المرأة والتبليغ
قد يتوهم بعضٌ أن التبليغ للإسلام والمبادئ والأهداف الإلهية، ونشرها في المجتمع مقتصر على الرجال، وهذا خطأ واضح، فإنه لا بد أن يكون للمرأة دور فعال في مجال الدعوة والإرشاد، ولا يخفى مدى تأثير تبليغ المرأة بالأخص في مجتمع النساء، وفيما يلي توضيح وبيان لهذا الأمر المهم.
* * * * *
معنى التبليغ
التبليغ هو إعلام الناس بالأحكام الإسلامية، والمعارف الإلهية وتذكيرهم ووعظهم وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة. وهو أيضاً تبشير بالجنة والنعم الإلهية، وإنذار المخالفين، وتحذيرهم من النار، وسخط الجبار.
وقد عبّر القرآن الكريم عنه بتعابير متعددة، كالإنذار والتبليغ، والتبشير والتخويف، والهداية والإرشاد، والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل مفردة من هذه المفردات تشير إلى بُعد من أبعاده.
وقد تضافرت الآيات والروايات في الأمر بالتبليغ على أنه حق للأمة، وحق للجاهل على العالم، وقد كُلف به العلماء بالمرتبة الأولى، ثم الأمثل فالأمثل.
ولو استعرضنا هذه الآيات والروايات، لاستطعنا إثبات أن هذا التكليف لا يقتصر على الرجل، بل يعم المرأة، وإليك بعض هذه الأدلة من النصوص:
قال الله تبارك وتعالى: (الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللهَ وَكَفَىَ بِاللهِ حَسِيباً)([1]) ،ودلالة الآية على الموضوع واضحة جداً، حيث إن مصداق الذين يبلغون رسالات الله يشمل كلاً من الرجل والمرأة.
قال تعالى: (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([2])،وواضح أن الأمر بتأسيس أمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر لا تقتصر على الرجال، لأن عنوان الأمة يصدق على الجماعة الأعم من الرجال والنساء.
وقال رسول الله (ص) : رحم الله خلفائي، فقيل يا رسول الله، من خلفاؤك؟ قال: «الذين يحيون سُنّتي ويعلّمونها عباد الله»([3])، وكلامه (ص) ظاهر في إطلاق الخليفة على كل من يحيي السنة، ويعلّمها عباد الله سواء أرجلاً كان أم امرأة، وعلى هذا فلا تنحصر خلافة رسول الله (ص) بالمعنى الأعم بالرجال، بل المرأة إذا نهضت بأعباء الرسالة، وأدت إلى العباد ما يقربهم من ربهم، كانت بذلك خليفة لرسول الله(ص) في تبليغ الرسالة والدعوة إلى الحق.
وقد اتفق الفقهاء على أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل فرد سواء أرجلاً كان أم امرأة، وليست مخصوصة بالرجال فحسب.
الحركة التبليغية للمرأة في مجتمع النساء
لا يخفى مدى تأثير تبليغ المرأة في مجتمع النساء، فهناك عوامل متعددة تمنع من تعليق مسألة تبليغهن على الرجال، وهي:
1- أن هناك أحكاماً خاصة بالمرأة يصعب على الرجل تبيينها وتبليغها لهن، كما يصعب عليهن سؤاله عنها، كأحكام الحيض والنفاس و...
2- أن الإسلام يسعى إلى التقليل من لقاء الرجل للمرأة قدر الإمكان، فإذا كانت المرأة قادرة على الإرشاد والوعظ، من بث الثقافة الإسلامية، وتشريح أحكام الشرعية بين صفوف النساء، وكان لها التأثير عليهن، بحيث يستغنى عن تدخل الرجال في كثير من القضايا فهو أفضل من قيام الرجل به.
3- أن أسلوب عرض المفاهيم الخاصة بالنساء من جانب المرأة يتناغم مع ما تحمله من مشاعر وعواطف مشتركة مع النساء. وهذا التفاوت في العرض والإقناع يستوجب أن تأخذ المرأة دورها اللازم في التعليم والتبليغ بالأخص فيما يختص بالنساء.
4- والمرأة بشكل ما تتحسس من النقاش والأخذ والرد مع الرجل نتيجة ظهور الحياء على سمتها ونطقها، فقد تحمل في ذهنها إشكالات لا تتمكن من عرضها أمام الرجل، بخلاف ما لو كان المحاور لها المرأة فتتمكن في غالب الأحيان من عرض إشكالياتها الشرعية الخاصة دون حرج أو حياء.
ولهذا وغيره كانت الحركة التبليغية عند المرأة لمجتمع النساء أوقع من حركة الرجل.
الزهراء (عليها السلام) المبلغة
يحدثنا التاريخ أن الزهراء (عليها السلام) كانت مبلغة لمجتمع النساء في عهد رسول الله (ص) ، وكان النبي (ص) كثيراً ما يعتمد عليها في عرض أحكام الإسلام وتبليغها، وهناك رواية تعكس مدى تأصل فكرة لجوء النساء إلى الزهراء (عليها السلام) في تعلم الأحكام الشرعية، فقد جاء عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: حضرت امرأة عند الصدِّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت فأجابت، ثم ثلّثت فأجابت.. إلى أن عشّرت، فأجابت، ثم خجلت المرأة من الكثرة، فقالت لها: لا أشق عليك يا ابنة رسول الله، قالت الزهراء (عليها السلام) هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحملٍ ثقيل، وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت: لا، قالت: اكتريت أنا بكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى ألاّ يثقل عليّ، سمعت أبي (عليه السلام) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور([4]).
كما أنها حين دعتها الحاجة إلى التبليغ في مجتمع الرجال لم تتوانَ عن ذلك، فقد خرجت إلى مسجدهم، وضُرب بينها وبينهم حجاب فخطبت خطبتها الشهيرة في الدفاع عن أحد أهم أركان الإسلام، وهو إمامة زوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وهكذا كانت زينب (عليها السلام) حيث حملت فكر ثورة الحسين (عليه السلام) وبثته في كل أرض نزلت فيها، حتى ضاق يزيد بخطابها ذرعاً، فردها من الشام إلى المدينة، ولم تأل بعد ذلك جهداً في تبليغ رسالة السماء من خلال ثورة أخيها الحسين (عليه السلام) حتى أرسل والي المدينة إلى يزيد: Sإن كان لك شغل في المدينة فأخرج منها زينبR.
وهكذا كانت نساء الأئمة (عليهم السلام) وبناتهم وأخواتهم عبر العصور، وبذلك لا مجال للتشكيك في لزوم حضور المرأة في الحركة التبليغية، ولزوم تعبئتها وتثقيفها لتنهض بهذا الحمل الثقيل.
[1]ـ الأحزاب: 39.
[2] ـ آل عمران: 104.
[3] ـ مستدرك الوسائل 17: 300.
[4] ـ مستدرك الوسائل 17: 317.