فيما يتعلق بمسائل الفتنة الأمر هكذا أيضًا. دخل بعضهم في هذه الفتنة وفي هذه المعمعة[1]، ولم يفهموا أنّ هذا اسمه سعي للإطاحة بالنظام، لم يفهموا أنّ هذه الفتنة التي قال عنها أمير المؤمنين عليه السلام: "في فِتَن دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا". الفتنة تطحن وتزيل الذين يقعون تحت قدميها. هؤلاء لم يفهموا أن هذه فتنة. قال أحدهم كلمة وهم صاروا يكرّرونها. لذا لا ينبغي الحكم على الجميع بحكم واحد. حكم المعاند مختلف عن حكم الغافل. لكن الغافل أيضًا ينبغي تنبيهه.
أما اليوم، فإن أساس عمل العدوّ في الحرب الناعمة، هو إثارة الغبار في الجو السياسي للبلد، انتبهوا إلى هذا. أهم عمل للعدوّ اليوم هو هذا. يعرف المطّلعون والمتابعون للعمل السياسي وقضاياه، بأنّ قدرة القوى العظمى لا تكمن اليوم في قنابلها النووية ولا في الثروات المكدّسة في مصارفها، بقدر ما تتجلّى في قوّتها الإعلامية، في صوتها العالي الذي يصل إلى كل مكان.. هناك نقطة أساسية وهي أن الباطل لا يظهر دائمًا بجلاء ووضوح أمام الإنسان حتى يتسنى له معرفته وتشخيصه بأن: هذا هو الباطل. غالبًا ما ينزل الباطل إلى الميدان بلباس الحق أو بجزء من الحق. (12/5/1388).
يستاء العدو من الفضاء الصافي النقي؛ ويريد الفضاء الملوث بالغبار الذي يساعده على التقدم وتوجيه ضربته. فالفضاء المغبر هو الفتنة بعينها. معنى الفتنة أن تدخل إلى الساحة جماعة بظاهر ودّي وبباطن عدائي وتقوم بتلويث الأجواء. ويستطيع العدو الصريح [بعداوته] أن يخفي وجهه الحقيقي في هذا الجو المغبر والملوث؛ فيدخل الميدان ويضرب ضربته: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّمَا بَدْء وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاء تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتابُ اللهِ"، إلى أن قال: "فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ البَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ"[2]، أي أن الحق والباطل لو كانا صريحين واضحين وسط الميدان لما بقي مجال للاختلاف، فالجميع يحب الحق ويكره الباطل، "وَلكِن يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ! فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ"، يخلط جزء من الحق مع جزء من الباطل فلا يكونان متمايزين وعندها يشتبه الأمر على المخاطَبين. يجب مراقبة هذا بشكل جيد. اليوم، في الإعلام العالمي، كل اعتمادهم على هذا الأمر، أن يظهروا الحقائق في بلدكم ومجتمعكم ونظامكم الإسلامي بنحوٍ معاكس ومخالف للواقع، فإمكاناتهم الإعلامية كثيرة وكبيرة، وهم مشغولون دائمًا. بالطبع، هناك أيضًا أشخاصٌ في الداخل، يكرّرون كلام الخارج ويروّجونه عمدًا أو سهوًا.
الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1] فتنة 2009 التي رافقت عملية الانتخابات.
[2]نهج البلاغة، الخطبة50.