يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}1
الخمر والعقل
ميّز الله الإنسان عن سائر الحيوانات بنعمة كبرى هي العقل فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إلى منك، بك آخذ، وبك أعطى، وعليك أثيب"2 .
والعقل كما عرّفه العلاّمة المجلسي: "العقل ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضار"3.
وتنطلق دعوة العقل هذه من خلال التفكّر بعواقب الأعمال على قاعدة النبيّ (صلى الله عليه وآله): "إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته"4 . من هنا ورد عن الإمام الصادق حينما سُئل ما العقل، قال (عليه السلام): "ما عُبد به الرحمن واكتسبت به الجنان"5.
وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لم يعبد الله عزّ وجل بشيء أفضل من العقل"6.
وأراد الله تعالى أن يبقى العقل حاكماً على سلطان الشهوة والغضب والوهم، من هنا حُرِّمَ على الإنسان ما يُذهب حصانة العقل ومنه الخمر، لذا ورد عن أمير المؤمنين: "فرض الله... ترك شرب الخمر تحصيناً للعقل"7 فالخمر يُذهب العقل، وإذا ذهب العقل يمكن أن يحصل كل شيء، من هنا ورد في حكمة تحريم الخمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): "حرم الله الخمر لفعلها وفسادها؛ لأن مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجتري على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك ولا يزيد شاربها إلا كلَّ شر "8.
ويختصر الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك بقوله الوارد عنه: "إنَّ الله عزّ وجل جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب"9.
اجتناب الخمر
ولشدّة الخطورة لم يتعلّق التحريم فقط بالشرب، فالآية تقول "فاجتنبوه"، والاجتناب يشمل الشرب وغيره، لذا ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): "لعن الله الخمر، وعاصرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليها"10.
من هنا حرّم الله الجلوس على مائدة عليها خمر، فعن الإمام علي(عليه السلام): "لا تجلسوا على مائدة يُشرب عليها الخمر؛ فإن العبد لا يدري متى يؤخذّ"11.
وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر"12.
وعنه (صلى الله عليه وآله): "ملعون من جلس طائعاً على مائدة يشرب عليها الخمر"13.
كما أفتى الفقهاء بحرمة أمور عديدة تتعلّق بالخمر غير شربه مثل تعبئة سيارة بحمولة من الخمر.
مصير شارب الخمر
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "والذي بعثني بالحق نبياً، إنَّ شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسوداً وجهه، يضرب برأسه الأرض وينادي وا عطشا "14
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مدمن الخمر يلقى الله حين يلقاه كعابد وثن".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ أهل الريّ في الدنيا من المسكر يموتون عطاشى ويُحشرون عطاشى، ويدخلون النار عطاشى".
المخدرات
وكما حال الخمر في النصوص الدينية هو حال المخدِّرات التي وردت فيها بعنوان البنج الذي فُسِّرَ بأنه نبت مخدِّر مخبط للعقل، وقد ورد في الروايات ما يدلّ على شديد قبحه، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "سيأتي يوم على أمتي يأكلون شيء اسمه البنج، أنا بريء منهم، وهم بريئون منّي"15 ، وعنه (صلى الله عليه وآله): "من أكل البنج، فكأنه هدم الكعبة سبعين مرّة، وكأنما قتل سبعين ملكاً مقرّباً، وكأنما قتل سبعين نبيّاً مرسلاً، وكأنما أحرق سبعين مصحفاً، وكأنما رمى إلى الله سبعين حجراً"16.
والمخدّرات -اليوم- هي من الوسائل الأساسية للحرب الناعمة التي يقودها أعداء الأمَّة الإسلامية ضدّ شبابنا وشاباتنا، مما يستدعي علينا جميعاً دقّ ناقوس الخطر، وتأكيد التحذير من الوقوع في شباك هذه الآفة المهلكة.
سماحة الشيخ أكرم بركات
1- المائدة 90.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص 41.
3- المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 99.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص 281.
5- ابن ابي حديد، شرح نهج البلاغة، ج18، ص 186.
6- الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، ج1، ص 206.
7- نهج البلاغة، ج4، ص 55.
8- الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص 476.
9- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج13، ص 567.
10- الصدورق، الأمالي، ص 512.
11- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 398.
12- الصدوق، الخصال، ص 164.
13- المجلسي، بحار الأنوار، ج63، ص 500.
14- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 814.
15- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج17، ص 86.
16- المصدر السابق، ص 86.