صدرت أوامر من النبي والمعصومين إلى المؤمنين على السعي في زواج الشباب المؤمن وأن يشتركوا في هذا الأمر المقدس ويبذلوا جهدهم حتى يجمعوا بين مؤمنين من حلال.
- عن النبي أنه قال: ومن عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما، زوّجه الله عزوجل ألف إمرأة من الحور، كل إمرأة من قصر من در وياقوت وكان له بكل خطوة خطاها، أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قيام ليلها وصيام نهارها ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة وكان حقا على الله أن يرضخه بألف صخرة من نار، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرّق كان في سخط الله عزوجل ولعنته في الدنيا والآخرة، وحرم الله عليه النظر إلى وجهه.([1])
- وعن الصادق (عليه السلام) قال قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما([2]).
- وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: ثلاثة يستظلون بظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلاّ ظله، رجل زوج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سراً.([3])
- وعن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في التزويج، فأتاني كتابه بخطه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه. ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾([4]).
- وعن الحسين بن بشار الواسطى، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن النكاح فكتب الى: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه. ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾([5]).
النّبي يأمر عمرو بن ثقيف
روى النوري في المستدرك عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا فدخل عليه أعرابي وقال: يا رسول الله أيمنع سوادي ودمامة وجهي من دخول الجنة؟
قال: لا ما كنت خائفا من الله ومؤمنا برسوله.
فقال: يارسول الله والذي شرّفك بالنبوة، إني قبل ذلك بثمانية أشهر أقررت بأن الله واحد وأنّك رسوله بالحق.
فقال: أنت من القوم، لك ما لهم وعليك ما عليهم.
قال: فلم خطبت من هؤلاء الحاضرين فلم يجبني منهم أحد. ولا أرى مانعاً غير دمامة الوجه وسواد اللون، وإلّا فأنا في قومي بني سليم ذو حسب، وآبائي معروفون ولكن غلبني سواد أخوالي.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هاهنا عمرو بن وهب وكان رجلاً من ثقيف صعب الجانب وفيه أنفة.
فقالوا: لا يا رسول الله.
فقال للأعرابي تعرف داره؟
قال: نعم.
قال إذهب إلى داره ودقّ الباب دقاً رقيقاً، وإذا دخلت قل إنّ رسول الله أعطاني بنتك. وكانت له بنت ذات جمال وعقل وعفاف.
فجاء ودقّ الباب، فلما فتح ورأوا سواد وجهه ودمامته إشمأزوا منه، وأظهروا الكراهة.
فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني بنتك، فزجروه وردوه رداً قبيحاً.
فقام وخرج. فلما خرج قالت البنت لأبيها: إذهب واستخبر الحال، فإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) أعطانيه فإني راضية بما فعله رسول الله.
فذهب في إثر الرجل وأتى رسول الله وقد كان الرجل شكاه إليه.
فقال له رسول الله: يا هذا أنت الذي رددت رسولي؟
فقال يا رسول الله: فعلت وبئس ما فعلت، وأنا أستغفر الله، وإنّما رددته لأنّه كان رجلاً من العرب ظننته يكذب والآن يا رسول الله فاحكم في نفوسنا وبيوتنا وأموالنا وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
فقال (صلى الله عليه وآله): قم يا أعرابي فإنّي أعطيتك بنته فاذهب إلى بيتها.
فقال الرجل: يا رسول الله، أنا رجل من العرب فقير وأستحيي أن أدخل بيت المرأ ويدي صفرة.
فقال (صلى الله عليه وآله): أمرر على ثلاثة من الصحابة وخذ منهم ما تحتاج إليه: إذهب إلى عند علي وعند عثمان وعبدالرحمن بن عوف فأتى علياً فأعطاه مائة درهم وكذا عثمان وعبدالرحمن...([6]).
النّبي يسعى في زواج جويبر
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قصة جويبر وإرساله النبي إلي بعض رؤساء القبائل وأمره بتزويج إبنته من جويبر.
قال فيه: إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له جويبر: أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منتجعاً للإسلام، فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً وكان من قباح السودان إلى أن قال: وإن رسول الله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة له ورقة عليه فقال: لو تزوجت إمرأة فعفّت بها فرجك وإعانتك على دنياك وآخرتك.
فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب فيّ فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب في؟!
فقال له رسول الله: يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهيلة وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وأنّ آدم خلقه الله من طين وأن أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.
ثم قال له: إنطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إنّي رسول الله إليك وهو يقول لك: زوج جويبراً إبنتك الدلفاء.
قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستاذن فأذن له، وسلم عليه، ثم قال: يا زياد بن لبيد، إنّي رسول رسول الله إليك. في حاجة لي فأبوح بها أم أسرّها إليك؟
فقال له زياد: لا بل بح بها، فإنّ ذلك شرف لي وفخر.
فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لك: زوّج جويبر إبنتك الدلفاء.
فقال له زياد: أرسول الله أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟
فقال: نعم، ما كنت لأكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال له زياد: إنّا لا نزوّج فتياننا، إلاّ أكفاءنا من الأنصار.
فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله).
فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلت إلى أبيها أن أدخل إلي، فدخل إليها، فقالت: يا أباه ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبر؟
فقال لها: ذكر لي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسله وقال: يقول لك رسول الله (صلى الله عليه وآله): زوّج جويبر إبنتك الدلفاء.
فقالت له: وما كان جويبر ليكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحضرته، فابعث الآن رسولاً يرد عليك جويبراً، فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً.
