أسس وركائز المشروع الإسلاميّ عند الإمام الخامنئي (دام ظله)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أسس وركائز المشروع الإسلاميّ عند الإمام الخامنئي (دام ظله)

ينطلق الإمام الخامنئي (دام ظله) في حديثه عن المشروع الإسلاميّ من الأسس والركائز التي وضعها الإمام الخميني (قده)، ويعتبر نفسه في مقام ولايته أنّه المستأمن على تلك الأسس والركائز. ثمّ إنّه يعتبر أنّ الثورة الإسلاميّة حينما برق نورها بما صدع به الإمام الخميني، أنارت الطريق المظلم أمام الشعوب المستضعفة، وأنّ أهمّ ما تحمله هذه الثورة هي القيم الإسلاميّة القابلة للتوسّع والانتشار في عالم الإنسان، والتوق للتحرّر والتكامل. من هنا، فقد حدّد الإمام الخامنئي خمسة مراحل للحراك النهضويّ الإسلاميّ: «إنّنا قمنا بثورة إسلاميّة، ثمّ أقمنا نظامًا إسلاميًّا، ثمّ جاء دور إقامة الدولة الإسلاميّة، تليها إقامة دول إسلاميّة، ثمّ تأتي مرحلة قيام الحضارة الإسلاميّة العالميّة، ونحن حاليًّا في مرحلة الدولة الإسلاميّة والبلاد الإسلاميّة»(22).

إنّ هذا النصّ الذي رسم فيه الإمام الخامنئي (حفظه المولى) الإطار العامّ للمنطلق والمسار والهدف المتوخّى للمشروع الإسلاميّ النهضويّ يحمل في طيّاته جملة أمور منها:

أ‌- المرحليّة الواعية والهادئة التي تحتضن كلّ التحفّز نحو تحقيق الهدف الإلهيّ النهائيّ وهو قيام حضارة الإسلام العالميّة، والملفت في هذه المراحل اعتمادها على خطوط النتائج بدل المرحليّة في الأساليب؛ وهي الطريقة القديمة التي كانت تعتمدها الحركات الإسلاميّة قبل نهضة الإمام الخميني (قده)، والمرحليّة في عناوين النتائج تحتوي المرونة في مضمون الأساليب التي يمكن اعتمادها. كما تحتوي على الثقة بالله والنفس في تحقيق الإنجازات الأكيدة والواضحة.

ب‌- انقسام المراحل الخمس إلى ثلاثة عناوين: اليقظة والبناء الواعي وهي مراحل ما قبل الدولة، ثمّ مرحلة بناء نموذج أو نماذج الدولة والحكم الإسلاميّ، ثمّ وفي المرحلة الأخيرة الحضارة. أي بمعنى آخر: الثورة، الدولة، الحضارة.

ج- إنّ مقتضى الوحدة في سياق هذا الحراك أن تقوم على وحدة القيم والأهداف؛ والسؤال هل هذا هو الحاصل في مسيرة النهضة التي قامت على نهج الاقتدار الذي يقوده الإمام الخامنئي؟

د- ثمّ أخيرًا، من حقّ المرء أن يسأل ويستفسر عن موقع مبدإ التوحيد في هذا المسار النهضويّ؛ ومقصودنا هنا، التوحيد بالطريقة التي قدّمها الإمام الخامنئي؟

للإجابة، علينا أن نتلمّس بعض الوجوه العامّة التي لو التقطناها في نصوص وأدبيّات الإمام الخامنئي لأمكن لنا رسم الإطار العملانيّ القائم على بناءات وقواعد نظريّة، أو مبدأ التوحيد وحاكميّته في الحياة، ومن ذلك قوله:

1- «علينا أن نسعى إلى تحقيق العدالة والقيم الإسلاميّة في المجتمع، وأن نخلق من المجتمع مجتمعًا دينيًّا وإسلاميًّا»(23).

2- ذهابه إلى أنّ الأصل الذي عنه يصدر المشروع النهضويّ الإسلاميّ المعاصر إنمّا هو فكر ونهوض وقيادة الإمام الخميني، وهو النهج الذي شرح الإمام الخامنئي بعض مفاصل أبعاده في بحث مستقلّ ذهب فيه إلى أنّ نهج الإمام فيه أبعاد منها:

 البُعد الأوّل: امتزاج المعنويّات بالسياسة
    حيث ترى امتزاج السياسة بالعرفان والأخلاق، وكانت جميع مواقف الإمام، قدّس الله سرّه، تدور حول محوريّة الله عزّ وجلّ، حيث كان مؤمنًا بإرادته التشريعيّة وموقنًا بإرادته التكوينيّة، وكان عالمًا أنّ الذي يسعى إلى تحقيق الشريعة الإلهيّة سيحظى بمساعدة قوانين الخليقة(24). واستفاد إمام الأمّة من ذلك، أنّ حذف المعنويّات عن الجهاز السياسيّ هو إذلال للشعب.

