ينبغي التحلّي بالبصيرة. ما يتوقّعه المرء من النخب في المجتمع ومن التيّارات والفئات السياسيّة هو أن يتعاملوا مع هذه الأحداث ومع خطوط العدو ببصيرة؛ ببصيرة! إذا كانت هناك بصيرة وكانت ثمّة إرادة للمواجهة فقد تتغيّر الكثير من سلوكيّاتنا؛ وعندئذٍ يصبح الحال أفضل، بعض الأعمال وليدة عدم التحلّي بالبصيرة.(2/7/1388)
هناك حقيقة واضحة في النظام الإسلامي، [أنّ من وظائفه] تنوير الناس وتبصيرهم. إن التبليغ في الإسلام والتبليغ في الغرب – البروباغاندا العالمية المتداولة- هما إثنان مختلفان في البنيان والأساس. من وظائف التبليغ في الإسلام بث البصيرة وبيان الحقيقة وفتح أعين بصيرة الناس على الحقائق. لماذا له هذه الأهمية؟ لأنه إذا ما تشكل النظام الإسلامي في أية مرحلة من التاريخ وفي أي مكان من العالم فإن قوامه بالناس ويمكن لجميع الناس فردا فردا أن يؤدوا دورًا في تشكيله واستمراره وتقويته. لا استبداد ولا طغيان أو خداع في النظام الإسلامي، فهذا ممنوع. عندما لا يطغى منطق القوة والسلطة والاستبداد والخداع والتملق[1] والرشوة والتدليس لسوق الناس يمنة ويسرة، سيكون الحاضر هنا وعي الناس وإيمانهم هو الأساس في حركة المجتمع. من هنا كان لهذا الوعي والإيمان هذه الأهمية. (14/7/1382)
إن البصيرة ومعرفة الزمان والاستفادة من الوقت واللحظة هي من الأمور الضرورية بالنسبة لأي عالمٍ ومبلّغ؛ سواء كان أعلم العلماء أو شخصًا يدرّس أحكام الدين لبضعة أشخاص في محلة ما.
في المحصّلة، كلما كبرت المسؤوليات والوظائف على كاهل شخص كلما أصبح ضروريًا امتلاكه الوعي الأكثر والبصيرة الأعلى. لقد تلقينا ضربات كثيرة على طول تاريخ التشيع نتيجة عدم اطلاع العلماء على حقائق مجريات العالم، خاصة في المائتي سنة الأخيرة؛ حيث تشكّل العالم بشكله الجديد؛ ووُجد الاستعمار وتغيرت السياسات ودخلت الدول الأوروبية ميدان السياسة العالمية واعتدوا على البلدان الإسلامية.
كلما كان لدينا علماء دين أتقياء أذكياء أصحاب فطنة وحذاقة ودقة، أمثال الشيخ الميرزا الشيرازي والشيخ الأنصاري، كنا في مأمن من شر العدو وانتصرنا؛ ولكن كلما أصابتنا الغفلة والجهل في العمل، كانت تنزل بنا الخسارة، ولم تكن هذه الخسارة محدودة في شخص أو ميدان أو ساحة أو مجموعة أو مدينة أو في سنة أو عدة سنوات؛ بل إن أثرها في بعض الموارد يبقى لخمسين سنة كاملة ويلقي بظلالها على المجتمع الإسلامي. (20/4/1368)
في العام 1342 ه- .ش. (1963م) حمّلني الإمام رسالة إلى علماء مشهد وكانت الرسالة بمثابة بيان عام أقول فيه للسادة العلماء: إن إسرائيل تعمل على الهيمنة على بلادنا وإحكام قبضتها على أمورنا الاقتصادية والسياسية. حسن، كان هذا أمرًا لا قولأتتيحتاج إلى استدلال وإثبات في ذلك الوقت؛ فمن يتابع يفهم ذلك من خلال الأخبار والأحداث وزيارات المسؤولين وذهابهم وإيابهم ولقاءات الشاه وآخرين. حينها كان الإمام يريد تبيين هذا الواقع عن بصيرة واطلاع.