فقال له زياد: يا جويبر مرحبا بك إطمئن حتى أعود إليك. ثم انطلق زياد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: بأبي أنت وأمّي إنّ جويبراً أتاني برسالتك وقال: أنّ رسول الله يقول لك: زوّج جويبر إبنتك الدلفاء، فلم ألن له في القول ورأيت لقاءك، ونحن لا نزوج إلاّ أكفاءنا من الأنصار.
فقال له رسول الله: يا زياد جويبر مؤمن والمؤمن كفؤ المؤمنة والمسلم كفؤ المسلمة، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.
قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على إبنته فقال لها: ما سمعه من رسول الله.
فقالت له: إنّك إن عصيت رسول الله كفرت. فزوّج جويبر إبنته الدلفاء فخرج زياد فأخذه بيده جويبر ثم أخرجه إلى قومه فزوّجه لى سنة الله وسنة رسول الله وضمن صداقه.
قال: فجهّزها زياد وهيأها، ثم أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فيسوقها إليك؟
فقال: والله ما لي من منزل.
قال: فهيّؤا لها منزلاً وهيّؤا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبر ثوبين وأدخلت الدلفاء في بيتها وأدخل جويبر عليها مغتمّاً، فلما رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيبة، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتى سمع النداء، فخرج. فلما كانت الليلة التالية فعل مثل ذلك، وأخفوا ذلك من زياد، فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك وأخبر بذلك أبوها، فانطلق الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: بأبى أنت وأمي يا رسول الله، أمرتني بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا ولكن طاعتك أوجبت علي تزويجه.
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): فما الذي أنكرتم منه؟
فقال إنّا هيّأنا له بيتاً ومتاعاً وأدخلت بنتي البيت وأدخل معها مغتمّاً فما كلمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى سمع النداء وخرج وفعل مثل ذلك في الليلة الثانية ومثل ذلك في الليلة الثالثة، فلم يدنوا منها ولم يكلمها إلى أن جئتك وما نراه يريد النساء. فانظر في أمرنا.
فانصرف زياد، وبعث رسول الله إلى جوبير فقال له: أما تقرب النساء؟ فقال له: جوبير بلى يا رسول الله إنّي لشبق منهم إلى نساء.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد خبّرت بخلاف ما وصفت به نفسك وقد ذكر لي أنّهم هيوأ لك بيتاً وفرشاً ومتاعاً وأدخلت عليك فتاة حسناء عطرة وأتيت مغتمّاً فلم تنظر إليها ولم تكلمها ولم تدنوا منها، فما دهاك إذاً؟
فقال له جويبر يا رسول الله: أدخلت بيتاً واسعاً ورأيت فراشاً ومتاعاً وفتاة حسناء عطرة، فذكرت حالي التي كنت عليها وغربتي وحاجتي ووضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين فأحببت إذ ولاّني الله ذلك أن أشكره على ما أعطانى، وأتقرب إليه بحقيقة الشكر، فنهضت إلى جانب البيت، فلم أزل في الصلاة تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله تعالى حتى سمعت النداء، فخرجت فلما أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم ففعلت ذلك ثلاثة أيام ولياليها ورأيت ذلك في جنب ما أعطاني الله عزوجل يسيراً ولكنيّ سأرضيه الليلة إن شاء الله تعالى، فأرسل رسول الله إلى زياد فأتاه فأعلمه بما قال جويبر. فطابت أنفسهم.
قال: ووفىٰ لهم جويبر بما قال.
ثم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها بعد جويبر([7]).
لفت نظر
لا بأس أن نلفت نظر القارىء الكريم إلى بعض النقاط التالية منها:
- أن على الآباء وهكذا على كل مسلم يشعر بالأخوة الإسلامية وخصوصاً على كل من يهمّه الأمر، أن يسعى لزواج الشّبان ولا يتساهلون في هذا الموضوع المهم وهذا مما أصر عليه النبى الكريم طيلة حياته خصوصاً في المدينة المنورة بحيث كان دائما يحث على الزواج ويطلب من الشبان أن يتزوجوا.
- وعلى الآباء أن يتركوا الأفكار الجاهلية، من تزويج بناتهم لفئة خاصة أو قبيلة خاصة، بل إذا جاء من يرضون دينه وتقواه وأخلاقه، يفسحوا له المجال ولا يردوه بالحجج الواهية، لأن في ذلك فتنة وفساد كبير كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه.
- من الأفضل انّ المسلمين وخصوصاً والد الزّوج والزّوجة إذا كان بمقدورهم أن يمدّوا الشاب المؤمن ما أمكنهم من المال لتهيئة البيت وأثاثه ومتاعه وهذا كما فعله زياد بن لبيد حينما سمع من جويبر أنه لم يكن ذا مال.
- وعلى الشاب الذي إذا رأى تتابع نعم الله عليه أن يزيد في شكره، كما قال الله: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدُ ﴾([8]).
الزواج الموفق، الشيخ محمد جواد الطبسي
([1]) وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 27.
([2])وسيلة النجاة ( حاشية السيد الگلپايگاني ) ، ج 3 ، ص 145.
([3])وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 27.
([4])نفس المصدر ، ص 51 ؛ والآية في سورة الأنفال / 73.
([5]) نفس المصدر.
([6]) مستدرک الوسائل ج 14 ص 189.
([7]) ذرايع البيان، ج 1، ص 229.
([8]) سورة إبراهيم: ٧