كان رجلاً خارج الزمان والمكان، فكيف لا يشغل موته كل الزمان والمكان؟ نيلسون مانديلا المناضل الأفريقي الذي تخطّى بنضاله حدود قارّته السمراء صوب العالم.
هي قصة إنسان حرّ لم يقبل النظام العنصري في بلاده فتمرد عليه، هي قصة محام لم يستخدم شهادة الحقوق لجاه أو وظيفة بل وظفها لنصرة شعبه. هي قصة رجل أدخل إلى السجن ليغيب في مجاهل العنصرية البيضاء.
اعتقل وهو عائد من المغرب بعد تدريب سري فجعل من السجن منارة تضيء دروب الثوار والأحرار في العالم. في السجن أمضى 27 عاماً فخرج أمضى من السيف في وجه الظلم. لكنه خرج ايضاً بقلب مسامح كبير فكان خطابه الأول بعد الإفراج عنه ينحو صوب المصالحة. هي قصة رجل زهد بالسلطة حين امتلكها، فما كاد ينهي ولايته الرئاسية الأولى حتى سلّم الأمانة لرفاقه.
أشهر السجناء السياسيين في العالم بات أشهر المناضلين لأجل الإنسان في العالم، وأكثر الزاهدين بالسلطة في العالم. ابتعد عن السياسة ليكافح ضد الأمراض التي تحكمت بقارته الأفريقية كالإيدز وغيره، وصار سفيراً للنوايا الحسنة وفاز بجائزة نوبل للسلام.
القلب الكبير حمل في حناياه قضايا العرب، فلسطين في الطليعة. الرئيس الراحل ياسر عرفات صديق ورفيق له، كيف لا وهو يدرك أن الظلم العابر للحدود لا يواجه سوى بنضال عابر للحدود. كيف لا وإسرائيل كانت الحليف الأبرز لنظام التمييز العنصري الذي سجنه.
لم تخيفه تهديدات الأميركيين حين طلبوا منه القطيعة مع ليبيا وإيران وكوبا بتهمة دعمها للإرهاب. قال لبيل كلينتون "يا سيدي الرئيس إني أعتز بعلاقاتي مع هذه الدول لأنها وقفت مع شعوبها إلى جانب نضال الشعب الأفريقي. كسر نيلسون مانديلا الحصار على ليبيا وذهب إليها نصيراً.
جنوب أفريقيا بعد مانديلا ليست هي قبله، قد لا تنجب بعد اليوم مناضلاً ذهب لعند زوجة سجانه يشرب القهوة. قد لا تنجب ثورياً قال لأهله السمر حين انتفضوا لردع البيض الذين كانوا يهاجمونهم "يا رفاقي إن هذه السيدة البيضاء أنقذت حياتي حين كنت أموت من الملاريا" فهدأ الخواطر.
جنوب أفريقيا بعد مانديلا ليست كما كانت قبله والعالم والإنسانية والنضال والحرية والحب لن يكونوا حتماً بعد مانديلا كما كانوا قبله.