إن من أبرز خصائص الإسلام نظرته الشاملة إلى الإنسان، فيما يريد أن يحققه من غايات في تنمية شخصيته ومسيرته، ولذا يؤكد على أنّ الإنسان كائن ذو أبعاد مختلفة تلتقي فيها الشخصية الفردية بالشخصية الاجتماعية من دون تصادم وانفصال.
يقول تبارك وتعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾.
إن من أبرز خصائص الإسلام نظرته الشاملة إلى الإنسان، فيما يريد أن يحققه من غايات في تنمية شخصيته ومسيرته، ولذا يؤكد على أنّ الإنسان كائن ذو أبعاد مختلفة تلتقي فيها الشخصية الفردية بالشخصية الاجتماعية من دون تصادم وانفصال.
العبادة توازن واستقامة:
ومن هنا أنبَّه على أنّ الخروج عن التوازن والاستقامة هو انحراف عما رسمه الله للإنسان في هذه الحياة؛ فقد جاء في بعض كلمات الإمام الصادق (عليه السلام): “ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه” [المحجة البيضاء: ج 7 ص 418]، وفي الحديث الشريف: “من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم”… فالعزلة عن الحياة والفردية المغرقة في الذات لا تمثلان قيمة كبيرة من قيم الإسلام في الحياة.
وإذا ما تحرك الإسلام في خط التربية الفردية لحياة الإنسان، فلأنه يريد أن يختار له من الصفات الكريمة ما يرفع مستوى إنسانيته، ويحقق له الشخصية الخيّرة في الحقل الاجتماعي؛ فالإسلام يجد في الكمال الإنساني الفردي مفتاحاً للدخول إلى الكمال الإنساني الاجتماعي..
وقد يتساءل البعض: لماذا أراد الإسلام – وهو يريد أن يرتفع بروح الإنسان إلى الله – أن يثير هذه النظرة الشمولية في تشريعه للعبادات؟!
لقد كانت النظرة للدين – قبل الإسلام – أن يعيش فيها الإنسان روحانية الخشوع والخضوع والعبودية لخالقه.. وبذلك كانت الرهبانية مظهر السمّو في الروح والإخلاص في العبادة؛ لأنها تعزل الإنسان عن كل زخارف الحياة وشهواتها ومشاكلها وقضاياها الصغيرة، وتربطه بالله.
وبدأ الإسلام في تغيير هذه النظرة للعبادة من خلال تغييره للنظرة إلى دور الإنسان في الحياة.. فكيف ينظر الإسلام إلى دور الإنسان؟!
إذا كان الإنسان هو خليفة الله في الأرض..
وإذا كانت الأرض هي الساحة التي يريد الله لعباده أن يحققوا فيها إنسانيتهم في خطّ الرسالات..
وإذا كانت الأرض هي المكان التي يخطط فيها الإنسان برامجه ونموه وتقدمه على أساس سنن الله في الأرض..
إذن تمثل العبادة باعثاً على تحقيق هذه المعاني في نفس الإنسان وحياته بطريقةٍ أفضل، وبإخلاص أكمل..
وفي الحديث المأثور عن النبي (صلى الله وعليه وآله): “الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ». وهو عينه ما ترجمه علي (عليه السلام) في مقولته: “النَّاسُ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ”، فمنهم من تعيش آفاق دينك ومنهم من تعيش معه آفاق إنسانيتك.
قيمة الحج بين العبادات:
أولاً: نلتقي بالصلاة في الإسلام فنجدها – في القرآن الكريم – وسيلةً من وسائل تنمية الشخصية في خط الخير والصلاح والسمو الإنساني، والابتعاد عن خط الفحشاء والمنكر سواء في ذلك ما يمارسه الإنسان في حقله الفردي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، انطلاقاً من شمول كلمة الفحشاء والمنكر لكل الأوضاع السلبية، التي يريد الإسلام للإنسان الابتعاد عنها في جميع هذه الأمور، فلا قيمة لصلاة الطغاة والمتكبرين والظالمين والمتعاونين معهم، والخائنين لأمتهم ولدينهم، كما لا قيمة لصلاة السارقين والكذَّابين والزناة والمغتابين والنّمامين والآكلين للحرام من مال أو طعام.. لأنّ الصلاة لم تحقق للإنسان شيئاً عملياً في خط الاستقامة أو البعد عن الانحراف.
