كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء_2018/08/29
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
أبارك عيد الغدير لرئيس الجمهورية المحترم، والسادة الوزراء، والسيدات وباقي الأفراد الحاضرين في هذا اللقاء، ونأمل أن يكون هذا العيد مصدر الخيرات والبركات التي أودعها الله تعالى في ولاية أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، وجعلنا ممّن يتنعّمون بهذه النعمة الكبيرة.
مباني المجتمع الإسلامي؛ يأسُ الكفّار وغلبة أهل الحق
إنّ الغدير وتعريف أمير المؤمنين (عليه السلام) كولي لأمر الأمة الإسلامية وخليفة الرسول كانت حقًا وحقيقةً من نِعم الله تعالى الكبرى؛ فكما أنّ أصل النبوة والرسالة مِنَّة ونعمة إلهية كبيرة «لَقَد مَنَّ اللهُ على المُؤمِنينَ إذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أنفُسِهِم» (2) كذلك الأمر بالنسبة إلى ولاية أمير المؤمنين فهي بحق نعمة كبيرة ومنّة عظيمة: «خَلَقَكمُ اللهُ أنوَارًا فَجَعَلَكم بِعَرشِهِ مُحدِقينَ حَتّى مَنَّ اللهُ عَلَينا بِكم فَجَعَلَكم في بُيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَع» (3) إلى آخره، إنها نعمة كبيرة حقًا. حسنًا، إن ولاية أمير المؤمنين وقضية الولاية تُذكر في موضعٍ من القرآن ـ في سورة المائدة ـ باعتبارها مبعث يأسٍ للكفار «اَليومَ يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم» (4). يوم طرحت قضية الولاية هو ذلك اليوم الذي ينصُّ القرآن بأنه «يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم»؛ أي إنَّ ذلك كان مبعث يأسٍ للكفار. وللمرحوم العلامة الطباطبائي تفصيلٌ جميلٌ جدًا في هذا المجال في تفسير الميزان، وكيف هو ذلك اليأس، وبأي منطق يكون ذلك اليأس. وفي موضع آخر من هذه السورة الشريفة نفسها توجد هذه الآية المباركة «وَمَن يتَوَلَّ اللهَ وَرَسولَه وَالَّذينَ آمَنوا فَاِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغّْالِبون» (5)، والمُراد من «الَّذينَ آمَنوا» في هذه الآية والآية التي قبلها «وَهُم راكعون» (6) ـ آية الركوع التي تقول إنهم ينفقون وهم راكعون ـ هو أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، «آمَنوا» في هذه الآية تشير إلى هذا المعنى نفسه؛ أي الآية التالية لـ«إنَّما وَلِيكمُ الله» (7)، ثم يُعرِّفُ هنا «حِزبَ الله» وهم الذين يتبعون هذا الإيمان وهذه الحركة، يُعرِّفهم بأنهم هم الـ«غالبون»؛ أي إن هناك يأس الكفار في موضع، وفي موضع آخر غلبة أهل الحق. هذه هي مباني مسيرة الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وخصوصًا المجتمع الشيعي والتي هي مبعث غلبة وسبب يأس الكفار وقوة واقتدار أهل الحق، وهي في متناول أيدينا.
المعيار: الحكومة العلويّة
ما ينبغي علينا كدولة إسلامية وكحكومة إسلامية أن نأخذه دومًا بعين الاعتبار هو أن نجعل الحكومة العلوية معيارًا لنا، ونقارن أنفسنا بالحكومة العلوية، وكلما كانت هناك مسافة بيننا وبين تلك الحكومة يجب أن نعتبر ذلك تأخّرًا وتخلفًا. وإذا قمنا بأعمالٍ حسنةٍ وتقدمنا من الناحية المعنوية أو أنجزنا أعمالًا تبعث على الفخر وفق القيم الإسلامية فعلينا أن لا نبالغ في أهمية هذه الأعمال، ولنقارنها بالحكومة العلوية لنرى كم هي المسافة التي تفصل بيننا وبينها. المعالم الأساسية في الحكومة العلوية: أحدها العدالة والآخر هو التقوى والورع، ومؤشر آخر هو الشعبية والارتباط بالناس. هذه هي الحكومة العلوية. حياة أمير المؤمنين مظهرٌ للعدل ومظهرٌ للزهد ومظهرٌ للشعبية والعيش الطاهر النقي. يجب أن نجعل هذه الأمور معايير ونسير في هذا الاتجاه حقًا. لا أقول أن نصبح مثل أمير المؤمنين فهذا غير ممكن؛ ولكن فلننظر إلى القمة ولنتحرك نحوها؛ لنفترض أنَّ المرء لم يصل إلى القمة ولكن لنتحرك بهذا الاتجاه؛ هذا هو واجبنا؛ في الحكومة الإسلامية هذا واجب أمثالنا في الحقيقة، وباعتبارنا أعضاءً وجزءًا من هذه الحكومة والدولة، الواجب هو أن نفكر ونتجه [ونسير] نحو العدالة والزهد والورع في أنفسنا، أن نتحرك لمساعدة الناس، ونحمل هم أن نعيش حياة طاهرة نقية، بالأصل، ينبغي أن يكون هذا هو توجهنا. نسأل الله أن يكون هذا العيد عيدًا مباركًا عليكم جميعًا وعلى عائلاتكم إن شاء الله.
أسبوع الحكومة؛ فرصةٌ للتقييم
كذلك أبارك لكم مناسبة "أسبوع الحكومة". أسبوع الحكومة وفضلًا عن كونه يُذكِّر بالاسمين الشريفين الخالدين للشهيدين العزيزين ـ الشهيد رجائي والشهيد باهنر ـ ويضعهما نُصب أعيننا وهما للحق والإنصاف شخصيتان بارزتان ممتازتان، فإن له وبحد ذاته بركات وخيرات، من بركاته أنه مؤشر وعلامة لتجاوز مرحلة من فترة الأربع سنوات. لكل حكومة فرصة أربعة أعوام، لديها مهلة أربعة أعوام، وهذا مؤشر على أن فترة معينة من هذه الأعوام الأربعة قد انقضت، وهو ما يمنح المدير الحكومي والمسؤول الرسمي ـ لا سيما المسؤولين رفيعي المستوى كالسادة الحاضرين هنا ـ فرصة ليُقيّم عمله. لأنّ تقييمنا عندما نُقيم أنفسنا وأداءنا وبشكل ذاتي، يختلف أحيانًا عن تقييم الإنسان للآخر. أحيانًا يرضينا هذا التقييم حقًا وأحيانًا قد نرى هذا التقييم بالشكل الذي يجعلنا نتنبه ونفكر ونتأمل لنقوم بشيءٍ ما أو لا نقوم به ونعوِّض النقص. أسبوع الحكومة هو على كل حال فرصة من هذا النوع.
أيّها الإخوة والأخوات "قوّاكم الله"!
