شُبهات وتساؤلات حول المرأة(19)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(19)

المرأة والكمالات الإنسانية؟

هل المرأة تستطيع أن تسمو إلى درجات عالية في الكمال الإنساني، والقرب والعرفان الإلهي مع أن هذا الطريق صعب مستصعب ولا يستطيع سلوكه والوصول إلى الهدف المنشود والمطلوب منه إلا صاحب إرادة وعزم وإيمان قوي؟.

* * * * *

قبل الإجابة عن هذه المسألة والشبهة لا بد من معرفة معنى العرفان، وأقسامه؛ ليتسنى لنا أن العرفان الإلهي بما يحمله من معنى يمكن للمرأة أن تحصل عليه وتبلغ درجات عالية في المعرفة والقرب الإلهي.

 

تعريف العرفان

العرفان مأخوذ من عرف يعرف عرفاناً فهو عارف، وهو السلوك الحقيقي إلى الله تعالى، وتعريف بين الإنسان ووظائفه، والربط بين نفسه وربه ومجتمعه.

وتكون معرفة الإنسان بالله على نحوين:

المعرفة الحضورية والمعرفة الحصولية، وتنقسم المعرفة الحضورية إلى صورتين:

الصورة الأولى: هي الإدراك الفطري أو المعرفة الإلهية الفطرية.

الصورة الثانية: هي العلم الحضوري الذي يكتسبه الإنسان بنشاطه النفسي، ويكون أهلاً لإفاضة هذا العلم من مبدأ الفيض بعد اجتياز مراحل السير والسلوك والوصول إلى التكامل.

العرفان النظري والعملي:

للوصول إلى معرفة الله والكمال الإلهي هناك طريقان، الأول: المعرفة النظرية أو العرفان النظري وهو الوصول إلى الله تعالى عن طريق العقل بالتفكير، والاستدلال وإقامة البراهين.

الثاني: المعرفة الشهودية أو العرفان العملي، وهو الوصول إلى الله بالمشاهدات القلبية وتهذيب النفس، وترويضها بالعبادة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين الطريقتين في قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاَفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ)([1]).

وقال تعالى أيضاً: (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ * وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)([2]).

وبعد هذا يمكننا أن نجيب عن ما يُدّعى من قصور قابلية المرأة عن بلوغ الكمال العرفاني والقرب الإلهي بما يلي.

أولاً: يصرح القرآن الكريم وفي أماكن متعددة أن سلوك الطريق للوصول إلى الله تعالى لا يكون محصوراً بفرد دون آخر، فكل أفراد الإنسان قادرون على السلوك والوصول سواء أذكوراً كانوا أم إناثاً، وفي هذا يقول تعالى: (وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)([3])، وقال تعالى: (يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)([4]).

بل يمكننا القول بأن مقدمات الوصول إلى الكمال وقابلياته توجد في كثير من النساء وهي لا تقل عن الرجال؛ ذلك لشدة عاطفتهن وسرعة انفعالهن بمجالس الوعظ والإرشاد، وهذا ما يؤهل المرأة لسلوك طريق المعرفة والكمال، لولا وجود بعض التعلقات الدنيوية التي غالباً ما تكون في المرأة أكثر من الرجل بسبب سرعة التأثر والتغير والانفعال بالأقوال والأفعال.

أما عندما تترك المرأة هذه التعلقات الدنيوية، وتسلك طريق الإيمان، والمعرفة الإلهية لا شك أنها سوف تصل إلى القرب الإلهي.

نعم، الطريق الثاني من طريقي العرفان، أعني العرفان العملي أسهل عليها، وأسرع في وصولها إلى الله تعالى، لأن المرأة أكثر تأثراً بالسلوك والعمل منها بالنظر والاستدلال.

