عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أصناف السُّكر أربعة: سكر الشباب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر المُلك"1.
لا ريب أنّ مظاهر الفساد في المجتمع كثيرة ومتنوعة حتى باتت اليوم تدخل إلى كلّ بيت بدون استئذان من أحد، وهي مرض خبيث مستشرٍ في جسم الأمة وروحها، لذلك كان لا بدّ من وجوب المواجهة والتصدّي لهذه المظاهر الشيطانية بكلّ شجاعة ومسؤولية بدون تهاونٍ أو خوفٍ أو تحفُّظ، فالغزو الثقافي والحرب الناعمة والحرب النفسية التي تُشنّ على مجتمعاتنا اليوم تحتاج لوقفة صلبة ولخطوات عملية كبيرة تُشكّل نوعاً من أنواع الحماية والحصانة لأمتنا اليوم، بل لعلّ ذلك يأتي اليوم في قمة سلّم الأولويات التي يجب أن نوليها اهتماماً خاصّاً.
وفي مقام العلاج والمواجهة لا بدّ من اتِّباع خطوات علمية وأساليب مدروسة للمواجهة منها:
1- تأمين البدائل المناسبة: وهذا من أهمّ الحلول وأكثرها جاذبية إلا أنّه يحتاج لتضافر جهود علمية وتوعوية قد لا يكفي فيه الجهود الفردية، كإنشاء الملاعب الرياضية وإقامة الورش والدورات على بعض الحرفيات والمهن والفنون الضرورية وإصدار البرامج الرقمية وإصدار الكتب والقصص والبرامج الهادفة واستبدال مراكز الفساد بمراكز إيجابية (صالات إنترنت شرعيَّة، نوادٍ رياضيّة..)، ونؤكّد هنا ضرورة الإستفادة من إمكانيات الجمعيَّات الأهليَّة والبلديات وغيرها من المؤسَّسات التي تعنى بالشأن العامّ.
ومن أهمّ البدائل التي يجب التنبه إليها ما يرتبط بالكتاب والمجلّات والبرامج التلفزيونية من أفلام ومسلسلات ودعايات وغيرها من الأمور الموجّهة، فمن الضروري إيجاد الكتاب البديل والذي له قدرة منافسة الكتاب الآخر، وكذلك فيما يرتبط بالإنتاج التلفزيوني والإعلامي والمسرحي والإصدارات المقروءة وما إلى ذلك من الأمور التي تعتبر اليوم محلّ حاجة ضرورية لعنصر الشباب.
2- نشر الثقافة الدينية الواعية: وأعني بذلك الحصانة العلمية التي يجب أن يتمتّع بها الشابّ، من خلال تمكينه علمياً من الإجابة عن مختلف الشبهات التي تُثار اليوم استنقاصاً من الشرع المقدس ومحاولة استبداله ببعض المفاهيم البرّاقة والمخادعة، وذلك من خلال رصد كبير لكلّ عمليات الغزو الثقافي والحرب الناعمة التي تستهدف كافّة شرائح المجتمع، لا سيما فيما يرتبط بالمفاهيم الاجتماعية كالأسرة والزواج والطلاق والتربية والمال والسلطة والتعلّق بالشكليّات والمظاهر والأزياء والموضاتوغير ذلك من مئات المفاهيم التي تبثُّها الثقافة الغربية وترسّخها في عقول أهلنا على أنها حقائق علمية.
إنّ تعزيز الجانب العلمي من شأنه تعزيزالإنتماء للهوية الإسلامية في نفوس الشباب المسلم،وعدم الانبهار أمام الثقافات الغربية الدخيلة أو على الأقلّ أن يمتلك الشابّ قدرة تصفية هذه الثقافات الوافدة إلى بلادنا وفرز الجيّد من الرديء، ومن خلال إقناع شريحة الشباب بأنّ دينهم وطاقاتهم وهويتهم هي الأكمل والأفضل وتقديم النماذج الدينية الرائدة قديماً وحديثاً والتي تشكّل قدوة لعنصر الشباب.
