حق الحضانة، للرجل أم للمرأة([1])...؟!
مما أثير حول فقه الإسلام تجاه المرأة، أنه جعل للمرأة حق الحضانة لوليدها إلى سنتين من حين ولادته إذا كان ذكراً، وسبع سنوات من حين ولادته إذا كان أنثى، ثم أولى الحضانة إلى الرجل أبداً، مع أن المرأة تحمل في وجدانها عاطفة كبيرة، وحناناً بالغاً، وحرمانها من احتضان ولدها يوجب أذيتها واضطرابها النفسي، وهذا ظلم وجور عليها!!
* * *
تمهيد في مسألة الحضانة
لو وقع القضاء المحتوم على الزوجين وحصل الطلاق المشؤوم بينهما، فالسؤال هو: ما هو مصير الأطفال؟ هل يكون الأب أحق بهم من الأم، أو بالعكس، أو يقال بالتفصيل؛ فالمشهور عند الفقهاء أن الأم أحقُّ بالولد لمدة سنتين إن كان ذكراً، وإلى سبع سنين إن كان أنثى، وبعدها يكون الأب أحق بالطفل منها، والسؤال الثاني الذي يطرح هنا: هو ما هي فلسفة هذا الحكم الشرعي؟
فلسفة حكم الإسلام بالحضانة
لا شك أن الوليد في أيامه الأولى إلى تمام رضاعته الشرعية، وهي حولان كاملان، بأمس الحاجة إلى حضانة أمه، لأن غذاءه وتنظيم أموره لا يتحقق إلا بتوليتها أمره، ويعتبر هذا الحق من الحقوق الفطرية للأم وللطفل بل هو من الحقوق الطبيعية التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوان ولكن بعد انقضاء مدة الرضاع، فالوالد أحق بالذكر منها، وهي أحق بالأنثى إلى أن تبلغ سبع سنين، وبعدها ينتقل حق الحضانة إلى الأب([2])، وهذا المعنى ليس فيه أدنى ظلم أو جور، ذلك لأن الإسلام يراعي الحقوق كنظام عام وشامل، ويعطي كل ذي حق حقه، وهنا وإن كانت الأم تتأثر لفراق وليدها عنها، سواء بعد سنتين من ولادته، أم بعد سبع سنين، إذ لا شك في أن كل أم لا يهدأ لها بال إلا إذا كان أولادها إلى جانبها، وتحت رعايتها وفي كنفها، ولكن لا بد وأن ننظر إلى هذه القضية بمنظار آخر، أي من زاوية نفس الولد سواءٌ أذكراً كان أم أنثى، فإن حق الحضانة ليس راجعاً في الحقيقة وواقع الأمر - إلى الأب أو الأم، بل هو حق محض للوليد، وبعبارة أخرى: ليس منطلق الإسلام في جعل الحضانة حقاً للأب أو للأم رعاية حال وعاطفة أحدهما أو كليهما، وإن كان هذا مما يهتم به الإسلام إلى حد ما، وإنما ينطلق من نظرته إلى مصلحة الوليد، ومستقبل حياته، ومسيرته النفسية والفكرية والبيتية، فالذكر الى سنتين وقبل أن يفتح مداركه الفكرية والنفسية يحتاج إلى أمه في غذائه وبنائه وبنية جسمه، كما يحتاج إلى حنان متدفق، وعاطفة عالية ترعاه وتنظّم حياته، لذا حكم الإسلام بحق الحضانة للأم؛ لأنها الأقدر والأجدر على الوفاء بحقه، والأكمل في بنائه وتقديم ما يحتاجه، وأما بعد مضي الحولين، فإذا كان الوليد أنثى، فلا بد وأن تنشأ على سجايا النساء ونفسياتهم، فتحتاج إلى أمها لتغرز فيها طبائع النساء من الحب والعطف والحنان؛ لأن حياة المرأة ومستقبلها قائم على أنوثتها التي لا تظهر ولا تتجلى إلا