رقة القلب وزوال الحجب

قيم هذا المقال
(0 صوت)
رقة القلب وزوال الحجب

إذا أراد الانسان أن يصيب دعاؤه الاستجابة فلابد له أن يطلب رقة القلب، ويسعى الى ترقيق قلبه. فإن القلب إذا رق شفّ وزالت الحجب بينه وبين الله تعالى، وكان قريباً من الله.

 

ولأسلوب السؤال والدعاء تأثير في ترقيق القلب. وما ورد من النصوص في التذلل عند الطلب والدعاء، ورد لتحقيق هذه الغاية.

 

روى احمد بن فهد الحلي في عدة الداعي أن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم إذا ابتهل ودعا كان كما يستطعم المسكين([1]).

 

وروي أنه كان فيما أوحى الله عز وجل الى موسى عليه السلام:

«ألق كفيك ذلاً بين يدي كفعل العبيد المستصرخ الى سيده، فإذا فعلت ذلك رحمت، وأنا أكرم الأكرمين القادرين»([2]).

 

وعن محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿فما استكانوا لربهم وما يتضرعون﴾([3])، فقال عليه السلام: الاستكانة هي الخضوع، والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما»([4]).

 

ولأن الغاية من هذا الأسلوب في الدعاء لم يكن واضحاً للناس، كان المشككون يشككون الناس في (أسلوب الدعاء). ترى لماذا نرفع اليدين الي السماء؟ وهل يكون الله في جهة السماء حتى نرفع يدينا الى السماء؟ فكان أئمة أهل البيت عليهم السلام يوضحون لهم أن الله تعالى في كل مكان، ولكننا بهذ الاسلوب في الدعاء نتخذ شعار الاستكانة والحاجة بين يدي الله، فإن رفع اليدين علامة الاستكانة والحاجة. وهذا الشعار له تاثير ايحائي في ترقيق القلب وإزالة القسوة عنه، وتخليصه وتحضيره بين يديه تبارك وتعالى.

 

روى الطبرسي في (الاحتجاج) أن ابا قرة قال للرضا عليه السلام:

(ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم الى السماء؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة... واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الأيدي ورفعها الى السماء لحال الاستكانة علامة العبودية والتذلل له)([5]).

ولحظات (الرقّة) هي لحظات نزول الرحمة، وعلى الانسان أن يغتنم هذه اللحظات بالتوجه الى الله للدعاء، فإن الرحمة نازلة من دون حساب في هذه اللحظات. لا لأن لنزول رحمة الله تعالى وقتاً خاصاً ومحدوداً، بل لأن لاستقبال الرحمة وقتاً محدوداً وحالة خاصة وهى حالة الرقة، فإذا رق قلب الانسان أمكنه أن يستقبل هذه الرحمة.

 

عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: «اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة»([6]).

 

عن أبي بصير عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: «إذا رق أحدكم فليدع؛ فإن القلب لا يرق حتى يخلص»([7]).

 

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك، فدونك دونك فقد قصد قصدك)([8]). وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك، ووجل قلبك، فدونك دونك وقد قصد قصدك)([9]).

 

والحديث دقيق، فإن الاستجابة لها علاقة مباشرة بحالة الداعي، وإن القلب كلما رق، واستكان، كان الداعي أقرب الى الاستجابة، وبعكس ذلك كلما تمنع القلب وقسيٰ كان ابعد عن الاستجابة.

 

وقد ورد في النصوص الاسلامية الاستفادة من لحظات انكسار النفس ورقة القلب، لما يلم بالانسان من المصائب والهموم في هذه الدنيا للتوجه إلى الله بالدعاء والسؤال. فإن هذه اللحظات تهيئ الانسان للاقبال على الله ولاستقبال رحمة الله؛ والسر في ذلك كلّه أن القلب لا يتمكن من هذا (الاقبال) و(الاستقبال) إلا في حالات الرقة.

 

وعلى الانسان الذي يريد وجه الله والاقبال عليه تعالى في الدعاء ان يكتسب هذه الرقة.

 

روي عن اسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ادعو فأشتهي البكاء، ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي، فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم، فتذكر فإذا رققت فابك، وادع ربك تبارك وتعالى»([10]).

 

وإذا لم يتسن له البكاء ليرق قلبه فليتباك، فإن التباكي يؤدي إلى البكاء، والبكاء، يؤدي إلى ترقيق القلب، ورقة القلب تفتح القلب على الله تعالى.

 

عن سعد بن يسار قال: «قلت لأبي عبدالله (الصادق) عليه السلام: إني اتباكى في الدعاء، وليس لي بكاء. قال: نعم»([11]).

 

وعن أبي حمزة قال: «قال أبو عبدالله عليه السلام لأي بصير: إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله فمجدّه، واثن عليه كما هو أهله، وصل على النبي صلي الله عليه واله وسلم وسل حاجتك، وتباك. .. إن أبي كان يقول: إن اقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك)([12]).

 

الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام)، الشيخ محمد مهدي الآصفي (رحمه الله)

 

([1]) عدة الداعي: 139، والمجالس للمفيد: 22.

([2]) عدة الداعي: 139.

([3]) المؤمن: 76.

([4]) اصول الكافي 2: 348.

([5]) اصول الكافي: 522، وسائل الشيعة 4: 1101، ح: 8687.

([6]) بحار الانوار 93: 313.

([7]) وسائل الشيعة 4: 1120، ح: 8791، اصول الكافي

([8]) وسائل الشيعة 4: 1 114، ح: 8763.

([9]) وسائل الشيعة 4: 1 4 11، ح: 8766.

([10]) اصول الكافْ: 523، وسائل الشيعة 4: 1121، ح: 8767.

([11]) وسائل الشيعة 4: 1122، ح: 8769، اصول الكافي: 523.

([12]) اصول الكافي: 452، وسائل الشيعة 4: 1122، ح: 8770.

قراءة 1548 مرة