كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مراسم التخريج لطلّاب جامعات الضباط

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مراسم التخريج لطلّاب جامعات الضباط

 

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مراسم التخريج لطلّاب جامعات الضباط التابعة للقّوات المسلّحة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة 03/10/2021م

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (ع).

تُقام هذه المراسم[1] فيما لا يزال عطر الأربعين الحسيني ينفح عبيراً على القلوب والأرواح اليَقِظة. أتمنى أن نأخذ جميعنا دروساً في المدرسة الحسينية، وأتمنى أن تحصّلوا الدرجات، أيها الشباب في الجامعة الحسينية، كما حصّلتم الرّتب، بحمد لله، في جامعاتكم العسكرية.

أبارك لجميع خرّيجي جامعات الضباط في القوات المسلحة الذين يدخلون الدورة التنفيذية للقوات من اليوم، وكذلك لجميع الشباب الذين يحصلون على الرّتب العسكرية والذين يخطون الخطوة الأولى نحو دخول القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية.

وأبارك للشعب الإيراني أيضاً شبابَه المؤمنين والصالحين والشجعان وذوي العزم والبصيرة، والقادة الذين يربّونهم على هذا النحو وفي هذا الاتجاه وهذا الطريق.

أعزائي، إن افتخار قواتنا المسلحة هو أن القوات في بلدنا العزيز هي سياج قلعة مستحكمة للبلاد والشعب. كما قال أمير المؤمنين (ع): «فالجنود بإذن الله حصون الرعية» [2]. ولقد تحقق هذا في بلدنا بالمعنى الحقيقي للكلمة، واليوم صارت مؤسسات القوات المسلحة، الجيش و«حرس الثورة الإسلامية» وقوات الشرطة والتعبئة، بالمعنى الحقيقي للكلمة، درعاً دفاعياً أمام التهديدات الشديدة للأعداء الخارجيين والداخليين.

الخدمة العسكرية لمثل هذا الشعب هي افتخار. وأنتم الذين ارتديتم زي القوات المسلحة -التابعة لأيٍّ من المؤسسات والقوى- إنكم في الحقيقة مفتخَرون بأنكم أعددتم أنفسكم للدفاع عن الشعب الإيراني وعن الهوية الإسلامية والوطنية والثورية لهذا البلد وعن أمن البلد.

الأمن هو أهم قضية تجب مراعاتها عند النظر إلى القوات المسلحة. أمن أي بلد هو البنية التحتية الأساسية للفعاليات جميعاً نحو التقدم في هذا البلد. فالبنية التحتية لجميع الأنشطة الاقتصادية والعلمية والأنشطة المتعلقة بالصحة والسلامة، وتلك المتعلقة بالقضايا السياسية، وأنواع الخدمات كافة التي تُقدّمُ إلى البلاد والشعب، هي الأمن. إذا لم يكن هناك أمن في بلد ما، فسوف تختل كل هذه التقدّمات والأنشطة اللازمة والضرورية. لذلك، تفخر القوات المسلحة بتوفيرها هذه البنية التحتية الأساسية بعزمهم وإرادتهم وبأرواحهم. التفتوا إلى هذا، فكل خطوة تخطوها هي نحو هذا الهدف العظيم، وهذا عمل يقع في مرضاة الله وسرور أولياء الله.

هناك نقاط مهمة حول قضية الأمن هي أن أمن البلاد لا ينبغي أن يكون في قبضة الأجانب، هذه مسألة مهمة. اليوم، إنه أمر طبيعي لشعبنا وبلدنا أن يكون أمن البلاد في أيدي قواتها المسلحة وأبناء هذا البلد، لكن هذه ليست هي الحال في كل مكان من العالم، وحتى في الدول المتقدمة. لقد لاحظتم أنه في هذه السجالات الأخيرة بين أوروبا وأمريكا[3]، التي أعلن فيها الأوروبيون أن أمريكا طعنتهم في الظهر، فإن النقاش هو أن أوروبا بحاجة إلى توفير أمنها بقوتها الخاصة، بغض النظر عن «الناتو»[4] الذي تعدّ أمريكا المكوّن الرئيسي له، أي حتى الدول الأوروبية المتقدّمة أيضاً عندما يكون أمنها في قبضة قوة أجنبية أو مرتبطاً بها، حتى لو كان ظاهر تلك القوة الأجنبية لا يبدو معادياً لهم، أي في الظاهر كلهم من ضمن مجموعة واحدة، هم في الوقت نفسه يشعرون بالنقص. هذا هو الواقع، حقاً إنه كذلك: لديهم [شعور] بالنقص.