بهذه الصفات، فلو أوكلت منذ نعومة إظفارها إلى أبيها، لافتقدت هذه الكمالات الأنثوية ولاتصفت بأوصاف القوة والشدة والصلابة التي هي طبائع الرجال، وغير مرادة في النساء إلا بالحد الأدنى الذي يمكنها تحصيله بارتباطها مع أمها، ولكن بعد أن تبلغ السبع تكون قد تشربت وتشبعت بعواطف النساء وسجاياهن، فتحتاج بعدها إلى القوة والصلابة الروحية، وهنا لا بد وأن توكل إلى أبيها، لأن أمها وإن كانت تحمل هذه الخصائص، ولكن لا بنسبة ما يحمله الرجل، وبخلافها الرجل فلا بد للبنت بعد السبع أن تترعرع في حضن أبيها لتتربى العواطف والأحاسيس، فيكون أبوها الأجدر والأقدر على غرزها في شخصيتها.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الذكر الذي ينتقل حق حضانته إلى أبيه بعد الحولين اللذين قطعهما عند أمه، فإن مستقبله وحياته قائمة على التطبع بأطباع الرجال من القوة والصلابة والشجاعة، وهذا ما يجده عند أبيه، فيحتاج في تنمية هذه الخصال وتأصيلها في شخصيته إلى أن يعيش ويترعرع في حجر أبيه ليعزز هذه الأوصاف وينميها في شخصه، ولو قُدِّر وبقي إلى حين بلوغه إلى جوار أمه، ليتّصف بصفات النساء من الجبن والعاطفة الكبيرة الخارجة عن الحدود المقبولة عند الرجال، وذلك من حيث لا يشعر.
وهكذا نرى أنه في الحقيقة وواقع الأمر حق الحضانة للوليد، ومتطلبات حياته ومستقبله الذي ينتظره.
أما عاطفة الأم وحبها العميق لأولادها، ورغبتها في عيشهم في ظلها، فقد تداركه الإسلام في أن جعل لها الحق في رؤيتهم متى شاءت، ويجب على أبيه تحقيق رغبتها في ذلك، وحرّم عليه منعها من هذا الحق الطبيعي المشروع.
وأيضاً لو فقد الرجل صلاحيته التربوية أو المادية فكان فاقداً لمتطلبات التربية الإسلامية والخلقية ولا يقدر على الإنفاق على ولده مثلاً فيحكم الإسلام بسقوط حقه في الحضانة، لأن حضانته له لا تحقق الغرض المطلوب منها، ولا بد في تشخيص موارد ذلك من الرجوع إلى قاضي الشرع، لأنه هو الذي نصبه الإسلام لتشخيصها.
كما حكم الإسلام بأن الذكر بعد بلوغه سن التكليف والرشد، له الحق في أن يختار الحياة مع أيهما شاء، فله أن يختار الإقامة مع أمه، ولا يحق لأبيه منعه، وله أن يختار الإقامة مع أبيه، ولا يحق لأحد أيضاً منعه، لأنه حينئذٍ الأولى في تقدر حياته ومقامه.
كل ذلك يقرره الإسلام بعد حرصه الكبير وتأكيداته الحثيثة لمنع انفصال الزوجين عن عشّهم الزوجي، ولذا فعلى الزوجين الانتباه إلى ذلك العش، وبناء الحواجز والموانع عن كل ما يوجب فشل التعايش الثنائي بينهما، لذا ورد «ما من شيء مما أحلَّّهَ الله عز وجل أبغض إليه من الطلاق» ([3]).
[1]ـ الحضانة من (الحضن) وأصله: الحفظ والصيانة وتعني القيام بشؤون الطفل في المحافظة عليه ورعايته وفي اصطلاح الفقهاء تعني (حق رعاية الطفل والقيام بتدبير شؤونه).
[2]ـ هذا عند مشهور الفقهاء.
[3] ـ الكافي 6: 54.