتداره، وعن وجودها وثباتها، حتى استطاعت أن ترد كيد العدو إلى نحره.
لقد كانت الدول الاستكبارية تظن إنّها تستطيع أن تنال منّا، من خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبالحصار الاقتصادي والدعائي، وبإشاعة ضروب التهم ضدّنا في أرجاء العالم. وقد غفلوا عن حقيقة أنَّ الإسلام، يقظة المسلمين وصحوتهم، هي التي تهز مضاجع سلطتهم، وإن سهام اليقظة الإسلامية النافذة، تهز مع مضي كل يوم، عروش فراعنة العالم أكثر فأكثر([1]).
نحن شهود في هذا العصر على يقظة الشعوب، وهذه حقيقة أخرى تبعث الأمل في القلوب وتأذن بعهد وضّاء. صحيح أنَّ هيمنة القوى الاستكبارية تزايدت أكثر فأكثر على شؤون الشعوب، بفضل تقدم وسائل التقنية الجديدة كالتلفاز والمذياع وأجهزة الدعاية والإعلام، وبحكم المال والقدرات الصناعية. بيد أنها سنّة الله التي مضت على أن تستيقظ الشعوب وتصحو.
إننا نرى أن الشعوب في حال يقظة متزايدة يوماً بعد آخر، وهذه اليقظة تفسّر على أساس الأمل وثقة هذه الشعوب بالمستقبل.
عنصر الأمل يعمل في يقظة الشعوب. وعلينا أن لا نشك في أنَّ أهم عامل بعث الأمل لدى الشعوب خلال السنوات العشرة الأخيرة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل حكومة شعبية في إطار مستقل عن الشرق والغرب، وتصاعد نهج المقاومة بوجه القوى الاستكبارية.
لقد بعث ذلك الانتصار وهذه المقاومة، الأمل لدى شعوب العالم، وبالأخص المسلمين. لقد استيقظ المسلمون في جميع أجواء الدنيا، وهذا من الصنع الإلهي، ومن قدرة الله([2]).
افتقدت جميع الشعوب الإسلامية خلال النصف قرن الأخير، أملها بذاتها وطاقاتها تماماً، بل وفقدت الأمل حتى بطاقة الإسلام نفسه وإمكاناته، وذلك أثر سياسة التلقين المتواصل التي مارستها القوى المضادة للإسلام. وفي المقابل تجلى الأمل كرسالة في كل واقعة من حوادث الثورة، وفي كل خطاب وإشارة من قبل إمام الثورة الراحل ، وكان الأمل ينبض في كل حركة تصدر من الشعب ونشاط يبذله على هذا الخط.
وقد التقط المسلمون رسالة الأمل هذه فعادت ثقتهم بذاتهم، وأصبحوا على بصيرة من الضعف الذاتي للاستكبار. وإذا قدّر للعالم أن يشهد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الشعوبَ الإسلامية في كل مكان، وهي تتحرك بنحو يُخبر عن ثقة بالذات وإيمان بها، في طريق العود إلى الهوية والثقافة الإسلامية الذاتية، فإنَّ سبب ذلك يعود بشكل دقيق إلى أبطال المبارزةُ الشجاعةُ لشعب إيران، تلكَ الحيلة الاستعمارية الاستكبارية التي أشاعوا من خلالها عدم قدرة شعوب الشرق، والشعوب الإسلامية، على دحر القوى الأوروبية وأمريكا، حيث أشارت الثورة وجهاد الشعب الإيراني إلى موقع القوة الواقعية وموطنها. فالقوة الواقعية هي التي تكون بالناس مع الإيمان.
وفي مقابل قوة شعبية مسلحة بالإيمان، لا تستطيع أية قدرة مادية مهما كانت كبيرة ومجهزة، أن تفرض إرادتها([3]).
في كل مكان فيه شعب مبتلٍ بهذه القوى الدولية المسيطرة يكون لهذا الشعب علاقة مع هذه الثورة وميل إليها، لكونها تفصح عن مكنونات قلوب ذلك الشعب وتعبِّر عن تطلعاته. كثيرة هي الشعوب المملوءة غيظاً ورفضاً لحضور أمريكا، ونفوذ الاستكبار، وللقواعد العسكرية، والتدخلات الاقتصادية، ولإشاعة الثقافة الأجنبية في بلادها، بيد أنها تفتقر للجرأة في التعبير عن ذلك وتفتقد قدرة الحركة باتجاه الرفض والمقاومة. والأهم من ذلك إنها تفتقر القيادة التي تتحرك؛ فالاختناق شديد ويحوط بها الإرهاب والقمع من كل جانب.
والأنظمة الرجعية التي ترتبط بأميركا، هي غالباً من هذا القبيل، ومثل هذه الشعوب المقهورة حين تجد أمامها شعباً يُواجه النفوذ الأمريكي بقوة وبإرادة حرَّة من دون خوف، ويهتف ضدَّ ثقافة الغرب وتدخل الاستكبار، وضدَّ الحضور العسكري الاقتصادي والثقافي للأجانب، ويعمل على طريق هذه المواجهة ويثبت عليها، فإنها ترى قلوبها مضطرة للميل إلى هذا الشعب، وتكون على علاقة مع الثورة.
والمعطى العالم يكون بهذا المعنى. يعني أن يكون لشعبنا، ولثورتنا رسالة إلى بقية الشعوب. ومؤدىّ هذه الرسالة، إنَّ الشعب إذا أراد؛ وإذا التف حول قيادة واحدة، واجتمع من خلال محور واحد، فهو يستطيع أن ينجز ما لم يكن قابلاً للإنجاز قبل ذلك.
وثمة رسالة أخرى يحملها شعبنا وثورتنا للمسلمين جميعاً. ومؤدّى هذه الرسالة أنَّ بمقدور المسلمين إذا أرادوا أن يعيدوا الإسلام إلى المجتمع وإلى موقع الحاكمية، رغم ما بذلته وتبذله الأيادي المعادية للإسلام في سبيل استئصاله والقضاء عليه.
هاتان رسالتان لشعبنا وثورتنا. وعليكم أن لا تظنّوا أن الشعوب الأخرى لم تدرك هذه الرسالة ولم تستمع إليها. إن ما ترونه في الحج من وقوف الأفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، من العرب والأتراك وبقية الشعوب، إلى جواركم، وتردادهم لشعاراتكم نفسها، واشتراكهم في مسيرتكم، هو في حقيقته جواب على رسائلكم([4]).
كان الكثير من المسلمين قبل ذلك يخجلون في الكثير من نقاط العالم من القول: بأننا مسلمون، أو من الإعلان عن ذلك وكان الحال كذلك في داخل بلدنا أيضاً. بيد أنَّ المسلمين اليوم يفخرون من أقاصي آسيا حتى غرب أوروبا وفي المناطق الأخرى من العالم بانتمائهم إلى الإسلام.
لقد أضحى الإسلام عزيزاً، واكتسب بحمد الله طابع المجتمع الإسلامي، وقد غدا هذا المجتمع متجذراً مستقراً([5]).
لقد بلغت النهضة العظيمة للشعب الإيراني إلى النصر بحمد الله وقامت على قاعدتها حكومة على أساس الدين لقد أخذت الحياة تنبض في وجود المسلمين والمتدينين، بعد قرون من تحقير أهل الدين والاستخفاف بهم. وذلك على أثر عزة النفس التي أخذت تسوق صوب الرفعة والكرامة. كما انبثقت الأحاسيس الإسلامية وتأججت العواطف، وأخذ الشعور بالهوية الإسلامية ينمو في دنيا الإسلام.
فما نراه اليوم من انطلاق جماعات إسلامية تدعو في البلاد الأفريقية إلى الحكومة الإسلامية وما نشاهده من جهاد المسلمين للحكومات الظالمة، وهم يهتفون بشعار الله أكبر ، هو أمر جديد. ومن نراه في الجهة الثانية من اضطرار للتظاهر بالإسلام حتى من قبل أولئك الذين كانوا يتبرؤن منه، هو شيء جديد أيضاً، ناشئ من صبح وضّاء أطلَّ على تاريخ الشعوب الإسلامية ببركة انتصار الثورة الإسلامية. وهذه ترتهن بالحركة العظيمة التي عمّت الوجود الإسلامي لجهود علماء كبار، في طليعتهم جهود ذلك الرجل العظيم الذي أسس هذه الحركة الكبيرة ومسك زمام قيادتها، وحقق الإنجاز بقلب مملؤ بالإيمان والعزم والإرادة وبتوكل لا متناه، قربة إلى الله، وإخلاصاً له تعالى.
([1]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أبناء الشعب. 22/4/1368.
([2]) حديث قائد الثورة إلى العاملين في وزارتي التجارة والزراعة، 12/2/1368.
([3]) بيان قائد الثورة بمناسبة اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار العالمي. 13/8/1369.
([4]) حديث قائد الثورة في لقائه مع أبناء المدن المختلفة. 3/8/1368.
([5]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة علماء وطلاب الحوزة العلمية لمدينة مشهد، 20/4/1368.
فرنسا تتوجه لشرق أفريقيا بعد تقلص نفوذها في غربها
شهدت السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في السياسة الخارجية الفرنسية نحو شرق أفريقيا، وذلك بعد تراجع نفوذها التقليدي في منطقة الساحل، وهو ما يعكس استجابتها للتحديات المتزايدة في تلك المنطقة، بما في ذلك صعود حكام عسكريين جدد أعلنوا القطيعة مع المستعمر السابق منفتحين في الآن نفسه على منافسي باريس، وعلى رأسهم روسيا وتركيا.
وقد ترافق هذا التدهور لدور فرنسا في تلك المنطقة مع سعيها لتعزيز روابطها مع دول شرق أفريقيا من خلال انخراطها في العديد من الإستراتيجيات المتضمنة لجوانب سياسية واقتصادية وعسكرية، بهدف استعادة مكانتها وتعزيز وجودها في القارة الأفريقية.
وفي هذا الشأن، أشارت ورقة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إلى أنه حتى التسعينيات من القرن الماضي كانت منطقة غرب أفريقيا ومواردها تبدو وكأنها في متناول فرنسا، إذ كانت لا تزال قادرة بـ"500 رجل على تغيير مسار التاريخ"، حسب تعبير وزير الخارجية لويس دي غيرينغود عام 1978.
