شُبهات وتساؤلات حول المرأة(16)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(16)

لماذا تشريع الطلاق وجعله بيد الزوج...؟! ([1])

 إن الطلاق الذي يعتبر انتهاء العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، بقطع العلائق الإيجابية التي نمت بينهما وترعرعت في ضمن الأسرة، وهو ما يوجب هدم الأسرة، وتشتت الأولاد، كما أن جعله بيد الزوج يوجب قهر المرأة، وجعلها خاضعة لتحكمات الزوج واضطرابها بشكل دائم، وللسائل أن يسأل لماذا لم يحرم الإسلام الطلاق مع ما فيه من  المبغوضية؟ ولماذا جعله بيد الرجل؟

* * * * *

الإسلام لا يدعو إلى الطلاق

تحدث القرآن الكريم، عن ضرورة المبادرة والتصدي لمعالجة أي خلاف زوجي، يهدد باضطراب العلاقة الزوجية، وطرح مشروعاً للمعالجة والحل، يتمثل في اختيار حكم من عائلة الزوج، وآخر من عائلة الزوجة، ينتدبان لدراسة مشكلة الخلاف بينهما، ويقترحان ما يلزم للحل، وأمرهما يكون نافذاً على الزوجين. يقول تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفّقِ اللهُ بَيْنَهُمَآ إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)([2]).

واختيار الحكمين من أهل الزوجين، يقصد منه الاستفادة من عاطفتهما، وحرصهما على مصلحة الزوجين القريبين منهما، كما أن اطلاعهما على أسرار حياة الزوجين، لا يشكل إحراجاً كبيراً، كاطّلاع الأجانب ضمن المحاكم العامة، إضافة إلى تجاوز هذا التحكيم العائلي قيود ونفقات المحاكم العامة.

لكن ذلك مشروط، بأن يأتي كل واحد من الحكمين بقصد الإصلاح، وعودة الانسجام والوئام بين الزوجين، لا بقصد الانتصار لطرف، او الانتقام من الآخر. وهذا ما يؤكدهُ قوله تعالى: (إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفّقِ اللهُ بَيْنَهُمَآ)([3]).

وإما إذا لم تنجح عملية الإصلاح بين الزوجين، ويصبح الطلاق هو العلاج الوحيد الذي لا بد منه، فالإسلام شرعه لهذه الحالة الاستثنائية والضرورية.

لا شك أن الطلاق حالة استثنائية وضرورية في نفس الوقت في دائرة العلاقات الزوجية. فالأمثل هو ديمومة واستمرار هذه العلاقة على أساس المحبة من الطرفين. كما أن الإسلام يعارض الطلاق، ويعتبره أبغض الحلال عند الله، كما دلت على ذلك الكثير من الروايات، قال رسول الله(ص): «ما من شيء مما أحلَّ الله عز وجل أبغض إليه من الطلاق» ([4]) ، ويعمل الإسلام على تجنيب الزوجين الطلاق قدر الإمكان، ولكنه إنما شرعه كحل يلجأ إليه الزوجان عند عدم إمكان الوئام والوفاق بينهما كحلّ اضطراري عندما يحصر فيه.

وللسائل أن يسأل: لماذا لم يحرم الإسلام الطلاق مع ما فيه من المبغوضية الشديدة؟

كان الجواب: إن الزواج والطلاق تابعان لحاجات طبيعية خاصة، فإذا خمدت شعلة الحب بين الزوجين، يكون قد مات الزواج طبيعياً، فاستمرار الحياة الزوجية متعلّق بالحبّ المتبادل والاتفاق، أو على الأقل رجوع الزوجين إلى ما فرضه الله تعالى عليهما، وإذا مات هذا الحب من الطرفين أو من طرف واحد، وانعدم الاتفاق والرجوع إلى نظام الحقوق، فعندها قد حان وقت الطلاق فلا ينفع تحريمه، بل إن تحريمه يوجب الضرر البليغ على الحياة بشكل عام، وقد تعكس اضطرابات نفسية مشاكل متعددة يضيق بها صدر الزوجين، ومع هذا كله، فالإسلام يرحّب بكل ما يصرف الزوجين عن الطلاق، فجعل عوائق وموانع أمام تحققه؛ أملاً بأن تزول المشاكل الزوجية التي تؤدي إليه.

معوقات الطلاق الشرعي:

اشترط الإسلام لتحقق الطلاق الشرعي شروطاً متعددة، وهي في واقعها معوقات يحتاج إيجادها وتحقيقها إلى جهد وزمان قد يحولان بالتالي دون تحققه، ومن هذه الموانع توقف صحة الطلاق على حضور شاهدين، وقد اشترط كونهما عدلين مؤمنين، لا يعهد منهما ذنب ولا فساد، وتحقق وجود هكذا شاهدين من الصعوبة بمكان، ثم أكد حضور الشاهدين للسعي في حلِّ المشاكل التي بينهما وأن يشوِّقهما إلى التصالح.

ومنها: عدم وقوع الطلاق في الطهر الأول الذي حصل فيه اتصال جنسي بينهما، بل يؤجل ويرجأ إلى الطهر الثاني، وهذا أيضاً زمان يضمن فيه التفكير العميق الذي قد يؤول إلى الإقلاع عن فكرة الطلاق في كثير من الأحيان.

ومنها: أن الإسلام اعتبر العادة الشهرية مانعاً من إيقاع الطلاق، ولم يعتبرها مانعاً من إجراء العقد، مع العلم أن العادة الشهرية متعلّقة بالزواج، لأنها تمنع من الاتصال الجنسي شرعاً، وليست متعلّقة بالطلاق الذي هو الانفصال، ومع ذلك لا يتحقق الطلاق إلى أن تطهر الزوجة، وهذا بحد ذاته زمن كافٍ لمراجعة الزوجين الأمر فيه، وربما يسهم في الإقلاع عن فكرة الطلاق نهائياً، كما نلاحظ ذلك غالباً على أرض الواقع.

