المرأة والقضاء...؟!
يقول بعضٌ: إنَّ مما يعد امتيازاً للرجل على المرأة في الإسلام، هو جواز تصدي الرجل لمنصب القضاء بعد تحقق القضاء بخلاف المرأة فإنها مهما حققت شروطه لم يسمح لها الإسلام باعتلاء منصب القضاء، وممارسته ولو في الجانب النسوي فقط، فضلاً عن الرجال.
* * * * *
لو جرّبنا مرة أن نجلس أمام قاضٍ في محكمة شرعية لنتعرف إلى حقيقة القضاء كعمل تنفيذي، لعلمنا أن ما تسوّد به الأوراق عن أنظمة القضاء وقوانينه لا يعدو أن يكون مجرد تنظير، وأما واقعه العملي فهو في الصعوبة بمكان عظيم، كالذي يصعد إلى شاهق وظهره مثقل بمئات الكيلوغرامات، فليس كل من يفهم نظرية القضاء يستطيع ببساطة ترجمته وتنفيذه على أرض الواقع، ومن هنا كانت صفات القاضي طرزاً خاصاً، ونمطاً بعيداً تمام البعد عن المتعارف، فالقضاء يحتاج إلى قوّة في الادراك وعمق في البصيرة، ونفاذ في الفكر، وتجرد عن الذات، وبعد كبير عن التعاطف، وسمو في الروح، وتوازن في التفكير، وسعة في التعقل، وعدالة عالية، ذلك لأن القضاء هو الفصل بين الحق والباطل، وبين الشبهة والحقيقة، وكم هناك تشابه في عالم الصراع بين الحق والباطل، ولذا لا تجد إنساناً يقول إنه على باطل، بل كل واحد من أفراد المجتمع يعتقد أنه على حق، وكل يقيم دعواه أو ينكر دعوى غيره، لأنه يعتبر نفسه على حق، ولذلك سميت الشبهة بالشبهة؛ لأنها تشبه الحق وهي ليست منه، يقول الإمام علي(عليه السلام): «إنما سميت الشبهة شبهة، لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم الصمت»([1])، لأجل ذلك لو ألقينا نظرة في نصوص الإسلام في بيان صفات القاضي لرأينا بجلاء أن هذا المنصب، لا يقبل له الإسلام إلاّ الأوحدي من الناس، وليس هو منصباً للرجل دون المرأة، بل هو منصب لصنف خاص من الرجال، وهو ذلك الذي تتوفر فيه خصاله، نعم، لاشك أن الرجل أقدر من المرأة عليه، حيث إن القضاء بحاجةٍ إلى التعقل والتغلب على العواطف وإقامة الحق، وهذا ليس من وظيفة المرأة، لأنها في الأعم الأغلب تتميز بدرجة كبيرة من الرقة والعطف والحنان، وهي بعيدة من مظاهر الشدة، وهذا ليس بغريب طالما هناك فوارق جسمية ونفسية بين الرجل والمرأة، تجعل كل واحد في وظيفته الخاصة به، ولا ينبغي أن يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل على المرأة، فإنّ الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ.....)([2])، وإنما هذا تفاوت وظيفي، واختلاف في شؤون الحياة على أساس ما يملكه كل واحد منهما من فسلجة خاصة به، إضافة إلى ذلك يبقى نظام الأسرة بحاجة إلى حنان الأمّ ونشاطها البيتي أكثر من حاجة الدولة إليها بعد إمكان تصدّي الرجل لقضاياها بشكل أتمّ، ولا تعد هذه الوظائف والأمور التنفيذية كمالاً ومقاماً، بل يكون الإنسان مكلّفاً بالقيام بها حفاظاً على النظام الإسلامي، وقد يقول قائل: هناك في النساء شواذ فربّ امرأة أفقه من رجل ـ كما ورد في الحديث([3]) ـ وأسمى في نشاطها وعقلها وتدبيرها، ولكن من الواضح: أن التشريع ينظر إلى الأعمّ الأغلب من الأفراد، فإن وجود امرأة بهذه الصفات مما لا ينكر، ولكن ذلك نادر وقليل، والإسلام لا يرتب أحكامه ومناصبه على الأفراد النادرة التحقق.
النصوص الدالة...
ومن النصوص الدالة على اختصاص منصب القضاء بالرجال قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)([4]) فالآية: تثبت قيمومة الرجال في الشؤون التي هي بحاجة إلى القيمومة والولاية على النساء دون العكس، وقوله تعالى في مقام التعليل: (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)([5]).
قال المرحوم الطبرسي: «يدلّ على شمولية الحكم، ومنه تولّيهم القضاء على النساء، إذ معناه: إنّما ولاّهم الله أمرهنّ لما لهم من زيادة فضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم».([6])
ومما يدل على اختصاص منصبه القضاء بالرجال روايات، ولنذكر واحدة منها، على سبيل المثال:
وهي ما جاء في رواية الصدوق عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) في الخصال، من لا يحضره الفقيه «... ولا تولّى المرأة القضاء ولا تلي الإمارة... »([7]).