ودفع هذا الانقلاب في التوازنات التي بنتها باريس لعقود لحماية نفوذها في القارة السمراء صناع السياسة الخارجية الفرنسية إلى إعادة النظر وصياغة إستراتيجيات جديدة تحكم علاقاتهم بأفريقيا، وتعمل على تعويض خسائرها المتتالية وكبح تراجع وزنها الدولي من خلال منحها نوعا من التوازن بالالتفات إلى مناطق بعيدة عن مجالات نفوذها التقليدية (شمال وغرب أفريقيا).
تنافس جيوسياسي
ويبدو أن التوجه نحو شرق أفريقيا أصبح من ملامح التحول البارزة، إذ تتصف سواحله المطلة على المحيط الهندي -وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات- بالأولوية والأهمية الإستراتيجية لباريس التي تعتبرها إحدى المناطق التي تشكل مسرحا لتوترات دولية متنامية بين بكين وواشنطن، وهو ما دفع فرنسا إلى تعزيز وجودها فيها من خلال بناء شراكات متزايدة مع دول مثل كينيا وتنزانيا.
وهكذا يتحول الشرق الأفريقي إلى نقطة تنافس جيوسياسي جديد لا تحاول فرنسا من خلال تطوير وجودها فيه مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد هناك فقط، بل كذلك وقف تمدد نفوذ تركيا التي تحولت إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، إذ يغذي هذا التنافس تحول كل من أنقرة وبكين إلى أحد الورثة الرئيسيين لنفوذ فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي.
وفي هذا السياق، يمثل القرن الأفريقي بإطلالته على البحر الأحمر والمحيط الهندي بوابة مغرية لأي قوة راغبة في لعب أدوار محورية في العديد من الملفات الحيوية التي تتجاوز أفريقيا إلى الشرق الأوسط والتجارة الدولية، مع تصاعد أهمية هذه الممرات المائية عالميا وما يلوح في الأفق من ترتيبات أمنية دولية جديدة جنوب البحر الأحمر على خلفية استهداف الحوثيين المصالح الإسرائيلية.
وفي مؤشر على تصاعد اهتمام باريس بهذه البقعة الحيوية من شرق أفريقيا برز خلال السنوات الأخيرة جهد فرنسي حثيث لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة -وعلى رأسها إثيوبيا- والاستفادة من نفوذها التاريخي في جيبوتي.
قواعد فرنسية
تستخدم فرنسا مظلة واسعة من الأدوات في سعيها لبناء نفوذها في شرق أفريقيا، وتبرز في هذا السياق محورية الحضور العسكري الفرنسي المتمثل في احتضان جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج، والتي يختصرها تصريح إيمانويل ماكرون بأنه من المتعذر تنفيذ إستراتيجية بلاده في منطقة المحيطين الهادي والهندي "من دون القوات الفرنسية في جيبوتي".
وتزايدت أهمية هذه القاعدة بعد الانسحابات العسكرية المتتالية لباريس من منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما يفسر تحولها إلى نقطة انطلاق للقيام بمهام في أفريقيا وفق تصريح ماكرون في الزيارة ذاتها، والتي سبقها في يوليو/تموز 2024 اتفاق الرئيسين الفرنسي والجيبوتي على تجديد الشراكة الدفاعية بين البلدين.
وكان لافتا تصاعد العلاقات الفرنسية الإثيوبية، إذ لم تكتفِ باريس بتأييد سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري باعتباره "مطلبا مشروعا" بحسب تعبير ماكرون، بل تعهدت فرنسا بدعم إعادة بناء البحرية الإثيوبية، وتم انتداب ضابط تعاون فرنسي للعمل مع رئيس الأركان البحرية لهذا الغرض ضمن اتفاقية تعاون دفاعي تم توقيعها عام 2019، والتي وفرت إطارا قانونيا لتبادل إرسال قوات من كل من البلدين إلى الآخر.

نشاط اقتصادي متزايد
يمثل الجانب الاقتصادي ركنا مهما في إستراتيجية فرنسا تجاه شرق أفريقيا، إذ أعلن ماكرون إبان زيارته أديس أبابا في ديسمبر/كانون الأول 2024 عن "دعم أجندة الإصلاح الطموح" التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتحرير اقتصاد بلاده.
وإلى جانب ذلك، تعهد الرئيس الفرنسي بتقديم دعم من الوكالة الفرنسية للتنمية بمبلغ 100 مليون يورو، مبينا تشجيعه جهود إعادة هيكلة ديون إثيوبيا في أعقاب توصلها إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل قيمته 3.4 مليارات دولار.
كما تعد كينيا نقطة وصول للشركات الفرنسية إلى جميع أسواق شرق أفريقيا، إذ تهتم العديد من الشركات الفرنسية بالآفاق التي تقدمها السوق الكينية في مجالات، كالاتصالات والسياحة والأغذية الزراعية والطاقة وإدارة المياه والتوسع الحضري المتزايد.
وتعد فرنسا خامس أكبر مستثمر في كينيا، إذ تضاعف وجود الشركات الفرنسية فيها تقريبا من 50 إلى 140 شركة خلال العقد الماضي، وبلغ إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك فرنسا- وكينيا 3 مليارات يورو في عام 2023، بزيادة قدرها 16% مقارنة بعام 2018.

وفي يونيو/حزيران 2021 أطلقت فرنسا وكينيا حوارا إستراتيجيا، مع اتفاقية الشراكة الاقتصادية (إي بي إيه) الهادفة إلى تعزيز القيم المشتركة والسلام والأمن والاستقرار الديمقراطي في المنطقة، كما يقدم بنك "بي بي فرانس" تمويلا استثماريا وائتمان تصدير للشركات الكينية بحد أدنى للتمويل يبلغ مليون يورو لمدة تتراوح من سنتين إلى 12 سنة، بأسعار فائدة أوروبية تتراوح بين 4 و8%.
ومن جهة أخرى، تشهد تنزانيا نشاطا اقتصاديا فرنسيا متزايدا، إذ بلغ حجم التجارة بين البلدين 111 مليون يورو في عام 2023، بزيادة قدرها 10 ملايين يورو عن عام 2020، وتنشط الشركات الفرنسية بشكل أساسي في قطاعي النقل والطاقة، وهما أولويتان تم التأكيد عليهما خلال زيارة الوزير الفرنسي المفوض أوليفييه بيشت إلى تنزانيا في عام 2023.
وإلى جانب ذلك، وقّعت تنزانيا وفرنسا في مايو/أيار 2024 إعلانا مشتركا لتوسيع شراكتهما في 5 مجالات هي: التحول في مجال الطاقة والتخفيف من تغير المناخ، والبنية التحتية للنقل، والتنمية الزراعية، والاستثمارات في الاقتصاد الأزرق، ودعم المساواة بين الجنسين.

خلق القوة الناعمة في شرق القارة
تشير أرقام نشرتها السفارة الفرنسية في دار السلام إلى التزايد الكبير لأنشطة الوكالة الفرنسية للتنمية خلال السنوات الأخيرة في تنزانيا، إذ زاد التمويل من 50 مليون يورو سنويا خلال الفترة من 2010-2016 إلى متوسط 160 مليون يورو سنويا بين عامي 2017 و2023، إذ تبلغ قيمة المحفظة 1.3 مليار يورو، وتتضمن مشاريع هيكلية وشراكات مختلفة.
وعام 2020 وقّعت فرنسا وكينيا سلسلة اتفاقيات تمويل بقيمة 142 مليون يورو لدعم برامج تنموية مختلفة تتضمن الاستجابة للطوارئ الصحية، وفتح المناطق الريفية، والنقل العام، والوصول إلى المياه والصرف الصحي في كينيا.
كما تعهدت الوكالة الفرنسية للتنمية بتقديم مليار يورو لبرنامج لتوفير الكهرباء لمن لا يتمتعون بها جنوب الصحراء، إذ تضمّن البرنامج تركيب شبكات صغيرة تعمل بالطاقة المتجددة توفر إمكانية وصول الكهرباء إلى 100 ألف نسمة في كينيا.
وتنشط الوكالة الفرنسية للتنمية الدولية في جيبوتي، إذ تنخرط في مشاريع مختلفة، منها ما هو مرتبط على سبيل المثال بدعم النظام الصحي، وتعزيز كفاءة الطاقة في المباني، وتطوير القطاع المالي لمكافحة عدم المساواة.
ويمثل النشاط الثقافي ملمحا آخر للسياسة الفرنسية في شرق أفريقيا، وتتجلى أوضح نماذجه في إثيوبيا، إذ تعهدت فرنسا بدعم تجديد وترويج كنائس الكهوف في لاليبيلا، وشكلت لذلك الغرض فريقا فرنسيا متعدد التخصصات بتمويل أولي قدره مليون يورو.
كما ساهمت الوكالة الفرنسية للتنمية ومؤسسة خبراء فرنسا أيضا في تجديد آخر قصور الإمبراطور هيلا سيلاسي وتحويله إلى معلم سياحي، وشارك ماكرون في افتتاحه في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ووفقا للسفارة الفرنسية في أديس أبابا، فإن فرع "أليانس فرانسيز" -وهي منظمة تهدف إلى ترويج اللغة والثقافة الفرنسية في أنحاء العالم- بالعاصمة الإثيوبية ومدينة ديرا داوا يشكلان المركزين الرئيسيين لسياسة القوة الناعمة الفرنسية في إثيوبيا، إذ يدعمان العديد من المشاريع، ومنها مشروع "حضانة الفرنكوفونية" الذي يهدف إلى ربط المؤسسات العامة والخاصة التي تقدم تعليم اللغة الفرنسية.

آفاق الطموح الفرنسي
يبدو نجاح المساعي الفرنسية في بناء شبكات نفوذ لها في شرق أفريقيا محكوما بالعديد من العوامل، ويأتي على رأسها قدرتها على منافسة الخصوم الإستراتيجيين الذين رسخوا أقدامهم في المنطقة كالصين وتركيا، وهو ما يعني بذل باريس المزيد من الجهود والعمل على الاستفادة من التقاطعات الدولية للحصول على دعم غربي لطموحاتها، ولإقناع قادة المنطقة بالتداعيات الخطيرة من وجهة نظر باريس للتعاطي مع قوى مثل الصين وتركيا وروسيا.
