من يعمل يزدد قوّة
من المؤكّد أنّ العمل سببٌ لسلامة الجسم، ووازعٌ لتنامي قدرة الإنسان. وعلى العكس منه، البطالة، التي تتسبّب في إهدار الطاقة، وحصول خلق الهمّ والأرق في نفس العاطل عن العمل. والإمام عليّ عليه السلام الذي يُعدّ مثالاً للعامل المجدّ، أشار إلى هذه الحقيقة، بقوله: "مَن يَعْمَل، يَزدَدْ قُوّةً، ومَن يُقَصِّر في العَمَلِ يَزدَدْ فَترَةً" ([1]).
كما قال عليه السلام: "مَن قَصَّرَ فِي العَمَلِ، ابتُلِيَ بالْهَمِّ، ولا حاجَةَ للهِ في مَن لَيسَ للهِ فِي مالِهِ ونَفسِهِ نَصِيبٌ" ([2]).
وللعمل فوائد على جسد الإنسان وروحه، فالإنسان لا يكون فعّالاً في مجتمعه إلا من خلال عمله وجهده. وبالطبع، فإنّ العمل يُوجب عليه أن يتغذّى، لأنّ العمل والتغذية يمنحان البدن الطاقة الضروريّة لاستمرار الحياة. فالإنسان عندما يتغذّى، فسوف لا تُصرَف الطاقة التي ادّخرها الجسم إلا من خلال نشاطه البدني وعمله، أي بواسطة الجهد العضليّ، حيث يكتسب جسم الإنسان طاقةً، ويخزّنها، ثمّ يحرقها.
لذا، فإنّ الطاقة سوف لا تتكدَّس في جسم الإنسان النّشيط، لأنّه يصرف السّعرات الحراريّة الزّائدة عبر العمل، فتتنشّط بواسطة ذلك أعضاؤه التي تخزّن الطاقة وتصنّعها في عمليّتي الادّخار والتّصريف، وهذا الأمر بذاته يُعدُّ سبباً لسلامته الرُّوحيّة أيضاً.
أمّا العاطلون عن العمل، الذين لا نشاط بدنيَّ لهم، بحيث يعيشون حياة الخمول، والكسل، والاتّكال على الآخرين، فسوف تضمحل أجسامهم، وتضطرب عمليّة التغذية وتخزين الطاقة فيها، وبالتالي سوف يفقدون كلّ ما لديهم من قدرةٍ بدنيّةٍ ([3]).
ومن الواضح، أنّه ليس بدن الإنسان فقط بحاجةٍ إلى العمل، بل روحه وجميع قواه المعنويّة والفكريّة بحاجةٍ إليه أيضاً، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى أوضاعه الثقافيّة والتربويّة. فالبطالة لها تأثيرٌ سلبيٌّ على معنويّات الإنسان، وكثيراً ما تسوق الإنسان والمجتمع إلى الفساد والفشل والانهيار. وقد تطرّق الإمام الصادق عليه السلام إلى هذا الأمر في حديثٍ بليغٍ ومعبّرٍ للمفضّل بن عمر، جاء فيه: "فانظُر كيفَ كُفيَ الخِلقَةَ التي لم يكُن عندَهُ فيها حِيلةٌ، وتركَ عليه في كلِّ شيءٍ من الأشياءِ موضِعَ عمَلٍ وحرَكةٍ، لما لهُ في ذلكَ مِن الصّلاحِ، لأنّهُ لو كُفيَ هذا كُلَّهُ حَتّى لا يكونَ لهُ في الأشياءِ موضِعَ شُغلٍ وعمَلٍ، لما حملتهُ الأرضُ أشراً وبطراً، ولبلغَ بهِ كذلكَ إلى أن يتعاطَى أُموراً فيها تَلَفُ نفسِهِ. ولَو كُفيَ النّاسُ كُلَّ ما يحتاجونَ إليهِ، لما تهنَّؤوا بالعيشِ، ولا وَجَدوا لهُ لَذَّةً. ألا تَرَى لَو أنّ امرءاً نَزلَ بقومٍ فأقامَ حِيناً، بَلغَ جميعَ ما يحتاجُ إليهِ من مَطعَمٍ ومَشرَبٍ وخِدمةٍ، لتَبَرَّمَ بالفراغِ، ونازعَتهُ نفسُهُ إلى التّشاغُلِ بشيءٍ! فكيفَ لَو كانَ طولَ عُمرِهِ مَكفِيّاً لا يحتاجُ إلى شيءٍ؟! وكانَ من صوابِ التّدبيرِ في هذه الأشياءِ التي خُلِقَتْ للإنسانِ أن جُعلَ لَهُ فيها مَوضعَ شُغلٍ، لِكي لا تُبرِمهُ البطالةُ، ولِتَكُفُّهُ عَن تَعاطي ما لا يَنالُهُ ولا خَيرَ فيهِ إنْ نالَهُ. واعلمْ يا مُفضّلُ أنّ رأس معاشِ الإنسانِ وحياتَهُ: الخبز والماء، فانظُر كيفَ دبّرَ الأمرَ فيهما"، إلى أن قال: "وهكذا الإنسانُ: لَو خَلا مِن الشّغلِ، لخرَجَ مِن الأشرِ والعبثِ والبطرِ، إلى ما يعظُمُ ضرَرُهُ عَليهِ، وعَلى مَن قَرُبَ مِنهُ، واعتَبرَ ذلكَ بِمَن نَشَأ في الجدَةِ ورَفاهيَةِ العَيشِ والتَرفّهِ والكِفايةِ وما يُخرجُهُ ذلك إليهِ"([4]) .
فن التدبير في المعيشة - رؤية قرآنية روائية - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص454.
([2]) الرضي، محمد بن الحسين بن موسى(الشريف الرضي): نهج البلاغة(الجامع لخطب الإمام علي عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح الشيخ محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر, مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، الحكمة127، ص30.
([3]) الحكيمي، محمد: المعايير الاقتصادية في التعاليم الرضوية(معيارهاى اقتصادى در تعاليم رضوى)، ط1، مشهد المقدّسة، منشورات الروضة الرضويّة المقدّسة، 1370هـ.ش، ص222-223.
([4]) الجعفي، التوحيد، م.س، الخبز والماء رأس معاش الانسان وحياته، ص45.