الحج في حديث الإمام الخامنئي(دام ظله)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الحج في حديث الإمام الخامنئي(دام ظله)

بسم الله الرحمن االرحيم

ألحمد لله ربّ العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
قال الله الحكيم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ  *رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

أطل علينا موسم الحجّ، وملأت نغمة التلبيه المتصاعدة من قلوب المشتاقين; حرم الأمن الإلهي، وهرعت الشعوب الإسلاميّة من أرجاء المعمورة الى ميعاد الذكر والاستغفار والقيام والاتحاد، وتلاقى الأُخوّة المتباعدون...

أتوجّه إلى الله العزيز الحكيم شاكراً خاضعاً، وأحمده حمداً عظيماً عظمَ صفاته الحسنى، وأثني عليه سبحانه ثناءً واسعاً، سعةَ بحار رحمته، أن وفّق المسلمين المشتاقين مرّةً أخرى لأداء هذه الفريضة، وأعلا ـ جلّ شأنه ـ بذلك رايةَ العزّة والعظمة على رؤوس المسلمين في بيته الآمن، واستضاف الحجاج الإيرانيين أيضاً على مائدة الرحمة والعظمة. إنّ الإنسان ليعجز عن وصف هذه النعمة الكبرى وقدرها وإن أُوتي فصاحة اللسان وقوّة البيان. ولعلّ الله سبحانه ينير قلوبكم المضيئة المشتاقة فتتجلّى فيها تلك الحقيقة المستغنية عن وسائط القول والكلام.

أيّها الاخوة والأخوات من أيّ بلد كنتم وإلى أيّ شعب انتميتم; إنّ ما يهمّني أن أقوله لكم هو أنّ الحجَّ نعمة إلهيّة مَنَّ بها الله سبحانه على الأجيال المسلمة. وشكر هذه النعمة ومعرفة قدرها يزيدها، والكفران بها ونكران قدرها يسلبها من المسلمين وهو العذاب الإلهي الشديد: ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

واعلموا أنّ سلب نعمة الحجّ ليس في عدم توجّه المسلمين لأداء هذه الفريضة، بل في حرمان المسلمين من منافعه التي لاتحصى، وزيادة هذه النعمة ليس في زيادة عدد الحجاج كلّ عام، بل في استثمار منافعه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِع﴾.

جدير بنا أن نفكّر جيّداً، هل العالم الإسلامي استطاع أن يستثمر منافع الحج؟ وما هي هذه المنافع أساساً؟
الحج الصحيح يستطيع أن يحدث تغييراً في المحتوى الداخلي لكلِّ فرد من أفراد المسلمين. يستطيع أن يغرس في نفوسهم روح التوحيد، والارتباط بالله، والاعتماد عليه، وروح الفرض لكلّ الأصنام الداخلية والخارجية في وجود الكائن البشري، هذه الأصنام المتمثلة في الأهواء والشهوات الدنيئة، والقوى الطاغية المسيطرة. الحجُّ يستطيع أن يرسّخ الإحساس بالقدرة والاعتمادَ على النفس والفلاحَ والتضحية. ومثل هذا التحوّل يستطيع أن يصنع من كلّ إنسان موجوداً لا يعرف الفشل ولا ينثني أمام التهديد ولا يضعف أمام التطميع.

والحجّ الصحيح يستطيع أن يصنع من الأشلاء الممزّقة لجسد. الأُمة الإسلاميّة كياناً واحداً فاعلاً مقتدراً، وأن يجعل هذه الإجزاء المتفرقة تتعارف وتتبادل الحديث عن الآمال والآلام، والتطورات والاحتياجات المتقابلة، والتجارب المستحصلة.

ولو أنّ الحجّ وضع ضمن إطار برنامج يتوخّى هذه الأهداف والنتائج وتتضافر عليه جهود الحكومات والعلماء، وأصحاب الرأي والكلمة في العالم الإسلامي، لعاد على الأُمّة الإسلاميّة بعطاء ثرّ; لا يمكن مقارنته بأيّ عطاء آخر في دنيا الإسلام. كما يمكن القول بكل ثقة: إنّ هذا التكليف الإلهي وحده، لو استثمر استثماراً صحيحاً كما أرادته الشريعةُ الإسلاميّة، لاستطاع بعد مدة غير طويلة أن يبلغ بالأُمّة الإسلاميّة ما يليق بها من عزّة ومنعة.

لابُدَّ من أن نذعن بمرارة إلى أنّ الفاصلة كبيرة بين الشكل الحالي لأداء هذه الفريضة الإلهية والشكل المطلوب. الامام الراحل العظيم بذل جهوداً فعّالة في هذا السبيل، ووضع نصب أعين الأُمّة الإسلاميّة تصويراً واضحاً عن الحجّ الإبراهيمي، حجّ العظمة والعزة، حجّ الرفض والتحوّل. وكان طرح هذا التصوّر بحد ذاته مبعث بركات وافرة في العالم الإسلاميّ. غير أنّ نشر هذه الفكرة وهذا المنهج العملي بين جميع الشعوب المسلمة بحاجة إلى جهود مخلصة ينهض بها علماء الدين، ووعي وتعاون يبديه حكام كلِّ البلدان الإسلاميّة، وآمل أن تكون هذه المهمّة الحساسة موضع اهتمامهم و عملهم 1.

1-مجلة ميقات الحج.

قراءة 1714 مرة