وإلى جانب ما سبق، تواجه فرنسا تحديا آخر متعلقا بقدرتها على تجاوز إرثها الاستعماري والصورة التي خلّفها في أذهان الأفارقة، مما يمهد لقبول شعبي بها كشريك يعمل على تطوير روابطه بالمنطقة ضمن "شراكات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل، ولمصلحة جميع البلدان" كما صرح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من العاصمة الكينية نيروبي.
كذلك، سيظل إخفاق العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل الأفريقي شبحا يحوم فوق محاولات باريس لتقديم نفسها شريكا أمنيا موثوقا في منطقة تشهد طيفا واسعا من التهديدات الممتدة من الإرهاب إلى أمن الممرات المائية، وليس انتهاء بتصدعات داخلية تنذر بتفجير عدد من دول المنطقة من الداخل.
لماذا ينبغي أن نقرأ الصحيفة السجادية؟
التعرّف الإجمالي إلى «الصحيفة السجادية»
الصحيفة السجادية هي من الآثار المكتوبة للأئمة (ع) المشهورة بين العلماء والأجلاء باسم «أخت القرآن» و«إنجيل أهل البيت (ع)» و«زبور آل محمد (ص)». يمكن النظر إلى الصحيفة السجادية على أنها أول كتاب من القرنين الأول والثاني الهجري.
بلغ مجموع الأدعية في الصحيفة السجادية 75 دعاء وصلنا منها 54. وبالطبع، جمَعَ بعض العلماء والمحققين الأدعية المعتدّ بها الأخرى للإمام السجّاد (ع) على نمط المستدركات. واحدة منها هي الصحيفة السجادية الثانية التي جمعها الشيخ الحر العاملي. بعد الشيخ الحر العاملي، جمع علماء آخرون مثل المرحوم الأفندي والمحدّث النوري ومحسن الأمين... المزيد من أدعية الإمام السجاد (ع) وأطلقوا عليهم اسم الصحيفة الثالثة، الرابعة، الخامسة... ووفق قواعد الفقه الحديثي إن الصحيفة السجادية من أكثر الكتب الشيعية موثوقية. لقد ذكر العلامة محمد تقي المجلسي أكثر من 600 طريق معتبر لنقل الحديث لها. وأقر العلماء الكبار أيضاً بتواتر نصها. كما استفاد الإمام الخامنئي من هذه الصحيفة في بعض خطاباته أيضاً.[1]
القدرة على بناء المجتمع الأخلاقيّ والمعنويّ
من أجل الفهم لمكانة الصحيفة السجادية في الحضارة الإسلامية، يجب النظر إلى الجو الفكري والثقافي لعصر الإمام السجاد (ع). تُعدّ مدة الحياة والإمامة للإمام السجّاد (ع) إحدى المراحل الحساسة في تاريخ الإسلام. لقد عانى المجتمع الإسلامي في عهد الإمام الحسين (ع) من الانحطاط الأخلاقي والمعنوي الذي أدى إلى حادثة عاشوراء الفجيعة والمأسويّة واستشهاد الإمام الحسين (ع). ورغم أنه بعد استشهاد الامام الحسين (ع)، اندلعت انتفاضات ضد حكومة الجور، وبالإضافة إلى أن الحكومات كانت قد جعلت الجو مخنوقاً، فإن المجتمع والناس أيضاً كانوا لا يزالون في انحطاط وفساد.
الرواية الشهيرة للإمام الصادق (ع): «ارتدّ الناس بعد الحسين إلّا ثلاثة»[2] تدل على عمق الفاجعة في تلك المرحلة. كما أن الرواية التي تنقل عن الإمام السجّاد (ع): «ما بمكة ولا بالمدينة عشرون رجلاً يُحبّنا»[3] دليل على فساد الناس الفظيع. فالإمام السجّاد (ع) بعد خلقه الحماسة وخطبه النارية خلال الأَسر صار الآن في المدينة المنورة يحلل واقعة كربلاء ويتوصّل إلى هذه النتيجة: «إن قسطاً مهماً من المعضلات الأساسية للعالم الإسلامي، التي أفضت إلى فاجعة كربلاء، كان ناجماً عن الانحطاط والفساد الأخلاقي للناس...
لو أن الناس لم يكونوا قد صاروا أذلاء ولم تكن الرذائل مسيطرة عليهم، ما أمكن للحكومات، حتى إن كانت فاسدة، وحتى إن لم يكن لها دِين، وحتى إن كانت جائرة، أن تفعل مثل هذه الفاجعة العظيمة... حين تنحط أخلاق شعب، يمكن له أن يكون مصدراً للمفاسد كافة، وقد تفرّس الإمام السجاد (ع) هذا الأمر في وجه المجتمع الإسلامي، وعقد العزيمة على تطهير هذا الوجه من هذه القباحة، وتحسين الأخلاق.[4]
لذلك، «كان لا بد لدين الناس من أن يستقيم، ولا بد لأخلاق الناس أن تستقيم، ولا بد للناس أن يخرجوا من مستنقع الفساد هذا، ولا بد من إحياء التوجيه المعنوي في المجتمع، فالتوجه المعنوي هو لبّ لباب الدين والروح الأساسية له... لكن الخنق الذي كان في تلك المرحلة وسوء الوضع لم يسمحا للإمام السجاد (ع) أن يتحدث إلى أولئك الناس بشفافية وصراحة ووضوح. ليس لأن الأجهزة الحاكمة لم تكن تسمح فقط، بل أيضاً الناس كانوا لا يريدون. في الأساس، كان ذلك المجتمع مجتمعاً غير جدير وهالكاً وتالفاً ولا بد من إعادة بنائه».[5] لذلك، بدأ الإمام السجّاد (ع) إصلاح المجتمع، وكانت أفضل وسيلة وأداة يمكن أن يستخدمها لهذا الغرض هي «الدعاء». استخدم الدعاء كأساس لهذا العلاج وتمكّن من خلق جو معنوي في المجتمع الإسلامي.
الصحيفة السجادية هي ثمرة هذا الجهد المهم الذي استطاع به الإمام السجّاد (ع) تحقيق هدفه وتغيير أخلاق المجتمع وإعادة مسار المجتمع إلى الإسلام. لهذا، نقرأ في تكملة تلك الرواية الشهيرة: «ثم إن الناسَ لَحِقوا وكَثُروا»[6]، أي الناس عادوا إلى الإسلام في ما بعد، ونرى آثاره في زمن الإمام الباقر (ع) والإمام الصادق (ع).
يعتقد الإمام الخميني (قده) أن «الإمام زين العابدين (ع) لم يروج للدين أقل من الإمام الصادق (ع)، ومع أن زمن ذلك الإمام (ع) كان إلى حدّ أنه لم يكن ممكناً له أن يدعو أحداً إلى الدين، بل حتى لم يكن هناك مَن يسأل الإمام مسألةً، فإنه وهو جالس في بيته ويناجي الله في منتصف الليالي، حين كانت تصل تلك المناجاة إلى أيدي الناس، كان يُنتَفَع بها».[7]
وقال قائد الثورة الإسلامية في بلاغ الخطوة الثانية للثورة: «في مجتمعنا اليوم، يجب أن يكون أحد الجهود الأساسية تغيير الأخلاق»[8]، و«كثير من مشكلاتنا ناجمة عن الابتعاد عن الفضائل الأخلاقية؛ كلما ابتعدنا عن الفضائل الأخلاقية، تعقدت وزادت عُقد الحياة أكثر فأكثر»[9].
وإذْ نتحدّث اليوم عن أفول الحضارة الغربية، فإن علامته الرئيسية هي أفول في المجتمعات الغربية، لأن الافتقار إلى الأخلاق يقود المجتمعات إلى السقوط. لذلك إن السبب الأول والأهم الذي يدفعنا إلى الاهتمام بـالصحيفة السجادية وقراءتها والتدبّر فيها والترويج لها والسعي لتحقيقها هو أن الصحيفة السجادية هي «بنّاءة للمجتمع» وتعزز أخلاقه ومعنوياته التي هي الركيزة الأساسية للحضارة الإسلامية، كما تمنع الانحراف والانحطاط.
الدور المعرفي لـ«الصحيفة السجادية»
الدليل الآخر لأهمية الصحيفة السجادية هو أنها «كتاب إعجازي»[10]. و«الخلاصة والعصارة لتفكّر أهل البيت (ع) مدرجة في هذا الكتاب»[11]. ومع أن هذا الكتاب صيغ في قالب الدعاء لكنه «بحر المعارف الإسلامية الموّاج»[12]. في الواقع إن الصحيفة السجادية تحتوي على عدد كبير من المواضيع ويمكن استخلاص إجابات عن كثير من القضايا في الحياة من هذا الكتاب. «أدعية الصحيفة السجادية...
وهذه الأدعية كلها التي وصلتنا من الأئمة مليئة بالمعارف الإسلامية بشأن التوحيد والنبوة والحقوق ووضع المجتمع والأخلاق والحكومة والقضايا كافة التي يحتاج الإنسان إلى معرفتها بشأن الإسلام»[13]. لذلك «إن أحد مجالات التدبّر هو هذه الأدعية»[14]. «إذا وضع المرء خطبة أمير المؤمنين (ع) في التوحيد أمامه، وهي الخطبة الأولى في نهج البلاغة، أو وضع أمامه الدعاء الأول في الصحيفة السجادية الذي هو بشأن التحميد، أي الحمد الإلهي، يجدهما متشابهين ولا فرق بينهما... هذه الأدعية كلها التي وصلتنا من الأئمة مليئة بالمعارف الإسلامية بشأن التوحيد والنبوة والحقوق ووضع المجتمع والأخلاق والحكومة والقضايا كافة التي يحتاج الإنسان إلى معرفتها بشأن الإسلام»[15].