ثانياً: إن الوقوع ـ كما يقال- أدل دليل على الإمكان، فمن رأيناهن عبر التاريخ ممن  وصلن إلى أعمق، وأرقى المعرفة والقرب الإلهي يكذّب هذه الدعوى ويدحضها، ولنذكر بعضاً من العارفات عبر التاريخ:

1ـ آسية مثل ضربه الله للمؤمنين

قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ)([5])

آسية بنت مزاحم، امرأة فرعون، المرأة المؤمنة بالله تعالى، والتي كانت على دين إبراهيم (عليه السلام) قبل نبوة موسى (عليه السلام) ، وقد شهد رسول الله (ص)  بإيمانها فقال: «ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين، مؤمن آل ياسين (حبيب النجار) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وآسية امرأة فرعون»([6])، كانت تخفي إيمانها بالله الواحد، خوفاً من فرعون وأعوانه، ولكن حينما علم بالأمر أوتد يديها ورجليها، وألقاها في حرارة الشمس، ثم أمر أن تُلقى عليها صخرة عظيمة، فلما قرب أجلها قالت: (رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)([7])، لقد اختارت جوار ربها وقربه، تاركة زخارف الدنيا وزينتها، وملك فرعون وسلطانه العظيم، وآثرت قرب الله تعالى على الدنيا وزينتها،وتحملت آلام التعذيب شوقاً وعشقاً لمعبودها تعالى، وهذا لا يصدر إلا من معرفة تامة، وكمال عالٍ، وصلت إليه، فشعرت بالغيب، وعشقت ما فيه، وقدمته على كل الملذات المادية، وهذا أعظم العرفان والكمال العبادي، ولذلك جعلها الله تعالى مثلاً وقدوة للمؤمنين والمؤمنات، وكانت مضرب المثل لهم.

2ـ مريم  أسوة المؤمنين

قال تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ  وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا وَصَدّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)([8]).

كانت مريم المقدسة نموذجاً شامخاً في صلابة الإيمان، والعفة والطهر والتقوى، وقد أثنى الله تعالى عليها كثيراً، وتكرر ذكرها في أكثر من ثلاثين موضعاً في القرآن الكريم، ما يكشف عن جلالة قدرها، وعظيم منزلتها ومقامها عند الله تعالى.

مريم التي كانت الملائكة تأتيها برزقها من الجنة، حتى إن زكريا(عليه السلام) كان يتعجب مما يراه عندها، إذ يرى فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فأثار ذلك سؤاله عمن يأتيها برزقها، فأجابته: (هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)([9]).

مريم التي اصطفاها الله تعالى واختارها للعبادة، وطهرها من الذنوب وفضلها على نساء زمانها، لما كانت عليه من العبادة، والقرب والكمال، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ)([10]).

وهذه المنزلة العظيمة التي وصلت إليها مريم(عليها السلام) تكشف بجلاء عن عمق العلاقة العرفانية بينها وبين ربها.

3ـ خديجة الكبرى أم المؤمنين:

لقبت خديجة(عليها السلام) قبل أن تكون زوجة للنبي (ص) ، بـ(الطاهرة) و(سيدة النساء)، لما كانت عليه من عفة وطهارة وسموّ في أخلاقها، وكانت تدين بدين إبراهيم الخليل(عليه السلام)، وبعدما سمعت عن كرامات النبي (ص)  طلبت الاقتران به، لمعرفتها بأن هذه الكرامات تكشف عن شخصية استثنائية فريدة في مجتمع ليس فيه إلا المتردية والنطيحة، فعملت على الاقتران  به على الرغم من تزاحم أسياد مكة والمدينة على خطبتها، وتمني الكثير منهم أن يتزوجها، فقدمت النبي عليهم لأخلاقه وإيمانه وكراماته عند ربه.

وكانت أول من آمنت به، لا لأنه زوجها، بل لما وجدت فيه من الصدق والأمانة والخلق الرفيع الذي لا يمكن معه أن يدعي ما لا علم له به، فكانت إلى جانبه من اليوم الأول لبعثته، فقاطعتها نساء قريش ولم تهتم، لأنها كانت تأنس بربها وتراه في قلبها، ولا ترى غيره، ولشدة حبها لله تعالى وطلبها رضاه قدمت كل ثرواتها التي كانت تعادل ميزانية قريش وما حولها، خدمةً للدين وإعلاءً لكلمة الله تعالى، وهذا من أروع أمثلة المعرفة والكمال، لأنها وجدت الله تعالى وأحبته، فأحبت أن تقدم كل شيء له، وعلى حد تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين: «عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم»([11]).

لقد ارتقت سيدتنا خديجة (عليها السلام) إلى أن وصلت إلى مقام أمومة المؤمنين، وحق على كل مؤمن أن يبر أمه ويعظم قدرها، وبلغت درجة السيادة على النساء، فكانت من سيدات الجنة الأربع.

