د. بركات محمد مراد
ولد التفكير العلمي عندما قرر الإنسان أن يفهم الظواهر المحيطة به كما هي بالفعل وليس كما يتمناها، وأنّه قبل ذلك كان يواجه الواقع من دون أن يتدخل لتغيير هذا الواقع، وهو تفكير بدائي لأن مواجهة الواقع تحتاج إلى إعمال العقل والنظر إلى الظواهر المختلفة للوصول إلى نتيجة مقنعة قائمة على التجربة والدليل والحجة والبرهان، ذلك أنّه من أكبر المعوقات التي كانت تقف عقبة كأداء أمام التفكير المنطقي هي أنّ الإنسان كان يعيش بأسلوب غير علمي. ويتميز أسلوب التفكير العلمي بأنّه يقرأ ما بين السطور وما بين الأرقام لاتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب، وقد أفرز هذا الأسلوب تغيرات كوكبية هائلة ومتلاحقة، كان من أبرز معالمها ثورة المعلومات، والغزو الفضائي، وثورة الاتصالات، والهندسة الوراثية، وظهور المذاهب العقلانية، ووجد الإنسان نفسه بذلك أمام حضارة إنسانية جديدة. وعامة ينسب التفكير العلمي إلى المشتغلين بالعلم الطبيعي، ويراد به كل دراسة تصطنع منهج الملاحظة الحسية – والتجربة العلمية إن كانت ممكنة – وتتناول الظواهر الجزئية في عالم الحس، وتستهدف وضع قوانين لتفسيرها، وذلك بالكشف عن العلاقات التي تربط بينها وبين غيرها من الظواهر، وصياغة هذه القوانين في رموز رياضية، للسيطرة على الطبيعة والإفادة من مواردها وتسخير ظواهرها لخدمة الإنسان في حياته. وفي الواقع، إنّ العلم متى تيسر له الكشف عن العلاقات التي تقوم به بعض الظواهر وبعضها الآخر، أمكنه أن يتنبأ مقدماً بوقوع الظواهر أو اختفائها، فإذا عرف الحرارة أو الضوء الكهربائي على النحو السالف الذكر، تسنى له أن يولده متى أراد، وأن يمنع وجوده متى شاء، وأثر هذا في الحياة الإنسان أمر لا يخفى على أحد. وهذا المنهج الذي يكشف عن العلاقات الحقيقية بين بعض الظواهر وبعضها الآخر، يمنع من التسليم بالخرافات والخوارق والأساطير والقوى الخفية الخارقة، لأن مرد جميعها إلى الاعتقاد بوجود علاقات وهمية أو عرضية بين بعض الظواهر أو كلها من الأمور التي لا يمكن التثبت من حقيقتها بالرجوع إلى الواقع الحسي، وهو في العلم الطبيعي مقياس الصواب والخطأ، ومعيار الحق والباطل. الطفل والتفكير العلمي: يرى "جان بياجيه Jean Piaget" أنّ الطفل قبل سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة غير قادر على التفكير القائم على التعليل المنطقي، وهو يبدأ بالتدرب على هذا النوع من التفكير بعد ذلك. ويوصف تفكير الطفل قبل هذه السن بأنّه تفكير قائم على التعليل الحسي الذي يربط ما هو مادي بظواهر أخرى خارجية. والطفل في مرحلة الطفولة المتوسطة يعد بصريّاً في تفكيره أوّلاً، أي أنه يستعين بالصور البصرية إلى حد كبير، ومع ذلك فإن هناك دراسات عدية أثبتت أنّ الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة يفكرون في موضوعات عن علاقات متعددة ولكنها ليست ذات صفة معقدة. وبوجه عام فإنّ الطفل لا يصل إلى التفكير المعنوي المجرد إلا بعد هذه السن، إذ يبدأ هذا النوع من التفكير بالتبلور ابتداء من مرحلة الطفولة المتوسطة، ويزداد تبلوراً في الطفولة المتأخرة. وعند الحديث عن تفكير الأطفال يقال دوماً إنّه يراد للأطفال أن يفكروا تفكيراً سليماً.. وهذا يقود إلى