من ناحية أخرى إن المتساقطات هي إحدى الآفات في أيّ ثورة وتهدد خاصة الشباب المؤمنين والثوريين. السبب الرئيسي لهذه المتساقطات هو قلة عمق المعرفة الإسلامية في قلب الإنسان وعقله. فالأنس بـالصحيفة السجادية والتدبّر فيها أيضاً ضروري جداً من هذا المنظور، لأن «الصحيفة السجادية زاخرة بالمعارف الدينية. بهذا، سوف تقوّون بُنيتكم الدينية والثورية. إذا كانت البنية الدينية لشبابنا متينة، فإن كثيرين ممن يعملون... على حرف الأذهان نحو اتجاهات مختلفة إذا لاحظوا أن شبابنا متينين، فإنهم سوف ينكفئون»[16]. لذلك، قال قائد الثورة الإسلامية مراراً: «أرجو منكم أعزائي وبخاصة الشباب أن تأنسوا بـالصحيفة السجّاديّة، فما في هذا الكتاب هو دعاء في الظاهر. أمّا في الباطن، فهو كلّ شيء»[17]. «هذه ليست أدعية فقط؛ إنها دروس»[18].
تجلّي «القرآن» في «الصحيفة السجادية»
من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان يحتاج إلى أن يأنس بـالصحيفة السجادية ويتدبّر فيها مثل القرآن ويسعى إلى تحقيقها أن الصحيفة السجادية هي [مضمون] القرآن نفسه.
الصحيفة السجادية هي أخبار القرآن نفسها التي تعلّمنا إياها في قالب جمل وعبارات إنشائية. إذا أنِسَ شخص بـالصحيفة السجادية، فسوف يدرك بوضوح أن كل جملة فيها مستوحاة من القرآن الكريم.
الإمام الخميني يقول: «الصحيفة السجادية الكاملة أنموذج كامل لـالقرآن الصاعد، ومن أعظم المناجاة العرفانية في خلوة الأنس التي تعجز أيدينا عن نيل بركاتها. إنه كتاب إلهي استمد وجوده من معين نور الله، ويعلّم أصحاب الخلوة الإلهية طريقة سلوك الأولياء العظام والأوصياء الكبار. كتاب شريف يوضح أسلوب بيان المعارف الإلهية لأصحاب المعرفة مثل ما هو أسلوب القرآن الكريم بعيداً عن تكلف الألفاظ، وفي قالب الدعاء والمناجاة، للمتعطشين للمعارف الإلهية. إن هذا الكتاب المقدس، مثل القرآن الكريم، مائدة إلهية ينهل منها كل شخص على قدر شهيته المعنوية.
إن هذا الكتاب، مثل القرآن الإلهي، يدلنا بأسلوبه الخاص على أدق المعارف الغيبية التي تحصل من التجليات الإلهية في الملك والملكوت والجبروت واللاهوت وما فوق ذلك مما لا يخطر على ذهني وذهنك وتقصر يد الطلاب عن حقائقه، كقطرات من بحر عرفانه المترامي الأطراف تجعلهم يذوبون ويفنون»[19]. «إنّ القرآن كتاب نازل إذْ نزل من عند الله، وأدعية الأئمة كتاب صاعد. والمقصود بذلك تقريباً أنه القرآن نفسه [لكنه] يصعد»[20]. «هو التحدث مع الله. حيناً أنتم تقرؤون القرآن، فالله هو الذي يكلّمكم، وحيناً أنتم تدعون الله، فأنتم الذين تكلّمونه. ذلك يعني أنكم حين تقرؤون القرآن يكون هو النازل، أي الله يتحدث إليكم ويتكلّم ويبيّن لكم الحقائق... ينزل من الأعلى. وحين تدعون يعني أنكم تتكلمون مع الله، فهو صوتكم الذي يرتقي صعوداً»[21].
من ناحية أخرى، أحيا الإمام السجاد (ع) علاقة المجتمع وأُنسه بـالقرآن عبر الصحيفة السجادية، لأن طبيعة الدعاء على نحو جذاب، وإذا عبّرنا عن معارفها عبر القرآن، ففي الحقيقة إنه يروج لـالقرآن ويؤنس المجتمع به.
«الصحيفة السجادية بتفسيرها القرآن تجعله أقرب إلينا وتجعله متاحاً لنا، وأيضاً هي بالدعاء تجذبنا إلى القرآن حتى نعمل بما يقوله الله. ثمة آيات كثيرة تعبّر عن صفات الله في جمل خبرية، في حين أن الصحيفة تعبّر عنها في جمل إنشائية».[22] الصحيفة السجادية توضح لنا مدى أُنس الإمام السجّاد (ع) بـالقرآن وكيف حوّل عقله وقلبه إلى عقل قرآني إذ لم يصدر عن لسانه سوى القرآن.
مزايا «الصحيفة السجادية» مقارنة بالروايات
الصحيفة السجادية لها عدد من الميزات المهمة التي تميزها عن المصادر الدينية الأخرى. وهنا نشير إلى بعضها:
أ- النّقل الحرفيّ
أهم ميزة لـالصحيفة السجادية أن أدعيتها هي ألفاظ الإمام المعصوم (ع) نفسها. ميزة غير موجودة في كثير من رواياتنا، لأن معظم الروايات التي وصلتنا من الأئمة هي المعنى ومفهوم الكلام للإمام المعصوم (ع) لكن ألفاظها من الراوي، وقد سمح الأئمة (ع) أنفسهم بهذا الأسلوب للنقل لكي تنتشر الروايات. لكن الصحيفة السجادية من إملاء الإمام السجاد (ع) للإمام الباقر (ع) وجناب زيد (رض)، أي كان الإمام (ع) يتلو الدعاء وهؤلاء الأجلاء يكتبون بألفاظ الإمام السجاد (ع) نفسها. الإمام الصادق (ع) كان حاضراً أيضاً في هذا المجلس. ولهذا، تُطلق الصحيفة على ذلك الكتاب الذي يحدد الإمام (ع) بنفسه ترتيبَه وتقديمه وتأخيره، أي جمعه الإمام (ع) نفسه.
ب- أفضل المعارف
«هناك بعض الأشياء في مصادرنا المعرفية لا يمكن للمرء أن يعثر عليها أبداً إلّا في الصحيفة السجادية أو الأدعية المأثورة عن الأئمة (ع). إنّ بعض المفاهيم يتعذّر التعبير عنها إلّا بلغة الدعاء والتضرع والتحدث والنجوى مع الباري. ولهذا، لا نجد مثل هذه المعارف والمفاهيم في الروايات أو حتى في نهج البلاغة إلّا قليلاً. لكن في الصحيفة السجادية وفي "دعاء كميل" وفي "المناجاة الشعبانية" وفي "دعاء عرفة" للإمام الحسين (ع) ودعاء الإمام السجاد (ع) ودعاء "أبو حمزة الثمالي"، نجد كثيراً من هذه المعارف»[23].
«إنّ الحقائق والمعارف التي وصلتنا في الأدعية عن المعصومين (ع) لا يوجد عُشرها في الروايات والخطب كافة التي وصلتنا عن المعصومين (ع) ما خلا تلك الروايات والخطب التوحيدية. فهذه الأدعية تتمتع بأهمية فائقة»[24].
ج- فقدان الدّافع للتّزوير
الدّافع للتزوير في الروايات مرتفع نسبياً، ونصادف هذه الروايات في كتب الروايات لدينا. الإسرائيليات أمثلة على هذا النوع من الروايات. ومع ذلك إن الدافع للتزوير في الأدعية المأثورة والمنسوبة إلى الأئمة (ع) ضعيف جداً، وبعبارة أخرى، يمكن القول إنه لا توجد أدعية مزورة منسوبة إلى الإمام. هذا لا يعني أنه ليس لدينا أدعية مزورة، بل إن زوّر شخص دعاء، فليس لديه دافع لنسبه إلى الإمام المعصوم بل ينسبه إلى نفسه وليس إلى الإمام المعصوم. لذلك إن الأدعية المأثورة، وخاصة الصحيفة السجادية، لها موثوقية عالية ويمكن وضعها بمنزلة المعيار للسلوكات.
د- الطّبيعة المختلفة للمعارف
الميزة الأخرى لـالصحيفة السجادية هي أن معارفها تختلف عن معارف كثير من الروايات، لأن الأدعية تصدر في حالة علاقة الإنسان بالله، وهي أفضل حالة للإنسان، خاصة بلسان الإمام المعصوم وبالألفاظ نفسها التي قالها. لذلك إن المعارف التي عبّر بها الأئمة (ع) أثناء هذه الحالة من الخضوع والخشوع والعلاقة العرفانية مع الله هي بالتأكيد مختلفة تماماً عن المعارف التي عبّروا عنها أثناء حالة علاقتهم مع الناس. وسبب هذا التفاوت هو أنه رغم حضور الأئمة (ع) في حالاتهم كافة عند الله وأنّ حالاتهم كلها إلهية وكلامهم كله نور وفيه معارف راقية، لكن بطبيعة الحال كلماتُهم في قالب الدعاء - إنهم في حالة محادثة مع الله - تختلف كثيراً عن الكلام والمعارف التي لديهم في قالب الرواية ومحادثة مع الناس، لأن الأئمة (ع) عبّروا عن المعارف بقدر فهم الناس وإدراكهم ولم يكونوا ينقلون المعارف الخاصة إلى الأشخاص كلهم، لأن الناس قد لا يفهمون كثيراً من هذا الكلام، وحتى بعض الأصحاب الخواص أيضاً، أو قد لا يمكن التعبير عن كثير من الكلام والمعارف، ولكن يمكن التعبير عنها في الحديث مع الله.
[1]- من جملتها كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه علماء الدين في محافظة سمنان، 8/11/2006.
[2]- الشيخ المفيد، الاختصاص، ص. 64.
[3]- ابن هلال الثقفي، الغارات (الطبعة الجديدة)، ص. 573.
[4]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مختلف فئات الناس، 14/7/1993.
[5]- إنسان بعمر 250 سنة (النسخة الفارسية)، ص. 192.
[6]- الشيخ المفيد، الاختصاص، ص. 64.
[7]- تقريرات فلسفه، ج. 3، ص. 367.
[8]- من بيان الإمام الخامنئي «الخطوة الثانية للثورة الإسلامية»، 11/2/2019.
[9]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أعضاء المجلس البلدي ورئيس بلدية طهران، 8/12/2003.
[10]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه فئات مختلفة من الناس بمناسبة ولادة الإمام علي (ع)، 16/7/2008.
[11]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه المسلمين المشاركين في المؤتمر الرابع للجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)، 19/8/2007.