ولهذا جاء الحديث عن أهل البيت (عليه السلام) يرفض أن يكون طول الركوع والسجود مقياساً لمعرفة الرجل؛ لأنّ ذلك ربما يكون جارياً مجرى العادة، واعتبر المقياس – بدلاً من ذلك – صدق الحديث وأداء الأمانة؛ لأنهما يدخلان في عمق الشخصية الإسلامية..
ثانياً: نلتقي بالصوم الذي جعله الله فريضة ليحقق للإنسان من خلالها شخصية التقوى التي تقف عند أبواب الحرام المفتوحة أمامها فلا تدخلها. فالصوم هو: الرفض العملي لكل الأوضاع المنحرفة في الواقع السياسي والاجتماعي انطلاقاً من إرادته الإسلامية القويّة التي ترفض الحرام في العمل الفردي؛ لترفضه في نهاية المطاف في الواقع الاجتماعي والسياسي العام.
ثالثاً: ونلتقي مع الحج… فقد جعله الله فريضة على كل من استطاع إليه سبيلاً، وجعل التارك لها في حكم الخارج عن الإسلام..
وقد تعبّد الله به عباده منذ النبي إبراهيم (عليه السلام)، وأضاف الإسلام إليه شروطاً وأحكاماً وحدّد له أهدافاً، ورسم له خطوطاً من أجل أن يحقق للإسلام الدور الكبير في الحياة، فيزيد من فاعليته وامتداداته، فلم يقتصر فيه على جانب واحد من جوانب التربية، بل استوعب المعاني التي تنطلق من العبادات الأُخرى:
1 – شرّع الإحرام في كل التزاماته وتروكه؛ ليحقق للإنسان أهداف الصوم، لا في جوع الجسد وظمأه، بل تهذب فيه نزعة القوة، ونزعة التعلق باللذة، ونزعة الترف، ونزعة الكبرياء، فيعيش حينئذ السلام والانضباط والتوازن والخشونة والتواضع.
2 – وشرّع الطواف حول البيت وجعله صلاة؛ ليعيش معه الإنسان آفاق الصلاة وروحيتها حيث أراد الله أن يكون البيت العتيق، فيما يمثله من مشاعر الطهارة والنقاء والخير والبركة والرحمة والمحبّة. لتكون الحياة حركة في طريق الأهداف التي يحبّها الله ويرضاها..
3 – وفرض السعي بين الصفا والمروة، ليعيش الإنسان سعيه في سبيل الخير، وابتعاداً عن طريق الشرّ.. فينبغي لنا أن نطلق السعي في مجالات الحياة الأُخرى، في كل آفاقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في اتجاه الحصول على رضا الله في كل أمورنا..
4 – أمّا الوقفات التي أرادها الله في عرفات والمشعر ومنى، فإنها وقفات تأمل وحساب وتدبّر وانطلاق؛ ليستعيد فيها الإنسان مبادئه التي قد تضيع في غمرات الصراع، التي يخوضها في سبيل لقمة العيش، أو في سبيل تحقيق رغباته ومطامعه المشروعة وغير المشروعة.
5 – وجعل الأضحيّة رمزاً حيّاً للتضحية والعطاء فيما يرمز إليه من تاريخ إبراهيم وإسماعيل، عندما أسلما لله وانتصرا على نوازع العاطفة وحب الذات.. وانتهى الأمر إلى أن فدَّاه الله بذبح عظيم؛ ليكون ذلك خطاً عملياً، تسير عليه الحياة في كل مرحلة تحتاجها للتضحية والعطاء..
6 – وكان رجم الشيطان، إيحاءً بما يريد الله للإنسان أن يعيش في حياته كأهم يومٍ يواجه فيه خطوات الشيطان في فكره وعاطفته وقوله وفعله، وانتماءاته وعلاقاته العامة والخاصة. وربما كان في هذا التكرير في الفريضة لرجم الشيطان «الرمز» إشارة بأنّ قضية محاربة الإنسان للشيطان ليست قضية حالة واحدة يعيشها الإنسان ويتركها، بل هي قضية متجددة في كل يوم..
لذلك كله لا يبقى هذا مجرّد عبادة يهرب فيها الإنسان من الواقع ليغيب في مشاعره الذاتية في جوٍّ مشبعٍ بالضباب، كما يحاول البعض أن يصوّر العبادة..