ومما يكشف عن عظيم قدرها، وجلالة مقامها عند الله أنه عندما دنت وفاتها نزل جبرائيل على رسول الله(ص) ، وقال له: إن الله يقرئك السلام، ويأمرك أن تقرأ خديجة السلام وتقول لها: إن كفنك من عندنا، فإنها بذلت مالها في سبيلك، وسبيل الله جلّ وعلا([12]).

4 ـ فاطمة الزهراء(عليها السلام) سيدة نساء العالمين

أشاد القرآن الكريم بفاطمة في سور وآيات متعددة، كسورة الكوثر وآية المباهلة، وآية التطهير، وسورة هل أتى.... وغير ذلك، كما أشاد النبي(ص)  بابنته حتى قرن رضاها برضا الله وغضبها بغضبه، فقال: «إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها»([13])، وهذه من أعظم المنازل والمراقي التي لا يصلها إلا من كان يتمتع بالفناء المطلق في ذات الله، بحيث يصبح رضاه وغضبه، مرآة عاكسة لرضا الله وغضبه، فيصبح معياراً وضابطاً تعرض عليه النفوس والأعمال لمعرفة رضا الله عنها أو غضبه عليها، وما أعظم هذه المنزلة التي نالتها لسعة معرفتها ودوام طاعتها، وخلودها وانقطاعها إلى بارئها، وهو يكشف عما كانت تتمتع به من كمال حقيقي وتفانٍ واقعي في ذات الله تعالى، وكانت الملائكة  ـ  كما روي كثيراً  ـ  تنزل عليها وتخاطبها بما كانت تخاطب مريم بنت عمران(عليهما السلام)، حتى حازت المرتبة العليا على سائر النساء، فكانت سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

5ـ زينب الحوراء (عليها السلام) والكمال العرفاني

كانت السيدة زينب (عليها السلام) من النساء اللواتي بلغن من المعرفة والكمال درجة، صارت تالية لتلك النساء الأربع، وقد شهد الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهو الإمام المعصوم بفضلها ومعرفتها، فقال لها: «يا عمة، أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة»([14])، وهذا يكشف عن أن علمها كان من العلوم اللّدنيّة الذي يحصل به كمال الإيمان والتقوى، ولقد قدمت في سبيل ربها كل غال ونفيس، ولها في كربلاء مواقف تدل على جلالتها، وسمو مقامها عند الله تعالى، فلقد وصلت إلى مقام النيابة عن الإمام المعصوم ما بين فترة شهادة أخيها الحسين(عليه السلام) إلى حين شفاء الإمام زين العابدين(عليه السلام).

وكانت لا تترك التهجد لله في الليل طوال حياتها، حتى في أقسى الليالي التي مرت بها، كليلة الحادي عشر من المحرم، وقد رآها الإمام زين العابدين (عليه السلام) تصلي في تلك الليلة من جلوس. وقد جسَّدت أروع وأعلى مراتب الإيمان والعرفان والكمال الإلهي، عندما خرجت في اليوم الحادي عشر إلى جثمان أخيها الحسين(عليه السلام)، ووضعت كفيها تحته ورمت بطرفها إلى السماء وقالت: «اللهم تقبل منا هذه القربان».

6ـ السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)

هي فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهم السلام) وأخت الإمام الرضا(عليه السلام) والمدفونة بقم المقدسة، كانت من العابدات العارفات، وقد وصلت إلى مرتبة عالية في الكمال والقرب الإلهي، وقد نقلت عنها كرامات كثيرة، حتى بلغ قدرها ومقامها عند الله، وأن الإمام الرضا (عليه السلام) قال في حقها: «من زارها عارفاً بحقها فله الجنة»([15])..

 

7- السيدة نفيسة(عليها السلام)

ولدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية (145هـ) وسماها أبوها نفيسه على اسم عمتها وبعد خمسة سنوات هاجرت مع أبيها إلى مدينة جدها رسول الله(ص).