ثمة جانب آخر في أسبوع الحكومة، وهو أنه فرصةٌ لكي نقول للمسؤولين الحكوميين «قواكم الله». من اللازم والمناسب لأي شخص يتعامل مع الحكومة بشكل من الأشكال أن يقول للمسؤولين الحكوميين «قواكم الله». العمل عمل كبير، والمهمة مهمة ثقيلة ـ المهمة الملقاة على عاتق الحكومة ـ والحكومة أي السلطة التنفيذية بشكل عام من رأسها إلى آخرها تحمل على عاتقها ثقلًا عظيمًا من المسؤولية والعمل، ابتداءً من الشؤون السياسية والاقتصادية مرورًا بالقضايا العلمية والثقافية والشؤون الاجتماعية وشؤون البنى التحتية مثل النقل والمواصلات والطاقة وما إلى ذلك، وصولًا إلى الخدمات وما شاكل؛ مقدارٌ ضخمٌ من العمل يقع على عاتق الحكومة، ومن رأسها إلى آخرها هناك آلاف الأشخاص يعملون ويجدّون ويسعون، وبين هذه المجموعة الكثير من الأشخاص يعملون بكل طاقتهم حقًا بل ويعملون أكثر من الحدِّ المتوقع من أجل أن يستطيعوا إنجاز الأعمال وتقديمها بشكل جيد. الإنصاف يقتضي أن نقول لهم قواكم الله. في بلد كبير وواسع مثل بلدنا بعدد سكانٍ يبلغ ثمانين مليون نسمة، إدارة هذه المجموعة من الأعمال يُعدُّ عملًا كبيرًا وليس بالسهل بل هو عمل صعب ومهم جدًا. الذين يعملون يُدركون ذلك أكثر من الآخرين. عندما يكون المرء واقفًا خارج الساحة فقد يفكّر بشكل آخر ويحكم بشكل آخر، ولكن عندما يكون هذا الشخص في داخل الساحة، وأنا العبد كنت أتصدّى للعمل التنفيذي لسنوات لذلك أدرك تمامًا حجم المشكلات ومقدار الصعاب. حتى لو لم تكن هذه المشكلات التي تعرض لنا ـ كالأعداء الخبثاء الموجودين مثلًا ـ فإن العمل يبقى عملًا صعبًا وثقيلًا جدًا. حسنًا، نحن بدورنا، نقول لكم جميعًا أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات «قواكم الله». نسأل الله لكم التوفيق والعون ليتحقق ما تريدون، وإن شاء الله يتحقق بيسر وسهولة.
انظروا إلى نقاط القوة والضعف معًا
في أسبوع الحكومة، يجب رؤية نقاط القوة والضعف على حدٍ سواء- وبشكل أساسي من قِبَل المسؤولين أنفسهم - ينبغي رؤية نقاط القوة والضعف معًا. البعض يلاحظون نقاط الضعف ولا يلتفتون إلى نقاط القوة. الخطر في هذا الأمر هو أنه يدفع الإنسان نحو التشاؤم واليأس. إنّه لمن العيب أن ينظروا دومًا ويشاهدوا نقاط الضعف فقط ولا يلاحظوا نقاط القوة الموجودة. إنه عيب ونقص، بالنسبة للمسؤول نفسه إذا كان يتحرك بهذه الطريقة فهذا سيؤدي إلى اليأس والإحباط، وكذلك بالنسبة للشخص الذي ينظر من خارج الساحة. وكذلك العكس، فإذا كنا نرى نقاط القوة فقط ولا نرى نقاط الضعف فستحدث إشكالات أخرى وسيؤدي ذلك إلى تراكم نقاط الضعف ولا يتحقق السير في الطريق الصحيح ولا يصل الإنسان إلى أهدافه. لذلك يجب الالتفات إلى نقاط القوة ونقاط الضعف أيضًا، يجب تقوية نقاط القوة وزيادتها وتحديد وكتابة نقاط الضعف حتى الإمكان وتقليلها واحدة واحدة. هكذا هو الوضع في كل الأمور؛ وهكذا هو الحال في مسائل الحياة الشخصية أيضًا.
..منجزاتٌ جيّدة جديرة بالذكر
لحسن الحظ في هذه الحكومة ـ الحكومة الثانية عشرة ـ الحق والإنصاف إنّ هناك نقاط قوة جديرة بالذكر. خلال هذه السنة التي انقضت من عمر الحكومة الثانية عشرة، مع أن فترة من هذه السنة قد استُهلكت في اختيار أعضاء الحكومة وتعيين الوزراء والمشكلات الموجودة في هذا الموضوع، على الرغم من هذا، فقد أنجزت أعمال جيدة وحصلت أمور جيدة أشار السيد رئيس الجمهورية في كلمته لجانب مهم منها. على الصعيد الاقتصادي يُعدُّ النمو بمقدار 4.6 في المئة نموًا جيدًا ومستوى مهمًا قد تحقق. ومع أن المسافة التي تفصله عن ما أوردناه في السياسات العامةـ 8 في المئة ـ مسافة كبيرة، ولكن في هذه الظروف على كل حال 4.6 في المئة شيء جيد. إنه نمو مقبول جدًا من قبل الحكومة. في بعض القطاعات مثل الزراعة والطاقة كان هناك إنتاج جيد. خلال هذه الشهور الثلاثة من السنة ازدادت صادرات البلاد قرابة عشرين في المئة، وانخفض الاستيراد بنسبة 5 في المئة، وهذه أحداث جيدة وقعت وتحققت، وهي جديرة بالملاحظة وجديرة بالعرض على الشعب وعلى الذين يطرحون الأسئلة وعلى الرأي العام وينبغي حقًا شكر الله عليها. نتمنى إن شاء الله أن تستمر وتيرة زيادة التصدير غير النفطي وانخفاض الاستيراد إلى آخر السنة، فتابعوا هذا الهدف ليتحقق إن شاء الله. لقد تمَّ إنجاز أعمال جيدة في قطاعات أخرى، والسادة يعملون على الإعلان عن هذه الأمور في هذا الأسبوع، وأنا أيضًا أشاهد هذه الأعمال أحيانًا وأرى أنها جيدة. طبعًا ينبغي أن نعترف بأننا لسنا أناسًا متمكنين كثيرًا من المجال الإعلامي، فالواقع سواءٌ الحكومة أم نحن جميعًا، لا نمتلك إعلامًا محترفًا وتغطية إعلامية جيدة جدًا! ولكن على كل حال، من الجيد أن نقوم بإطلاع الناس على هذا المقدار من الأعمال التي يتم إنجازها.
سأطرح اليوم تنبيهات حول ثلاثة مواضيع: الموضوع الأول حول هذه القضايا الاقتصادية وهي قضيتنا الأساسية اليوم. والموضوع الثاني حول الشؤون الخارجية أو السياسة الخارجية، والموضوع الثالث حول الاتحاد والانسجام الداخلي الذي أشار له السيد رئيس الجمهورية.
بالنسبة للاقتصاد، كان لنا منذ بداية السنة وقبل هذه السنة عدة جلسات مع الأصدقاء وقد أشرت إلى قضايا وأمور أشدد وأؤكد عليها ولا أريد تكرارها. وقد كان لجلسة التنسيق بين رؤساء السلطات الثلاث التي انعقدت بهدف العمل الاقتصادي والمساعدة الاقتصادية بركات وفوائد، بمعنى أنه كان لتلك الجلسة آثار إيجابية في الوضع العام ويمكن أن يكون لها فوائد أفضل وأكثر، ويجب أن تستمر.
أيها السادة! بشكل طبيعي ومألوف، عندما يجلس شخصان إلى جانب بعضهما البعض تكون لديهما نقاط اشتراك وكذلك بينهم نقاط اختلاف أيضًا، ولا يمكن أن ينسى الإنسان نقاط الاشتراك بسبب نقاط الاختلاف. يُطرح اليوم موضوع المفاوضات في العالم، فيقولون لنتفاوض مع الحكومة الفلانية ومع البلد الفلاني. حسنًا، عندما يطرح موضوع التفاوض مع الأعداء والمعارضين وأمثالهم، فيجب التفاوض مع الأصدقاء والمقرّبين من باب أولى. ليحصل تفاوض، هناك شيء عليه اختلاف فليجر التفاوض بشأنه، فتقولون أنتم كلمة ويقول هو كلمة وتصلون بالتالي إلى نتيجة. ينبغي مواصلة هذه العملية وهي أمرٌ ضروري.
فيما يتعلق بالاقتصاد ينبغي العمل بشكل قوي وبحجم كبير. لاحظوا أيها الأصدقاء! العدو يُركِّز على الشأن الاقتصادي، والسبب هو أنّ هناك في الشأن الاقتصادي بعض الثغرات ونقاط الضعف. توجد على حدِّ تعبير العسكريين "مناطق عمياء للرادار" استطاع العدو التسلّل منها والعبور للداخل. يجب أن نَسدَّ هذه "المناطق الرادارية العمياء". يجب أن نعرف نقاط الضعف بشكل جيد ونتلافاها ونعالجها، نحن قادرون! كل هذه الأمور والأعمال التي يجب أن تنجز ـ وسوف أشير إلى بعضها ـ نحن قادرون على إنجازها. هناك حلول وطُرق في إدارة البلاد اقتصاديًا، فنحن لا نعاني من وجود طريق مسدود! كلا، هناك طرق ويمكن السير فيها باقتدار والتقدم إن شاء الله. يجب أن تقوموا بهذه الأعمال وتبادروا وتعملوا بشكل مضاعف وبجودة عالية، وعلى مسؤولي البلاد الاقتصاديين أن يعملوا ليلًا ونهارًا.