ذهبتُ إلى أحد علماء مشهد وهو من جملة الذين وُجِّهَت إليهم الرسالة؛ وكان أحد العلماء البارزين. قال حينها: لا! إسرائيل لا تسعى إلى الهيمنة على إيران. أجبته: كيف لا؟؟؛ فهذا موجود. أجاب: ما دليلكم؟
حسنًا! الاستدلال؛ كيف يُستدل في مثل هكذا موارد؛ وما هو الاستدلال؟[2]...
لاحظوا: شخصٌ لا بصيرة له في أمور الدنيا لا يفهم المسائل لا يعرف الوقائع، لا يعرف العدو ولا يستشعر العداوة، هو في الأساس لا يشعر بالخطر؛ حتى إذا ما دهمه يكون قد فتك به ومرغ انفه بالتراب. كيف يمكن وبأي بيان وثمن ومداراة ومشقة، وبأي نفس صادق يمكن أن نجعل هؤلاء في خدمة حاجة المجتمع؟ حقيقة لا يمكن؛ ففي ذلك اليوم ، أولئك الأشخاص المتخلفون عن القافلة وعن مجريات الأحداث، وكما ذكرنا، قد ثبتوا مراسيهم ورسوا في أماكنهم يمنعون الآخرين السالكين على هذا الخط والسابقين في هذا النهج من التضحية والفداء؛ كانوا يصدون هذه الأعمال ويعيقونها؛ فهؤلاء لم يكونوا سيئي النية إنما كانوا على غير دراية بمجريات الأمور.
اليوم الأمر هو هكذا. فلا نظنّن أن وعي وإدراك أشخاص مرحلة المواجهة التي سبقت سيكون كافيًا لنا اليوم؛ لا ليس كذلك. فكما كنا نرى في ذلك اليوم أشخاصًا لديهم الوعي والبصيرة؛ تمكنوا من طرح شعارات جديدة، إيقاظ الناس وإرشادهم وتحذيرهم من المؤامرات والأخطار، استطاعوا قيادة الناس وإنقاذهم من المطبات والمنعطفات؛ فهؤلاء كانوا موجودين ونجحوا في نهاية الأمر في إيصال الثورة إلى شاطئ النصر؛ واليوم أيضًا، باستطاعة نظائر أولئك الأشخاص أن يديروا هذه الثورة ويقودوها إلى النصر النهائي وأن يبثّوا القوة والعمق اللازم في الفكر الذي تحمله؛ ويكونوا عارفين بالقضايا والمسائل وحاملين للشعارات المناسبة؛ وأن يميّزوا ويحدّدوا مخاطر ونقاط ضعف هذه المرحلة التي تختلف كثيرًا عن مخاطر المرحلة السابقة وهي أكثر تعقيدًا؛ وأن يعرفوا العدو والعداوات وأن يعرفوا الطرق والسبل لمواجهة هؤلاء.
كيف يمكن ذلك؟ عندما تمتلكون رؤية كونية صحيحة نافذة وقوية، وتكون علاقتكم بقضايا العالم وثقافته وصحفه وكتاباته وتحولاته الثقافية والعلمية على درجة عالية من الأهمية من هذه الجهة بالنسبة اليكم بحيث تكمل بناء الوعي لديكم وتصقل شخصيتكم وتصنع منكم تلك الشخصية التي تكون أكثر فائدة لمستقبل الإسلام إن شاء الله، وإن بصيرتكم ووعيكم ستصنع منكم هكذا وجوه وهكذا قلوب وهكذا شخصيات، وتجعل منكم تلك الأعمدة والمحاور، بحيث تكونون موئلا للمئات من طلاب العلم والعلماء الكبار، تعملون على هدايتهم وإرشادهم. وأن البصيرة والوعي سيجعلان منكم هكذا وجوه وقلوب وشخصيات.
كتاب: البصيرة والاستقامة
[1] استخدم القائد تعبير: عرض الحنطة وبيع الشعر مصطلح للتعبير عن الخداع والتدليس.
[2] - عبر القائد هنا مستخفا بهذا الراي ومخالفا له حيث قال: كيف يكون الاستدلال هل نستدل بأقوال صحيفة أجنبية تنعكس أخبارها في صحيفة عندنا..ثم نقول: حسن, الصحيفة خبر واحد والخبر الواحد غير موثوق. والآن قوموا وابحثوا القضية ولا تضعفوا الخبر الواحد!!!