التنويه بأن هناك أساليب تفتقر إلى السلامة. ومن هذه الأساليب التفكير الخرافي الذي تعزى من خلاله الظواهر والمشكلات المختلفة إلى أساليب وعوامل شائعة لم يتم التحقق من صحتها، أو لم يتم التحقق من كونها خاطئة. أمّا الأسلوب الثاني من أساليب التفكير وهو التفكير التسلطي، أو التفكير بعقول الآخرين فهو يقوم على استيحاء الفرد تفكيره من أساليب الآخرين وإخضاع تفكيره لهم. وهذا يعني أنّ الفرد يلغي تفكيره بشكل شعوري أو لاشعوري جزئياً أو كليّاً، وهنا قد يخضع الفرد تفكيره لأسلوب جماعة من الجماعات أيضاً دون أن يتيح لنفسه التفكير إلا في حدود ضيقة. أمّا التفكير الذي يعتمد على إقناع الفرد لنفسه بعد تردد أو شك أو حيرة بكلمات لفظية تأثراً بالداء المسمى داء اللفظية (Verbalism)، فيمكن أن نطلق عليه اسم التفكير اللفظي، حيث يستعين بالكلمات المؤثرة دون الأفكار للاستدلال. وعلى هذا فإن تنشئة الأطفال على نبذ أساليب التفكير الخرافي والتسلطي واللفظي، وطبعهم على التفكير العلمي يُعد مطلباً تربويّاً أساسيّاً. والمقصود بالتفكير العلمي هنا ليس تفكير العلماء، لأنّ العلماء يخضعون ظاهرت في مجالات متخصصة لهذا النمط من التفكير بقصد حل المشكلات أو تفسيرها أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه، ويستعينون بلغة متميزة للتعبير عن نمط تفكيرهم، ويتبعون مناهج معينة ويتوسلون بأدوات وطرق محددة للوصول إلى الهدف. أمّا التفكير العلمي المطلوب إشاعته بين الأطفال فهو طبع الأطفال على الحكم على المسائل والمشكلات بوعي شامل استناداً إلى ضوابط معيّنة، وليس هناك ما يجعل هذه الضوابط حكراً على العلماء دون غيرهم، أو الراشدين دون الأطفال – إذا ما استثنينا بعض الفوارق في الدرجة – خصوصاً وأنّ التفكير العلمي هو نشاط ذهني يراد أن يظل قائماً ليس في النظر إلى الظواهر المختلفة التي أصبحت موضع اهتمام العلوم، بل يتعداه إلى مختلف مسائل الحياة اليومية. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نريد لتفكير الأطفال أن يكون غير جزافي، وأن يمضي في خطوات معتمدة على بعضها، وأن يكون هادفاً، ودقيقاً، ومرناً، وبعيداً عن الجمود وغير قائم على التعصب، وأن يكون واقعيّاً... وهذه السمات هي خصائص للتفكير العلمي عموماً. وترافق توجيه الطفل نحو التفكير العلمي ظواهر عدة أبرزها غرس اتجاهات لقبول نتائج الفكر العلمي، واتجاهات البحث عن الأسباب الحقيقية للظواهر وتنمية حب الاستطلاع في جوانب الحياة ذات القيمة المرغوب فيها، وبناء الآراء استناداً إلى أدلة كافية. وتؤثر البيئة الثقافية التي ينشأ فيها الأطفال تأثيراً كبيراً في أساليب وأهداف ومستويات التفكير لديهم، حيث إنّ هذه البيئة تزود الأطفال بالخبرات التي تعد المعين الأوّل للتفكير، وتشكل أنواع الحوافز والمواقف المثيرة لتفكيرهم، يضاف إلى ذلك أن حاجات ودوافع وميول وعواطف الأطفال تؤثر هي الأخرى في تفكيرهم، وعلى هذا ففي الوقت الذي يعتبر التفكير نشاطاً ذهنيّاً إلا أنّه يتحدد بالثقافة إلى حد كبير، حيث تبسط الثقافة ظلها عليه، وعليه فإنّ الثقافة التي تشيع تفكيراً لفظيّاً، والثقافة التي تشيع فيها الخرافات تنشر تفكيراً خرافيّاً، بينما تشيع الثقافة التي تغلب فيها القيم العلمية تفكيراً