الاقتصاد المقاوم.. قوّة دفاعيّة - هجوميّة
موضوع الاقتصاد المقاوم وسياسات الاقتصاد المقاوم التي أُبلغت، أساس سياسات الاقتصاد المقاوم وجوهرها عبارة عن الاعتماد على الإنتاج الداخلي؛ هذا هو أساسها. وسياسات الاقتصاد المقاوم تعني كذلك بناء الخنادق الدفاعية في مواجهة العدو ـ أي إن هذه السياسات إذا نفذت حقًا بشكل كامل ودقيق فستكون بمثابة الخندق الدفاعي ـ وتعني أيضًا تحصيل القوة وقدرة التحرك إلى الأمام، بمعنى أن سياسات الاقتصاد المقاوم لها طابع دفاعي ولها طابع هجومي، ومحورها هو الإنتاج. لذلك فإن توقعي حتى من جلسة التنسيق بين رؤساء السلطات الثلاث هذه، أن يكون أحد الجوانب التي يشددون عليها في لقائهم ومباحثاتهم ومن القضايا التي تطرح هناك والخبراء الذين يتابعون أعمال تلك الجلسة، هو التشديد على قضية الإنتاج. لننظر ما هي مشكلات الإنتاج الداخلي في البلاد، ولنتابع حل هذه المشكلات بمختلف الأشكال. إنني لست خبيرًا اقتصاديًا لكنني أقرأ كلام الخبراء الاقتصاديين؛ [أي] علماء اقتصاد البلاد، وأنتم تعترفون بخبرة الكثير منهم يطرحون حلولًا وسبلًا، وليس الأمر بحيث لا توجد حلول وطرق، ثمة طرق نستطيع من خلالها إنقاذ الإنتاج في البلاد.
ومن المسائل الهامة قضية معيشة الناس وهي أيضًا متعلّقة بالإنتاج؛ أي من أفضل الطرق التي نريد من خلالها إصلاح وتحسين معيشة الناس ـ والناس يعانون الآن من مشكلات في معيشتهم، قسم كبير من الناس يعانون مشكلات ـ هي أن نعتمد على الإنتاج الداخلي. حسنًا، ينبغي بذل جهود شاملة للحيلولة دون تعطيل المعامل أو عمل المعامل بأقل من طاقتها الإنتاجية.
هناك مسألة مهمة في مجال القضايا الاقتصادية من المناسب أن أنبّه عليها، وهي مسألة الإدارة الاقتصادية. على الحكومة أن تدير اقتصاد البلاد. ينبغي عدم الخلط بين الإدارة والتصدي. إنّ تصدي الحكومة للشأن الاقتصادي يؤدّي إلى الإضرار بالبلاد؛ هذا ما جرّبناه عمليًا في الثورة ونعلم أنّ تصدّي الحكومة ليس أمرًا جيدًا . بل إنّ سياسات المادة 44 كانت أساسًا من أجل منع هذا التصدي. إذن، لنخرج هذه الحالة من أذهاننا تمامًا؛ أي إن هذه الإدارة التي أتحدث عنها يجب أن لا تُخلط أبدًا بالتصدي للشؤون الاقتصادية.
للإدارة الاقتصادية ركنان اثنان، أحدهما أن نترك الساحة مفتوحة لنشاط الناشطين الاقتصاديين النزيهين. تترك الساحة مفتوحة لهم ونساعدهم، ويرى أصحاب الأفكار الاقتصادية ما هي طرائق مساعدة الناشطين الاقتصاديين ـ ثمة طرائق ـ وما هي العقبات التي تعترض طريقهم وطريق تقدمهم؟ فيزيلوا تلك العقبات. وسوف أسوق مثالًا أو مثالين. هذا أحد ركني الإدارة. والركن الآخر هو أن يراقب الجهاز الحكومي النشاطات الاقتصادية المضرّة، بوعي وذكاء وأعين مفتوحة؛ بمعنى أن يتم كشف الفعّال [الناشط] الاقتصادي الذي يمارس نشاطات ضارة ويتم منعه وإغلاق مسارب الفساد. هذه هي الإدارة الاقتصادية ولا علاقة لذلك إطلاقًا بالتصدي.
مبادراتٌ لتنشيط الاقتصاد، يجب دعمُها ومساعدتها
في خصوص الجانب الأول أي مساعدة الناشطين الاقتصاديين؛ لأضرب مثالًا من أيامنا هذه، وتوجد بالطبع أمثلة عديدة. ثمة أفراد في داخل البلاد يبدأون تحركًا اقتصاديًا وينبغي مساعدتهم. وحين أقول مثالًا من أيامنا هذه، فالأمر يتعلق بقضية القرطاسية وأدوات الكتابة حيث برز عدة شباب وراحوا ينتجون القرطاسية داخليًا. والقرطاسية بضاعة مهمة، ولكم أن تلاحظوا الحجم الهائل لاستهلاك القرطاسية ـ الأقلام والورق والدفاتر وباقي اللوازم ـ والكثير منها نحصل عليه عن طريق الاستيراد وله تبعات ثقافية وله أيضًا تبعات اقتصادية. وإذا بثلة من الشباب يظهرون وينزلون للساحة، منذ سنتين أو ثلاث سنوات، منذ فترة ـ ولا أتذكر بدقة ـ عقدوا الهمم على إنتاج قرطاسية داخلية. هؤلاء يحتاجون إلى مساعدة طبعًا، ويجب تقديم المساعدة لهم، ولكن لا تُقدّم لهم مساعدات. بل وتحصل أحيانًا حالات معاكسة وعرقلة لمسيرتهم. ليس من الضروري أن يكون المسؤول الحكومي أو الوزير في الحكومة هو الذي يمارس هذه العرقلة، كلا، قد لا يكون للوزير علمٌ بالموضوع أساسًا ولكن ثمة آخرين يعرقلون ويضعون العصي بالدواليب! ينبغي منع هذا والحيلولة دونه. قبل مدة جاءني عدد من هؤلاء الشباب، ويشاهد الإنسان كيف أنهم مفعمون من رأسهم إلى أخمص قدميهم بالشوق والاندفاع والقوة والقدرة على العمل ويتمتعون بالإبداع، لكن قدراتهم المالية ضعيفة! يجب مساعدتهم، ومساعدتهم المالية ليست عدة آلاف من المليارات مثل هذه "المستحقّات المصرفية المتأخرة" التي نشهدها حاليًا! حيث يكون الشخص الواحد مدينًا بعدة آلاف من المليارات. ليس الأمر على هذا النحو، المساعدات التي يحتاجونها أقل من هذا بكثير، بمساعدة بسيطة ودعمهم بدفعة بسيطة إلى الأمام يمكن مساعدتهم. ولدينا الكثير من هذا القبيل. لاحظوا، إنني أنا العبد، بوصفي مسؤولًا ولا شأن لي بالأعمال الاقتصادية والشؤون التنفيذية، يراجعني الكثيرون وأعلم أنّ كثيرين يراجعون المسؤولين والوزراء والمديرين. أمثال هؤلاء كُثر وينبغي مساعدتهم. كثيرًا ما حدث لنا ـ وحين أقول كثيرًا أقصد حالات عديدة ـ أن جاءوا إلينا واشتكوا وقد أوصيت بهم في بعض الأحيان. هذه من الأعمال التي ينبغي أن تتم وتنجز، وثمة الكثير من هذا القبيل.
