المرأة وطلب العلم والفنون؟
نرى بعضاً من المسلمين لا يسمحون لبناتهم بالدراسة والتعلم، وكثيرين منهم يمنعون البنت من الاستمرار في الدراسة، وهذا الحرمان هو ظلم للمرأة، وقد نسبوا ذلك إلى الدين استناداً إلى النصوص الضعيفة أو المحرَّفة، وفيما يلي لمحات من نظرة الإسلام لطلب العلم وتعلم الفن ودور المرأة في ذلك.
* * * * *
نظرة الإسلام لطلب العلم
لا شك أنَّ الدين الإسلامي كان له السبق في نشر العلم ومحاربة الجهل، وكان من أولى أهدافه الدعوة إلى طلب العلم في المجتمعات الجاهلية، ومما يؤكد ذلك بجلاء أن أول ما نزل من القرآن الكريم على النبي (ص) الدعوة إلى العلم والتعلم، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ * الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ * عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)([1])، ويقول تعالى: (نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)([2])، وقال تعالى أيضاً: (الرّحْمَـَنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلّمَهُ البَيَانَ)([3])، وقد رفع النبي الأكرم(ص) هذا الشعار عالياً، واعتبره مبدأً من مبادئ الإسلام العليا، وهدفاً من أهدافه الكبرى، فقد طلب من أسارى بدر، أن من يعلّم عشرة من المسلمين يكون ذلك لقاء حريته، وقد أكد الإسلام في جميع مراحله العلم والسعي في التعلم؛ حتى جعل القرآن الكريم طلب العلم من ضمن أدعية المؤمنين التي خصها بالذكر: (وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً)([4]).
ولم يخص الإسلام بهذه الدعوة أفراداً دون أفراد، ولا الذكور دون الإناث، بل كثيراً ما كان ينادي بتعليم المرأة وتثقيفها، فقد قال رسول الله (ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»([5]).
نعم، يدعو الإسلام المرأة إلى طلب العلم على مستوياته المختلفة ويؤكد صيانة المرأة بالحجاب والعفة والوقار ضمن طلب العلوم والفنون، والذي نجده اليوم في مجتمعاتنا أن الأنظمة الداعية إلى التحلل والسفور، هدفها بطريقة وأخرى التفكيك بين المعلم والدين، ويحاولون جاهدين إقناع المجتمعات التي يصنفونها من الدرجة الثالثة وبالعالم الثالث، بأنَّ طلب العلم والتطور الفكري لدى المرأة لا يمكن أن يتحقق مع العفة والحجاب والتدين، فعلى المرأة التي تريد أن تدخل في نطاق العلم والفكر أن تترك الحجاب والتدين وبذلك تنسلخ عن عفتها وكرامتها.
المرأة وتعلم الفن
يقول بعضهم: إنَّ الفن تعبير عن جمالية الخلق؛ حيث هو جميل وخالق الجمال ويحب كل جميل وجمال، وقد منعت المرأة من مزاولته، وهذا في واقعه منع لها من التعبير عن جمال الخليقة.
لا شك في أن الفن بعنوانه العام الذي يعبَّر عن الجمال الإلهي لم يحرمه الدين على أحد سواءٌ أرجلاً كان أم امرأة، بل أكده وحث على طلبه واستخدامه لإظهار الجمال والكمالات الإنسانية المودعة في البشر، وقد مارس المسلمون الفن في عصورهم الغابرة، بل يمكن نسبة الكثير من الفنون إلى المسلمين، وقد أخذها عنهم غيرهم، كفّن الخط والمعمار والرسم والثياب وغيرها.
غير أن الإسلام يصنف الفنون إلى ما هو جائز كالتي ذكرناها، وما هو محرم كالغناء والضرب في الآلات الموسيقية، وفن بعض الألعاب، ولم يكن ليحرمها جزافاً، بل حرّمها لما تؤول إليه من الضلال والانحراف والانحطاط، فحرّم على المرأة الغناء في غير الأعراس، لأن الطرب وأخذ الصوت وترجيعه إسكار للروح وسلبها حالتها الطبيعية فتعود به منساقة نحو غرائزها ورغباتها، فلا تفكر بما يكمّلها ويطوّرها نحو هدف خلقها، وكذا الأمر بالنسبة إلى الرجل؛ حيث حرم عليه بعض هذه الفنون أيضاً كالغناء والموسيقى لما فيه من الضرر النفسي والاجتماعي وغيره من الأضرار.
حينما لم يمنع الإسلام المرأة من ممارسة الفنون التي تعبر عن جمالية الخلقة مما لا يترتب عليه أثر محرم، كفن الخط والخزف والرسم ـ في ضمن إطاره الشرعي ـ والرياضة العامة وغير ذلك من العلوم والفنون.
[1] ـ العلق:1-5
[2] ـ القلم:1
[3] ـ الرحمن:1-4
[4] ـ طه: 114.
[5] ـ مستدرك الوسائل 17: 249.