علميّاً. والتفكير باعتباره نشاطاً سلوكيّاً ذهنياً لمواجهة المواقف والمشكلات يصاحب عمليات الاتصال الثقافي عادة، ويمكن القول إنّ فهم أي معنى من المعاني أو اكتساب أي خبرة أو مهارة يستلزم تفكيراً باستثناء بعض المعاني وأنماط السلوك التي يقبلها الطفل (أو الراشد) متأثراً بعملية الإيحاء (Suggestion) التي تعني أن يتقبل الفرد الأفكار دون أن تتوفر أسباب منطقية تحمل على ذلك التقبل أو دون مناقشة أو تمحيص. التفكير العلمي والإبداع: إنّ الأفكار الجديدة الأصيلة تنبع عادة من عمليات التفكير العقلية التي تؤدي إلى الكشف والاختراع، كالتأمل والتصور والتبصر والتنبؤ والحدس والتخمين. وهي أفكار تحطم القوالب الموجودة وتخرج عن المألوف وتكسر النماذج الذهنية المفروضة. ويراد من هذه الأفكار سلوك طرق أخرى غير الطريق الرئيسة، وانفتاح على خبرات جديدة، ومباشرة أول خطوة نحو وضع خط فكري جديد وطرح بدائل مختلفة لمشكلة معروضة وإيجاد ما يؤدي إلى أمور أخرى جديدة، ومعرفة العلاقات بين الأفكار. ومن هنا فهناك نوعين من التفكير، أحدهما هو التفكير العلمي. التفكير ذو الاتجاه الواحد: يستخدم هذا النوع من التفكير في قياس التحصيل والذكاء، ويكون محدداً بجواب صحيح واحد في كل مرة، ويتضمن في العادة مشكلات منطقية، وبإعطاء مجموعة من الحقائق يتوقع التوصل إلى هذا الجواب الواحد المحدد. ومن أمثلة ذلك: عاصمة العراق... فالجواب الصحيح هنا: بغداد، ولا يقبل أي شيء غير هذا الجواب. ...=30 + 12 والجواب الصحيح هنا: 42، ولا يقبل أي شيء غير هذا أيضاً. التفكير ذو الاتجاهات المتعددة: لا يتضمن هذا النوع من التفكير جواباً صحيحاً واحداً، وبدلاً من ذلك يقود المرء إلى إجابات كثيرة، كأن يعطى الأفراد عدداً من الكلمات ويطلب منهم تكوين ما يستطيعون من جمل مفيدة خلال خمس دقائق على سبيل المثال، أو قطعة نثرية ويطلب منهم خلال فترة زمنية محددة أن يضعوا – قدر استطاعتهم – عناوين لها، أو أن يسألوا أسئلة متنوعة عنها، أو أن يقدروا أسباب حدوثها أو عواقبها. وفي هذا الخصوص ينقل لوثانس Luthans (1995) وفيلدمان Feldman (1997) استجابات طفل بعمر 10 سنوات لاستخدامات الجريدة المستعملة كمثال على التفكير ذي الاتجاهات المتعددة كما يلي: "تستطيع أن تقرأ الجريدة، تكتب عليها، تفرشها وتصبغ عليها، تضعها على الباب من أجل التزيين، تضعها في سلة المهملات، تضعها على الكرسي إذا كان الكرسي قذراً، إذا كان لديك كلب تضع الجريدة في صندوقه، أو تضعها في ساحة البيت الخلفية لكي يلعب بها الكلب، عندما تبني شيئاً وتريد ألا يراه الآخرون تلف حوله جريدة، تفرش الجريدة على الأرض إذا لم يكن لديك فراش، تستخدمها من أجل حمل شيء حار". والحقيقة أن نوعي التفكير مهمان إلا أنّ التفكير ذي الاتجاهات المتعددة له أهمية أكبر فيما بخص التفكير العلمي والابتكاري. أسس التفكير العلمي: وللتفكير العلمي أسس ومبادئ علينا أن نبصّر بها الطفل في مراحل نموه المبكرة، وفي ثنايا كتبه الدراسية، وفي معالجتنا لمقرراته العلمية. وأهم هذه الأسس: - البدء بتطهير العقل من معلوماته السابقة: فعلى الباحث منذ البداية أن يقف من موضوع بحثه موقف الجاهل، أو من يتجاهل كل ما يعرفه منه، وذلك حتى لا يتأثر أثناء بحثه بمعلومات