طلب الشفاعة من غيره تعالى وشبهة الشرك

قيم هذا المقال
(0 صوت)
طلب الشفاعة من غيره تعالى وشبهة الشرك

لا مرية في أنّ الشفاعة حق خاص بالله سبحانه، فالآيات القرآنية - مضافة إلى البراهين العقلية - تدل على ذلك، مثل آية: ﴿قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا﴾([1]).

 

إلاّ أنّ في جانب ذلك دلت آيات كثيرة أُخرى على أنّ الله أذن لفريق من عباده أن يستخدموا هذا الحق، ويشفعوا - في ظروف وضمن شروط خاصة - حتى أنّ بعض هذه الآيات صرحت بخصوصيات وأسماء طائفة من هؤلاء الشفعاء، كقوله تعالى:

﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ﴾ ([2]).

 

كما أنّ القرآن أثبت لنبيِّ الإسلام «المقام المحمود»، إذ يقول: ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودً﴾([3]).

 

وقد قال المفسرون: إنّ المقصود بالمقام المحمود هو: مقام الشفاعة، بحكم الأحاديث المتضافرة التي وردت في هذا الشأن.

 

كل هذا مما اتفق عليه المسلمون، إنّما الكلام في أنّ طلب الشفاعة ممن أُعطي له حق الشفاعة كأن يقول: «يا رسول الله اشفع لنا» هل هو شرك أو لا؟

 

وليس البحث في المقام ـ كما ألمعنا إلى ذلك غير مرّة ـ في كون هذا الطلب مجدياً أو لا، إنّما الكلام في أنّ هذا الطلب هل هو عبادة أو لا؟

 

فنقول: قد ظهر الجواب مما أوضحناه في الأبحاث السابقة، فلو اعتقدنا بأنّ من نطلب منهم الشفاعة، لهم أن يشفعوا لمن أرادوا ومتى أرادوا وكيفما ارتأوا، دون رجوع إلى الإذن الإلهي أو حاجة إلى ذلك، فإنّ من المحتّم أنّ هذا الطلب والاستشفاع عبادة وإنّ الطالب يكون مشركاً حائداً عن طريق التوحيد، لأنّه طلب الفعل الإلهي وما هو من شؤونه من غيره.

 

وأمّا لو استشفعنا بأحد هؤلاء الشفعاء ونحن نعتقد بأنّه محدود مخلوق لله لا يمكنه الشفاعة لأحد إلّا بإذنه، فهذا الطلب لا يختلف عن طلب الأمر العادي ماهية، ولا يكون خارجاً عن نطاق التوحيد.

 

وإنّ تصوّر أحد أنّ هذا العمل، أعني: طلب الشفاعة من أولياء الله، يشبه - في ظاهره - عمل المشركين، واستشفاعهم بأصنامهم، فهو تصوّر باطل بعيد عن الحقيقة.

 

لأنّ التشابه الظاهري لا يكون أبداً معياراً للحكم، بل المعيار الحقيقي للحكم إنّما هو: قصد الطالب، وكيفية اعتقاده في حق الشافع، ومن الواضح جداً أنّ المعيار هو النيّات والضمائر، لا الأشكال والظواهر، هذا مع أنّ الفرق بين العملين واضح من وجوه:

أوّلاً: أنّه لا مرية في أنّ اعتقاد الموحّد في حق أولياء الله يختلف - تماماً - عن اعتقاد المشرك في حق الأصنام.

 

فإنّ الأصنام والأوثان كانت ـ في اعتقاد المشركين ـ آلهة صغاراً تملك شيئاً من شؤون المقام الإلوهي من الشفاعة والمغفرة، بخلاف أهل التوحيد فإنّهم يعتقدون بأنّ من يستشفعون بهم: عباد مكرمون لا يعصون الله وهم بأمره يعملون، وأنّهم لا يملكون من الشفاعة شيئاً، ولا يشفعون إلّا إذا أذن الله لهم أن يشفعوا في حق من ارتضاه.

 

 وبالجملة فإنّ تحقق الشفاعة منهم يحتاج إلى وجود أمرين:

  1. أن يكون الشفيع مأذوناً في الشفاعة.
  2. أن يكون المشفوع له مرضياً عند الله.

 

فلو قال مسلم لصالح من الصالحين: (اشفع لي عند الله)، فإنّه لا يفعل ذلك إلّا مع التوجّه إلى كونه مشروطاً بالشرطين المذكورين.

 

ثانياً: أنّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام مضافاً إلى استشفاعهم بها، بحيث كانوا يجعلون استجابة دعوتهم واستشفاعهم عوضاً عما كانوا يقومون به من عبادة لها، بخلاف أهل التوحيد فإنّهم لا يعبدون غير الله طرفة عين أبداً.

 

وأمّا استشفاعهم بأُولئك الشفعاء فليس إلّا بمعنى الاستفادة من المقام المحمود الذي أعطاه الله سبحانه لنبيّه في المورد الذي يأذن فيه الله، فقياس استشفاع المؤمنين بما يفعله المشركون ليس إلّا مغالطة. وقد مر غير مرّة أنّه لو كان الملاك التشابه الظاهري للزم أن نعتبر الطواف بالكعبة المشرفة، واستلام الحجر، والسعي بين الصفا والمروة، موجباً للشرك وعبادة للحجر.

 

مفاهيم القرآن السبحاني ج 1، آية الله الشيخ جعفر سبحاني

 

([1]) الزمر: 44.

([2]) النجم: 26.

([3]) الإسراء: 79.

قراءة 953 مرة