ومنها: جعل الطلاق رجعياً لمدة معينة وأوجب على الرجل السكن والإنفاق في مدة العدة، وهذا أيضاً كثيراً ما يكون فرصة للصلح بينهما.

ومنها: أن الإسلام يفرض على الرجل الذي يريد الطلاق أن يؤدي مهر المرأة إذا كان ثابتاً في ذمّته، ويؤدي حقوقها من نفقة طلاقها وغير ذلك، ويفرض عليه أيضاً حفظ الأطفال ورعايتهم، وهذا كلّه يشكّل معوقاً عن إيقاع الطلاق ومانعاً من إيجاده غالباً.

لماذا جعل الطلاق بيد الزوج؟

إن جعل حق الطلاق للرجل ناشئ من دور الرجل الخاص في مسألة الحب للمرأة لا من ملكيته لها، كما يدّعيه المغرضون، وقد ذكرنا أنّ هذا الحب إذا مات بين الطرفين، أو من طرف واحد، فعندها قد حان وقت الطلاق، لأنه من المعلوم أن العلاقة الزوجية قائمة على أساس العُلقة الطبيعية بين الطرفين، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ)([5]) والطبيعة أعطت مفتاح حب الطرفين بيد الرجل غالباً، بمعنى: أن حب المرأة للرجل معلول لحب الرجل لها، فإذا أحبها أحبته وإذا أبغضها أبغضته، وبهذا يصبح الطلاق طبيعياً بيد الرجل، والشريعة أقرّت ذلك وأعطت له هذا الحق، ولكن جعلت أمامه موانع لكي لا يُمكنه الطلاق متى شاء، وقد ذكرنا تلك الموانع فيما سبق، هذا أولاً.

وثانياً: إما لا بد أن يكون الطلاق بيد كليهما أو أحدهما، فإن كان بيد كليهما فهذا بمعنى عرض الزوجين في معرض التكليف، بينما عرفنا أن الطلاق أبغض الحلال وإما تكون بيد الزوجة دون الرجل، فالمرأة بما أنها أسرع تأثراً من العاطفة، فالطلاق سوف يكون أسرع، مضافاً إلى أن بقاء الزوجة في حيالة الزوج مع عدم رغبة، إهانة لكرامة الزوجة. فالأحرى هو كون الطلاق بيد الرجل مع معوقات ذكرناها سابقاً بينما المرأة كذلك إذا أضرَّت في حياة الزوجية فلها أن تطالب بالطلاق أو إجبار الزوج على أداء حقها كاملاً، والضمان لهذا الحق هو القانون والقضاء..

وأيضاً فإن المرأة سرعان ما تتأثر بالأحداث التي تعصف بها في الحياة الزوجية، والمشكلات الدخيلة عليها، ومن طبيعتها تحاول التخلص منها بأي طريقة، فلو كان الطلاق بيدها لرأت فيه الحل الوحيد لرفع غائلة هذه المشكلات، فتوقع الطلاق وتهدم الأسرة، أما الرجل فحيث كانت رؤيته للمسائل والمشاكل بشكل أعمق، كما أن قراراته غالباً متصفة بالتأنّي، فيكون جعل الطلاق بيده أضمن في عدم وقوعه.

ومن الواضح أن الإسلام الذي لا يريد وقوع الطلاق على الرغم من تشريعه، لابد وأن يضعه بيد من يضمن عنده ندرة وقوعه، لا بيد من يتخذه وسيلة وحلاً للتخلص من أي مشكلة، وهذا الأمر جرت عليه سيرة العقلاء، لأنهم لا يعطون قوانين العقاب والسجن إلا لمن يستخدمه في محله، لا لمن يتخذه أسلوباً لقمع حريات الآخرين.

ونفهم من الآية 231 من سورة البقرة أن الرجل لا بد من أن يختار إحدى طريقين: (إمساك بمعروف) أو (تسريح بإحسان) قال تعالى: (وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)([6]). فلا يمكنه الخيار الثالث وهو أنه لا يطلقها ولا يتصرف معها بإحسان وجملة (َلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لّتَعْتَدُواْ) إنما تنفي الخيار الثالث فإذا لم يطلق فعل الحاكم أن يطلقها، وهذا النوع من الطلاق يسمى الطلاق القضائي، هذا وقد نصت الروايات والأحاديث على أن الطلاق حق طبيعي خاص بالرجل، وأما جواز إعطاء الرجل للمرأة حق الطلاق وكالة عنه مطلقاً أو في حالات معينة فهذه مسألة أخرى، يجوّزها الفقه الإسلامي. وبهذا يمكن للمرأة أن تطلق نفسها مطلقاً أو في حالات خاصة تتعين منذ البداية، فمثلاً لو تزوج الزوج من امرأة ثانية أو صار الزوج مدمناً الموادَّ المخدرة يحق للمرأة أن تطلق نفسها، وعليه فحق الطلاق يمكن أن يوجد للمرأة بشكل وضعي ضمن شرائط العقد.

 

 

[1]ـ جواب الشبهة مقتبس من كتاب نظام حقوق المرأة في الإسلام للشهيد المطهري بتلخيص وإضافات .

[2] ـ النساء: 35.

[3] ـ النساء: 35.

[4] ـ الكافي 6: 54.

 [5]ـ سورة الروم: 21.

[6]ـ البقرة: 231.

قراءة 1239 مرة