وفّروا الاستقرار والهدوء للناشط الاقتصادي
ومن الأمور الأخرى فتح الميدان وفسح المجال؛ أي تحسين أجواء الكسب والعمل. وصلنا في الآونة الأخيرة تقرير ـ ولا أتذكر التفاصيل الآن أما الشيء اللافت الذي بقي في ذهني فهو هذا: يفيد هذا التقرير أنه في موضوع محدد على مدى فترة قصيرة، ربما كانت شهرين أو ثلاثة، صدر ثلاثون تعميمًا وكتابًا رسميًا من قِبَل المسؤولين! حسنًا، كيف يستطيع الناشط الاقتصادي البرمجة والتخطيط لمستقبله؟ كيف لمن يريد العمل في هذا القطاع وفيما يتعلق بهذه القضية، أن يخطّط ويعمل؟ تصدر التعميمات تلو التعميمات والقرارات المتعارضة وأحيانًا المتناقضة حول موضوع واحد! ينبغي إزالة هذه العقبات، فهي موانع تعيق العمل. وفّروا الاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الناشط الاقتصادي. إذًا أحد ركني الإدارة كما قلنا هو أن نستطيع مساعدة الناشطين من بين أبناء الشعب، وفتح الطريق والمجال لهم، وإزالة الموانع والعقبات من طريقهم. ذات مرة وفي أحد اللقاءات التي كانت لنا هنا ـ قبل سنتين أو ثلاث سنوات، صرحت حينها، لكنني لا أتذكر الآن بدقة، من أجل أن يصنعوا شيئًا في مزرعة للدواجن مثلًا، ولا أتذكر الآن، حينما ذكر الأمر يومها ذكرته بالتفصيل ـ أشرت إلى أن عددًا من الناشطين في القطاع الخاص رفعوا لنا تقريرًا يقول إنه من أجل شيء صغير كان يجب أن يكدّوا ويركضوا ويراجعوا ربما لعدة أشهر ليستطيعوا أن ينجزوا عملًا صغيرًا للنشاط الاقتصادي الذي يقومون به، "لعل وعسى" أن يتم إنجازه! ينبغي التقليل من هذه العقبات، ينبغي فتح الطريق ليستطيع الناس العمل والنشاط. هذا فيما يتعلق بالقسم الأول.
يجب المراقبة بأعين مفتوحة!
القسم الثاني يتعلق بمكافحة المفسدين وإغلاق مسارب الفساد، أعين المديرين المفتوحة، هذا هو ما نحتاجه. لاحظوا، أرسلت لنا وزارة الأمن مؤخرًا، تقريرًا نظرت فيه فوجدت أنه من آبان 96 [تشرين الثاني 2017] إلى تير 97 [تموز 2018] قامت هذه الوزارة بإرسال 56 إنذارًا للأجهزة الحكومية المختلفة في خصوص قضايا الفساد الاقتصادي! عمل وزارة الأمن هذا عمل جيدٌ. ولا أدري كم جرت متابعة الأمر أو لم تجر متابعته، ولكن من المهم أن ننظر لنرى أنه طوال عدة أشهر تصدّت وزارة الأمن لرقم بهذا الحجم، أي 56 حالة طرحتها الوزارة ونبّهت لها. وبخصوص هذه الحالات التي وقعت في الآونة الأخيرة، وقد أشار السيد الدكتور روحاني وقدّم بعض التبريرات وهي تبريرات صحيحة، لكن واقع القضية هي أنه إلى جانب هذه التبريرات كان هناك مقدارٌ من الغفلة وعدم الاهتمام الإداري! عندما نريد إدخال العملة الصعبة إلى السوق لأي سبب من الأسباب ـ لأننا نرى ذلك لازمًا ونعتبره ضروريًا لخفض سعر العملة الصعبة ـ فيجب أن نقوم بذلك بأعين مفتوحة لكيلا تقع في ظروفنا الصعبة هذه عدة مليارات من الدولارات بيد عدد محدود من الأفراد، فإما يمارسون التهريب أو يأخذونها إلى كردستان العراق فيبيعونها، أو يبدِّلونها إلى نقد في السوق الداخلية أو يأخذونها باسم السياحة ويعملون بطريقة أخرى ـ وهذا ما يعلمه الجميع ـ أو يسجلون طلباتهم تحت عنوان استيراد بضاعة معينة لكنهم يستوردون بضاعة أخرى. هذه أمور يمكن للإدارة أن تراقبها، وهو ما سبق أن طرحته مع السيد رئيس الجمهورية. ليس الأمر بحيث لا بُدَّ أن نضع شرطيًا على رأس كل شخص لنرى ما يفعل وما لا يفعل، كلا، توجد اليوم أساليب وطرق متقدمة للضبط والسيطرة . يجب القيام بالضبط؛ أي ينبغي المراقبة بأعين مفتوحة. هذه هي الإدارة الاقتصادية. أعتقد أنكم قادرون على إنجاز هذا الشيء، حكومتنا قادرة على هذا العمل، فهو ليس من المُحالات أو من المشكلات الكبيرة، كلا، يحتاج الأمر إلى اهتمام وعمل جهادي في وسط الميدان، وهذا ما يمكن القيام به.
.. لماذا يحصل هذا الشيء؟ ومن الذي يحول دونه؟
شخص يأخذ المال ليستورد البضاعة الضرورية الفلانية، بضاعة لازمة، بضاعة وسيطة ـ تسمحون أنتم له باستيرادها ـ أو ليستورد الأدوية مثلًا، لكنه ينفق هذه الأموال في مكان آخر وعلى شيء آخر. أو على سبيل المثال قلنا في المادة 44 يجب أن يبيعوا المعامل الحكومية للناس، يبيعونها لهم ليحصل ماذا؟ هل يبيعونها لهم لكي يعطّلونها ويغلقونها؟ أم لا، يبيعونها لهم لتدور عجلة العمل والإنتاج؟ يأخذ هذا الشخص المعمل ويبيع ما فيه من أجهزة إما إنها أجهزة صنعوها أو استوردوها وركّبوها ورتّبوها بمشقّة كبيرة، يبيع حديد هذه الأجهزة باعتبارها مخلّفات حديد، ويبني الأرض كأسواق استهلاكية! حسنًا، لماذا يحصل هذا الشيء؟ ومن الذي يجب أن يحول دونه؟ لا يمكن القول إن السلطة القضائية يجب أن تحول دون هذا الفعل، فالمدير هو الذي ينبغي أن يرى هذا السياق ويدقّق فيمن يبيع له المعمل. المادة 44 تقول يجب منح المعامل للناس لكي تبقي هذه المعامل معامل عاملة ومنتجة ولتدور عجلة الإنتاج، وليس لكي تتبدل المعامل إلى محلات تجارية وأسواق استهلاكية وتتدمّر المعامل. هذه أحداث وقعت، والأمر لا يختص بحكومتكم، فقبلكم أيضًا حدثت مثل هذه الأمور. على كل حال هذه هي الإدارة الاقتصادية وينبغي الالتفات لمثل هذه الأمور.
وقد سجّلت هنا حالتين وهي من ضمن الحالات التي لا يمكن اعتبارها استغلالًا وطمعًا حتى نقول إنه تمَّ القيام بها بدافع الطمع، وأن هذا الشخص – المفسد الاقتصادي- يريد الربح غير المشروع فقط، كلا، بل القضية قضية تخريب. على سبيل المثال ترون فجأة في طهران أو في المدن الكبرى أزمة في "حفاضات الأطفال"! هذا شيء حدث فعلًا وهو واقعي وليس شيئًا افتراضيًا. حتى حفاضات الأطفال؟! هذا شيء يثير غضب الناس! الطرف المقابل ـ العدو ـ يريد إثارة غضب الناس من أجهزة الدولة والحكومة، وهذا أحد الطرق، الحفاضات! أو في فترة ما قبل العيد وهو موعد الغسيل والتعزيل والتنظيف وما إلى ذلك فجأة تصبح مواد التنظيف قليلة أو غير موجودة! هذا عمل من أنواع التخريب. ينبغي متابعة هذه الأمور بعين مفتوحة، فهي قضية مهمة.
