ارتفاع ضغط الدم واحد من أبرز العوامل المؤدية إلى الإصابة بمرض القلب. مراقبة الضغط وقياسه بانتظام، خاصة في سن الأربعين، أمران ينصح بهما الأطباء كافّة. وكما هي الحال بالنسبة إلى مختلف الأمراض، فإنّ الوقاية من ارتفاع ضغط الدم خيرّ من قنطار علاج.
ما هو ارتفاع ضغط الدم؟ وماذا يعني الرقمان اللذان يقيسهما الطبيب ويقرر على أثرهما، ما إذا كان المريض يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم؟ وهل تُوجد سُبل طبيعية للوقاية من هذه الحالة المرضية، التي يُمكن إذا تُركت من دون علاج، أن تُسفر عن أخطار صحية بالغة، مثل قصور القلب والكليتين، والسكتة الدماغية؟
يتم قياس ضغط الدم على جدران الشرايين بملليليترات الزئبق (mmHg)، ويتم تسجيله وتجسيده في رقمين، الأوّل (الرقم الأكبر) هو ضغط الدم الانقباضي، ويرمُز إلى ضغط الدم على الشرايين أثناء انقباض القلب أو نبضه وخروج الدم منه، والثاني (الرقم الأصغر) يرمز إلى ضغط الدم الانبساطي، ويُقاس بين نبضة قلب وأخرى، أي عن استرخاء القلب وامتلائه بالدم. ويُعتبر ضغط الدم مثالياً إذا لم يتعَدَّ 12/8 (حسب طريقة القياس الفرنسية) و120/80 (حسب الطريقة الأميركية). ويؤكد الأخصائيون في الطب الطبيعي والتكامُلي، أنّه يمكن الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، والتخفيف منه في حالات الإصابة الخفيفة به، عن طريق إدخال بعض التعديلات على النَّمط الغذائي، وعلى نمط الحياة.
1- النظام الغذائي:
من المعروف أن ضغط الدم يعكس، إلى حد بعيد، طبيعة النظام الغذائي الذي نتّبعه. لذلك، أول ما يُوصي به الأطباء هو الاهتمام بما نأكله. أمّا أبرز النصائح التي يقدمونها في ما يتعلق بالنظام الغذائي الضروري، للوقاية من ارتفاع ضغط الدم فهي:
- الحد من تناول الملح: الذي يسمح به الأخصائيون لصحة القلب والأوعية الدموية، وهو 1500 ملغ في اليوم. وتجدُر الإشارة، إلى أنّ نصف ملعقة صغيرة تحتوي على 1200 ملغ من الملح. ويتوجّب الامتناع عن زيادة الملح على الأطباق، والتخفيف منه أثناء الطبخ. ويمكن الاستعانة بالأعشاب العطرية وعصير الحامض، لمنح الأطباق نكهة لذيذة عوضاً عن اللجوء إلى الملح. كذلك يجب الحد من تناول المنتجات الغذائية المصنّعة التي تكون غنية جدّاً بالملح.
- الحرص على تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم والمغنيزيوم: البوتاسيوم يخفف من تأثير الصوديوم، ما يُساعد على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. وأفضل مصادره الموز، البطيخ الأصفر، الفاصولياء، الفطر، عصير البرتقال، البازلاء، الخوخ المجفف، الزبيب، البطاطا الحلوة، الطماطم، والحليب الخالي من الدسم.
أمّا بالنسبة إلى المغنيزيوم، فتؤكد الأخصائية البريطانية في التغذية، ديبورا غرانت، أنّه يساعد على إخراج الصوديوم الزائد من خلايا الجسم. كذلك فإنّه يساعد خلايا العضلات على الاسترخاء، ما يساعد على جعل الشرايين أكثر مُرونة وقدرة على الاستجابة لتغيُّرات ضغط الدم. وهو متوافر في المكسرات، الحبوب الكاملة والخضار الورقية الخضراء، والفواكه والخضار عامّة.
- التخفيف من الدهون: يجب التخفيف من تناول الدهون ذات المصادر الحيوانية مثل الزبدة، واختيار الأنواع خفيفة الدسم من الحليب ومشتقاته. وينصح الأخصائيون بالامتناع التام عن تناول القشدة، وكلّ الأطعمة الغنية بالدهون المشبّعة ودهون ترانس، مثل النقانق، اللحوم المصنّعة، البسكويت، الأطعمة المقلية، الجاتوه.
- الإكثار من الخضار والفواكه: هذه المحاصيل الطبيعية تتمتع بتأثيرات إيجابية في الدورة الدموية ومستويات الكوليسترول. ومن المفيد أيضاً، تناول الشوفان والفاصولياء والثوم والحبوب الكاملة.
- التخفيف من اللحوم الحمراء: يُفضَّل الامتناع عن تناول اللحوم الحمراء، أو التخفيف منها إلى أقصى حد. وفي المقابل يمكن تناول لحوم الدجاج من دون الجلد، والأسماك الدهنية.
- الامتناع عن التدخين والتخفيف من الكافيين: النيكوتين الموجود في تبغ السجائر، والكافيين الموجود في القهوة والشاي والمشروبات الغازية، هما مادتان تُسهمان في تضييق نهايات الأوعية الدموية الشعرية، ما يُسهم في رفع ضغط الدم.