[12]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه الشعراء، 5/3/2017.
[13]- من خطبتي الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة، 26/2/1993.
[14]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية، 7/8/2011.
[15]- من خطبتي الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة، 26/2/1993.
[16]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أساتذة وطلاب جامعات الأهواز، 3/5/2008.
[17]- من خطبتي الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة، 3/2/1995.
[18]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مختلف فئات الناس بمناسبة ولادة الإمام علي (ع)، 16/7/2008.
[19]- صحيفة النور، ج. 21، ص. 191.
[20]- صحيفة النور، ج. 20، ص. 330.
[21]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه جمعاً من عائلات الشهداء المدافعين عن العتبات المقدسة وعائلات شهداء «7 تير» (28/6/1981)، 25/6/2016.
[22]- آية الله جوادي الآملي، صحيفة كيهان، رقم 20064، بمناسبة استشهاد الإمام السجاد (ع)، شباط/فبراير 2006.
[23]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أعضاء الحكومة، 9/10/2005.
[24]- من كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية، 7/8/2011.
الامام الخامنئي: اذا هددت الولايات المتحدة الامريكية أمننا فسنهدد أمنها دون ادنى شك
استقبل قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي اليوم الجمعة مجموعة من قادة وكوادر القوات الجوية والدفاع الجوي الإيرانيين. اللقاء يجري حاليا في حسينية الإمام الخميني وسط العاصمة الايرانية طهران.
ویأتي استقبال قائد الثورة الاسلامية لقادة القوة الجوية علی اعتاب ذكرى البيعة التاريخية التي جرت في 8 شباط/ فبراير 1979 من قبل كوادر هذه القوة مع مفجر الثورة الاسلامية الامام الخميني (رض).
الامام الخامنئي: المفاوضات مع اميركا ليست امرا معقولاً
وقال سماحة قائد الثورة الاسلامية خلال كلمة له في هذا اللقاء: "المفاوضات مع أميركا ليست امرا معقولا ولا مشرفا وذكيا وليس لها أي تأثير في حل مشاكل البلاد، والسبب هو ماجربنا في الماضي"، مضيفا: "في السنوات الماضية تفاوضنا مع الولايات المتحدة وعدة دول لمدة عامين تقريباً، والطرف الايراني ابتسم له وصافحه وصادقه وقدّم تنازلات سخية وتم التوصل إلى معاهدة، لكن الأميركيين لم يتصرفوا بموجب المعاهدة، والشخص الذي في السلطة مزقها ولم يلتزم بها".
وتابع آية الله الخامنئي: "قبل مجي هو أيضا، لم يلتزموا أولئك الذين تم معهم عقد هذه المعاهدة...كان الهدف من المعاهدة رفع العقوبات الأميركية، لكن العقوبات الأميركية لم تُرفع. وأما بشأن عقوبات الأمم المتحدة أيضا بقي اطارها، وكأنها تهديد دائم يخيم على إيران. كانت هذه المعاهدة نتاجًا لمفاوضات استغرقت عامين - أو أكثر أو أقل"، مبينا: "حسنًا، هذه هي التجربة... دعونا نستخدم هذه التجربة. لقد قدمنا تنازلات، وتفاوضنا، وتوصلنا إلى حلول وسط، ولكننا لم نحقق النتيجة التي كنا نهدف إليها. لقد مزق الاتفاق الطرف الآخر انتهكه مع كل عيوبه".
وأضاف سماحته: "التفاوض مع أمريكا ليس لها أي تأثير في حل مشاكل البلاد. يجب علينا أن نفهم هذا بشكل صحيح؛ يجب ان لانسمح لهم ان يتظاهروا أمامنا بأننا إذا جلسنا على طاولة المفاوضات مع تلك الحكومة فإن هذه المشكلة أو تلك سوف يتم حلها. لا؛ لن يتم حل أي مشكلة بالتفاوض مع أمريكا"، مضيفا: "لذلك يجب ان لايتم التفاوض مع هكذا حكومة، وليس من العقل والفطنة، التفاوض معها".
وقال آية الله الخامنئي: "الأميركيون يجلسون ويعملون على تغيير خريطة العالم على الورق فقط وهذا لا يمت للواقع بصلة. كما أنهم ويتحدثون عنا، ويدلون بالتعليقات، ويهددوننا"، مؤكدا: "إذا هددونا فسنهددهم... إذا نفذوا هذا التهديد فسوف ننفذ التهديد. إذا اعتدوا على أمن أمتنا فسنهاجم أمنهم دون أدنى شك".
وأكد قائد الثورة: "أن هذا السلوك هو درس مستفاد من القرآن الكريم وتعاليم الإسلام، وهذا هو واجبنا. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في أداء واجباتنا"، كما صرح سماحته: "بالطبع لدينا مشاكل داخلية؛ لا أحد ينكر وجود المشاكل. من حيث المعيشة، فإن جميع شرائح السكان تقريبًا لديها مشاكل وتحديات، ولكن ما يحل هذه المشاكل هو العوامل الداخلية".
وأضاف سماحته: "العامل الداخلي هو عبارة عن جهود المسؤولين الملتزمين ودعم الشعب. وهذا ما ستشاهدونه في مسيرات ذكرى انتصار الثورة الاسلامية إن شاء الله...هذه المسيرات كل عام تعتبر رمزاً للوحدة الوطنية في بلادنا، فلذلك ان الشعب البصير والمسؤولين الجاهدين هو ما يحل مشاكلنا".
وقال قائد الثورة: "إن المسؤولين مشغولون والحمد لله يقومون بأعمالهم، وأنا متفائل جداً بأنهم سيتمكنون من ذلك، هذه الحكومة المحترمة ستتمكن على الأقل من تقليص المشاكل المعيشية للشعب".
وفي قسم آخر من تصريحاته قال قائد الثورة والقائد العام للقوات المسلحة في الاجتماع مع قادة القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي: "إن الثورة الاسلامية أعطت للجيش هوية، واليوم يتألق آلاف النجوم الساطعة في تاريخ بلادنا، مثل الشهيد صياد شيرازي والشهيد بابائي والشهيد ستاري في تاريخ".
وأكد آية الله الخامنئي: "اليوم، المهمة الأهم للجيش هي تقوية نفسه. وفي اليوم الذي لا يوجد فيه صراع، فإن المهمة الأهم للمنظمات العسكرية هي تحديد نقاط الضعف والثغرات وتعزيز نفسها".
وتابع سماحته: "يجب أن تستمر حركة الابتكار والتصنيع الإبداعي التي تجري منذ عدة سنوات في وزارة الدفاع والجيش والحرس الثوري، ولحسن الحظ، فقد أثبتت منظماتنا وصناعتنا العسكرية، جدارتها وأظهرت أنها قادرة على القيام بأشياء عظيمة".
وفي إشارة إلى المقالات والنقاشات حول المفاوضات في الصحف والفضاء الإلكتروني، وكلام بعض الأفراد، قال قائد الثورة: "إن محور هذه الأحاديث هو قضية المفاوضات مع أميركا، ويشيرون إلى المفاوضات باعتبارها أمراً جيداً، وكأن هناك من يعارض حسن المفاوضات".
كما أشار إلى انشغال وزارة الخارجية بالتفاوض والسفر وعقد الاتفاقيات مع كافة دول العالم، وأكد: "الاستثناء الوحيد في هذا الصدد هو الولايات المتحدة وطبعا نحن لا نذكر الكيان الصهيوني كاستثناء لأن هذا الكيان ليس دولة بالأساس بل هو عصابة إجرامية ومغتصبة للأراضي".
دور أميرالمؤمنين في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة
تُعتبر الأسرة النواة الأساسية للمجتمع، وهي المكان الذي يتعلم فيه الأفراد قيم الحب والاحترام والتعاون. إن إنشاء بيئة مليئة بالمحبة داخل الأسرة ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة لضمان نمو صحي وسليم لأفرادها. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رمزٌ للعدالة والمحبة في التاريخ الإسلامي. وقد ترك بصمةً واضحةً على المجتمع الإسلامي من خلال تعاليمه وسيرته العطرة. إنّ دوره في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة داخل الأسرة يُعدّ من أبرز جوانب شخصيته، حيث أظهر من خلال تصرفاته وأقواله أهمية العلاقات الأسرية المبنية على الحب والاحترام.
تتجلى رؤية أميرالمؤمنين عليه السلام في بناء الأسرة ككيان متماسك وموحد، حيث اعتبر أن المحبة هي الأساس الذي يُبنى عليه كل تفاعل إنساني. فقد كان يولي أهمية كبيرة للعلاقات بين أفراد الأسرة، ويشجع على التواصل الفعّال والتفاهم، مما يُسهم في تعزيز الروابط الأسرية. في هذا السياق، يُمكننا أن نستعرض كيف أن تعاليم أميرالمؤمنين عليه السلام قد ساهمت في تعزيز قيم المحبة والتسامح داخل الأسرة، من خلال تقديم نموذج يُحتذى به في التعامل مع الزوجة والأبناء والأقارب. إنّ دراسة دور أمير المؤمنين عليه السلام في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة لا تقتصر على الجانب النظري فحسب، بل تشمل أيضًا تطبيقات عملية من خلال سيرته، مما يجعلها موضوعًا غنيًا بالمعاني والدروس التي لا تزال تُلهم الأجيال حتى اليوم.
المحبة والرحمة في سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام
تُعتبر سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجًا يُحتذى به في المحبة والرحمة، خاصةً في العلاقات الأسرية. فقد كان الإمام علي عليه السلام يُجسد القيم النبيلة في التعامل مع أسرته، مما يُعكس تعاليم الإسلام السامية في بناء علاقات قائمة على الحب والاحترام. كان أميرالمؤمنين عليه السلام يُظهر مودةً كبيرةً تجاه أسرته، حيث كان يُعتبر الأب الحنون والزوج المُحب. فقد كان يُعامل زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام بكل احترام وتقدير، ويُظهر لها الحب في كل تصرفاته. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام حول تعامله مع زوجتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها:« فوالله ما أغضبتها ، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل ، ولا أغضبتني ، ولا عصت لي أمرا ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والاحزان.» (1). وأيضا حكي عنه عليه السلام أنه كان يُساعد فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الأعمال المنزلية ويُشاركها في شؤون الحياة اليومية، مما يُعزز من روح التعاون والمودة بينهما. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز.» (2). وأيضا كان أميرالمؤمنين عليه السلام يخاطب زوجته بكلمات جميلة. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يخاطب زوجته ب(سيدتي) حيث قال:« لما حضرت فاطمة الوفاة بكت فقال لها أمير المؤمنين : ياسيدتي مايبكيك؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي فقال لها : لاتبكي فوالله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله» (3).