عدم الاستفادة من الطاقات كفرانٌ بالنعمة
وهناك نقطة مهمة أخرى أذكرها هنا بمناسبة الحديث عن الشأن الاقتصادي هي أن بلادنا من حيث الإمكانيات والطاقات الاقتصادية الكامنة بلاد مميزة وفي مستوى عال. إمكانياتنا الاقتصادية جيدة جدًا. إذا لم نستفد من هذه الإمكانيات نكون قد كفرنا النعمة حقًا. الله تعالى يقول: «اَلَم تَرَ إلى الَّذينَ بَدَّلوا نِعمَتَ اللهِ كـُفرًا» (8)، ينبغي أن لا نبدل نعمة الله كفرًا وجحودًا. لدينا إمكانيات وطاقات استثنائية. أجريت دراسات في المؤسسات الدولية مثل الصندوق الدولي وما إلى ذلك، أحضروا تقاريرها إلى هنا، يقولون إن الناتج الإجمالي الإيراني ـ والناتج الإجمالي هو في الواقع الإمكانية الحالية الفعلية المتحققة في البلاد، أي ما تحقق بالفعل ـ هو في المرتبة الثامنة عشرة عالميًا. أي بين أكثر من مائتي بلد في العالم سجلنا المرتبة الثامنة عشرة من حيث الناتج الإجمالي الوطني، وهذا الناتج الإجمالي الوطني يعني الشيء الذي استفدتموه واستخرجتموه في طاقات البلاد وحققتموه وكسبتموه. هذا شيء مرتفع جدًا، هذا ما تقوله الدراسات الدولية.
وهناك دراسة أخرى إلى جانب هذه ـ تابعة للبنك الدولي في سنة 2013 ـ تشير إلى أن إيران من حيث الإمكانيات والطاقات الكامنة التي لم تستثمر في المرتبة الأولى عالميًا، فما هو الشعور الذي ينتابكم من هذا؟ هذا ليس كلامًا يقوله خبير اقتصادي في الداخل لكي يُحمل على معنى آخر، كلا، بل هو كلام مركز دولي ينظر في طاقات البلاد وإمكانياتها ـ الإمكانيات الجغرافية والطاقات البشرية والقدرات الإقليمية والمعدنية والجوفية وما إلى ذلك ـ ويقول إن مجموعة الطاقات غير المستثمرة في بلادنا عالية إلى درجة أننا البلد الأول عالميًا في هذا المجال. هذا ما قيل في سنة 92 [2013].
وعليه، فعدم استثمار الطاقات والإمكانيات قضية مهمة. وهذا ما قلته طبعًا مرارًا في كلماتي المختلفة وأشرت إلى بعض النماذج من الإمكانيات الكامنة غير المستثمرة ولا ضرورة لذكرها الآن، فذكرها أهم وأكثر لزومًا في الاجتماعات التخصصية لمعرفة أي الأشياء التي لم تستثمر ولم ينتفع منها لحد الآن. ثمة لائحة بالطاقات التي لم تستثمر. هذه نقطة.
إنّنا من منتجي النفط الكبار ونستورد البنزين!
وهناك سوء الاستخدام. واحدة من مشكلاتنا هي سوء الاستخدام. وقد أشار السيد الدكتور روحاني إلى أننا قد نستغني عن استيراد البنزين، حسنًا، هذا خبر مفرح ولكن أصل القضية هو «أننا من منتجي النفط الكبار في العالم ونستورد البنزين» وهذا خبر سيئ جدًا، فلماذا يحدث هذا؟ بل لماذا نصدّر النفط خامًا أصلًا؟ لماذا لا نبدّل الغاز إلى منتجات "إل إن جي" (9)؟ لماذا لا نبدّل النفط إلى بنزين لنصدّره؟ هذا سؤال. هذا هو سوء الاستخدام وسوء الاستهلاك. لقد شدّدت منذ سنين مضت ـ ربما منذ خمسة عشر أو ستة عشر عامًا ـ في الحكومات السابقة على قضية مصافي التكرير الداخلية وتنمية المصافي وإنتاج منتجات متنوعة من النفط، فليتم إنجاز هذا الشيء. ذهب السيد روحاني وافتتح مرحلتين من مصفاة نجمة الخليج الفارسي وهذا ما رفع إنتاج البلاد بمقدار كبير. هذه من القضايا المهمة. حسنًا، لنتابع هذا المسار، لماذا نستورد البنزين؟ في بعض الحالات حدث أن دفعنا في بعض السنين عدة مليارات من أجل استيراد البنزين للبلاد. البلاد التي تمتلك هي مصادر نفطية مهمة وتصدّر النفط، وإذا بها تستورد البنزين الذي هو من مشتقات النفط. هذا شيء عجيب وغريب جدًا. ينبغي التشديد على هذه الجوانب والعمل عليها ويمكن العمل. وكذا الحال بالنسبة لقضية الغاز التي أشرت لها وذكرتها.
والآن فإن واحدة من مشكلاتنا الكبيرة في داخل البلاد فيما يتعلق بسوء استخدام وسوء استهلاك طاقاتنا الداخلية تتمثل في المعدّل العالي لاستهلاك البنزين في الداخل. قيل لي ذلك اليوم إنَّ استهلاك البلاد من البنزين يوميًا 105 ملايين لتر. وقرأت في مكان آخر في تقرير من التقارير ما هو أكثر من هذا، أي 120 مليون لتر. ولنقل 105 ملايين لتر! لماذا؟ لماذا يجب أن نستهلك بهذا المقدار؟ خلال فترة من الفترات استطاع المسؤولون إيصال الاستهلاك اليومي إلى حدود 65 مليون لتر، أو أقل من 65 مليون لتر. هذا شيء تحقق وحصل. وبالطبع فقد هدم أولئك أنفسهم ما كانوا قد بنوا! لكن هذا الشيء ممكن، إنها عملية ممكنة ومتاحة، وهناك طرق فتابعوا تلك الطرق وتقدموا باقتدار. وقد يتأذى وينزعج البعض ـ الأشخاص أو العوائل التي لديها خمس سيارات واستهلاك كبير ـ قد تنزعج، فلتنزعج! كم يستهلك الناس وأكثرية الشعب من هذه الـ105 مليون لتر في اليوم؟ هذه الأمور برأيي أمور مهمة فامنعوها ولا تسمحوا بها. جزء كبير من هذه المهمة تقع على عاتق وزارة النفط وكذلك منظومة الحكومة. يجب أن تتخذوا قرارًا في هذا الخصوص ولا تسمحوا به. موضوع الإدارة الاقتصادية للحكومة أيضًا نقطة أخرى، وهذه كلها أبعاد متنوعة للإدارة. والكلام في هذا المضمار كثير ولا نريد إطالة الكلام.
نفّذوا سياسات المادة 44 وأطلِقوا طاقات القطاع الخاص!
من قضايانا الاقتصادية المهمة إمكانيات وسعة القطاع الخاص. إننا لا نستفيد من طاقة [قدرات] القطاع الخاص. وكما قلت أحيانًا نعطي المعامل -طبقًا لسياسات المادة 44- بذلك الشكل لأناس غير صالحين، ولكن بشكل عام ومتعارف عليه لا نُشرك القطاع الخاص حقًا ولا نستفيد من رصيد الجماهير والشعب بصورة صحيحة. كان لمجموعة غرفة التجارة لقاء بالأمانة العامة لمجلس الأمن القومي وطرحوا أمورًا تفصيلية وقد قرأت تلك الأمور. أرى أن يقرأ السادة هذا الكلام ويسمعوه ويروه ويطلعوا عليه فهو كلام صحيح. علينا أن نستفيد من إمكانيات وطاقات القطاع الخاص، والقطاع الخاص جاهز. والحكومات ـ سواء حكومة حضرة السيد روحاني الموجودة حاليًا أو الحكومة السابقة ـ الحكومات باختصار وباللغة الفارسية الواضحة لا ترغب بشكل حقيقي ومن كل قلبها بتنفيذ سياسات المادة 44 كما ينبغي! (10). نفذوا سياسات المادة 44 وأطلقوا إمكانيات وطاقات القطاع الخاص.
