﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعً﴾1
العزّة هي حالة مانعةٌ لصاحبها من أن يغلب2. فالإنسان العزيز فيه خاصة تمنع أن يغلبه الآخرون.
وبما أنّ هذه الدنيا هي دار تزاحم، ودفع من البعض للبعض، فمن الطبيعي أن يسعى كلّ إنسان لكي يكون عزيزاً تمنعه العزّة من أن يتغلب عليه الآخرون.
فنحو أي اتجاه يسعى الناس لتحصيل العزّة؟
1- المال
من الناس من يعتقد أنّ المال يصنع عزّة الإنسان.
2- العشيرة
ومن الناس من يعتقد أنّ العشيرة تصنع عزّتهم.
3- السلطة
ومنهم من يعتقد أن السلطان والتقوّي به يصنع العزّة.
بل إنّ بعضهم يلتجئ إلى صاحب السلطة حتى لو كان يخالف مبادئه لماذا؟ القرآن يجيب:
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعً﴾3.
العزّة في الإسلام
فما هو طرح الاسلام في مسألة العزّة؟
لقد أكّد الاسلام على أهمية صفة العزّة، فرفض في العديد من النصوص أن يعيش الإنسان ذليلاً أمام الآخرين، بل رفض أن يقدم هو بنفسه على ذلّ نفسه ورد في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إن الله عزّ وجلّ فوّض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوّض إليه أن يذل نفسه"4.
إلا أنّ الإسلام أكّد على عنوان أساسي في مسألة العزّة على أنّ من أرادها فإنه لن يجدها إلا في موقع واحد منحصر، وأن كل اتجاه إلى غيره هو وهم وباطل.
فمن أراد العزّة الحقيقية التي تدوم ولا تنقطع فإن القرآن حدّد اتجاهها ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعً﴾5
لماذا؟ لأن الله تعالى هو وحده من يقهر من أراد، ولا يمكن أن يُقهَر من أيّ أحد، من يَذُلُّ ولا يُذَل.
فالعزّة الحقيقية لا يمكن أن تتحصل إلا بالله في كلّ شيء، لا في بعض الأشياء دون بعض كما في سلوك الكثير من الناس فيصلون ويطلبون من الله العزّة وفي كثير من أمورهم يلتجئون إلى غير الله تعالى.
في قضيّة العزّة لا يوجد تبعيض وتجزئة فإنّ كل عزّة تطلب من غير الله تعالى هي وهم وباطل هذا هو العنوان العريض لتحديد اتجاه العزّة.
لكن كيف نفهم ذلك في ساحة العمل وميدان التطبيق؟
لقد طرح الإسلام الاتجاه العام للعزّة في عدة صياغات منها:
1- التقوى: فعن النبي (صلى الله عليه وآله): "من أراد أن يكون أعزّ الناس فليتقِ الله"6.
2- العبودية: فعن الإمام علي (عليه السلام): "إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً"7.
3- الطاعة: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبة بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله إلى عزّ طاعته"8.
وفي الحديث القدسي: "يا داود، إني وضعت... العزّ في طاعتي، وهم يطلبونه في خدمة السلطان، فلا يجدونه"9.
أمور تطبيقية لتحقيق العزّة بالتقوى
طرح الإسلام أموراً عديدة أرشد من خلالها إلى طرق تحقيق العزّة وهي ما يمكن عرضه من خلال عنوانين:
الأول: عزة الفرد، والثاني: عزة المجتمع.
عزّة الفرد
وهي تتحقق من خلال الآتي:
1- كفُّ الأذى عن الناس
كثيراً من الأحيان يعرّض الإنسان نفسه للذلّ؛ لأنّه يؤذي الناس، فيؤذونه، ويذلّونه، من هنا فإنّ كفّ الأذى عن الناس يجعل عند الإنسان ممانعة وحصانة وقوة؛ لأنه يُفقد الآخرين مبرّرات إذلاله. من هنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه كفّ الأذى عن الناس"10.