وعلى أي حال، فالمسألة وإن كانت غير محسومة فقهياً على مستوى البحث، حتى إن المحقق الأردبيلي، والمحقق القمي احتملا الجواز([8]) ولكن على مستوى الفتوى، فإن مشهور الفقهاء أفتوا بعدم جواز تصدي المرأة لمنصب القضاء ومنهم الشيخ الطوسي؛ حيث يقول في كتابه الخلاف: «لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شيء من الأحكام»([9]).
وعلى أساس هذه الروايات وفتاوى مشهور العلماء، قامت سيرة المتشرعة من زمن المعصومين إلى يومنا هذا على عدم تولّي المرأة لمنصب القضاء، ولم ينقل لنا التاريخ الإسلامي عبر فتراته الطويلة أن امرأةً تولت القضاء بصورة مطلقة.
اختصاص منصب القضاء بالرجال
وهناك استدلال على اختصاص منصب القضاء بالرجال، بتعبير آخر عند بعض الأساتذة، وتقريره كما يلي:
هل عدم إعطاء حق القضاء للمرأة سلبٌ لحقٍ من حقوقها وتحقير لها وظلمٌ عليها؟
الجواب، أولاً: أن الظلم إنما يتحقق إذا سُلبَ حقُّ شخصٍ بينما القضاء والإمرة في الإسلام ليس امتيازاً مادياً كي يتنافس عليه بل هو تكليف ومسؤولية على العاتق، فرفعه عن أي شخص ليس سلباً لحق وأخذاً لامتياز بل هو وضع تكليف عن عاتقه.
ثانياً: أن الإسلام للحفاظ على حقوق المجتمع وإحقاق حق المظلومين وعدم صدور الظلم خطأً، وضع هذا التكليف عن النساء بما يستلزم ذلك كثيراً من صلابة وخشونة لا تلائم الحنان والعطف بينما المرأة أكثر تأثراً من الرجل في العاطفة والأحاسيس وإن كنا نشاهد أحياناً نساءً، هن أصلب من كثير من الرجال وأبعد تأثراً في العواطف ولكن الأحكام إنما شرعت بحيث يراعى فيها جانب الاحتياط.
ثالثاً: أن القضاء كثيراً ما يتطلب الاحتياط والجرأة والاستفسار عن ما يستحي منه، وهذا أمر معسور غالباً على النساء، ولعل هذا أيضاً رمز آخر لوضع التكليف عن عاتقهن.
رابعاً: بما أن قيمومة الأسرة ونفقاتها على الرجل وليست على المرأة، فيوجب ربط النساء غالباً بتربية الأولاد وتدبير المنزل وأن خروجهن في كل وقت وحين ينافي حق الرجل من التمتع، ولذلك وضع عنهن هذا التكليف.
شهادة المرأة في المحكمة
من فروع مسألة القضاء المرتبط بالمرأة شهادتها في المحاكم القضائية، فالمرأة تشارك في معظم أحكام الشهادة وشروط الشاهد الرجل، وإنما تختلف في أن هناك موارد لا تقبل شهادة النساء أبداً لا منضمات ولا منفردات وأخرى تقبل شهادة النساء منفردات، ولكن لا تقبل شهادتهن بأقل من أربع وثالثة تقبل شهادة النساء منضمات مع الرجال وتكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد. ومنفردات شريطة ألاّ تقبل شهادتهن بأقل من أربع.
فمن باب المثال كون شهادة امرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد كما جاء في القرآن الكريم : (...وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَآءِ أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ...)([10]) يعلله آية الله مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل بقوله: «وإذا كان الشاهدان من الرجال، فلكل منهما أن يشهد منفرداً. أما إذا كانوا رجلاً واحداً وامرأتين، فعلى المرأتين أن تدليا بشهادتهما معاً، لكي تذكِّر إحداهما الأخرى إن نسيت شيئاً أو أخطأت فيه».
أما سبب اعتبار شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهو لأن المرأة كائن عاطفي وقد تقع تحت مؤثرات خارجية، لذلك فوجود امرأة أخرى معها يحول بينها وبين التأثير العاطفي وغيره؛ لذلك قال تعالى: (.. .....أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ ...)([11]).
إن الله قد أضفى كمال لطفه على المرأة حينما رفض شهادة امرأة واحدة، كي لا يتمكن الرجل من اتخاذها آلة في يده، وكي لا يستغل المرأة لصالح أعماله التي يؤديها بخشونته، ويتلاعب بشهادتها لصالح الباطل من ممارساته. فالشهادة بشأن الجرائم والجنايات خارجة عن دائرة المرأة وغير منسجمة مع ما تمتاز به من رقة القلب ولطف الروح.
[1] ـ وسائل الشيعة 18 ب 12 ح2.
[2] ـ الإسراء: 70.
[3] ـ الكافي 4: 306.
[4] ـ النساء: 34.
[5] ـ النساء: 34.
[6] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 76.
[7] ـ الخصال 2: 585، ح 12 ، من لا يحضره الفقيه 4: 263، ح 821.
[8] ـ مجمع الفائدة والبرهان 12: 15.
[9] ـ كتاب الخلاف 1: 157.
[10]ـ البقرة: 282.
[11] ـ الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل 2: 256، والآية 282من سورة البقرة.