لماذا علينا التخيّر في الصحبة؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
لماذا علينا التخيّر في الصحبة؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رحمه الله):
يا أباذر الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر([1]).
يا أباذر لا تصاحب إلاّ مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلاّ تقي، ولا تأكل طعام الفاسقين.
يا أباذر أطعم طعامك من تحبه في الله، وكل طعام من يحبّك في الله عزّوجلّ.

إعلم انّه قد ثبت بالتجربة انّ للمصاحبة دخل عظيم في الأخلاق والأعمال، فلابدّ أن يهتمّ الانسان في مصاحبة الأخيار لعلّ أفعالهم الحميدة والمرضية تؤثر فيه ويتّصف بأخلاقهم الحسنة، وأن يحترز من مصاحبة الأشرار حذراً من تأثير قبائحهم فيه، وانّ صحبة الأشرار الذين هم شياطين الانس أضرّ للانسان من شياطين الجن، لأنّ الانسان يتقبّل من مجانسه أكثر من غيره، بل انّ أكثر الاغواء يكون من شياطين الإنس.

روي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال: إنّ صاحب الشرّ يعدي، وقرين السوء يردي، فانظر من تقارن([2]).

وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) انّه قال: قال أبي عليّ بن الحسين عليه السلام: يا بنيّ أنظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، قلت: يا أبة من هم عرّفهم؟

قال: إيّاك ومصاحبة الكذاب فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.

وإياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّ وجلّ في ثلاثة مواضع.

وروى بسند صحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: لا تصاحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم([3])، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المرء على دين خليله وقرينه([4]).

وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه كان يقول مراراً في خطبه: ينبغي للمؤمن أن يجتنب مواخاة ثلاث: الماجن، والأحمق، والكذاب.
فأمّا الماجن فيزيّن لك فعله، ويحبّ أن تكون مثله، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، ومقارنته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه عليك عار.
وأمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربّما أراد منفعتك فضرّك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه.
وأمّا الكذاب فإنّه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث، كلّما أفنى اُحدوثة مطّها بأخرى حتى انّه يحدث بالصدق فما يصدّق، ويغري بين الناس بالعداوة، فينبت السخائم في الصدور، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم([5]).

وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): ... اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحك وهو لك غاش، وستردّون على الله جميعاً فتعلمون([6]).

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي([7]).

وقال (عليه السلام): لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة.
فأوّلها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا تغيّره عليك ولاية ولا مال، والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلّمك عند النكبات([8]).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: أسعد الناس من خالط كرام الناس([9]).

وروي انّه: قالت الحواريّون لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله([10]).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن، ومن كتم سرّه كانت الخيرة بيده، وكلّ حديث جاوز اثنين فشا، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.

وعليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدة عند الرخاء، وجنّة عند البلاء، وشاور في حديثك الذين يخافون الله، وأحب الاخوان على قدر التقوى، واتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر، إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن منكم في المنكر([11]).

وسئل (عليه السلام): أيّ صاحب شر؟ قال: المزين لك معصية الله([12]).

وقال (عليه السلام): مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار([13]).

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): أنظر إلى كلّ من لا يفيدك منفعة في دينك فلا تعتدنّ به، ولا ترغبنّ في صحبته، فإنّ كلّ ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته([14]).
 
عين الحياة، العلامة محمد باقر المجلسي (قدس سره)

([1]) الاملاء لغةً أن يتكلّم شخص ويكتبه آخر، فذكر (صلى الله عليه وآله) الشرّ هنا اشعاراً بأنّ كلّ ما يقوله من لغو وباطل فهو يمليه على كاتبيه، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل يتكلّم بفضول الكلام: «يا هذا انّك تملي على حافظيك». منه (رحمه الله).
([2]) الوسائل 8: 412 ح 2 باب 11.
([3]) البحار 74: 196 ح 29 باب 14 ـ عن الاختصاص: 239 ـ ومثله الكافي 2: 376 ح 7.
([4]) الكافي 2: 375 ح 3 ـ عنه البحار 74: 201 ح 40 باب 14.
([5]) الكافي 2: 376 ح 6 ـ عنه البحار 74: 205 ح 43 باب 14.
([6]) الكافي 2: 638 ح 2 باب من يجب مصادقته ومصاحبته.
([7]) الكافي 2: 639 ح 5 باب من يجب مصادقته ومصاحبته.
([8]) الكافي 2: 639 ح 6 باب من يجب مصادقته ومصاحبته.
([9]) البحار 74: 185 ح 2 باب 13 ـ عن أمالي الصدوق.
([10]) الكافي 1: 39 ح 3 باب مجالسة العلماء.
([11]) أمالي الصدوق: 250 ح 8 مجلس 50 ـ عنه البحار 74: 186 ح 7 باب 13.
([12]) البحار 74: 190 ح 3 باب 14 ـ عن أمالي الطوسي.
([13]) البحار 74: 191 ح 4 باب 14 ـ عن عيون أخبار الرضا 7.
([14]) قرب الاسناد: 51 ح 167 ـ عنه البحار 74: 191 ح 5 باب 14 ـ والوسائل 8: 412 ح 5 باب 11.

 

قراءة 1394 مرة