ارتباط الإسلام حدوثاً وبقاءً بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ارتباط الإسلام حدوثاً وبقاءً بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾1
تتحدث الآية عن طريق الاستقرار الاجتماعي الذي يتحقّق من خلال أمرين:
الأول: رفع سلبيات الماضي ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾
الثاني: دفع ما يقلق في المستقبل ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾

كيف يحصل هذا الاطمئنان الاجتماعي؟
الجواب في هذه الآية: من خلال ثلاثة عناصر:
1- الايمان
2-
العمل الصالح
3-
الايمان بما نزّل على محمد

العنصر الثالث هو الإضافة اللافتة؛ فهو يشير إلى أنّ استقرار المجتمع الإسلامي لا يمكن أن يكون إلا من خلال الإيمان بما نزّل على محمد (صلى الله عليه وآله)، والتركيز على الاسم دون الصفة أو اللقب أمر لافت؛ إذ لم يقل إلا ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل أصرّ الله تعالى أن يذكر اسم محمد (صلى الله عليه وآله)، والسُّر في ذلك هو أنّ بقاء الإسلام، لا يكون إلا ببقاء محمد (صلى الله عليه وآله).

من هنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذراً من تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في غدير "خم"، لذا أرسل الله إليه رسالة اطمئنان، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾2.

فعصمة الله تعالى ليست العصمة الأمنيّة من القتل وما شابه، بل هي عصمة بقاء محمد الرسول (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّ بقاء محمد (صلى الله عليه وآله) هو بقاء للإسلام، فالخروج على محمد (صلى الله عليه وآله) ليس مجرد انقسام سياسي في المجتمع الإسلامي، بل هو كفر وخروج عن ذلك المجتمع.

من هنا أعطى الله الضمانة لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) الذي كان يعرف أنه سيرحل عن هذه الدنيا بعد شهرين وعشرة أيام من تاريخ يوم الغدير، وهو بتلك الضمانة سيبقى رسولاً، وستمتد رسالته لتحقق وعد الله وهدف الأنبياء والمرسلين، يوم يُظْهِر الله دين محمد (صلى الله عليه وآله) على كلّ الأديان، فيتحقق حينها وعد الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾3.

المنهج في بقاء الإسلام ببقاء محمد (صلى الله عليه وآله)
لارتباط الإسلام حدوثاً وبقاءً بمحمد (صلى الله عليه وآله) أكّد الإسلام قرآناً وسُنّةً وعترةً على خطوات لتحقيق ذلك منها:

1- محمد (صلى الله عليه وآله) في القرآن.
تكرّر ذكر اسم رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم، بل سميت سورة باسم محمد (صلى الله عليه وآله).

2- محمد (صلى الله عليه وآله) في الأذان والإقامة.
شرّع الله تعالى أن يقال في كل أذان وإقامة أشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله).

3- محمد (صلى الله عليه وآله) في الصلاة.
شرّع الله تعالى في الصلاة الشهادة أمام الله تعالى بعبودية محمّد (صلى الله عليه وآله) ورسوليّته بقول المصلّي: "أشهد أنّ محمداً عبده ورسوله".

كما أن اللافت هو تشريع الله تعالى زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقول المصلي: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" مع أنّ مقام الصلاة هو التوجه إلى الله تعالى.

4- الصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله)
دعانا الله تعالى أن نصلي على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بأمرنا بذلك في قوله تعالى: ﴿.. إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾.

عن الإمام الصادق(عليه السلام): "من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه"4.

وعن الإمام الرضا(عليه السلام): "من لم يقدر على ما يكفِّر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وآل محمد، فإنها تهدم الذنوب هدماً"5.

وعن الإمام أبي جعفر(عليه السلام): "ما من شيء يُعبد الله به يوم الجمعة أحبّ إليّ من الصلاة على محمد وآل محمد"6.

وعن الإمام الباقر أو الصادق عليهما السلام: "أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وأهل بيته"7

5- تسمية الأبناء باسم محمّد (صلى الله عليه وآله):
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من ولد له ثلاثة بنين ولم يسمِّ أحدهم محمداً فقد جفاني"8.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لا يولد لنا مولود إلا سميناه محمداً، فإذا مضى سبعة أيام، فإذا شئنا غيّرنا وإلا تركنا"9.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "بورك لبيت فيه محمد ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد"10.

عن الإمام الرضا(عليه السلام): "لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد"11.

وعن أبي جعفر (عليه السلام): "إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمد، يا علي، ذاب كما يذوب الرصاص"12.

6- عدم مسّ اسم محمّد (صلى الله عليه وآله) من دون طهارة:
احتاط الفقهاء بمس اسم محمد (صلى الله عليه وآله) دون طهارة باعتبار القداسة التي تنتقل من المعنى إلى الحبر والمداد.

فكان اسم محمد (صلى الله عليه وآله) صنو القرآن لا يمسّه إلا المطهرون.

بهذه الخطوات التي واكبها الله تعالى في مخططه لمسيرة البشرية عصم محمد (صلى الله عليه وآله) من الزوال، بل عصمه من التشويه رغم كل المحاولات الهادفة إلى ذلك.

﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾13

الفتح هو فتح العقول والقلوب على كمال محمد (صلى الله عليه وآله).

ومغفرة الذنب المتقدم هو رفع لدعاية مشركي مكة ومن سار معهم.

ومغفرة الذنب المتأخر هو دفع لدعايات التشويه في مستقبل الإسلام أن تطال من طهره ونقائه ودوره و رسالته.

حاولوا في القرن الإسلامي الأول أن يقضوا على محمد (صلى الله عليه وآله) الرسالة، فكانت عاشوراء لتحفظ محمداً ورسالته.

وحاولوا بعد ذلك وما زالوا يحاولون أن يشوِّهوا من صورة محمد (صلى الله عليه وآله) تارةً عبر آيات شيطانية بريطانية، وتارة عبر رسوم هولندية وغير هولندية، وتارة أخرى عبر منع المآذن السويسرية التي تصدع باسمه المبارك ولكن مع كل ذلك بقي وسيبقى محمد (صلى الله عليه وآله).

سماحة الشيخ د. أكرم بركات

  • سورة محمد، الآية 2.
    2- سورة المائدة، الآية 67.
    3- سورة التوبة، الآية 33.
    4- الكليني، الكافي، ج2، ص 494.
    5- البحراني، الحدائق الناضرة، ج8، ص 471.
    6- المصدر السابق، ج10، ص 197.
    7- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 1214.
    8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج101، ص130.
    9- المصدر السابق، ج101، ص131.
    10- المصدر السابق، ج16، ص240.
    11- المصدر السابق، ج101، ص131.
    12- الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، ج6، ص20.
    13- سورة الفتح، الآيتان 1-2

المصدر شبکه المعارف الاسلامیه

قراءة 1016 مرة