3- النهي عن المنكر: وهذا الأمر يحتاج إلى إرادة من الجميع أن يعمد المجتمع إلى محاربة مظاهر الفساد والنهي عن انتشارها كونها تشكّل بؤرة فساد وتؤثّر في إفساد المجتمع، فلا بد من النهي عن المنكر بالوسائل التي حدّدها الشرع من النهي بالقلبأو اللسان أو اليد، فاليوم لا مانع من الإعتراض على المحلات التي تبيع الخمور أو محطّات الفساد عبر الإنترنت أو بعض المراكز المشبوهة والملاهي الفاسدة وسواها من الأماكن التي تنشر الفساد.
إنّ السكوت عن المنكر يُشجّع أهل الباطل على التمادي في غيّهم بل ويُدخل الشبهات إلى قلوب الآخرين ويجعل من المنكر أمراً مألوفاً واعتيادياً، وقد ورد أنّ سكوت أهل الحقّ عن الباطل جعل أهل الباطل يتوهّمون أنهم على حقّ.
إنّ الأمر بالمعروف وحده لا يغني عن النهي عن المنكر، وإنّ فعل الخيرات ينبغي أن يقترن بمنع المنكرات فهذان فعلان يقترنان ببعضهما البعض ولعله إلى ذلك يُشير ورودهما غالباً في النصوص الدينية مقترنين، ولا نبالغ إذ نقول إنّ غياب هذه الفريضة اليوم والتنصّل من القيام بها تحت عناوين شتّى أضعف الحصانة العلمية والسلوكية، كما أضعف التأثير الروحيّ والأخلاقي في خضمّ هذه المواجهة الثقافية المفتوحة على كلّ الأصعدة.
4- الإهتمام بالجانب الروحيّ: والمراد بها الحصانة الأخلاقية والسلوكية التي ينبغي العمل عليها بجدّ واجتهاد، فمرحلة الشباب هي مرحلة تهذيب النفس وتزكيتها، والشابّ في عنفوانه قويّ الإرادة والعزيمة والتصميم على مواجهة الشهوات والغرائز، وذلك من خلال التأكيد على برامج تزكية النفس وتهذيبها وإقامة الأنشطة الأخلاقية والعبادية التي تُحصّن الشباب، كارتياد المساجد والمواظبة على قراءة الأدعية والزيارات المسنونة وفعل الخيرات ومساعدة المحتاجين والسهرات العبادية والمواظبةعلى بعض الأذكار والأوراد المستحبّة.
5- التأكيد على العمل الجماعيّ: والمراد بالجماعة هنا رفاق الخير والصلاح والأصحاب الذين يعينون بعضهم البعض على العمل الصالح والقربوي، فإنّ روح الجماعة تشكّل حمايةً ومظلةً تحفظ الشابّ من الانزلاق لضرورة أنّ الشابّ لن يقوم أمام الآخرين بفعل ما يسيء له ولسمعته، وهو في هذه المرحلة العمرية كثير الحرص على اسمه وشخصيته، فإنّ الشاب كما غيره من الطبيعي أن يكون فريسة الشيطان حال انفراده أكثر منه حال انخراطه بالجماعة.
6- الاستفادة من المناسبات السنويَّة: هناك محطّات ومناسبات تكون الرُّوح فيها أكثر استعداداً لتقبُّل الحقِّ والصَّلاح، وترك المنكر والباطل، فهذه المحطَّات يجب تفعيلها والاستفادة منها في الإصلاح من خلال إعداد برامج روحيَّة جاذبة (أدعية ومحاضرات تتناول مفاهيم وآداباً إسلاميّة...) أهمّها: شهر رمضان المبارك وشهر محرّم الحرام والولادات والوفيات.
ومن المفيد هنا أن نعمل على تنفيذ أنشطة ثقافيَّة وترفيهية تساهم في نشر ثقافة الإسلام وآدابه، وتتناسب مع المناسبات الدينية السنوية، فإنّ من هوان الدهر أن تُحيَى هذه المناسبات بالسهرات الغنائية ومجالس الطرب والسهرات اللهوية وتضييع أفضل الساعات والأيام والليالي بدون اغتنامها والاستفادة منها لبناء الذات وتطهير النفوس ممّا علق بها.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- تحف العقول، ص 124.