سابقة يحتمل أن تكون خاطئة، فتقود إلى الضلال من حيث لا يدري. وعلينا تعليم الراشد أنّ العالم كالفيلسوف من حيث إن كليهما مطالب أن يطهر عقله منذ بداية البحث عن كل ما يحويه من معلومات حول موضوعه. وقد حرص كثير من فلاسفة المشرق وعلمائه على التنبيه إلى هذا، ومنهم البيروني في مؤلفاته العلمية والرازي في مؤلفاته الطبية. كما حرص فرنسيس بيكون العالم والفيلسوف الغربي على أن يُطهّر الباحث عقله من كل ما يقود إلى الغلط، ويعوق قدرته على التوصل إلى الحقائق، فحذره من الأخطاء التي تنشأ عن تسليمه بأفكار سابقة من مشاهير المفكرين والفلاسفة. - الملاحظة الحسية مصدر وحيد للحقائق: وعلينا أن نربي الطفل والراشد على أنّ الخبر الحسي مصدر وحيد للحقائق العلمية، مع التسليم بأن شهادة الآخرين مكملة لتلك الخبرة، وتعاون العلماء على البحث العلمي في صضورة فرق. وإذا كان الفيلسوف يتخذ العقل مصدراً للحقائق، ومعياراً للتثبت من صوابها، فإنّ العالم لا يستمد حقائقه إلا من الملاحظة الحسية، والتجربة العلمية إذا كانت ميسرة، ولا يمتحن صواب معرفته إلا بالرجوع إلى الواقع واستفتاء الخبرة الحسية. - موضوعية البحث ونزاهة الباحث: أوجب المحدثون أن يتوخى العالم الموضوعية في كل بحث يتصدى له، بمعنى أن يحرص على معرفة الوقائع كما هي في الواقع، وليس كما يتمناها. ويقتضي هذا إقصاء الخبرة الذاتية، لأنّ العالم قوامه وصف الأشياء وتقرير حالتها، ومحك الصواب في البحث العلمي هو التجربة التي تحسم أي خلاف يمكن أن ينشأ بين الباحثين. أمّا النزاهة فيراد بها إقصاء الذات، أي تجرد الباحث عن الأهواء والميول والرغبات، وإبعاد المصالح الذاتية ووجهات النظر الشخصية، وبالتالي فهي تقتضي إنكار الذات وتنحية كل ما يعوق تقصي الحقائق من طلب شهرة أو مجد أو استغلال للثراء، مع اعتصام بالصبر والأناة، وحرص على توخي الدقة حتى يتسنى للباحث أن يتم موضوعه في أمانة ومن غير تحيز، وكل ما يستلزم طاقة خلقية، وروحاً نقدية، فيتوخى الحق، ويتفادى إغراء الهوى، ويتفانى في تحري الحقائق وتمحيصها وفاء بحق الأمانة العلمية. وعلينا أن نبين للطفل دائماً أن مسيرة اكتشاف المنهج العلمي مسيرة طويلة، فلم يكتسب التفكير العلمي سماته المميزة، التي أتاحت له بلوغ نتائجه النظرية والتطبيقية الباهرة، إلا بعد تطور طويل، وبعد تغلب على عقبات كثيرة. وخلال هذا التطور كان الناس يفكرون على أنحاء شتى متباينة، ويتصورون أنها كلها تهديهم إلى الحقيقة، ولكن كثيراً من أساليب التفكير اتضح غلطها فأسقطها العقل البشري خلال رحلته الطويلة، ولم تصمد في النهاية إلا تلك الجوانب الأساسية، التي تثبت أنها تساعد على العلو ببناء المعرفة، وزيادة قدرة الإنسان على فهم نفسه والعالم المحيط به. ولا ننسى الآن أنّ العالم قد شهد تغيرات هائلة في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وأهم من ذلك أن ما يحدث من تغيرات في بلد ما يؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مجرى الحياة والأحداث في البلدان الأخرى. لقد أصبحنا نعيش في عالم صغير، تتضاءل حدوده وربما تتلاشى يوماً بعد يوم. فالأحداث السياسية والمنتجات الزراعية والصناعية والتقنية التي تقع في أي مكان من عالمنا، يترتب عليها تغيرات