2- ترك القيل والقال
كما أنه كثيراً ما يعرّض الإنسان نفسه للذلّ نتيجة أخطاء لسانه، وتناول الناس بشكل سلبي، مما يعرِّضه للمشاكل وبالتالي للمذلّة، من هنا ورد عن الإمام ابي الحسن (عليه السلام): "احفظ لسانك تعزّ"11.
وعن الإمام علي (عليه السلام): "...وعزه أي المؤمن- ترك القال والقيل"12.
3- الحلم والعفو
حينما يخطئ الآخر كيف ينبغي مواجهته؟ في الكثير من الحالات نلاحظ أن المقابلة بالسوء توجب الشحن والاحتقان، وبالتالي ردّات الفعل السلبية، مما قد يعرّض الإنسان للذلّ، بينما حينما تكون المقابلة بالحلم والمسامحة فإنّ ذلك يوجب تحصن الإنسان وسلامته، ومن هنا ورد في الحديث: "لا عزّ أرفع من الحلم"13.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): "من عفا عن مظلمةٍ أبدله الله عزاً في الدنيا والآخرة"14.
4- القبول بالحق كيفما كان
بعض الناس لا يقبل بالحق حينما يشعر أنّه لا ينسجم مع مصلحته، وهذا من الأمور التي تؤدي إلى المشاكل الاجتماعية، وتباغض الناس مع بعضهم البعض مما قد يؤدّي إلى مذلّة من لم يقبل الحق، بينما حينما يقبل الإنسان الحقّ حتى لو كان على حسابه، وحتى لو شعر بأن فيه نوعاً من ذلة نفسه، فإنّ الناس سينظرون إليه على أنه صاحب كرامة وشرف، وبالتالي سيكون عندهم عزيزاً، من هنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "العزّ أن تذلّ للحق إذا لزمك"15.
5- القناعة
عن الإمام علي (عليه السلام): "القناعة تؤدي إلى العزّ"16.
فكم من شخص ذلّ نفسه؛ لأنّه تطِّلع إلى ما في أيدي الناس، ولم يقنع بما قسم الله له من رزق.
وكم من الناس عاش عزيزاً مع قلّة ذات يده؛ لأنه اقتنع بما أنعم الله تعالى عليه، فكانت قناعته سبباً في عروجه التكاملي بين يدي الله تعالى.
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من وصايا لقمان لابنه: "إن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، فإنّما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم"17.
عزّة المجتمع
طرح أهل البيت عليهم السلام عنوانين لعزّة الأمة.
الأول: "الجهاد": فعن الإمام علي (عليه السلام) : "فرض الله الجهاد عزّاً للإسلام".
الثاني: "طاعة الولي الشرعي": فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): "طاعة ولاة الأمر تمام العزّ"18.
ونحن في لبنان اختبرنا هذين العنوانين، فأطعنا وليّ الأمر في بداية الاحتلال الإسرائيلي حينما حدّد تكليفنا بقتال العدو الإسرائيلي الغاصب، فنلنا العزّة والكرامة ورأينا سلوك الآخرين، فعلمنا أكثر معنى قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعً﴾19.
سلام الله تعالى على أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: "أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تحبوا تركها... فلا تنافسوا في عزّ الدنيا وفخرها... فإنّ عزّها وفخرها إلى انقطاع"20.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
1- سورة فاطر، الآية 10.
2- أنظر: الزبيدي، تاج العروس، ج8، ص100.
3- سورة النساء، الآية139.
4- الكليني، الكافي، ج5، ص63.
5- سورة فاطر، الآية 10.
6- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج67، ص285.
7- المصدر نفسه، ج74، ص400.
8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج68، ص178.
9- المصدر السابق، ج75، ص453.
10- المصدر السابق، ج72، ص52.
11- المصدر السابق، ج68، ص296.
12- المصدر السابق، ج74، ص268.
13- الكليني، الكافي، ج8، 19.
14- الآمالي، الطوسي، ص182.
15- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص228.
16- الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 1960.
17- المصدر نفسه، ص1959.
18- المصدر نفسه، ص1958.
19- سورة النساء، الآية139.
20- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج1، ص191.