مفهوم الحُب لدى الشباب

قيم هذا المقال
(0 صوت)
مفهوم الحُب لدى الشباب

محمد حسن غانم*

 

ما هو الحب؟ وهل من الممكن تصوّر الحياة من دون حب؟ وهل الحب شكل واحد أم عدّة أشكال؟ وهل يتطوّر الحب مع تطوّر نمو الإنسان؟ وهل هناك علاقة بين الحب والصحّة الجسدية والنفسية للشخص؟ وما مفهوم الحب لدى شباب اليوم؟ وهل يختلف مفهوم الحب عند جيل الآباء عنه عند جيل الأبناء؟ وهل يتأثّر الحب بما يحدث في المجتمع من تغيرات أم أنّ الحب (عاطفة مستقلة) لا دخل لها بما يمرُّ به المجتمع من تطوّرات؟ أسئلة كثيرة سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال"

- ما هو الحُب؟
تتعدَّد التعريفات التي قدّمت لمفهوم الحب.. مثلاً أنّه إنفعال من السعادة والسرور والحبور، أو حين يرى الشخص الذي يحبّه يشعر بالراحة. والحب أيضاً نوع من الرِّضا عن الذات والرِّضا عن الآخر، والحب أن تحقِّق أهدافك وأن ترى سعادتك حين تنجح في تخفيف آلام الآخرين وتسعدهم، ولعل عاطفة الأُمومة خير مثال على ذلك. والحب أن تكون لديك الإرادة وأن ترتبط بالحياة وأن تشعر بأن وجودك مهم لحياة ولسعادة أشخاص آخرين، كما أنّ الحب يعني أن تنجح في التخلص من عيوبك وسلبياتك وأنانيتك، وأن تنجح في البحث عن (نصفك الآخر) في الحياة. ذلك لأنّ (النجاح في الإختيار للزواج) مهم جدّاً لإبراز حقيقة السواء النفسي للشخص، لأن من ضمن التفسيرات التي تقدم لموقف بعض الأشخاص الذين يعزفون عن الزواج هو أنّ نرجسيتهم متضخمة، ويهيم عشقاً وحبّاً لذاته مما يجعله يرفض التنازل عن جزء من الذاتية لكي تندمج في ذاتية الآخر (من خلال الزواج)

