حقيقة المبعث في فكر الإمام الخامنئي (7)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

حقيقة المبعث ورسالته في فكر الإمام الخامنئي(7)

من كلمته بمناسبة عيد المبعث النبوي السعيد 13/7/1381ش (9/10/2002م)

واجبنا حيال نشر الإسلام والثقافة الإسلامية :

من المتيقّن أن أحد العناصر التي ساعدت على تقدم الإسلام هو التوكل على الله والأحكام الإلهية: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ (البقرة، 285). النبي نفسه والمؤمنون في صدر الإسلام كانوا يعتقدون من أعماق قلوبهم برسالة الإسلام وشعاراته وحقائقه وكفايته لإنقاذ الإنسانية.كانوا يؤمنون بذلك حقاً ومن أعماق كيانهم. الإيمان هذا عامل مهم جداً. عامل آخر وقف على رأس هذه الحركة هو أنهم لم يكونوا يهتمون لأنفسهم وما ينالونه من منافع مادية. هذا عامل مهم جداً. كل هذه التوصيات والتأكيدات التي وصلتنا في الروايات (بحار الأنوار، ج73، ص113) وفي نهج البلاغة (الرسالة 27 و59، والخطبة 34) وفي أحاديث النبي الأكرم والأئمة عليهم السلام والشخصيات الكبرى حول الزهد في الدنيا وعدم الاكتراث لزخارفها وعدم طلبها للذات، سببها التأثير العظيم لهذا العامل. طبعاً، أعداء الإسلام وسيّئو الفهم من المسلمين تصوروا، أوهكذا تظاهروا، بأن دعوة الإسلام للزهد تعني عدم الاهتمام لمظاهر عالم الوجود والحياة. والحال أن القضيةلم تكن كذلك، إنما كان المراد الدنيا السيئة الذميمة وأن نجعل أنفسنا ومصالحنا المادية أهدافاً نلهث وراءها، هذا هو الشيء المخرب الهدام والباعث على كل أنواع التعاسة.

أولياء الله _ الذين استطاعوا إمساك تلك الراية في أيديهم بقوة والسير في هذا الطريق بكل مرونة وبلا كلل أو نصب _ هم الذين تخطّوا هذا المنعطف. لذلك نقرأ الحمد لله في بداية دعاء الندبة ذي المضامين الحسنة جداً (الإقبال للسيد بن طاووس، ج1، ص504) على ما قضاه الله تعالى على أوليائه، حيث تتضمن العبارات والجمل الأولى من الدعاء خصوصاً طائفةً من أجمل وأعمق المفاهيم، يقول: »بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها«. وصلت بهم إلى أعلى مدارج الكمال والرفعة المعنوية، وإلى النعيم الذي »لا زوال له ولا اضمحلال«. منحتهم هذه النعم واخترتهم، لكن بهذا الشرط.

يقف الرسول الأكرم في أسمى مراتب التعالي الإنساني. وهذا غير متيسّر من دون العون والتمهيد الإلهي. بيد أن الله يهب هذه الميزة مقابل شرط معين هو »الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك«.. وافقوا على هذا الشرط وعملوا به. وهكذا تظهر عناصر فولاذية مثل الرسول الأكرم وأمير المؤمنين لا تعرف التعب، تحمل على عاتقها أعباءً لا تختص بزمانها فقط؛ ويطلقون تياراً لا ينتهي بنهاية أعمارهم. لاحظوا أن الإسلام لا زال يتألق الآن حتى بعد مضي أربعة عشر قرناً.

كل هذا إنما يدور حول محور ذلك الوجود العظيم، وذلك الجهاد المتواصل. هذه هي العوامل التي تغذّي هذه الحركة وتجعلها مستمرة. وطبعاً، كان لما قام به المسلمون والمؤمنون والعظماء في وسط الطريق دوره المساعد في هذه المسيرة. ما نتوقعه هو أن لا يجعل كبراء العالم الإسلامي _ سواء رجال السياسة أو الدين _ مصالحهم في الدرجة الأولى من الأهمية. الشيء الذي نتوقعه من الناس والشخصيات الكبيرة في زماننا ليس توقعاً تحقق لنا في قلوبنا بسلوك الرسول، لا، ثمة فاصل كبير جداً. نحن نتوقع هذا من أنفسنا أيضاً، ونتوقعه أيضاً من الآخرين في العالم الإسلامي أن لا يجعلوا مصالحهم و»أنا« هم على رأس أهدافهم، ولا يغلِّبوها على كل الأشياء الأخرى. بل يقدموا الإسلام والوصول إلى القوة والاقتدار والرفعة والكمال الإسلامي على مصالحهم. إذا حصل هذا، فستستعيد الأمة الإسلامية اليوم بلا شك قسماً هائلاً من طاقات الإسلام الذاتية.

أهم سمة في الشخصية التي استطاعت هنا حمل هذا العبء الهائل من التوجّه والإيمان والاعتقاد والمحبة والحركة الجماهيرية على كاهلها، وإيصال المهمة إلى هذا الطور _ وأقصد بها إمامنا الجليل _ هي أنها ألغت ذاتها وتجاهلتها، وجعلت الواجب محور عملها وتحركها، ولذلك حققت النجاح. طبعاً، بالإضافة إلى المميزات الكثيرة الأخرى التي توفرت في ذلك الرجل العظيم. هذا هو أساس العمل. نحن في الجمهورية الإسلامية خلال هذه السنوات العشرين أينما استطعنا تقديم التكليف والأهداف، والتهوين من شأن ذواتنا والأشخاص والأنانيات والأهواء، أمكننا التقدم إلى الأمام؛ ومتى ما حصل العكس عاد علينا ذلك بالضرر.

طوال ثمانية أعوام من الحرب المفروضة، والذين كانوا في سياق التفاصيل يعلمون أفضل، أينما سادت روح الواجب وتضاءلت الأنانيات لدى المسؤولين استطعنا التقدم إلى الأمام، ومتى ما حلّت الأنانية حلّت معها الخسارة والضرر. وكذا الحال اليوم... منذ الساعة الأولى وإلى الآن لم يقلع أولئك الأعداء الذين داهمتهم المفاجأة عن عدائهم للنظام الإسلامي، وأغلقوا السبل أمام تكرار هذه الحركة في سائر المناطق الإسلامية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لأن عنصر المفاجأة لم يعد موجوداً الآن. هكذا ظهر هذا النظام إلى النور. إنه واجب كبير علينا. بل هو أول واجباتنا. كل واحد منا نحن الذين نتحمل المسؤوليات في النظام الإسلامي - المسؤوليات التنفيذية، والاستشارية، والبحثية، والتشريعية - عليه السعي لتعزيز وتكريس عنصر القوة والاقتدار الذي عهدناه في تاريخ الإسلام وجربناه في حياتنا: الثقة بالله، وبما نمتلكه بفضل الإسلام، ونبذ محورية الأنا أي التقليل من الأنانيات الشخصية والقومية والفئوية والسياسية، والتوجه نحو الاتحاد الحقيقي تحت ظل الأحكام الإلهية.. الاتحاد المشروط بالإيمان الواحد، والحب الواحد، والهدف الواحد.

قراءة 2295 مرة