البُعد الثاني: موقع ودور الأمّة الاستثنائيّ
    في حراك الإمام الخميني ما شكّل قناعة عند الإمام الخامنئي أنّ الديمقراطيّة الحقيقيّة هي تلك التي رسمها الإمام الراحل، قدّس الله سرّه، وأنّها تختلف عن الديمقراطيّة الأمريكيّة المزيّفة. من هنا، «فإنّ الذي جاء بالديمقراطيّة هو الإمام والثورة ونظامنا الإسلاميّ»(25).

البُعد الثالث: الرؤية العالميّة والشموليّة في منهج الإمام السياسيّ
   «حيث لم يقتصر نداؤه على الشعب الإيرانيّ فقط، وإنّما تعدّاه إلى جميع الأمّة، بل وكافّة البشريّة، وهذه هي الرسالة الملقاة على عاتق المسلم»(26)، إنّ هذا القول للإمام الخامنئي هو تعبير جديد عن فهمه لحضور نهج الإمام قدّس الله سرّه، في كافّة مراحل النهضة الإسلاميّة.

البُعد الرابع: صيانة القيم من خلال تبنّي ولاية الفقيه
حاول البعض تعريف ولاية الفقيه بوصفها الحكومة الفرديّة المطلقة، وهذا كذب، إذ إنّ ولاية الفقيه، وفقاً لقانوننا الأساسيّ، لا تنفي مسؤوليّات الأركان المسؤولة في الدولة. فليس لولاية الفقيه سوى دور هندسة النظام، وحفظ مسيرته من الانحراف.
إنّ هذه المسؤوليّة - الملقاة على عاتق ولاية الفقيه - الحسّاسة والخطيرة تقوم بدورها على أسس وضوابط دينيّة، كما تقوم على رأي الناس وإرادتهم، فالمعيار في ولاية الفقيه معنويّ، خلافًا للمعايير في النظم الرأسماليّة فإنّها مادّيّة محضة.

فالمعيار في ولاية الفقيه يقوم على العلم والتقوى والدراية، والعلم يستتبع وعيًا، والتقوى شجاعة، والدراية مصالح البلاد وشعبها، ولو افتقد متسنّح هذا المنصب واحدًا من هذه الأسس سقطت كفاءته حتّى وإن حظي بدعم أفراد الشعب. فرأي الناس مؤثّر في إطار هذه الضوابط، ومن جهة أخرى إذا توفّرت هذه المعايير في شخص وتمّ انتخابه برأي الجماهير عن طريق مجلس الخبراء، لا يمكنه أن يقول قد توفّرت في هذه الضوابط، فعلى الناس أن يستجيبوا لي، فحق الانتخاب بيد الناس(27).

إنّ نصّ هذا البُعد بالغ الأهمّيّة لما يحوي من الحقائق التالية:
‌أ- إنّ نظام القيم الإسلاميّ مرتبط على المستوى النظريّ بمبدإ الولاية بمفهومها الوارد في العقائد والأخلاق والعرفان، ثمّ إنّ هناك قيمًا تستظلّ في مبدئيّة ولاية الفقيه كمضمون يعبّر عن الحاكميّة السياسيّة والاجتماعيّة، وكناظم لجماعة المسلمين. وهذه المبدئيّة هي نظام يشمل أركان الجماعة أو الأمّة المسلمة، ولا يقتصر على الفرد وحاكميّته المطلقة، إذ مثل هذه الحاكميّة هي على طرف نقيض مع القيم الإلهيّة، وبالتالي مع المعنى الذي  تحمله حاكميّة ولاية الفقيه.
‌ب-إنّ مشروعيّة الولاية لا يمكن أن تكون ذاتيّة أو إداريّة فهي بالأصل نابعة من الدين نفسه، ثمّ إنّها مشروعيّة شعبيّة مرجعها إرادة الناس. لذا، فإنّ الولاية لله أولاها من يتمتّع بمواصفات حفظ هذه الأمانة وتعيين الشخص القادر على التصدّي لهذه المهمّة وإن أخذ شكلًا شوريًّا إداريًّا نظاميًّا من خلال مجلس الخبراء، فإنّ المرجعيّة النهائيّة في هذا الاستحقاق التعيينيّ إنّما يعود للناس ومستوى إيمانهم وتفاعلهم مع الوليّ.
‌ج-  إنّ الدور الفعليّ لوليّ الأمر هو هندسة النظام بمعنى رسم الحيثيّة الشرعيّة في إدارة الحكم وطبيعة النظام وفق الأهداف الإلهيّة والمطامح الشعبيّة والتشريع الفقهيّ، وهنا ضرورة أن يكون الوليّ فقيهًا بمعنى صاحب علم ودراية. كما أنّ دوره حفظ المبادئ التي انطلقت منها الثورة، وعلى أساسها بُنيت الدولة، ومن روحها ينبع طموح بناء الحضارة العالميّة التي تلحظ شعوب العالم. ولهذا السبب، فإنّ التفاصيل في إدارة حركة الأهداف إنّما يقوم بها مَن هم في موقع المسؤوليّة من أركان الدولة أو القيادات الشعبيّة والحزبيّة.
‌د-    ثمّ إنّ التركيز المفصليّ في أنّ المضمون الذي تستند عليه الولاية هي نظام قيميّ إلهيّ يقع على طرف النقيض الحضاريّ للمادّيّة الرأسماليّة، لا بمعنى أنّ الدين لا يولي اهتمامًا للجوانب المادّيّة، بل بمعنى أنّ حركة الدنيا وشؤونها الماديّة موصولة بغايات إلهيّة تشكّل روح الحراك الدنيويّ. فالقيم الإلهيّة من مثل العلم، والتقوى، والدراية، تستتبع وعيًا، وفهمًا، متبصّرًا بالوقائع وشجاعة في التصدّي، والصمود أمام المخاطر والزلازل، فمن يتّقي الله يجعل له مخرجًا من كلّ سوء بسبب ثقته واعتماده على الله ورعاية حكيمة لمصالح البلاد والعباد بسبب الدراية الخيِّرة التي حثّت القيم الإسلاميّة على التحلّي بها.