- احتساء عصير الشمندر: أظهر البحّاثة البريطانيون، أنّ احتساء 500 ملل من عصير الشمندر في اليوم يخفف من ارتفاع ضغط الدم، وذلك في غضون ساعة من تناوله.
- احتساء نقيع الخبّيزة: أظهرت إحدى الدراسات الأميركية الحديثة، أنّ احتساء 3 فناجين من نقيع الخبّيزة يومياً، يؤدي إلى خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل سبع نقاط، وذلك خلال فترة 6 أسابيع. ويُذكر، أنّ هذه النتيجة تفوق تلك التي نحصل عليها، عند تناول واحد من العديد من الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم.
- تناول الشوكولاتة السوداء: تحتوي هذه الشوكولاتة على الـ"فلافانولز" التي تُزيد من مُرونة الأوعية الدموية. وتَبيَّن في إحدى الدراسات، أن 18 في المئة من المرضى الذين يتناولنها يومياً، ينجحون في خفض ارتفاع ضغط الدم لديهم. يمكن تناول 15 غراماً من الشوكولاتة السوداء يومياً، شرط ألّا تقل نسبة الكاكاو فيها عن 70 في المئة.
- الحَدّ من تناول السكر: معظمنا يعلّم أنّ الملح يلعب دوراً في زيارة ارتفاع ضغط الدم، لكن الكثيرين لا يعلمون أنّ السكر أيضاً يُسهم في التسبب في ذلك. والواقع، أنّ معظمنا يتناول يومياً كمية من السكر، تفوق تلك التي يُوصي بها الأخصائيون، وهي لا تزيد على 6 ملاعق صغيرة من السكر المضاف. وفي دراسة أجراها البحّاثة في "جامعة كولورادو" الأميركية، تَبيَّن أن ضغط الدم يرتفع خلال أسبوعين بمعدل 5 نقاط لدى الأشخاص الذين يتناولون أكثر من 42 ملعقة صغيرة من السكر المضاف يومياً. قد يبدو رقم 42 كبيراً بالنسبة إلى البعض. لكننا إذا عرفنا مثلاً، أن عبوة واحدة من المشروبات الغازية تحتوي على عشر ملاعق صغيرة من السكر، نُدرك أن تناول هذه الكمية من السكر هو أمر عادي بالنسبة إلى الكثيرين. ويعلّق الدكتور ريتشار جونسون، الذي شارك في الدراسة قائلاً، إنّ الإكثار من الفراكتوز (الموجود في سكر المائدة وفي شراب الذرة الغني بالفراكتوز المستخدم لتحلية المشروبات الغازية، والمنتجات الغذائية المصنّعة)، يُلحق الضرر بالخلايا، ما يمكن أن يؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم.
2- المكملات الغذائية:
جاء في مُراجعة أكثر من 12 دراسة أميركية، أن تناول أقراص مساعد الأنزيم Q10 Coenzyme، يُساعد على خفض ارتفاع ضغط الدم بما يتراوح بين 10 و17 نقطة (حسب القياس الأميركي). ويفسّر البحّاثة ذلك بقولهم، إن مساعد الأنزيم (Q10) وهو مضاد أكسدة يحتاج إليه الجسم لإنتاج الطاقة، ويُسهم في توسيع الأوعية الدموية. ويمكن استشارة الطبيب بشأن تناول قرص يحتوي على ما بين 60 و100 ملغ من مساعد الأنزيم المذكور (3 مرات يومياً).
كذلك أظهرت الأبحاث، أنّ تناول أقراص مُكملة من المغنيزيوم، الكالسيوم، فيتامين (C)، وأحماض "أوميغا- 3" الدهنية، يُفيد في خفض ارتفاع ضغط الدم. كذلك تبيَّن أن تناول أقراص من خلاصة الزَّعْرور البرّي (Hawthorn)، يؤدي إلى النتيجة الإيجابية نفسها.
3- ممارسة الرياضة:
أظهرت دراسة أميركية، أنّ الأشخاص الذين يعانون ارتفاعاً خفيفاً في ضغط الدم، ويمارسون رياضة المشي السريع بانتظام لمدة نصف ساعة يومياً، لمدة شهرين، ينجحون في خفض ارتفاع ضغط الدم لديهم بما يتراوح بين 5 و7 نقاط (حسب القياس الأميركي). وينصح البروفيسور راري فرانكلين، مدير مركز إعادة تأهيل القلب في "مستشفى بومنت" في ميتشيغان، بممارسة التمارين الرياضية التي تُنشّط القلب والأوعية الدموية لمدة نصف ساعة، (5 مرات) في الأسبوع، وذلك كخط دفاعي في مواجهة ارتفاع ضغط الدم. وبعد التعوّد على ممارسة الرياضة لمدة نصف ساعة، يتوجب العمل على زيادة المسافة التي نمشيها أو سرعة المشي السريع (أو الرياضة الأخرى التي نمارسها)، وذلك لإبقاء القلب في حالة من التحدي، وحثّه على العمل بنشاط. ويؤكد، أنّ المواظبة على روتين رياضي، يمكن أن تخفف من ارتفاع ضغط الدم، فإن ممارسة الرياضة، يمكن أن تساعد على تخفيف الوزن، وهو عامل فاعل جداً في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم. يُضيف، إنّ الرياضة تساعد القلب على استخدام الأوكسجين بشكل أكثر فاعلية، ما يعني أنّه لا يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد لضخ الدم إلى أنحاء الجسم كافة. ولكن فرانكلين يُنبّه الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم (أي أكثر من 140/90)، إلى ضرورة استشارة طبيبهم الخاص قبل البدء في ممارسة الرياضة في الهواء الطلق خلال فصل الشتاء. فالطقس البارد يتسبب في انقباض الأوعية الدموية الشعرية في أنحاء الجسم، ما يمكن بدوره أن يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم، ويزيد مستويات الجهد المطلوبة من القلب. وهو يفضل أن يمارس هؤلاء الأشخاص الرياضة داخل النادي الرياضي في الفصول الباردة.
