فى سورة الحج نلاحظ أمرا عجيبا وهو مجيء قوله تعالى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[الحج:30] تعظیم حرمات الله في وسط آيات الحج وكذا وتكرار هذا الأمر {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32] فما هو الرابط بين الحج وتعظيم الحرمات؟
إن تعظيم الحرمات يعني أن تكون أوامر الشرع غالية عند الإنسان فلا يفرّط فيها أو يتهاون في أدائها وكذا يغضب إن رآها تخترق في مكان هو فيه وإن تأملنا قليلا فسندرك سريعا أن الحج وثيق الصلة بتعظيم الحرمات لأنه في الحقيقة تدريب عليه فالمرء لكي يؤدي فريضة الحج عليه أن يضحي بالكثير والكثير يضحي بالمال والراحة ويتحمل الغربة والمشقة…وكل هذه الأمور من أجل إقامة ركن واحد من أركان الدين وهو الحج فكأنه درس عظيم :أن أركان الدين غالية جدا.
كما أن الحج تذكير بسيرة النبي الإمام إبراهيم –عليه السلام- ذاك النبي الذي كان بحق أنموذجا فريدا في تعظيم الحرمات… فهو قد تحمل الكثير لأنه عظم حرمات الله فقد أغضبه رؤية الناس يعبدون غير الله فغار على التوحيد وتحرك بالدعوة وجلب عليه ذلك متاعب جمة ثم رزق بالولد وطُلب منه أن يتركه في الصحراء ففعل ليبرهن أن أوامر الله وتكاليفه عنده أغلى من أي شيء آخر ثم كانت المحنة الكبرى حين أمر بذبح ولده تلك كانت محنة شديدة ولكن نجح سيدنا إبراهيم نجاحا باهرا وأثبت أن حرمات الله عنده أعظم وعل المولى تبارك وتعالى خص سيدنا إبراهيم بفضيلة بناء بيته الحرام لأنه عاش معظما لحرمات الله بشكل عجيب{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة:124,1258]
فالحج تذكير بقصة هذا النبي وبسيرته التي هي صورة فريدة في تعظيم الحرمات وكذا تذكير بسيرة إمام الانبياء محمد –صلوات الله وسلامه عليه- وصحابته الكرام ليتذكر المرء كيف ناضلوا وجاهدوا وتعرقوا من أجل إقامة أوامر الشرع.
فما أجمل هذا الأمر وما أجمل أن نتذكر أن الأمة التي لم تعظم حرمات الله لعنها الله{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة:78:79] لقد هانت عليهم الحرمات فانتهكوها وهانت عليهم رؤيتها تُخترق وتنتهك فلعنهم الله.
فياليتنا بحق نعظّم حرمات الله ولا نتهاون في تنفيذها وكذا نغضب بحق إن رأيناها تُنتهك ونسعى جاهدين من أجل تعظيمها وتثبيت دعائمها في المجتمع.