تتفاوت في شدتها وسرعتها من مكان إلى آخر على بعد آلاف الأميال عن مكان الحدث الأصلي، والفرد في مجتمع المعلومات لا يستطيع مهما بلغت طاقاته أن يسيطر على أكثر من جزء يسير جدّاً من الكم الهائل من المعلومات التي تتدفق عبر وسائل الاتصال المختلفة. وأمام هذا الواقع تبرز أهمية تعلم مهارات التفكير وعملياته، التي تبقى صالحة متجددة من حيث فائدتها واستخداماتها في معالجة المعلومات مهما كان نوعها. فهناك من يقول إنّ "المعارف على الرغم من أهميتها لكنها في وقت ما سوف تصبح قديمة، أمّا مهارات التفكير عامة، والتفكير العلمي خاصة، فهي تمكننا من اكتساب المعرفة واستدلالها بغض النظر عن المكان والزكان أو أنواع المعرفة التي تستخدم مهارات التفكير في التعامل معها". وعلينا أن نعي أنّ الالتزام بالفكر العلمي ليس حصيلة تلقائية للانتظام في الدراسة الشكلية، كما أن اجتياز كل المراحل التعليمية بشتى أنواعها ليس دليلاً على فهم المنهج العلمي ولا على قدرة التعامل ولا على الالتزام بحسن استخدامه. فالروح العلمية هي المستوى الأقصى والأرفع لمحاولات التعلم ولكن لابدّ من التأكيد على أنّه لا يتم اكتسابها تلقائيّاً من اجتياز مراحل التعليم الشكلي حتى لمن واصلوا هذه المراحل حتى النهايات الشكلية العليا. فالروح العلمية حالة نادرة من حالات التألق الذهني وهي مستوى رفيع من مستويات التفكير، وهي انضباط عقلي دقيق والتزام أخلاقي صارم هي تجربة ذاتية زاخرة بتذوق الحقيقة والاستمتاع بجمال المعرفة. إنّ التفكير العلمي نشاط عقلي خاص، ولكن العقل لا ينشط للاهتمام بشيء إلا إذا كان منجذباً إليه وراغباً فيه ويحقق إشباعاً لحاجة ملحة، لذلك لا يحصل الانجذاب إلى الفكر العلمي من قبل الناشئين إلا إذا تمت تنشئتهم عليه فتربوا على التعلق به وصار يستجيب لمطالبهم العقلية ويجيب أن أسئلتهم الحائرة، وبذلك لا يكتفون بالانجذاب إليه فقط بل لا يستطيعون الكف عنه فضلاً عن أن يحتاجوا إلى أن يذادوا إليه. أو كما يقول "أرنست دمنيه" في كتابه (فن التفكير): "... ما من شيء عقلي يمكن تحقيقه في ميدان لا يجذبنا إليه.. فالعمل في عروقنا دون إحساس بالجهد بل بإحساس من الراحة والحرية هو الشرط الأساسي لعملية عقلية صحيحة...". إنّ الروح العلمية هي أهم خصائص التفكير العلمي وهي ليست معلومات تحفظ ولكنها روح تتكون في الذات فيصير البحث عن الحقيقة مطلباً ذاتياً لا يحتاج إلى من يستحثه وإنما هو انبعاث داخلي لا يهدأ ويصبح هذا البحث محكوماً بمنهج ذي معالم واضحة وخطوات مرسومة يحفظ الجهد من التبدد ويضمن استقامة المسار نحو الحقيقة فلا يتعرض للضياع. - المصادر والمراجع: * عبدالعزيز والرويس: الطالب وتحديات المستقبل، المعرفة العدد 108، الرياض، مايو 2004م. * د. هادي نعمان الهيتي: ثقافة الطفل، عالم المعرفة، العدد 123، الكويت مارس 1988م. * بهاء الدين الزهوري: التفكير العلمي.. أسسه الإبداعية المعاصرة، الخفجي، فبراير 2004م. * د. عادل عبدالله محمد: رعاية الموهوبين، دار الرشاد، القاهرة، 2003. * د. محيي الدين عبدالحليم: أسلوب التفكير والبحث العلمي، منار الإسلام، سبتمبر 2006م. * إبراهيم البليهي: بنية التخلف، كتاب الرياض، العدد 16، إبريل 1995م. المصدر: كتاب (أطفالنا.. وتربية عصرية)