تربية الأبناء بالمحبة والرحمة في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
تربية الأبناء من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الأهل، حيث تُشكل الأساس الذي يُبنى عليه مستقبلهم. في هذا السياق، تُعد سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجًا يُحتذى به في تربية الأبناء بالمحبة والرحمة. فقد كان أميرالمؤمنين عليه السلام يُجسد قيم الحب والعطف في تعامله مع أبنائه، مما يُعزز من بناء شخصياتهم بشكل سليم. حيث قال أميرالمؤمنين عليه السلام:« حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه ويُحَسِّنَ أَدَبَه ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ. » (4). لم يقتصر دور الإمام علي عليه السلام على الحب فقط، بل كان يُولي أهمية كبيرة للتعليم والتوجيه. كان يُعلم أبنائه القيم والأخلاق الحميدة، ويُشجعهم على التعلم والمعرفة. من خلال توجيهاته، كان يُعزز فيهم روح المسؤولية والاعتماد على النفس. حيث قال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام:« إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ» (5). وكان أميرالمؤمنين عليه السلام لايؤدب الأولاد من صباوتهم حتى يشق عليهم بل كان كما قال عليه السلام:« يُرَبَّى الصَّبِيُ سَبْعاً وَ يُؤَدَّبُ سَبْعاً وَ يُسْتَخْدَمُ سَبْعاً» (6).
إنشاء بيئة هادئة ودافئة في الأسرة في سيرة أميرالمؤمنين
إن إنشاء بيئة هادئة ودافئة داخل الأسرة يُعد أمرًا بالغ الأهمية، إذ يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية لأفراد الأسرة. البيئة الهادئة تُساعد في تقليل مستويات القلق والتوتر، مما يُساهم في تحسين الحالة النفسية العامة. عندما يشعر الأفراد بالحب والدعم، فإن ذلك يُعزز من ثقتهم بأنفسهم ويُساعدهم على مواجهة التحديات. البيئة الدافئة تُعزز من الروابط الأسرية وتُسهم في بناء علاقات صحية ومستدامة والأجواء الإيجابية تُساهم في زيادة مستويات السعادة والرضا بين أفراد الأسرة. خلق أميرالمؤمنين عليه السلام بيئة هادئة ودافئة ومليئة المحبة والمودة من أول يوم زواجه مع فاطمة الزهراء سلام الله عليها. حتى روي أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها أنشدت شعرا في حق أميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الأيام الأول من حياتهما:
« أضحي الفخار لنا و عزّ شامخ
و لقد سمونا في بني عدنان
نلت العلا و علوت في كل الورى
و تقاصرت عن مجدك الثقلان
أعني عليا خير من وطأ الثرى
ذا المجد و الإفضال و الإحسان
فله المكارم و المعالي و الحباء
ما ناحت الأطيار في الأغصان» (7).
إحترام الزوجة وحقوقها
كان الإمام علي عليه السلام يُعبر عن احترامه الكبير لزوجته فاطمة الزهراء عليها السلام في كل جوانب حياتهم المشتركة. كان يُظهر لها التقدير والاحترام. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى الإمام المجتبى عليه السلام:« وإِيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ والْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ» (8). وقال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى إبنه محمد بن الحنفية:« يا بني ... إِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تُمَلِّكَ اَلْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَافْعَلْ فَإِنَّهُ أَدْوَمُ لِجَمَالِهَا وَ أَرْخَى لِبَالِهَا وَ أَحْسَنُ لِحَالِهَا فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ فَدَارِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ أَحْسِنِ اَلصُّحْبَةَ لَهَا لِيَصْفُوَ عَيْشُكَ» (9). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أميرالمؤمنين عليه السلام رواية جميلة حول مساعدة الأهل والعيال:« عن علي عليهالسلام قال: دخل علينا رسول الله صلىاللهعليهوآله وفاطمة جالسة عند القِدر وأنا أُنقي العدس. قال:يا أبا الحسن. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: إسمع مني ـ وما أقول إِلاّ من أمر ربي ـ ما من رجل يعين امرأته في بيتها إِلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة ، صيام نهارها وقيام ليلها... يا علي، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف كتب الله تعالى اسمه في ديوان الشهداء ، وكتب الله له بكل يوم وليلة ثواب أَلف شهيد... يا علي ، ساعة في خدمة العيال خير من عبادة أَلف سنة وأَلف حجة وأَلف عمرة ، وخير من عتق أَلف رقبة وأَلف غزوة... يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب. يا علي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفىء غضب الرب ومهور الحور العين وتزيد في الحسنات والدرجات .يا علي، لا يخدم العيال إلا صدِّيق أو شهيد، أورجل يريد الله به خير الدنيا والأخرة.» (10).
هذه كانت جملة من أقوال وأفعال أميرالمؤمنين عليه السلام في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة. أرجوا أنكم استفدتم منها.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 134 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 41 / الصفحة: 54 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 218 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
4) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 546 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
5) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 393 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
6) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 493 / الناشر: جامعة المدرسين في الحوزة – قم / الطبعة: 2.
7) الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (لاسماعيل الأنصاري الزنجاني) / المجلد: 21 / الصفحة: 544 / الناشر: نشر دليلنا – قم / الطبعة: 1.
8) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 405 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
9) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 556 / الناشر: جامعة المدرسين في الحوزة – قم / الطبعة: 2.
10) جامع الأخبار ( للشيخ محمد السبزواري) / المجلد: 1 / الصفحة: 276 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
أسلوب الحياة وتربية الأطفال من سيرة الإمام الحسين عليه السلام
تربية الأطفال من أهم المهام التي تقع على عاتق الأهل والمربين، فهي ليست مجرد عملية نقل المعرفة أو القيم، بل هي فن يتطلب فهمًا عميقًا لاحتياجات الأطفال النفسية والعاطفية والاجتماعية. تشكل مرحلة الطفولة الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الفرد، حيث تتشكل فيها شخصيته، وتُغرس فيها القيم والمبادئ التي سترافقه طوال حياته. تُساعد التربية الجيدة في تشكيل هوية الطفل، حيث يتعلم من خلال التفاعل مع أسرته ومحيطه الاجتماعي كيف يرى نفسه والعالم من حوله. الهوية القوية تُعزز من ثقة الطفل بنفسه وقدرته على مواجهة التحديات. وكذلك من خلال التربية السليمة، يتعلم الأطفال كيفية التفاعل مع الآخرين، مما يُساعدهم على تطوير مهارات التواصل وبناء العلاقات الاجتماعية. هذه المهارات تُعتبر ضرورية في حياتهم الشخصية والمهنية.
لهذا تعتبر سيرة الإمام الحسين بن علي عليه السلام من أبرز النماذج التي تجسد القيم الإنسانية والأخلاقية العالية، حيث يُعد الإمام الحسين رمزًا للشجاعة والتضحية والعدالة. إن أسلوب حياته وتربيته لأبنائه، وكذلك تأثيره على المجتمع، يقدم لنا دروسًا قيمة في كيفية تربية الأطفال وتوجيههم نحو القيم النبيلة.كان الإمام الحسين نموذجًا يحتذى به في الأخلاق والسلوك. فقد كان يتعامل مع الآخرين بلطف واحترام، مما جعل أبنائه يتعلمون منه أهمية القيم الإنسانية في التعامل مع الناس.
لأجل هذا قررنا أن نكتب لكم حول أسلوب الحياة وتربية الأطفال من سيرة الإمام الحسين عليه السلام.
إظهار المحبة للأطفال
المحبة هي من أهم العناصر الأساسية في تربية الأطفال، حيث تلعب دورًا محوريًا في تشكيل شخصياتهم وتطوير قدراتهم النفسية والاجتماعية. إن إظهار المحبة للأطفال لا يقتصر فقط على المشاعر، بل يتعدى ذلك ليشمل الأفعال والسلوكيات التي تعزز من شعورهم بالأمان والثقة. عندما يشعر الطفل بالمحبة والدعم من والديه أو من المحيطين به، فإنه يكتسب ثقة أكبر بنفسه. المحبة تُساعد الأطفال على إدراك قيمتهم الذاتية، مما يُعزز من قدرتهم على مواجهة التحديات والصعوبات. الأطفال الذين يتلقون الحب والدعم يكونون أكثر استعدادًا لتجربة أشياء جديدة، والتعبير عن آرائهم، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. المحبة تُساعد الأطفال على تطوير ذكائهم العاطفي، وهو القدرة على فهم وإدارة مشاعرهم ومشاعر الآخرين. الأطفال الذين يتلقون الحب والدعم يتعلمون كيفية التعرف على مشاعرهم والتعبير عنها بشكل صحيح، مما يُساعدهم في بناء علاقات صحية في المستقبل. إظهار المحبة يُساهم في خلق بيئة آمنة للأطفال، حيث يشعرون بأنهم مقبولون ومحبوبون دون شروط. هذه البيئة تُساعدهم على الاستكشاف والتعلم دون خوف من الفشل أو الرفض. عندما يشعر الأطفال بالأمان، فإنهم يكونون أكثر استعدادًا لتجربة أشياء جديدة وتطوير مهاراتهم. وكذلك المحبة تُعتبر وسيلة فعالة لغرس القيم والأخلاق في نفوس الأطفال. عندما يُظهر الأهل المحبة، فإنهم يُعززون قيم مثل الاحترام، التسامح، والتعاون. الأطفال الذين ينشأون في بيئة مليئة بالمحبة يتعلمون أهمية هذه القيم ويعملون على تطبيقها في حياتهم اليومية. لهذا نرى أن الإمام الحسين عليه السلام كان يتعامل مع أطفاله بمحبة وحنان. فقد روى عبدالله بن عتبة : « كنت عند الحسين بن علي عليه السلام إذ دخل علي بن الحسين الاصغر ، فدعاه الحسين عليه السلام وضمه إليه ضما ، وقبل ما بين عينيه ثم قال : بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك؟ فتداخلني من ذلك فقلت : بأبي أنت وامي يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك فإلى من؟ قال : علي ابني هذا هو الإمام أبوالائمة. قلت : يا مولاي هو صغير السن؟ قال : نعم ، إن ابنه محمد يؤتم به وهو ابن تسع سنين ثم يطرق قال : ثم يبقر العلم بقرا. » (1).