الذين يستطيعون المساعدة مثلًا ليس التجار وحسب ـ التجار هم جزء من مجموعة القطاع الخاص ـ أبداً، فهناك المنتجون والصناعيون أيضًا. افترضوا الآن أنكم في وزارة الطاقة أو وزارة النفط تحتاجون إلى الكثير من القطع والأدوات فاجلسوا مع صُنَّاع ومنتجي هذه القطع وتحدثوا إليهم. لدينا صناع قطع وأدوات جيدون في البلاد. في زمن ما قبل سنوات عندما كان السيد بيطرف (11) ـ صديقه ـ وزيرًا للطاقة احتاج إلى مروحة معينة لشيء ما، فقلت له: أخي، أنت خريج جامعة أمير كبير، والطريق من هنا إلى جامعة أمير كبير خطوة واحدة، فاذهب إلى هناك واجلس وتحدَّث [مع الجامعيّين] لينتجوا لك هذا الشيء، ومن باب المصادفة إنّ القوة الجوية في الجيش في ذلك الحين أنتجت هذه القطعة لغرضٍ آخر، طبعًا بأبعاد أكبر. إذًا، صناعيو القطاع الخاص يستطيعون مساعدة الحكومة في مجالات مختلفة. يحدث أحيانًا أننا لا نمتلك قطعة أو قطعتين فتركد سلسلة منتجات محدّدة بكاملها لعدم وجود هذه القطعة، ولأنهم لا يبيعوننا إياها في الخارج أو يفتعلون لنا مشكلات. حسنًا، لننتج نحن هذه القطعة في الداخل، نستطيع إنتاجها في الداخل. كل عملية تابعناها في الداخل وأكدنا عليها وأنفقنا عليها بعض الشيء وما إلى ذلك، استطعنا أن ننتجها. ومن النماذج على ذلك وزارة الدفاع حيث تم هناك إنجاز أعمال جيدة في هذه المجالات.
قضية مهمة أخرى في الشأن الاقتصادي وهي الموضوع الرابع الذي نطرحه قضية إدارة السيولة النقدية في البلاد، وقد أشار السيد رئيس الجمهورية للسيولة النقدية.
أولًا ؛كان من الخطأ أننا سمحنا منذ البداية بزيادة السيولة النقدية. كان يجب أن لا نسمح بذلك. كان ينبغي أن نمنع منذ البداية زيادة السيولة النقدية. والآن أن تُترك السيولة النقدية منفلتة لتهجم بكل اتجاه وتدمِّر؛ فهذا أيضًا خطأ آخر. ينبغي إدارة السيولة النقدية. علينا أن لا نفترض أننا عاجزون عن فعل شيء للسيولة النقدية، كلا، الأمر ليس كذلك. يمكن السيطرة على السيولة النقدية وإدارتها. طبعًا تحتاج هذه العملية "مجموعة ناشطة متفرغة"، مجموعة متفرغة. قبل مدة طلب نواب المجلس [مجلس الشورى الإسلامي] من رئيس الجمهورية المحترم تعيين فريق اقتصادي ناشط، لا بأس، عينوا فريقًا بإشراف هذه المجموعة التي لديكم الآن ـ وأنا لا أطرح ولم أطرح أبدًا قضية التغيير والتبديل وما إلى ذلك ـ لتكن هناك مجموعة ناشطة على مدار الساعة ومكونة من عناصر من أهل العمل الجهادي؛ أي الذين يريدون العمل بشكل حقيقي، ولا يعرفون ليلهم من نهارهم، ومن أهل الإبداع والابتكار وما إلى ذلك، عيِّنوهم لمتابعة هذه القضية واطلبوا منهم إدارة السيولة النقدية. يمكنكم فعل هذا الشيء. نحن لدينا -على قول- أربعمئة ألف مليار تومان، وعلى قول آخر: ستمئة ألف مليار تومان من المشاريع نصف المكتملة، فلتوجدوا عناصر جذب وعوامل استقطاب للقطاع الخاص ليوظف السيولة النقدية في هذا الاتجاه. يمكن القيام بهذه الأعمال، امنحوا امتيازات ووفروا عوامل جذب.
هذه السيولة خطرٌ كبير.. يجب احتواؤها والسيطرة عليها
من أجل بيع نفطنا؛ حدث في بعض الحالات ومن أجل أن نستطيع تسيير الأمور، حدث أن تسامحنا في الأسعار. افترضوا مثلًا أننا منحنا تخفيضًا لطرف معين. حسنًا، افعلوا هذا الشيء في الداخل أيضًا، لندفع القطاع الخاص نحو العمل والمشاركة. يمكن القيام بأعمال مهمة. أذكر أني قلت في ذلك اليوم في الاجتماع ذاته مع الحكومة لنفترض الآن [مشروع] محطة الطاقة ذات الثلاثين ميغاواط التي قالوا إنّ روسيا تبنيها ـ كنت أتصور أننا لا نمتلك أقل من مئة ميغاواط، وتبيَّن أنه لا، لدينا خمسون ميغاواط وثلاثون ميغاواط ـ لا بأس، يُفترض أن لا تكون أسعارها عالية جدًا، وهي مُنتجة للدخل والثروة، فشجّعوا القطاع الخاص وحرِّضوه على أن يذهب ويأتي بعشرة أو عشرين من هذه ويُنشئها في أماكن مختلفة، فهي طاقة واستقطاب للسيولة النقدية، وتصفية وتحلية مياه وفيها فوائد كثيرة من هذا القبيل. ما أقصده هو استقطاب السيولة النقدية. هذه السيولة النقدية الكبيرة الموجودة اليوم هي خطر كبير، وهذا ما يعلمه الخبراء الاقتصاديون [بنحو] أفضل منا وهو أن هذه السيولة النقدية في أي اتجاه سارت [دون إدارة وتوجيه] دمّرت ونسفت. تتّجه أحيانًا نحو المسكوكات الذهبية وتتّجه حينًا نحو العملة الصعبة ـ مثل هذا الذي يجري وترونه ـ وتتجه أحيانًا صوب السكن فتُحدث ما تُحدث بشكل آخر. يجب أن لا تسمحوا، ويجب أن تديروا المسألة، أي لا يمكن السماح بترك السيولة النقدية منفلتة الزمام. لا يمكن القول إن هذه قد كبرت وتضاعفت ولا يمكن فعل شيء لها، كلا، كلا، بل يمكن السيطرة عليها واحتواؤها، ويجب احتواؤها.
وقضية المصارف التي أشار إليها قضية صحيحة؛ بمعنى أن المصارف تضع المصرف المركزي بين محذورين، ولهذه المشكلة أيضًا علاجها. المصرف الذي لا يستطيع إدارة نفسه ويترك الناس تقف صفًا أمام بابه، انتزعوا الصلاحية من هذا المصرف. أولًا [من خلال] إشراف المصرف المركزي على المصارف يؤدي إلى أن لا يصل إلى هذا الوضع ـ إذا كان هناك إشراف مستمر منذ البداية ـ وإذا وصل إلى هذه الحدود فيجب اتخاذ قرار وإجراء بحق هذا المصرف. كلُّ هذه المصارف الخاصة [الخصوصية]! لماذا تواجه المصارف مشكلة نقدية؟ لأنها تفتتح الكثير من الشعب والفروع من أجل راحة أفرادهم [العاملين فيها]. قلت هذا لحضرتكم ذات مرة وهو إنني كنت أعبر بالسيارة في طهران من مكان ما فشاهدت جدارًا طويلًا نمشي بالسيارة ونمشي والجدار لا ينتهي ولا ينتهي ولا ينتهي، فسألت لمن هذا؟ وماذا يوجد هنا بهذا الحجم الكبير؟ كانت هناك منشآت هائلة. فقالوا إنه للمصرف الفلاني. هذه حماقة من المصرف أن يفعل هذا، فما حاجته إليها. أي هل هذا الشيء مهم حقًا حتى يأخذوا أموال الناس ويحصلوا بها على مثل هذه الإمكانيات. وقد كانت هذه مؤسسات ومنشآت لا بُدَّ أنها للترفيه وما شاكل، كلا [يجب أن لا يحدث هذا]، المصارف تمتلك منشآت. قلت مرة في هذه الجلسة أن امنعوا أن تمتلك المصارف منشآت (12)، فالمصرف ليس من أجل امتلاك منشآت ووكالات عقارية. هكذا تنفق وتستهلك أموال الناس. سيطرة المصرف المركزي على المصارف وإدارته لها بشكل قوي يؤدي إلى أن لا تصل إلى هذا الوضع بحيث يبقى المصرف المركزي بين محذورين، فإما أن يُعطي فتحصل له مشكلة بنحوٍ ما، وإما أن يزيد الأموال والنقد [الادّخار] فيقع في المحذور بشكل آخر. هذه بالتالي من المسائل المهمة. أعتقد أنه يجب أن تنظموا وضع المصارف وتهتموا وتتابعوا قضية النقد بصورة جادة.