- وظائف الحب
نستطيع أن نحصر وظائف الحب وفائدته للإنسان في النقاط الآتية:
1- الحب يُنشِّط دافعية الشخص، ولذلك الشخص المحب مثالاً للإنجاز والعزيمة والإرادة لتحقيق الأهداف.
2- الحب يُنشِّط العمليات المعرفية، والعمليات المعرفية كثيرة مثل (الإدراك، الفهم، التفكير، التخيُّل، التصوُّر، الإبداع، ... إلخ)، ولذا فإنّ الشخص المحب نجد طاقاته العقلية تعمل إلى أقصى درجاتها، وقادراً على مواجهة المشاكل.
3- الحب يُنشِّط العلاقات الإجتماعية بين الشخص المحب والأشخاص الآخرين، فيسعى إلى التفاعل الخلاق معهم، وأن تكون علاقاته معهم علاقات متوازنة سوية.
4- الحب يعمل على تحقيق أهداف الشخص، بل ويجعل للحياة هدفاً – عكس حال الشخص الذي لا يحب أو المكتئب حيث العزلة والإنطواء وفقدان الأمل في كل شيء مما قد يؤدِّي به إلى الإنتحار – وأنّ الحياة إرادة ويجب أن نترك الحياة أفضل مما أتينا إليها.
5- الحب يُحقِّق تكامل الجسد، حيث دلّت الملاحظات الإكلينيكية والتجارب المستمدة من ميدان الطب النفسي على أنّه إذا قامت في سبيل التنفيس عن الإنفعال عوائق صادرة من البيئة، أو من عقائد الإنسان وأوهامه، فإنّ نضالاً يقوم في النفس لا يلبث أن يقف منه صاحبه موقف النعامة من الخطر الذي يهدِّدها، وهذا ما يحدث مع الإنسان، إذ إنّ عدم تعبيره عن الإنفعالات ينعكس على جسده، فيصاب العديد من الأمراض التي قد تودي بحياته إلى النهاية سريعاً.
6- الحب يؤدِّي إلى الصحّة النفسية للفرد، لأنّ الحب يلعب دوراً أساسياً في صلابة الجانب النفسي وصحّته وسوائه، ويكفي أن نعلم أنّ فرويد (مؤسِّس مدرسة التحليل النفسي) قد ذكر أنّ الصحّة النفسية تعني قدرة الشخص على الحب (بشقيه الشهوي والحنون) والقدرة على العمل المنتج مع الآخرين.
7- الحب وسواء السلوك، حيث وجدت العديد من الدراسات النفسية أنّ الشخص الذي يحب نفسه ويحب الآخر ويحب الحياة، إنّما يبتعد تلقائياً عن أنواع السلوكيات كافة التي من الممكن أن تُدمِّر الذات، حيث لا يقبل مثلاً على التدخين أو الإدمان أو الكذب أو السرقة أو أي سلوك مخالف للعادات والتقاليد الإجتماعية (لأنّ التدخين كمثال إنّما هو دمار وعدوان يصبه الشخص على ذاته)، ولماذا يفعل الشخص المحب ذلك بنفسه وهو في (تناغم وانسجام وتوافق وتآزر مع ذاته ويعلم أنّها أمانة وأنّه مسؤول عن هذه الأمانة فيحافظ عليها)؟ ولذا تتلاشى أنواع السلوكيات (المؤذية للذات) كافة لدى الأشخاص الذين يحبّون ذواتهم بصورة معتدلة ومتوازنة.
8- الحب إكسير الحياة، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ التوافق الزوجي إنّما يكمن وراء ما يُسمّى بـ(هرمون الحب)، وأنّ هذا (العزف الرائع للهرمون والغعدد بين كلا الزوجين المحبين) يقود إلى حالات من الوجد، فتنشط أجزاء حسده، وينشط الجسد في طرج السموم ومقاومة الأمراض، بل يصبح أكثر رهافة بإحساس ومشاعر الآخرين ويحرص على عدم (جرح مشاعرهم). ولا شكّ في أنّ مَن يفتقد الحب يفتقد الأشياء الجميلة الرائعة كافة التي ذكرناها آنفاً.