طبعاً، الدول الأقل تقدماً، التي تخضع جيوشها لسيطرة القوات المسلحة الأمريكية وأمثال أمريكا، هي بحثٌ آخر. إنه لافتخار عظيم لأي بلد أن يكون قادراً على توفير الأمن بقواته القاهرة والقادرة والمسيطرة. أما أولئك الذين يظنون أنهم يستطيعون توفير أمنهم بوَهم الاعتماد على الآخرين، وبالاعتماد على الآخرين، فليعلموا أنهم سيتلقون صفعةً من هذا قريباً.

من أفجع المصائب على دول العالم هي أن يتدخل الأجانب في مسائلهم الأمنية ويخططوا حربهم وسِلمَهم ويعطوهم التعليمات. هذه فاجعة كارثية على أي بلد، أن يصاب بمثل هذه الحالة. وقد لاحظتم، وقلنا اليوم إنه حتى الدول الأوروبية التي تتنفس تحت مظلة «الناتو» ترغب في التحرك باستقلالية.

بحمد اللّه، أثبتت القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية قدرتها على توفير أمن البلاد في اختبارات صعبة ومهمة جداً، سواء أمن الحدود أو الأمن الداخلي. ومن الأمثلة المهمة والخالدة سنوات «الدفاع المقدس» الثماني، حين استطاعت قواتنا المسلحة أن تحفظ أمن البلاد باقتدار وافتخار وشموخ واعتزاز، وأن تُخرج القوات المحتلّة وتكبدهم الخسائر، وأن يخرجوا مرفوعي الرأس محققين [وصف] «حصون الرعية» بالمعنى الحقيقي للكلمة.

حسناً، ماذا يعني اقتدار القوات المسلحة؟ هذه نقطة مهمة. لا شكَّ أن اقتدار القوات المسلحة يعتمد على التدريب والمبادرات العملية والتقدّم في المجالات العلمية المختلفة والأدوات والانضباط التنظيمي، وهذه أمور ضرورية بحد ذاتها، والقوات المسلحة بحاجة إليها بالتأكيد، كما المجموعات الأخرى أو أكثر منها، ولكن هناك عامل مهم جداً هو الروحية والمعنوية والصلاح الديني والأخلاقي. هذه قضية مهمة للغاية وتلعب دوراً استثنائياً في اقتدار القوات. إذا لم يكن هذا العامل موجوداً في جيش ما، فلا يمكن لهذا الجيش أن يّدعي أنه مُقتدر مهما كانت المعدات والإمكانات التي يمتلكها.

لاحظتم أن الجيش الأمريكي، المجهّز بأنواع التجهيزات المختلفة، التقليدية وغير التقليدية، قد دخل البلد المجاور لنا، أفغانستان، للإطاحة بحكومة «طالبان». لقد مكثوا في هذا البلد عشرين سنة، فقتلوا وارتكبوا الجرائم ومارسوا الاحتلال وروّجوا للمخدرات ودمّروا البنى التحتية المحدودة لهذا البلد. بعد عشرين عاماً سلموا السلطة لـ«طالبان» وخرجوا. أي جاؤوا للإطاحة بـ«طالبان» وبقوا في هذا البلد عشرين عاماً على هذه الحال، وارتكبوا تلك الجرائم كلها، وتكبّدوا هذه الخسائر والنفقات المادية والبشرية كافة، وأخيراً تركوا الحكومة في أيدي «طالبان» وخرجوا من البلاد وعادوا! هذا يعني أن هناك عنصراً أساسيّاً وحيوياً مفقوداً في هذا الجيش، وهو العنصر المعنوي، عنصر الروحية الأخلاقية، عنصر التوجّه إلى الله -تعالى- والروحانية. هذا درس للبلدان جميعاً.

كذلك علينا أن نلتفت إلى أن هذه هي طبيعة الجيش الأمريكي. فتلك الصورة الهوليوودية التي تُقدمها دول مثل أمريكا وأمثال أمريكا عن جيوشها غيرُ صحيحة. واقع الجيش [الأمريكي] هو ما رأيتم. هكذا جاؤوا إلى أفغانستان [وذهبوا كذلك]، والأمر مشابه إلى حد ما في أماكن أخرى. في البلدان الأخرى التي [يتواجد] فيها الجيش الأمريكي، إذا لم تكن الغيرة لدى حكام تلك البلدان كافيةً لطردهم، فإنهم مكروهون بين الشعوب. أينما يكونوا، في دول شرق آسيا[5] [مثلاً] حيث يوجد الجيش الأمريكي منذ سنوات، فهم مجموعة بغيضة في نظر تلك الشعوب.