من جهة ثانية، يؤكد الأخصائي البريطاني مايكل فان ستراتين، أنّ الرياضة والأنشطة البدنية عامة، تتمتع بتأثيرات إيجابية في نفسياتنا، وتخفف من التوترات، وتحسّن نوعية النوم وتساعد على الاسترخاء، وكل ذلك يساعدنا على تفادي ارتفاع ضغط الدم.
4- الاسترخاء ومكافحة التوتر
يؤكد الأخصائي الأميركي في الصحة العامة، الدكتور موريزيو تريفيزان، أن تفادي التوتر والحفاظ على الهدوء، عاملان أساسيان يُساعدان على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. فهرمونات التوتر مثل الـ"كورتيزول"، تُسهم في رفع ضغط الدم، لأنّها تعمل على تضييق الأوعية الدموية، وعلى تسريع إيقاع ضربات القلب. كذلك، فإنّ هذه الهرمونات ترفع من مستويات الرينين، وهو أنزيم تفرزه الكليتان ويُسهم في رفع ضغط الدم. يُضيف، إنّه من الضروري جداً تخصيص وقت كافٍ يومياً، للإسترخاء، وإن تعلُّم إحدى طرق أو تقنيات الاسترخاء البسيطة، يساعد كثيراً في تحقيق ذلك. يمكننا مثلاً ممارسة التأمّل، أو رياضة الـ"يوغا"، أو تقنية التخيُّل، فالمواظَبة على ممارسة طُرق الاسترخاء هذه، تعطي نتائج إيجابية على مستوى خفض ارتفاع ضغط الدم. كذلك ينصح الأخصائيون باللجوء إلى التدليك، فهو طريقة مثالية للتخفيف من التوتر. ويشرح تريفيزان تأثير هذه التقنيات قائلاً، إنّ الـ"يوغا" والـ"كي غونغ" والـ"تاي تشي" والتأمّل، تستثير الجهاز العصبي نظير الودي. وعندما يحدث ذلك، تتراجع كثافة اللويحات الدموية، وتتوسع الأوعية الدموية، وتتراجع سرعة إيقاع نبض القلب، وجميع هذه الظواهر تُسهم في خفض ارتفاع ضغط الدم. وتنصح الأخصائية الأميركية آمي باتوريل، بممارسة تمرين تنفّس عميق بسيط، صباحاً ومساءً لمدة خمس دقائق. تقول، إنّه علينا أن نستنشق بعُمق عن طريق الأنف، بحيث نملأ رئتينا وبطننا بالهواء ببطء، ثمّ نقوم بعملية الزفير عن طريق الفم، لإخراج كلّ الهواء والتوتر معه.
أمّا خبراء الـ"يوغا" فينصحون باعتماد طريقة التنفس، التي تعتمد استخدام فتحة واحدة من الأنف في كلّ مرة. فقد تبيَّن في إحدى الدراسات الأميركية الحديثة، أنّ هذه الطريقة في التنفس تحفز وحدات الاستقبال داخل الأنف، التي تُسهم في إراحة الجهاز العصبي وتبديد التوتر والإجهاد النفسي. وقد نجح الأشخاص الذين مارسوا تمرين التنفس هذا مرتين يومياً، لمدة 3 أشهر، في خفض ضغط الدم لديهم، بما يصل إلى 18 نقطة. ولأداء تمرين التنفس هذا، يكفي إغلاق فتحة الأنف اليمنى بواسطة الإبهام، والاستنشاق عن طريق الفتحة اليسرى لمدة 6 ثوانٍ. ثمّ تُرفع الإبهام، وتُغلق فتحة الأنف اليسرى بالسبّابة اليسرى، ويتم الزفير لمدة 6 ثوانٍ، عن طريق فتحة الأنف اليمنى. ومن المهم تكرار ذلك مرات عديدة، لمدة 3 دقائق في البداية، ثمّ تتم تدريجياً زيادة هذه المدة حتى تصل إلى ربع ساعة، بمعدّل مرتين يومياً صباحاً ومساءً، كما فعل المشاركون في الدراسة.