- مظاهر الحب
هل الحب له مظاهر وعلامات تستطيع أن تستدل عليه من خلالها، أم أنّ الحب يظل (محبوساً ورابضاً في خلايا القلب فلا يعرفه حتى صاحبه)؟
في الواقع، أنّنا نستطيع رصد الحب من خلال نوعين من المظاهر:
أ‌) المظاهر الخارجية للحب، نستطيع أن نستدل على الحب من خلال المظاهر الآتية:
1- ملامح الوجه: يعد الوجه أهم منطقة لإصدار تعبيرات غير لفظية، ورغم أنّ فسيولوجيا الوجه تعتمد على أساس فطري لدى الإنسان، إلا أنّها تتشكّل وفقاً للثقافات المختلفة. وعلى الرغم من تعلُّم الإنسان كيف يتحكّم في تعبيرات وجهه أو كيف يُعبِّر عن نفسه من خلال تعبيرات الوجه، وجدت العديد من الدراسات أنّه على الرغم من صراحة التدريب والتحكُّم في تعبيرات الوجه، إلا أنّ مشاعر الحب – خاصة – لا يستطيع الشخص إخفاءها، وأنّ تعبيرات الحب تظهر جلية على صفحة الوجه.
2- التعبير بنظرة العين: أوضحت العديد من نتائج البحوث التجريبية أنّ إشارات أو لغة العيون يمكن أن تعكس العديد من حالات الإنفعال لدى الفرد، وأنّ الشخص المحب لشخص آخر ينظر دوماً إليه أطول مدة، بل نجده (يديم النظر) وهو يتحدّث إليه، وربّما يتبادلان من خلال لغة العيون أحاديث كثيرة لا يفك شفرتها إلا هما، ونذكر جميعاً الأغنية التي تقول فيها سيِّدة الغناء العربي: "مدام تحب بتنكر ليه ذا اللي يحب يبان في عنيه".
3- الصوت: رصدت العديد من الدراسات التجريبية أنّ الصوت وحدّته في التغيُّر في النبرة إنّما تحدث لدى الشخص حين يتحدّث مع شخص آخر يحبّه، ولذا نجد المحبين يتبادلون الحديث همساً، لدرجة أنّك لو عبّرت لصيقاً بهم لن تسمع شيئاً.
ب‌) المظاهر الداخلية للحب:
ما سبق هو علامات خارجية نستطيع رؤيتها وتحديد مسارها، إلا إنّ الحب له العديد من المظاهر الداخلية من خلال كم التغيُّرات الفسيولوجية التي تحدث لدى الشخص المحب، فقد وجدت الدراسات أنّ الشخص (الذي في حالة حب) ومن خلال تحليل الدم تحليلاً كاملاً، وجد الآتي:
- زيادة محسوسة في عدد كريات الدم البيضاء
- تغيُّر ونقص في اللزوجة الدموية
- إرتفاع ضغط الدم
- سرعة النبض
وليس هذا فحسب، بل يرى البعض أنّ الشخص حين يتجه بحبّه إلى شخص آخر، فإنّ هذا الشخص الذي أحبّه تنبعث منه أشعة (مرئية أو غير مرئية) رنانة، أو ذات رائحة، هذه الأشعة قادرة على أن تجتاز الحواس والمجموعة العصبية، فتحدث أثرها في غدة معيّنة أيّاً كانت، ولما كان متعذراً أن يتفق جسم في تكوينه مع جسم آخر، فالنتيجة الحتمية هي أنّ الأنشطة المنبعثة تتجه إلى الشخص الذي أحبّه، فيشعر بي وأنا وسط هذا الزحام ويتجه إلي بخطوات واثقة رغم أنّه لم يرني، أو قد يدخل مكاناً فجأة لأنّه استشعر أنّني موجود به، رغم أنّني لم أبلغه بوجودي في هذا المكان. ورغم الزحام والتكدس بالآخرين، إلا أنّهم بإستثناء محبوبي لا يكون لهم أي تأثير لدي.
وسوف نشير سريعاً إلى بعض الإستنتاجات التي خرجنا بها من دراسة إستطلاعية لنا:
- إنّ إجابات عينة الإناث جاءت محملة بقدر من النضج والإستبصار، حيث تحدثن عن معنى الحب وأنواعه والأحاسيس والمشاعر الجميلة والإحتياجات التي يشبعها الفرد من خلال الحب.
- في حين جاءت إجابة عينة الذكور لتعكس نظرة واقعية للأُمور، إذ جاءت العديد من الإجابات ترفض مثلاً هذا الحب للفتاة، ولماذا أشغل نفسي بالحب وقضاياه وأنا لا أملك الإمكانات التي تحقِّق لي طموحاتي من خلال الإقتران وبناء منزمل مستقل وتحمل المسؤولية، وذكر البعض أنّ الحب هو الزواج، وأن توفِّر له الزوجة الطعام الذي يحبّه، في حين جاءت إجابات البعض تحصر الحب في تأصيل أطر محددة يجب أن يتمتع بها جسم الفتاة.
- جاءت إجابات العديد من الفتيات تسخر من حب بعض الأولاد الذكور لهنَّ، وأنّهم يعزفون على كلام معسول، ولتف نظرهنَّ، وإعجاب بجسدهنَّ فقط، مما قد يؤدِّي إلى التورط في (الزواج العرفي) مثلاً.
- في حين جاءت إجابات الذكور لتعكس جانباً واقعياً عن كيف ينظرون إلى الحب، وأنّ مجرد العلاقة مع الفتاة تشبعه نفسياً من خلال (تظاهره) أمام الآخرين أنّه يعرف (بنت) أو (بنات) وهذا يرفع من درجة (البرستيج) له في شلته، وأن لفت نظر الفتاة به يجعله مستفيداً من هذه العلاقة من حيث إمكان (تبادل) المحاضرات أو الكتب الدراسية أو حتى (حجز) مكان متقدِّم له في المحاضرة.
- اتّفقت عينة الدراسة على أنّ الحب في مرحلة المراهقة مآله الفشل خاصة مع إستمرار سنوات الدراسة، ثمّ فترة أو مرحلة تكوين الذات من خلال البحث عن عمل.. وتكاليف الزواج... إلخ.►


* أكاديمي وباحث ومعالج نفسي من مصر

 

قراءة 491 مرة