فلقد جاء التنبيه أن نعيش الحج كشكل خارجي يؤديه الإنسان بدون روحٍ وبدون معنى، كأكثر الذين يعيشون الحج عادةً وتقليداً وسياحةً وتجارةً فينطبق عليه ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما نظر من معه إلى الجموع المحتشدة في الموقف، فقال: “ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج”! إذ لا قيمة للعدد إذا لم يكن يتحرك في عمق القيم الروحية في الحياة، فمثل هؤلاء يكونون عبئاً على الحياة بدلاً من أن يكونوا قوّة لها.
المنافع العامة:
إنّ أوّل ما نلتقي به من نصوص الحج هو النداء الأوّل الذي وجّهه الله للنبي إبراهيم (عليه السلام) في دعوة الناس إلى الحج.. وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 27 – 28].
فإننا نجد في هذا النداء دعوةً إلى أن يشهدوا منافع لهم من دون تحديد لطبيعتها وحجمها، للبحث عن كل المجالات النافعة التي يمكن لهم أن يحققوها من خلال الحج في حياتهم الفردية والاجتماعية إلى جانب الروح العبادية المتمثلة بذكر الله في أيّام معدوداتٍ، شكراً لنعمه وتعظيماً لآلائه وتطبيقاً لتعليماته. وبهذا يكون التشريع حركةً متجدّدة في خطّ الإبداع والنمو والتقدم..
الحجّ ملتَقى المسلمين:
أ – عن هشام بن الْحَكَم قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ: مَا الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا كَلَّفَ اللهُ الْعِبَادَ الْحَجَّ وَالطَّوَافَ بِالْبَيْتِ؟
فَقَالَ: ” إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ «إلى أن قال» وَأَمَرَهُمْ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الطَّاعَةِ فِي الدِّينِ وَمَصْلَحَتِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ، فَجَعَلَ فِيهِ الِاجْتِمَاعَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ لِيَتَعَارَفُوا، وَلِيَنْزِعَ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَلِيَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمُكَارِي وَالْجَمَّالُ، وَلِتُعْرَفَ آثَارُ رَسُولِ اللهِ (صلى الله وعليه وآله) وَتُعْرَفَ أَخْبَارُهُ وَيُذْكَرَ وَلَا يُنْسَى، وَلَوْ كَانَ كُلُّ قَوْمٍ إِنَّمَا يَتَّكِلُونَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَمَا فِيهَا هَلَكُوا وَخَرِبَتِ الْبِلَادُ وَسَقَطَتِ الْجَلَبُ وَالْأَرْبَاحُ وَعَمِيَتِ الْأَخْبَارُ، وَلَمْ تَقِفُوا عَلَى ذَلِكَ، فَذَلِكَ عِلَّةُ الْحَجِّ” [وسائل الشيعة: ج 11 ص 14].
ب – وعن الفضل بن شاذان عن الإمام علي الرضا (عليه السلام) – في حديث طويل – قال: إِنَّمَا أُمِرُوا بِالْحَجِّ لِعِلَّةِ الْوِفَادَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ مَا اقْتَرَفَ الْعَبْدُ تَائِباً مِمَّا مَضَى، مُسْتَأْنِفاً لِمَا يَسْتَقْبِلُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ الْأَمْوَالِ وَتَعَبِ الْأَبْدَانِ وَالِاشْتِغَالِ عَنِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَحَظْرِ النَّفْسِ عَنِ اللَّذَّاتِ، شَاخِصاً فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ثَابِتاً عَلَى ذَلِكَ دَائِماً، مَعَ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالتَّذَلُّلِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْمَنَافِعِ، لِجَمِيعِ مَنْ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، وَمَنْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، مِمَّنْ يَحُجُّ وَمِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ، مِنْ بَيْنِ تَاجِرٍ وَجَالِبٍ وَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ وَكَاسِبٍ وَمِسْكِينٍ وَمُكَارٍ وَفَقِيرٍ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِ أَهْلِ الْأَطْرَافِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُمْكِنِ لَهُمُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّفَقُّهِ وَنَقْلِ أَخْبَارِ الْأَئِمَّةِ ع إِلَى كُلِّ صُقْعٍ وَنَاحِيَةٍ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122] وَ ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ… ﴾ [الحج: 28].