أبوها هو الحسن الأنور([16]) ابن زيد الأبلج ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، كان عالماً جليلاً يعد من التابعين وهو مجاب الدعوةتزوجت نفيسة بإسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في سنة (161هـ) وبزواجها هذا اجتمع في بيتها نوران: نور الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن والسيد إسحاق جده الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان إسحاق من أهل العلم والفضل والورع والصلاح وروى عنه بعض الأحاديث والأخبار، وقد ولدت نفيسة من إسحاق ولدين هما القاسم وأم كلثوم، وعاشت السيدة نفيسة في المدينة مع أبيها وزوجها إلى أن هاجرت إلى مصر ودخلتها في يوم السبت الموافق (26 من شهر رمضان/ سنة 193هـ)، وفي مصر التقت السيدة نفيسة بالإمام الشافعي الذي نزل مصر بعدها بخمس سنوات، ومع جلالة قدر الإمام الشافعي كان يزورها في بيتها ويسمع عنها الحديث ويسألها الدعاء فتدعو له فيستجاب

وفاتها:

قالت زينب بنت أخيها: تألمت عمتي في أول من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً، وكان غائباً بالمدينة تطلب إليه المجيء إليها لدنو أجلها وفراقها لدنياها وإقبالها على أخراها، وكانت صائمة فأشاروا الأطباء عليها بالإفطار لحفظ قوتها ولتتغلب على مرضها وضعفها، فقالت: واعجباه إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفاني وأنا صائمة أفأفطر؟! معاذ الله تعالى، ثم أنشدت تقول:

أصرفوا عني طبيبي
زاد بي شوقي إليه

 

ودعوني وحبيبي
وغرامي في لهيبي

وقالت زينب: ثم إنها بقيت كذلك إلى العشر الأواسط من شهر رمضان، فاشتد بها المرض واحتضرت، فاستفتحت بقراءة سورة الأنعام، فلا زالت تقرأ إلى أن وصلت إلى قوله تعالى (فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ)([17]) ففاضت روحها الكريمة، وقيل إنها قرأت (لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(([18]) فغشي عليها وقبضت واختارها الله لجواره ونقلها إلى دار كرامته وكان ذلك في سنة ثمان ومائتين (208هـ)([19]) وذلك بعد موت الإمام الشافعي بأربع سنين رحمهم الله جميعاً.

ولما توفيت اجتمع الناس ووصل زوجها في ذلك اليوم وأراد حملها إلى المدينة لدفنها بالبقيع فاجتمع أهل مصر إلى أمير البلد واستجاروا به إلى زوجها ليدفنها عندهم فقبل ذلك بعد الإصرار الكثير، فدفنها في القاهرة.

لا شك إن السيدة نفيسة تعد من أولياء الله المقربين لعلمها ومعرفتها بالله، وكثرة عبادتها ولشدة زهدها وتقواها ولذا صدرت منها كرامات في حياتها وبعد مماتها بحيث عدّ لها ابن حجر العسقلاني نحواً من مائة وخمسين كرامة ، وهذا دفع الناس قديماً وحديثاً للتوسل بها إلى الله لقضاء حوائجهم وقد اشتهرت بسرعة استجابة، دعاء من توسل بها، وإنّا لنذكر بعضاً منها لنكشف قبساً من ساطع نورها.

عن سعيد بن الحسن قال: توقف النيل بمصر في زمن السيد ة نفيسةIفجاء الناس إليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعها، فجاءوا به إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى زخر النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة([20]).

 

فلو كان النساء كمن ذكرنا

 

لفضلت النساء على الرجال

فلا التأنيث لاسم الشمس عيب

 

ولا التذكير فخر للهلال

 

 

[1] ـ فصلت: 53.

[2] ـ الذاريات: 20-21.

[3] ـ غافر: 40.

[4] ـ الحجرات: 13.

[5] ـ التحريم: 11.

[6] ـ بحار الأنوار 13: 161.

[7] ـ التحريم: 11.

[8] ـ التحريم: 11-12.

[9] ـ آل عمران: 37.

[10] ـ آل عمران: 42-43.

[11] ـ نهج البلاغة: خطبة المتقين.

[12] ـ بحار الأنوار 64: 315.

[13] ـ بحار الأنوار 43: 20، باب3.

[14] ـ بحار الأنوار 45: 164.

[15] ـ مستدرك الوسائل 10: 368.

[16])- المدني الهاشمي، وهو والد جدّ عبد العظيم الحسني المدفون بطهران.

[17])- سورة الأنعام: الآية 54.

[18])- سورة الأنعام: الآية 127.

[19])- وقيل توفيت في الثالث من شهر صفر سنة (208هـ).

[20])- نقله المقريزي في خططه: ح4 - 326، والسخاوي في تحفة الأحباب: 159.

قراءة 1378 مرة