حسناً، علينا الالتفات إلى أن وجود الجيوش الأجنبية في منطقتنا، بما في ذلك الجيش الأمريكي، يؤدي إلى الدمار وإشعال الحروب. ينبغي للجميع السعي إلى أن تكون الجيوش مستقلة ومعتمدة على الشعوب وتتآزر مع جيوش بقية الجيران والجيوش الأخرى في المنطقة، فهذا هو صلاح المنطقة. يجب ألّا نسمح، وألّا يسمحوا، للجيوش الأجنبية بالمجيء من آلاف الفراسخ من أجل [تحقيق] مصالحها التي لا علاقة لها بشعوبهم، والتدخل في هذه البلدان والحضور العسكري والتدخل في جيوشهم، لأن جيوش المنطقة وشعوبها قادرون على إدارتها، فلا تسمحوا للآخرين أن يدخلوا.

هذه الحوادث الواقعة شمال غربي بلادنا، عند بعض جيراننا، هي من الأمور التي تجب معالجتها بهذا المنطق. بالطبع إن بلدنا وقواتنا المسلحة يتصرفان بعقلانية. الأسلوبُ في الأمور كافة هو أسلوب العقلانية، الاقتدار مع العقلانية. من الجيد للآخرين أيضاً أن يتصرفوا بعقلانية وألّا يدَعوا هذه المنطقة تقع في مأزق. أولئك الذين يحفرون بئراً لإخوتهم هم أول من يسقط فيها؛ «مَنْ حَفَرَ بِئراً لِأَخِيهِ وَقَعَ فِيها»[6].

أسأل الله -تعالى- دوام التوفيق لكم جميعاً، يا أعزائي، القادة الموقّرين للقوات المسلحة، والقادة في مختلف الرّتب، وفي المحصّلة أنتم، أيها الشباب الأعزاء، الذين لكم حضور كبير وفعّال في القوات المسلحة حتى تتمكنوا من الاستمرار دائماً في شرف الخدمة لهذا البلد، وهذا النظام، وهذه الثورة، وهؤلاء الناس المؤمنين والأوفياء، وأن تزيدوا من قدراتكم يوماً بعد يوم.

لحسن الحظ، إن جامعات قواتنا المسلحة تقدمية. بالطبع، ليست جميعاً في المستوى نفسه، فهناك من يتحرك أسرع وأفضل وعلى نحو أكثر نجاحاً، فيما يتعين على الآخرين بذل الجهود واتخاذ خطوات ناجحة. إن التقارير التي تصلني من الجامعات مرضية عامة، وكما قلنا في البداية: علينا تهنئة الشعب الإيراني على وجودكم، أيها الشباب المؤمنون العازمون الشجعان. نسأل الله – تعالى - أن يحفظكم جميعاً، إن شاء الله، وأن يحشر الشهداء الأعزاء مع أوليائهم ومع النبي (ص).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] في بداية المراسم، قدّم رئيس الهيئة العامة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري، وقائد جامعة الإمام الحسين (ع)، العميد نعمان غلامي، وقائد جامعة الشهيد ستاري، العميد الطيار علي رضا رودباري، وقائد جامعة أمين للعلوم الانتظامية، العميد لطف علي بختياري، تقارير عن الفعاليات والإجراءات والبرامج التعليمية لهذه الجامعات. وكان من بين برامج مراسم التخريج المشتركة للقوات المسلحة: قراءة القسم، وتسليم الراية من الطلاب القدامى للجدد، وأداء الطلاب المستقرين في الساحة نشيداً مشتركاً. كما منح رئيس الهيئة العامة للقوات المسلحة رتباً ودرجات لعدد من المتفوقين في جامعات الضباط، بعد أخذه الإذن من القائد العام للقوات المسلحة، الإمام الخامنئي.
[2] نهج البلاغة، ص 432، الرسالة 53 (الحكم إلى مالك الأشتر).
[3] بعد توقيع اتفاقية أمنية بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا دخلت الحكومة الفرنسية في أزمة دبلوماسية مع الدول الثلاث، أدّت إلى فسخ الاتفاق بين فرنسا وأستراليا بشأن بيع غواصات. وتسببت هذه الخطوة في توتر علاقات فرنسا مع أستراليا وأمريكا، وقد وصفتها الحكومة الفرنسية بأنها «خنجر في الظهر». وعليه، دعا الرئيس الفرنسي في بيان إلى الاستقلال العسكري الأوروبي عن أمريكا وشدد على تجنب أوروبا الاعتماد على أمريكا في مجال الأمن والدفاع.
[4] منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) قامت على معاهدة للتعاون السياسي-العسكري تضم أمريكا ودول أوروبا الغربية.
[5] في هذا الصدد، تمكن الإشارة إلى الحضور العسكري الأمريكي في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام والفيليبين وتايلاند وغوام. وبالإضافة إلى المعدات العسكرية الأمريكية في اليابان، يتمركز نحو 40 ألف جندي أمريكي في 112 قاعدة أمريكية في هذا البلد. كما يوجد نحو 23 ألف جندي أمريكي في 83 قاعدة أمريكية في كوريا الجنوبية و4000 في جزيرة غوام.
[6] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص88.

 

قراءة 918 مرة