البُعد الخامس: العدالة الاجتماعيّة
إذ إنّ أهمّ ما يميّز المنهج السياسيّ عند الإمام الخميني هو «بُعد العدالة الاجتماعيّة، فلا بدَّ لنا في هذا المنهج من جعل العدالة نصب أعيننا في جميع أركان الحكومة وقواها التقنينيّة والقضائيّة، وإلغاء الفواصل الطبقيّة»(28).

مع هذا البُعد الخامس، نستكشف الثوابت الخمينيّة التي عمل وما زال الإمام الخامنئي على بلورتها وتسييلها في الواقع الحيّ للتجربة الإسلاميّة النهضويّة القائمة على نهج الاقتدار.

3- حفظ روح الشهادة في الأمّة وجعلها معيار صحّة وسلامة الاقتدار المباشر على مستوى القوّة العسكريّة أو النهوض الاقتداريّ ببقيّة مرافق بناء الحضارة الإسلاميّة من العلم والسياسة والاقتصاد وغير ذلك. وبهذا الصدد يقول سماحته:

إنّ قضيّة الشهادة قضيّة عميقة ومهمّة جدًّا، وشعبنا حلّ هذه القضيّة عمليًّا بإيمانه ومشاعره الدينيّة وشجاعته. ولو أردنا عرض قضيّة الشهادة وأهمّيتها في جملة واحدة لقلنا: إنّ الاعتقاد بالشهادة والإيمان بعظمة الشهداء يمثّل بالنسبة لأيّ شعب العمق المعنويّ لشخصيّة ذلك الشعب وهويّته. كيف يمكن لشعب أن يعرف بالعظمة في أعين شعوب العالم؟ وكيف يمكن للشعب بدل أن يتأثّر بشتّى العوامل السياسيّة في العالم أن يترك تأثيره في جميع الأحداث في العالم؟ كيف يمكن للشعب بلوغ هذه المكانة؟

حينما يتقبّل شعب بجميع أبنائه وشبابه وآبائه وأمّهاته الإيثار في سبيل الله والتضحية بالنفس في سبيل الهدف الإلهيّ ويؤمنون به، فسوف يكتسب هذا الشعب عمقًا هائلًا من العظمة. ومن الطبيعيّ أن يكون هذا الشعب مقتدرًا، وقويًّا، ومتفوّقًا، من دون أن يكون له سلاح ومن دون أن يمتلك ثروة نقديّة مميّزة.

يخلص سماحته من كلّ ذلك ليقول: «إنّ النصر منوط باقتدار لا يتأتّى بالمال والإمكانيّات المادّيّة والسلاح النوويّ، إنّما ينبع من الإيمان بالشهادة والإيثار والاعتقاد بأنّ الإنسان حينما يضحّي إنّما يتاجر ويتعامل مع الله»(29).
 
سماحة الشيخ شفيق جرادي

(22) الإمام الخامنئي، حفل تخريج وتحليف الطلاب في الكلّيّة العسكريّة (طهران: 20 شعبان 1425هـ).
(23) الإمام الخامنئي، حفل تخريج وتحليف الطلاب في الكلّيّة العسكريّة (طهران: 20 شعبان 1425هـ).
(24) الإمام الخامنئي، خلال استقبال الوفود المشاركة في الذكرى 15 لرحيل الإمام الخميني (طهران: 1425هـ).
(25) المصدر نفسه.
(26) المصدر نفسه.
(27) الإمام الخامنئي، خلال استقبال الوفود المشاركة في الذكرى 15 لرحيل الإمام الخميني (طهران: 1425هـ).
(28) الإمام الخامنئي، خلال استقبال الوفود المشاركة في الذكرى 15 لرحيل الإمام الخميني، طهران، 1425هـ.
 (29) الإمام الخامنئي، من كلمته في عوائل الشهداء والمعوّقين بقم، 20/10/2010.

قراءة 2135 مرة