الموضوع الثاني: السياسة الخارجيّة
حسنًا، إذًا طرحنا في هذا المجال بعض النقاط ولن نتحدث أكثر من هذا حول هذه الموضوعات ولننتقل إلى الموضوع الثاني ـ والموضوع الثاني بالطبع لن يطول إلى هذه الدرجة بل هو أكثر اختصارًا ـ وهو موضوع السياسة الخارجية، والسيد ظريف ـ صديقنا العزيز ـ موجود هنا.
أوّلًا أشدّد على التواصل والعلاقات المتصاعدة مع جيراننا. لدينا أربعة عشر أو خمسة عشر جارًا، والكثير منهم وأكثرهم بإمكاننا أن ننسج معهم علاقات جيدة. فلنستفد من الفرص. لقد بعثت لكم رسالة (13) بخصوص باكستان وقلتم [في الجواب] إننا نعمل على توفير المقدمات لتقوموا بهذا الشيء. هناك العراق، وهناك تركيا، وهناك باكستان، وبلدان آسيا الغربية، وأماكن أخرى، نحن نستطيع العمل مع هذه المجموعة الكبيرة في مجالات عدة. هذه الدبلوماسية القوية مع الجيران جيدة لشؤوننا الاقتصادية. رفعوا لي تقريرًا يقول لو استطعنا العمل مع هذه البلدان بمقدار عشرة في المئة من النشاطات الاقتصادية لهذه البلدان فسيكون الأمر بالنسبة لنا رقمًا مرتفعًا جدًا. عشرة في المئة ليست شيئًا كبيرًا. هذه قضية.
وقضية أخرى هي قضية أوروبا. وقد قلت سابقًا وأقولها الآن أيضًا لتستمر العلاقات مع أوروبا. وأوروبا بالطبع ليست على شكل واحد، بل تختلف باختلاف البلدان، وهم مشتركون في بعض الأمور لكنهم متفاوتون في أمور أخرى، وليسوا على شكل واحد، لهم أساليب مختلفة. على كل حال يجب مواصلة العلاقات مع المجموعة الأوروبية ـ البلدان الأوروبية وليس الاتحاد الأوروبي ـ [أي] مع البلدان الأوروبية، ولكن اقطعوا الأمل منهم. اقطعوا الأمل من أوروبا. أوروبا ليست مكانًا نستطيع عقد الأمل عليه في قضايانا المتنوعة بما في ذلك قضية الاتفاق النووي والقضايا الاقتصادية وما إلى ذلك. لا، فهم لن يفعلوا شيئًا، فاقطعوا الأمل منهم. وقطع الأمل هذا لا يعني قطع العلاقة ولا يعني قطع التفاوض، بل بمعنى أننا نتخذ قرارنا بشكل آخر، هذا هو المعنى، ولتكن نظرتكم مشككة بوعودهم، بكل ما يعدون به، انظروا له بشكٍّ وارتياب. وها هم الآن يتلاعبون ويختلقون العقبات. أعتقد أنهم يمزحون في هذه القضايا المتعلقة بالاتفاق النووي والحظر، والواقع أن سلوكهم معنا حاليًا ليس سلوكًا مناسبًا.
أقول لكم أيضًا :إن الاتفاق النووي "برجام" ليس هدفًا بل هو وسيلة. ليس هذا الاتفاق هدفًا يلزمنا أن نحافظ عليه بأي شكل من الأشكال، بل هو وسيلة للحفاظ على مصالحنا الوطنية. إذا توصلتم ذات يوم إلى نتيجة مفادها أنّ الاتفاق النووي لا يستطيع تأمين المصالح الوطنية فدعوه جانبًا؛ أي إن هذا الاتفاق ليس أمرًا مهمًا، انظروا ما الذي تقتضيه المصالح الوطنية. أحيانًا يطرح البعض عليَّ سؤالًا، إنكم قلتم سوف أحرق الاتفاق النووي فلماذا لم تحرقه؟ السبب في أننا لم نحرقه هو هذا؛ أي إننا قلنا ربما نستطيع تأمين المصالح الوطنية به، وإلا إذا أدرك المرء أنه لا يؤمن المصالح الوطنية فنحن نجيد الإحراق ونقدر على هذا الفعل. على كل حال عليهم أن لا يلعبوا معنا! هذا ما ينبغي أن تتابعوه بجدّ.
طبعًا سمعت أنكم كتبتم مؤخرًا رسالة جيدة لهؤلاء المسؤولين الأوروبيّين؛ هذا جيد. من الجيد كتابة مثل هذه الرسائل، ويجب أن يفهموا طبعًا أن ثمة تدبير وراء هذه الرسالة، وثمة قرار وراءها، هذا ما يجب أن يشعروا به في كلمات حضرتكم والسيد رئيس الجمهورية والآخرين، وأيضًا في بعض الخطوات التي يجب أن يقوم بها السيد صالحي (14) ولا أدري إلى أي حد قام بهذه الخطوات أو يقوم بها. هذه أيضًا قضية.
والقضية الأخرى في مجال السياسة الخارجية هي أمريكا
هذا الذي بدأه البعض من الهمس بأنه «من الممكن أن تحصل مفاوضات على هامش اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة» هذا منتفٍ على نحو حاسم؛ أي لا وجود لمثل هذا الشيء. أولئك الذين كانوا يحافظون على بعض المظاهر والأدبيات تعاملوا معنا بتلك الطريقة، وهؤلاء الوقحون المتهتكون الصلفون قد شهروا السيف بصراحة، فأيُّ تفاوض يمكن أن يكون معهم؟ لا معنى لذلك أبدًا. فضلًا عن السيد رئيس الجمهورية، حتى وزير الخارجية وأفراد وزارة الخارجية؛ لا معنى أبدًا للتفاوض مع الأمريكيين. طبعًا أنتم تعلمون وربما تعلمون أفضل منّي أن الأمريكيين يحتاجون إلى التفاوض مع الجمهورية الإسلامية. الحكومات الأمريكية ـ سواء الحكومة السابقة أو هذه الحكومة أو الحكومة الأسبق ـ كلهم يحتاجون للتظاهر والاستعراض بأننا نجحنا في جرِّ طرف مثل الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات. هذا شيء يحتاجونه. في اليوم الذي نجح فيه أوباما بالتحدث مع السيد الدكتور روحاني هاتفيًا كان هذا احتفالًا وعيدًا بالنسبة لهم، وقد وصلنا خبر ذلك لاحقًا من خلال بعض الطرق. إنهم بحاجة لهذا الشيء، ولا ضرورة أبدًا لأن نلبّي احتياجهم هذا. أما لماذا نعارض التفاوض فهذا ما ذكرت سببه سابقًا ولن أكرره الآن.