تشجيع الأطفال على أعمالهم الجيدة
التربية عملية معقدة تتطلب من الأهل والمربين فهمًا عميقًا لاحتياجات الأطفال وتوجهاتهم. من بين الأساليب الفعالة التي تُسهم في تشكيل شخصية الطفل وتعزيز سلوكياته الإيجابية هو تشجيعهم على أعمالهم الجيدة. إن هذا التشجيع ليس مجرد كلمات لطيفة، بل هو أداة قوية تُساعد في بناء الثقة بالنفس وتعزيز القيم الأخلاقية. إن تشجيع الأطفال على الأعمال الجيدة يُحفزهم على تكرار هذه السلوكيات. عندما يرون أن جهودهم تُقابل بالتقدير، فإنهم يميلون إلى الاستمرار في القيام بأعمال إيجابية. هذا يُساعد في تشكيل سلوكياتهم بمرور الوقت، مما يُعزز من تطوير شخصياتهم بشكل إيجابي. وأيضا تشجيع الأطفال يُساهم في تعزيز الدافعية الداخلية لديهم. عندما يتلقى الأطفال الدعم والتشجيع، فإنهم يتعلمون أن الجهد والنجاح يأتيان من الداخل. هذا يُساعدهم على تطوير رغبة حقيقية في التعلم والنجاح، بدلاً من الاعتماد فقط على المكافآت الخارجية. لهذا الأطفال الذين يتلقون تشجيعًا على أعمالهم الجيدة يميلون إلى تحقيق أداء أكاديمي أفضل. عندما يشعر الأطفال بأنهم مُقدَّرون، فإنهم يكونون أكثر استعدادًا للعمل بجد والاجتهاد في دراستهم. هذا يُعزز من نتائجهم الأكاديمية ويُساعدهم على تحقيق أهدافهم التعليمية. وهذا من أهم الأمور التي كان الإمام الحسين عليه السلام يحافظ عليها في تربية الأطفال. فقد روى الإمام الباقر عليه السلام:« قال علي بن الحسين عليه السلام مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي عليه السلام : ما تشتهي؟ فقلت : أشتهي أن أكون ممن لا أفترح على الله ربي ما يدبره لي ، فقال لي : أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات الله عليه حيث قال جبرئيل عليه السلام : هل من حاجة؟ فقال : لا أقترح على ربي ، بل حسبي الله ونعم الوكيل. » (2).
أهمية التعاليم الدينية للأطفال
تُساعد التعاليم الدينية الأطفال على تشكيل هويتهم الروحية. من خلال التعرف على المبادئ والقيم الدينية، يتعلم الأطفال من هم وما هي مكانتهم في العالم. الهوية الدينية تُعطي الأطفال شعورًا بالانتماء وتُعزز من ارتباطهم بمجتمعهم الديني. تُساعد التعاليم الدينية الأطفال على مواجهة التحديات والصعوبات في الحياة. من خلال فهمهم للمبادئ الدينية، يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع المشاعر السلبية، مثل الخوف والقلق، ويكتسبون أدوات للتكيف مع ضغوط الحياة. الإرشاد الروحي يُساعد الأطفال على تطوير مرونة نفسية قوية. وأيضا تُعتبر التعاليم الدينية وسيلة فعالة لتعليم الأطفال المسؤولية. من خلال فهمهم لأهمية الالتزام بالقيم الدينية، يتعلم الأطفال كيفية تحمل المسؤولية عن أفعالهم. هذا يُعزز من قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة في مختلف جوانب حياتهم. ولأجل هذا قام الإمام الحسين عليه السلام بتقدير معلم أطفاله. حيث روي:« أنّ رجلا يسمّى عبد الرحمن كان معلّما للأولاد في المدينة، فعلّم ولدا للحسين عليه السلام يقال له: جعفر، فعلّمه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فلمّا قرأ على أبيه الحسين عليه السلام استدعى المعلّم و أعطاه ألف دينار، و ألف حلّة وحشى فاه درّا فقيل له في ذلك؟ فقال عليه السلام و أنّى تساوي عطيّتي هذا بتعليمه ولدي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (3).
احترام اختيار الشباب في مسألة الزواج
احترام اختيار الشباب في الزواج يُعتبر أمرًا أساسيًا لعدة أسباب. منها يُساعد احترام الاختيار في تعزيز شعور الشباب بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات. الزواج هو شراكة تتطلب التفاهم والاحترام المتبادل. عندما يُحترم اختيار الشريك، يُعزز ذلك من بناء علاقة قائمة على الثقة والتفاهم، مما يُساهم في نجاح الزواج. لكن يجب أن يكون الأهل مشاركين في هذا الأمر. لأجل هذا يجب أن يكون هناك حوار مفتوح بين الأهل والأبناء حول موضوع الزواج. من المهم أن يُعزز المجتمع قيم الاحترام والتفاهم، مما يُساعد في تقليل الضغوط الاجتماعية التي قد يواجهها الشباب في اختياراتهم.
ولأجل هذه الأمور روي:« أنّ الحسنَ بنَ الحسنِ خطبَ إلى عمِّه الحسينِ عليه السلام إحدى ابنتيه ، فقالَ له الحسينُ : اختَرْ يا بُنيَّ أحبَّهُما إِليكَ. فاستحيا الحسنُ ولم يُحرْ جواباً ، فقالَ الحسينُ عليه السلام :فإِنِّي قدِ اخترتُ لكَ ابنتي فاطَمةَ ، وهي أكثرُهما شبهاً بأُمِّي فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِما » (4).
هذه كانت جملة من الأمور التي توضح لنا أسلوب الحياة وتربية الأطفال من سيرة الإمام الحسين عليه السلام. أرجوا أنكم استفدتم منها.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 46 / الصفحة: 19 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 46 / الصفحة: 67 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) حلية الأبرار (للسيد هاشم البحراني) / المجلد: 3 / الصفحة: 183 / الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
4) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 2 / الصفحة: 25 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
إعانة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في شهر شعبان
يقول تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾1.
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "إنَّ لربِّكم في أيّام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"2.
من نفحات الله تعالى أنّه فتحَ أبواب رحمته في أزمنة خاصة منها شهر شعبان الذي ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ علّة تسميته شعبان هي تشعّب الخيرات فيه، وأنَّ الله تعالى "قد فتح فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور فاشتروها"3.
وقد نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهر شعبان إليه وأبدى اهتمامه الشديد به، فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً في المدينة: "يا أهل يثرب، إني رسول الله إليكم ، ألا إنّ شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري"4.
إنّ كلمة أعانني لافتة، فماذا تعني معونة النبي (صلى الله عليه وآله)؟
ويزداد السؤال أهمية حينما نلتفت إلى أن من يعين النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقع في دائرة الرحمة الإلهية الحتميَّة؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستجاب الدعاء حتماً وهو (صلى الله عليه وآله) يترحّم على من أعانه.
إن لغة أعانني هي لغة عاطفية، فمن الواضح أن الأمر لا يرتبط بحاجة النبي (صلى الله عليه وآله)، بل ينطلق من الحرص النبويّ على مستقبل المؤمنين ونجاح مسيرتهم الإيمانية، والذي انعكس في شعور رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهمّ، بل انعكس ذلك في مظهره حتى قال له بعض أصحابه: "أسرع فيك الشيب، فأجاب (صلى الله عليه وآله): شيبتني سورة هود"5.
والسبب في ذلك هو آية وردت في هذه السورة، وهي قوله عزّ وجلّ: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"6.
والذي شيّب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في تفسير ذلك ليس أمر الله تعالى له (صلى الله عليه وآله) "فَاسْتَقِمْ" وهو المستقيم قبل نبوّته، بل لتعقيب الله تعالى ذلك بقوله: "وَمَن تَابَ مَعَكَ".
وقد ورد عن ابن عباس: "ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القرآن آية كانت أشدّ، ولا أشقّ عليه من هذه الآية"7.
إذاً إنّ إعانة النبيّ (صلى الله عليه وآله) تتحقق من خلال الاستقامة وعدم الطغيان والخروج عن الجادة، وهذا ما يمكن لنا أن نتلمّس خلفيّته وعناوينه الأساسية من كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) "ألا وإن لكلّ مأموم إماماً يقتدى به، ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفَّه وسداد"8.
يُفهم من هذا الحديث أمران:
الأول: إن الإعانة الواردة ترتبط بعلاقة المأموم بالإمام، وبعبارة أخرى أنّها تتعلّق بالهوية والانتساب إلى الإمام، وبالتالي فإنّ الاستقامة تتعدّى مفعولها الخاص في الفرد إلى مفعول آخر يتعلّق بالهويّة والجاذبية الإيجابية أو السلبية إليها.
الثاني: إن الإعانة تتحقّق من خلال عناوين أربعة هي:
1- الورع الذي له مراتب أدناها الكفّ عمّا حرّم الله تعالى.
ولعلّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ابتدأ بذكر الورع، لأنّه الركيزة الأولى والسبب الأهم في كمال الإنسان، بل هو أفضل الأعمال التي سأل عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد أن تحدّث رسول الله صلوات الله عليه وآله عن الثواب الجزيل لأعمال شهر رمضان، إذ بادر أمير المؤمنين (عليه السلام) ليسأل النبيّ (صلى الله عليه وآله) على قاعدة البحث عن الأولى: "ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فأجاب (صلى الله عليه وآله):" الورع عن محارم الله"9
2- الاجتهاد، وهو بذل الجهد في مرضاة الله تعالى، فالورع هو كفّ عن المحارم وإعراض عنها، بينما الاجتهاد هو خطوة أمامية فيها جهد لأجل نيل الكرامات الإلهية كالجهد الذي يُبذل في الصلوات، والصيام، والذهاب إلى المسجد، وخدمة الناس، والجهاد في سبيل الله وهكذا.