ونستوحي من هذين الحديثين ما يلي:
1 – أنّ الإسلام أراد للحج أن يكون ملتقىً للمسلمين جميعاً في شرق الأرض وغربها، من أجل تحقيق التعارف والتواصل بينهم، وتحصيل المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمن حجّ ولمن لم يحج، وتبادل التجارب والخبرات المتنّوعة، التي يملكها كل فريق من خلال أوضاعه العامة والخاصة..
2 – تسهيل حركة الدعوة إلى الله بالانطلاق من موسم الحج للاتصال بكل المناطق الإسلامية التي تتمثّل بأفرادها، الذين يقصدون بيت الله الحرام؛ لأداء الفريضة فيما يتعلمونه من ثقافة الإسلام وشريعته، وفيما يتعاونون فيه من مشاريع وأعمالٍ وخططٍ على أساس المصلحة الإسلاميّة العليا.. لينطلق العمل الإسلامي من قاعدة مركزّيةٍ واسعة..
3 – من خلال التفاعل الإنساني الروحي الذي تحققه هذه اللقاءات التي تتمّ في أجواء روحية خالصة، يستشعر فيها الجميع بالقيمة الإسلاميّة على هدى الممارسة في وحدة الموقف واللباس والشعار والتحرّك.. فيلغي المشاعر الطارئة المضادّة، التي يمكن أن يتعامل من خلالها الاستعمار الكافر، لتفتيت طاقاتهم وتدمير وحدتهم..
الحج بين الهدف والواقع:
نتساءل: ماذا عن الواقع الذي يعيشه الحج في هذه المرحلة من تاريخ الإسلام؟!
إننا نلاحظ حشداً كبيراً من البشر، الذين يفدون إلى بيت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها، من مختلف القوميات والألوان، ونستمع إلى كثير من الأصوات التي تعجّ بمختلف اللّغات، وإلى الابتهالات التي ترتفع إلى الله من شفاه المؤمنين ومن قلوبهم مستغفرة شاكية باكية..
ونتابع الحجيج في خطواتهم وأعمالهم، فنلاحظ الإلحاح على تجميد شعائر الحج في نفوسهم، في محاولةٍ للحفاظ على الشكل بعيداً عن المضمون.. فإذا دخلت إلى مجتمعاتهم فإنك سترى العلاقات العادية، التي اعتادوها في بلادهم التي جاءُوا منها، بكل ما تشتمل عليه من سلبيّات، وما تفرزه من نتائج سيّئةٍ تعبث بأجواء الحج أيما عبث، وتسيء إليه أيّما إساءة..
وهكذا لا تجد هناك مجتمعاً يترابط أفراده بالهدف الواحد، بل نجد أفراداً يعيشون شكل المجتمع من دون معنى أو روح..
هذا في المدلول الذاتي للحج إن صح التعبير..
فإذا تطلّعت من جديد إلى الجوّ الداخلي للمسلمين، فماذا تجد؟!
إنك ستجد الاختلافات المذهبية بين المسلمين. بل إنك تجد الاختلافات بين تيارات المذهب الواحد أيضاً..
ولعل من المفارقات أنّ الكثيرين ممن يقلّدون المجتهدين لا يدّعون لهم العصمة في رأي واجتهاد، ولكنهم لا يحاولون أن يناقشوهم في فتاواهم أو آرائهم، بل يثيرون الغبار في وجه كل من يحاول ذلك..
وبذلك يتحول هذا المجتمع الإسلامي إلى مجتمع تتزايد فيه المشاحنات والأحقاد بدلاً من أن يكون مجتمعاً تذوب فيه كل هذه العوامل السلبيّة..
فليكن موسم الحج وملتقاه الواسع هو المؤتمر الكبير الذي يبيّن ذلك ويحاول المعالجة، فموسم الحج باب مفتوح على السماء. أكثر من مليوني مسلم يطوفون حول الكعبة ويقفون على جبل عرفات، ويزورون المقام النبوي في المدينة المنورة، والغاية في كل ذلك هي مرضاة الله وشفاعة نبيّه، والأجر الحسن لليوم الآخر. فهل ننطلق من خلال موسم الحج لنفتح للإسلام آفاق المستقبل، ليكون الحج محطة مفصلية في بناء قوة وعزة المسلمين؟!!!
الشيخ حسين علي المصطفى