القضية الثالثة قضية الانسجام والاتحاد
الانسجام والاتحاد بين مسؤولي إدارة البلاد ضروري دائمًا، وهو ضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى. إنني أؤيد كلام السيد روحاني. رؤساء السلطات الثلاث ومختلف المسؤولين في مختلف القطاعات يجب أن يُعضِّد بعضهم بعضًا. وليس معنى هذا الكلام أن يكون رأيهم واحدًا في كل القضايا، كلا، فقد تكون لهم آراء مختلفة، ولكن يجب أولًا أن يساعدوا بعضهم بعضًا في العمل ـ وخصوصًا الآن لأن الحكومة في وسط الساحة وكما سبق أن قلت فإن الأعمال والمهام الأساسية على عاتقها، يجب عليهم وبشكل خاص، مساعدة السلطة التنفيذية ـ كما يجب عدم إعلان الاختلافات للإعلام، فهذا شيء مهم. لربما يكون لديكم اختلاف في الرأي مع الرئيس الفلاني حول القضية الفلانية، فما الضرورة لأن يُطرح هذا الاختلاف في وسائل الإعلام؟ وما معنى ذلك؟ وما الفائدة التي تترتب عليه؟ أن يكون هناك أربعة أشخاص سياسيين مفلسين جالسين في زاوية من الزوايا يروقهم مثلًا أن تكون مواقفنا بهذا الشكل، فهذا لا يشكِّل سببًا ومبررًا. الخلافات بين المسؤولين تشوش أذهان الناس وتشتتها وتقلقهم وتجعلهم مضطربين. إنني ألاحظ أحيانًا أنه حتى السادة الوزراء يُصرِّحون بخلاف بعضهم! إنكم إذ تجلسون في هيئة الوزراء حول طاولة واحدة والسيد رئيس الجمهورية يجلس على رأس الاجتماع لكم أن تختلفوا وتتشاجروا ما شئتم، تشاجروا هناك، اطرحوا وجهات نظركم المختلفة هناك. فلماذا تأتون بها إلى المنابر والمنصات؟ وزير يصرح بشيء ويأتي وزير آخر فيردُّ ويرفض كلامه، هذا شيء عجيب جدًا. هذه السجالات والمجادلات الإعلامية شيء سيئ جدًا حقًا.
جلسة المساءلة: استعراضٌ للاقتدار والاستقرار
أما جلسة مجلس الشورى بالأمس (مساءلة رئيس الجمهورية) فأعتقد أنها استعراض لاقتدار الجمهورية الإسلامية. جزى الله السيد رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية خيرًا حيث عرضا معًا اقتدار واستقرار الجمهورية الإسلامية يوم أمس. هذه نقطة مهمة جدًا. نواب المجلس يسألون رئيس الجمهورية الذي اُنتخب بأكثر من 23 مليون صوت، ويذهب رئيس الجمهورية بدون أي امتناع أو مشكلة ويستمع بكل برودة أعصاب للأسئلة ثم يجيب عنها بكل رصانة، هذه علامات ومؤشرات جيدة جدًا. هذا هو معنى ما نقوله حول السيادة الشعبية الدينية في هذا البلد، معناها أن يقوموا بواجباتهم ولا يضطربون ولا يتشتتون ويسألون ويجيبون ويتكلمون ولا يتهجم بعضهم على بعض، هذا شيء مهم جدًا، وهو ما حدث يوم أمس. لو افترضنا أن أحد النواب كان قد استخدم يوم أمس لهجة غير مناسبة أو إذا كان للسيد رئيس الجمهورية في جوابه لمجلس الشورى لهجة غير مناسبة، فكم سيكون هذا سيئًا وكم سيكون فيه ضرر على الجمهورية الإسلامية! كلا، لقد سألوا بشكل محترم والسيد رئيس الجمهورية أجاب بمتانة وهدوء. طبعًا توجد بين مطالبهم وتوقعاتهم وانتظارهم وبين الواقع مسافة فاصلة، وهذا مما لا شكَّ فيه، ويجب ردم هذه الفاصلة، ولكن لا إشكال في ذلك، فالمهم هو أنَّ ما حدث كان في رأيي عرضًا عظيمًا لاقتدار الجمهورية الإسلامية وتعبيرًا عن استقرار الجمهورية الإسلامية وعن ثقة المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بأنفسهم، حيث أبدى مجلس الشورى ثقته بنفسه بشكل وأبدى رئيس الجمهورية وأبدت الحكومة ثقتها بنفسها بشكل آخر. هذا برأيي شيء حسن جدًا.
والعدو طبعًا يطالب بغير ذلك، العدو يحاول إظهار القضية بشكل آخر لكن حقيقة القضية هو ما قلته وهو ما يراه الآخرون ويفهمونه. والأمر على النحو نفسه في داخل البلاد أيضًا فالناس يشاهدون أنّ أحدًا لم يضطرب ولم تحدث أية مشكلة وذهبوا وسألوا وأجابوا برصانة ومتانة واحترام وعادوا. كانت هذه برأيي جلسة جيدة جدًا، وقد أنجزت السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية عملًا كبيرًا وبشكل مشترك، وهذا الشيء يقوّي رئيس الجمهورية ويقوّي مجلس الشورى أيضًا، وسيشكل إن شاء الله أرضية لمزيد من التعاون والتقريب بين الآراء والواقعيات.
طبعًا يجب أن تؤخذ هذه التوصيات التي أدلينا بها اليوم والنقاط التي ذكرت بعين الاعتبار ونتقدم إلى الأمام، ومن ذلك هذا الشيء الذي قيل مرارًا ويقال وهو أن يكون هناك فريق مشمّرٌ عن سواعده وصاحب همة وذو نشاط توكل إليه مسؤولية حل هذه المعضلات المهمة الواحدة تلو الأخرى، وسوف يتقدمون إلى الأمام إن شاء الله.
نستشير ونفكّر ثمّ «إذا عَزَمتَ فَتَوَكّل»..
وفي خصوص جلسات واجتماعات السلطات الثلاث فإن ما قاله السيد الدكتور روحاني صحيح وينبغي أن يكون هناك تنسيق جيد. وقد أوصيت وسوف أوصي مرة أخرى، ولكن لاحظوا ودقّقوا بأن لا يكون العمل بحيث تحصل غفلة عن الواجبات الذاتية للسلطات الأخرى، وسبق أن تحدثت مع حضرتكم، ليكن الأمر بحيث تنسّقون سويًا. نعم، الحرب تتطلّب قائدًا ـ ونحن إذ كنا في الحرب نعلم ذلك بمقدار قليل ـ لكن القائد يستشير اللجان، أي لا يوجد أبدًا أي قائد يقول لنذهب بهذا الاتجاه من دون استشارات اللجان ويسير الآخرون خلفه، كلا، هناك لجان تجتمع وأعضاؤها يبحثون ويناقشون ويتشاورون ويعملون، ويحدث أحيانًا أن يتغير رأي القائد تمامًا من خلال هذه الاستشارات التي يتداولها مع أعضاء اللجنة، ويخرج القرار بشكل آخر. أي إنّ هناك أمورًا تعدُّ من السنن الطبيعية والعادية للسلوكيات الجمعية، فينبغي مراعاتها، ومن هذه السنن أن نستشير ونفكّر ونأخذ بعين الاعتبار حقوق الأفراد المتنوّعين، وطبعًا يأتي بعد ذلك «فَإذا عَزَمتَ فَتَوَكل على الله» (15)، وهو ما يجب أن نقوم به أيضًا.
حسنًا، نتمنى لكم جميعًا أيها السادة التوفيق والتأييد إن شاء الله، وعسى أن يكون الله راضيًا عنكم ويعينكم لتستطيعوا إنجاز الواجبات المهمة التي على عواتقكم. ويبدو أنَّ كلامنا قد طال (16)، غمرتكم الرحمة والألطاف، وحفظكم الله بحفظه إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدث حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية.
2 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 164.
3 ـ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 613 (الزيارة الجامعة الكبيرة، بقليل من الاختلاف(.
4 ـ سورة المائدة، شطر من الآية 3.
5 ـ سورة المائدة، الآية 56.
6 ـ سورة المائدة، شطر من الآية 55.
7 ـ سورة المائدة، شطر من الآية 55.
8 ـ سورة إبراهيم، شطر من الآية 28.
9 ـ الغاز الطبيعي السائل.
10 ـ ضحك الإمام الخامنئي.
11 ـ حبيب الله بيطرف.
12 ـ كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء هيئة الوزراء بتاريخ 26/08/2017م .
13 ـ وزير الخارجية الإيراني.
14 ـ علي أكبر صالحي (رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية).
15 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 159.
16 ـ قال رئيس الجمهورية هنا: «طيّب الله أنفاسكم، انتفعنا كثيرًا».
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء
نشرت في
آراء القائد