الحج من أعظم الرحلات.. دافعه الإيمان وفيه دروس أهمها رسالة اجتثاث العنصرية (رويترز)
أقيمت شعائر الحج على نطاق محدود بسبب تفشي وباء كوفيد-19، ونسأل الله تعالى أن يمر هذا الوباء ويعود كل شيء إلى سالف عهده.
يعتبر النحر من أهم شعائر الحج، وهو عبادة مهمة جدا يجب القيام بها في هذه الأيام المباركة، ويمكن أن ننظر إليها بشكل أرحب في هذا الوقت المليء بالعبر والمعاني.
خاض النبي إبراهيم عليه السلام رحلة شاقة وأقدم فيها على التضحية بابنه العزيز، وهو الابن الذي رُزق به بعد أن جاوز عمره الثمانين حسب ما هو مذكور في الإنجيل. يمكن القول إن هذه الرحلة تحمل أبعادا كثيرة تحتاج منا إلى التفكر والتدبر.
في الواقع، كانت رحلة حياة خليل الله أبي الأنبياء منذ بدايتها نموذجا يحتذى به لكل الناس، حيث إن الحياة تضع أمامنا باستمرار دروبا مختلفة لنسلكها، ومواقف يجب أن نميّز فيها بين الخير والشر، وأثمانا يجب أن ندفعها، وتضحيات يجب أن نقوم بها.
تمثل الجنة بيئة لا حدود فيها للنعم، حيث كان بإمكان آدم وحواء القيام بكل ما يحلو لهما دون أي مسؤوليات، إلا أنهما خاضا مغامرة أخرى بعد أن أغواهما الشيطان بفكرة الخلود، وتسبب بذهابهما في رحلة النفي. الحج رحلة نتذكر فيها النفي بعيدا عن أوطاننا، ونتذكر أيضا عدو الإنسانية الشيطان.
وما دام بعض الناس يمتنعون عن المشي في هذه الدروب والوقوف مع الخير ضد الشر ودفع الأثمان مقابل إيمانهم، فإنهم يبقون دائما عالقين داخل دائرة الراحة. أما سيدنا إبراهيم، الذي يمكن اعتباره أمة كاملة، فلم يتجاهل هذه الدروب والإشارات والرسائل التي اعترضت طريقه.
حطّم سيدنا إبراهيم الأصنام التي صنعها قومه بأيديهم وعبدوها، ووقف ضد أبيه في هذه المعركة، ثم تحدى النمرود، وخاطر بأن يُلقى في النار، وبعد ذلك ذهب إلى مصر، ومن هناك إلى وادي مكة حيث ترك ابنه إسماعيل في سن صغيرة، وسار بمفرده في رحلة أخرى، خاض خلالها عديد التجارب، وعرف شعور الغربة، وفُتحت أمامه الآلاف من أبواب الحكمة. اصطفى ربنا العظيم نبيه وخليله إبراهيم ليكون نموذجا متفردا لكل الأمم والشعوب ولتصل هذه التجارب للأجيال اللاحقة.
يعتبر الحج مكانا نقلّد فيه رحلة إبراهيم بأكملها، ولكن هذه الرحلة لا تدور فقط حول إبراهيم عليه السلام، إذ إنها تمثل أيضا اللقاء الأول بين آدم وحواء في هذا العالم، بعد أن طُردا من الجنة بسبب الانسياق وراء إغراءات الشيطان. يمثل آدم وحواء رحلة تتجسد في الهبوط إلى هذا العالم، وبدون هذه الرحلة ما كان الجنس البشري ليظهر على الأرض، ولم تكن هذه التجربة الإنسانية لتبدأ أصلا، لأن الحياة كانت ستبقى داخل دائرة الراحة في الجنة.
تمثل الجنة بيئة لا حدود فيها للنعم، حيث كان بإمكان آدم وحواء القيام بكل ما يحلو لهما دون أي مسؤوليات، إلا أنهما خاضا مغامرة أخرى بعد أن أغواهما الشيطان بفكرة الخلود، وتسبب بذهابهما في رحلة النفي. الحج رحلة نتذكر فيها النفي بعيدا عن أوطاننا، ونتذكر أيضا عدو الإنسانية الشيطان.
تقام شعائر الحج بشكل جماعي، ولكن في نفس الوقت يعيش كل فرد داخل عالمه الخاص، وتكون لديه تجربته ومشاعره المتفردة خلال هذا الحدث. يظهر الشيطان عند كل مرحلة، محاولا الحط من عزيمة الحجاج، ولذلك فإن هذه الرحلة تتطلب بعض التضحيات، وكلما بذل الحاج تضحيات أكبر ارتفعت منزلته أكثر، وزادت قيمته الإنسانية، وتغيرت نظرته للعالم.
هناك العديد من الدروس المستخلصة من الحج، حيث إن الحاج يذهب إلى مكة لفهم الأمة الإسلامية، والاندماج فيها، والوقوف على قدم المساواة مع الجميع، وفي صف واحد ضد الشر. وهناك أيضا دروس وعِبر وطنية يمكن استخلاصها من هذه الرحلة، أهمها الرسالة المتعلقة باجتثاث العنصرية والتفرقة، إذ يحدث أن يغفل بعض الناس عن قيم المساواة والتواضع، ويتصرفون بتكبر وتعالٍ، من خلال العمل على التفرقة بين الحجاج وتفضيل أبناء بلدهم عن الآخرين.
رغم كل شيء فإن الحج يمثل رحلة تمتد أمواجها لتلامس كامل العالم الإسلامي. ومنذ اللحظة التي فُرض فيها الحج على المسلمين بات سببا لواحدة من أعظم الرحلات التي يؤديها البشر بدافع الإيمان. وعبر التاريخ، خاطر الناس بالسفر والترحال من أجل إتمام شعيرة الحج، بشكل جعلهم يتركون خلف ظهورهم دائرة الراحة في حياتهم اليومية، وينفتحون على كل المواقف والدروس التي سيجدونها في طريقهم.
واليوم مع توفر وسائل النقل المريحة، يصعب علينا تخيل تلك الأيام، عندما كان السفر يعني التعرض لمختلف أنواع المخاطر الأمنية والاقتصادية. ومع توفر كل وسائل الراحة في مكان واحد، باتت حياة الخمول التي نعيشها تحدّ من آفاقنا وتثبّط عزائمنا دون وعي منا. يتوهم البعض أن هذه الرفاهية تجعلهم أحرارا، ولكنها في الواقع تؤثر عليهم بشكل سلبي، وبالتالي فإن الحج المفروض على المستطيع، يعتبر علاجا دنيويا لهؤلاء الناس، وهو فرصة لا تقدر بثمن للانفتاح على العالم وكسر القيود التي لم يكونوا يدركونها.
قد يعاني الإنسان دون وعي من إدمان عادات معينة، تحدّ من حريته، ولنا قدوة في خليل الله إبراهيم عليه السلام الذي نجح في اجتياز كل الاختبارات برحمة من الله، ونجح في كسر القيود.