حقيقة المبعث ورسالته في فكر الإمام الخامنئي(8)
من كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد المبعث النبوي السعيد 15/8/1378 (6/11/1999م)
علينا إحياء البعثة في أنفسنا وفي حياتنا :
ثمة ها هنا نقطتان ينبغي التنبه لهما. إحدى النقطتين ينبغي أن نتفطّن لها أنا وأنتم وكل من له مسؤولية في هذا النظام. وهي أن علينا معرفة أنفسنا والعمل لا بصفتنا مدراءً وحكاماً فقط، بل أيضاً باعتبارنا أصحاب أفكار جديدة نعرضها على العالم. علينا التحرك بهذه المنهجية.. وتطبيق سلوكنا مع الإسلام، والاحتفاظ بنقاء واستقلال هذا الفكر.
والنقطة الثانية تتعلق بشعوب العالم. تحاول وسائل الإعلام الاستكبارية تصوير الجمهورية الإسلامية كنظام معتدٍ متطاول يروم القضاء على كل الأنظمة الأخرى في العالم. لكن الواقع غير هذا. كل إنسان في العالم يعيش كيفما شاء. نحن نعرض فقط ما تحتاج إليه الإنسانية. يقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: »طبيب دوّار بطبه قد أحكم مراهمه وأحمى واسمه«. نحمل في زوّادتنا دواء أوجاع الإنسانية المعاصرة، ومن لم يشأ التزوّد من هذه الزوادة فلا يتزود. لا نتشاجر مع أحد.
إذا كانت الإنسانية تعاني من أزمة هوية ومعنوية وعدم احترام للتقاليد والأعراف الإنسانية، الأب لا يرحم أبنه، والابن لا يحترم أبيه، لا يوقرون منـزلة التقاليد القديمة، ولا يقيمون قيمة للقيم غير الشخصية، فهذه أزمة. والشعوب الغربية اليوم تعاني هذه الأزمة، وعلاجها في الإسلام.
إذا كانت ثروة الأثرياء في عالم اليوم تتضاعف باضطراد وبعض الأشخاص والشركات تجني ثروات مليارية أسطورية، وهناك إلى جانب تلك الثروات أناس ينامون الليل على الورق المقوى فوق إسفلت الشوارع، فهذه من مشكلات الغرب. إذا كانت أسس العائلة في البلدان الغربية تتضعضع يوماً بعد آخر رغم آلاف التوصيات الداعية للزواج وصيانة العائلة وما شاكل، وإذا كان الفتية والفتيات في ضيق وحرج؛ إذا كان شركاء الجريمة أنفسهم في حرج وضيق، وإذا كان صرح العائلة عرضة للزلازل، والأطفال يعيشون ظروفاً سيئة، وإذا كانت الأزمة النفسية قد استغرقت الجميع، فما هو السبب؟ لماذا كل هذا الانتحار؟... إذا كانت البشرية تعاني من هذه الأمراض العضال، فنحن نقول لها إن علاجها هاهنا. الإسلام هو العلاج. هذا هو تجديد البعثة في العالم المعاصر، وأنتم اليوم الرواد.
الشعب الإيراني شعب رائد عليه العمل بكل ثقة بالنفس. فالعالم بحاجة إلينا... رسالتنا رسالة الإسلام. الرفق أيضاً من الأمور التي ذكرتُ إنها من عوامل انتشار الإسلام. »ما كان الرفق في شيء إلا زانه«. الرفق معناه المرونة والاستواء وليس التحلّل والتفكّك. ليس معنى الرفق ساتراً ترابياً ليّناً يمكن اختراقه. الرفق بمعنى عدم التشدد والوعورة والبشاعة. هذا معنى الرفق. حينما تلمسون بأيديكم عنصراً صلباً كالفولاذ لا تشعر أيديكم بالألم والوعورة والخشونة. هذا هو معنى الرفق أو النعومة. إنه شيء مستوٍ صافٍ. هذا هو معنى الرفق.
وأحياناً قد تلمسون شيئاً فيجرحكم ويؤذيكم إلا أن جنسه ليس كالفولاذ بل هو من الخشب مثلاً. قد لا يبرون الخشبة بشكل صافٍ جيد. البعض يطلقون كلاماً باطلاً ضعيفاً مضعضعاً قليل المحتوى بشكل يخدش الجميع. وفي المقابل يمكن عرض الفكر العميق الصحيح المتين القوي بطريقة لا تحتوي أية وعورة أو شدة. هذا هو الإسلام؛ هذا هو القرآن. هكذا يجب أن يكون درس البعثة بالنسبة لنا يا إخوتي وأخواتي الأعزاء. الدرس القرآني هو إننا رسل شيء جديد وعلينا احترام هذا الشيء الجديد. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه...﴾ (التوبة، 33). جاء ليغلِّب المعنوية بشكل طبيعي. حينما تطلع الشمس فلن يعود للشموع من نور حتى لو أوقدتم أمامها ألف شمعة. هذا هو ظهور البعثة وغلبتها. هذه هي الشمعة.. هذا هو المصباح.. هذا هو المشعل.. هذه هي الشمس.. فلنعرف قدرها. علينا إحياء البعثة في أنفسنا وفي حياتنا. يجب أن نطلب العون من الله تعالى وسوف يعيننا.