وفي إطار الحديث عن هذا الاجتهاد بيّن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام) بعضاً من هذا الاجتهاد المطلوب في شهر رمضان والذي به تتحقّق إعانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي منه:
أ- الصوم
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله ينادي في شعبان"10.
وعن صادق أهل البيت (عليه السلام): "صيام شعبان ذخر للعبد يوم القيمة. وما من عبد يكثر الصيام في شعبان إلّا أَصلح الله له أمر معيشته، وكفاه شر عدّوه، وإنّ أدنى ما يكون لمن يصوم يوماً من شعبان أنْ تجب له الجنة"11.
ب-الصلوات المستحبة الواردة في هذا الشهر المبارك12.
ج-الاستغفار
عن الإمام الرضا (عليه السلام): "من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرة غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم"13.
د-الدعاء
ولعلّ أفضله المناجاة الشعبانية، تلك النعمة العظيمة من بركات آل محمد (صلى الله عليه وآله) والتي كان الإمام الخميني (قده) يؤكّد على تكرارها لما فيها من معانٍ جليلة وكرامات عظيمة. ومن الدعاء المستحب في شهر شعبان الدعاء الوارد عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام عند زوال كلّ يوم: "أللهم صلّ على محمد وآل محمد شجرة النبوة..."14.
هـ-الصدقة
عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله تعالى كما يربى أحدكم فصيله حتى يوافى يوم القيمة وقد صارت مثل أحد"15.
إلى غير ذلك من الأعمال الجليلة.
3- العّفة
إنّ العفّة هي حالة نفسية تمتنع بسببها النفس عن غلبة الشهوة16، كأن تعفّ البطن والفم عن الأكل والشرب من الحرام وعن الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والبهتان وغير ذلك من معاصي اللسان، وكأن يعفّ الفرج عن الزنا ونحوه وهكذا.
ومن الواضح أن من يعيش العفّة في حياته يكون قد أمسك بزمام نفسه، وتحكّم بقيادتها، وكذلك يكون خير داعٍ إلى الهويّة التي يحملها، وإلى الإمام الذي يقتدي به، من هنا ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ما عُبِدَ الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج"17.
4- السّداد
قد يكون الإنسان ورعاً قد كفّ نفسه عن محارم الله، مجتهداً في عبادة الله، عفيفاً قد أمسك بلجام نفسه من الانزلاق في الشهوات، ولكن قد يكون مع هذه الصفات الحميدة لا يمتلك الوعي والحكمة في مسيرته، وهذا قد يدخله في سُبل الأخطاء، ولا يجعله نموذجاً للاقتداء، من هنا أكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على إعانته بالسّداد الذي هو الصواب في العمل بأن يسعى المؤمن الذي عُرف في الحديث بأنه "كيّسٌ فطن"18 أن لا يسلك طريق الخطأ عن طريق الوعي الذي يصف به الحكمة والحكمة التي يتحلّى بها، فيكون خير داع إلى الهويّة التي يلتزمها، والإمام الذي يقتدي به.
إنّها أركان أربعة بها نعين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ونكون خير منتسبين لهما.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
1- هود 112.
2- المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص 221.
3- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج9، ص 470.
4- الطوسي، مصباح المجتهد، ص 825.
5- الأردبيلي، زبدة البيان، ص 167.
6- هود 112.
7- الأردبيلي، زبدة البيان، ص 167.
8- نهج البلاغة، ج3، ص 70.
9- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج9، ص 21.
10- المصدر السابق، ج9، ص 458.
11- المصدر السابق، ص 457.
12- راجع مفاتيح الجنان.
13- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة،ج15، ص 498.
14- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص 365.
15- المصدر السابق نفسه.
16- المازندراني، مولى محمد صالح، شرح أصول الكافي، ج8، ص 251.
17- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص 276.
18- المجلسي، بحار الأنوار، ج64، ص 307.
من آثار شُكر المنعِم
هناك العديد من الآثار الحسنة الّتي تنعكس خيراً على الإنسان جرّاء أدائه واجب شُكر المنعِم والمفضِل عليه وهو الله عزّ وجلّ، وهذه الآثار الحسنة لا تقتصر على الدنيا فقط، بل تشمل حتّى الأخرى. ومن تلك الآثار الحسنة ما يلي:
1- الزيادة في النعمة والسعة في الرزق، قال تعالى: ﴿.. لئِن شكرْتُمْ لأزِيدنّكُمْ ولئِن كفرْتُمْ إِنّ عذابِي لشدِيدٌ﴾([1]). وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه، وحمد الله ظاهراً بلسانه فتمّ كلامه، حتّى يؤمر له بالمزيد"([2]).
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من أُعطي الشكر لم يُحرم الزيادة"([3]).
ولذا فإنّ المزيد من عطاء الله وجوده وكرمه على الإنسان لا ينقطع، إلا إذا انقطع الشكر، كما يقول الإمام الباقر عليه السلام: "لا ينقطع المزيد من الله حتّى ينقطع الشكر على العباد"([4])، ولهذا يجب أن لا نعيش حالة العجز والإهمال في شكر الله تعالى، ثمّ نبتغي الزيادة في النعم والخير من الله، وهذا ما أشار له الإمام عليّ عليه السلام حينما يقول: "لا تكن ممّن يعجز عن شكر ما أُوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي"([5]).
2- القطع بأنّ كلّ النعم والخير النازل علينا هي من الله وحده، يوجب الرحمة والمغفرة الإلهية على الإنسان قبل أن نبادر بالشكر والحمد والثناء عليه تبارك وتعالى، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنّها من عند الله، إلّا غفر الله له قبل أن يحمده"([6]).
3- نفي العذاب الإلهيّ عن الشاكر لله على نعمه والمؤمن بفضله وكرمه، إذ ورد في الآية الكريمة: ﴿مّا يفْعلُ اللهُ بِعذابِكُمْ إِن شكرْتُمْ وآمنتُمْ وكان اللهُ شاكِرًا علِيمًا﴾([7])، بل الشاكر مأمون من غضب الله وحلول النقم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "شُكر النعمة أمان من حلول النقمة"([8]).
4- إنّ الله غنيّ كلّ الغنى عن شكرنا وحمدنا وثنائنا له، بالتالي حتّى هذا الأمر أراده لنا عزّ وجلّ نعمة علينا، فالشاكر يشكر لنفسه واقعاً، كما جاء في الآية الكريمة: ﴿ومن شكر فإِنّما يشْكُرُ لِنفْسِهِ ومن كفر فإِنّ ربِّي غنِيٌّ كرِيمٌ﴾([9])، وفي الآية: ﴿ولقدْ آتيْنا لُقْمان الْحِكْمة أنِ اشْكُرْ لِلّهِ ومن يشْكُرْ فإِنّما يشْكُرُ لِنفْسِهِ ومن كفر فإِنّ الله غنِيٌّ حمِيدٌ﴾([10]).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسِب، والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر، والمعطي الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع"([11]).
5- يتّصف الإنسان الشاكر لله بالقناعة والإيمان بالعدل الإلهيّ في توزيع النعم طبقاً لما تقتضيه المصلحة الإلهية، قال الإمام عليّ عليه السلام: "أشكر الناس أقنعهم، وأكفرهم للنعم أجشعهم"([12])، بل ينال الشاكر لله درجة أكرم الناس، فعن الإمام الصادق عليه السلام - لمّا سئل عن أكرم الخلق على الله - قال: "من إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر"([13]).
أما في المقابل فإنّ عدم الشكر يجعل الإنسان متّصفاً بالجشع واللؤم وعدم القناعة بما يُنعم به الله عليه، فعن الإمام الحسن عليه السلام: "اللؤم أن لا تشكر النعمة"([14]).
6- إنّ الشاكر لله تعالى يفوز بنعمة ذكر الله له، وما أعظمها من نعمة، وهنيئاً لمن يفوز بهذه النعمة الموعودة في قوله تعالى: ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ واشْكُرُواْ لِي ولا تكْفُرُونِ﴾([15]).
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فإنّه تعالى أخبر عن نفسه فقال: أنا جليس من ذكرني"([16])، وعن الإمام الصادق عليه السلام: قال الله تعالى: "ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، ابن آدم اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء، أذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملائك"([17]).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال الله سبحانه: "إذا علِمتُ أنّ الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسالّتي ومناجاتي، فإن كان عبدي كذلك وأراد أن يسهو حُلْت بينه وبين أن يسهو"([18]).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: "فاذكروني أذكركم بنعمتي، اذكروني بالطاعة أذكركم بالنعم والإحسان والراحة والرضوان"([19]).
ولهذا لا بُدّ للمؤمن أن يكون شاكراً وذاكراً لله تعالى في كلّ الأحوال والظروف الحسنة منها أو السيّئة، لأنّ لطف الله غير بعيد في كلّ هذا، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان يقول إذا ورد عليه أمر يسرّه: "الحمد لله على هذه النعمة. وإذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال: الحمد لله على كلّ حال"([20]).
ومن هذا المبدأ فإنّه لا بدّ أن يكون شعار المؤمن الشكر دائماً وأبداً، وهذا ما يؤيّده قوله تعالى: ﴿بلِ الله فاعْبُدْ وكُن مِّنْ الشّاكِرِين﴾([21]).
([1]) إبراهيم: 7.
([2]) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 95، ح 9.
([3]) نهج البلاغة، الحكمة 135.
([4]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1487.
([5]) نهج البلاغة، حكمة، 15.
([6]) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 427، ح 8.
([7]) النساء: 147.
([8]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص 1484.
([9]) النمل: 40.
([10]) لقمان: 12.
([11]) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 94، ح 1.
([12]) الإرشاد، ج 1، ص 304.
([13]) التمحيص، الإسكافي، ص 68، ح 163.
([14]) تحف العقول، الحراني، ص 233.
([15]) البقرة: 152.
([16]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 90، ص 163.
([17]) المحاسن، البرقي، ج 1، ص 39، ح 44.
([18]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 90، ص 162.
([19]) م. ن، ص 163.
([20]) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 97، ح 19.
([21]) الزمر: 66.