الذنوب الحابسة للدعاء ولغيث السماء

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الذنوب الحابسة للدعاء ولغيث السماء

ورد في دعاء كميل بن زياد لأمير المؤمنين (عليه السلام): (اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُنُوبَ الّتي تَحبِسُ الّدعاء)..

 

حبس يحبس - من باب «ضرب» - حبساً. الحبس: الوقوف والتوقيف، خلاف الإطلاق والإرسال.

 

والذنوب التي تحبس الدعوات وتمنعها عن الوصول إلىٰ ذروة إجابة قاضي الحاجات ـ علىٰ ما روي عن سيّد الساجدين زين العابدين عليه السّلام ـ (هي: سوء النيّة، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلاة المفروضة حتىٰ تذهب أوقاتها)([1]).

 

بيان الذنوب الحابسة لغيث السماء

وقال عليه السّلام في الذنوب التي تحبس غيث السماء: (هي جور الحكّام، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة، والمعاونة علىٰ الظّلم، وقساوة القلب علىٰ الفقراء)([2]).

 

وبالجملة، من الذنوب التي تحبس الدعاء: فساد النيّات للأغراض الباطلة المتعلّقة بالاتجاه إلىٰ العاجلة والترك عن الآجلة، الكاشفة عن الأهوية الفاسدة والعقائد الكاسدة، كما قال الله تعالىٰ ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾([3]). فخير الدعوات وقربها من الإجابة هو تطابق لسان الحال مع لسان المقال.

 

قال صدر المتألهين (قدس سرّه): «فاعلم أنّه لا دعاء بلسان الاستعداد والحال غير مستجاب، إلّا ما هو من باب لقلقة اللسان فقط، كما يقول الجالس في مساكن ذكر الله ببدنه: اللهم ارزقني توفيق الطاعة وبُعد المعصية. ولكن جميع أركانه وجوارحه وملكاته الراسخة، وأخلاقه الرذيلة، وشياطينه الذين صارت قلبه عشهم، وبهائم شهواته، وخنزير حرصه، وكلب غضبه اللاتي غدت باطنه مرتعها، كلّهم ينادون ويقولون: اللهم اخذلنا بالمعصية، ويستغيثون ويطلبون أرزاقهم وهو تعالىٰ مجيب الدعوات ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾([4]).

 

وكما يقول الإنسان الطبيعي المطيع للوهم: اللهم أَبقني في الدنيا، وهو بسرّه وعلانيته حتّىٰ وهمه متوجّه إلىٰ ربّه، كلُّ يبتغي وجهه، والتمكّن في ذراه والجنة، وأركان بدنه تطلب أحيازها الطبيعية، وفروخه المحتبسة في بيوض المواد من قواه ـ العلّامة والعمّالة ـ تستدعي النهوض والطيران، بل الأدوار والأكوار تقتضي آثارها، بل الأعيان الثابتة التابعة اللازمة للأسماء يقولون لكل اُمة من الصور انطبعت وتعلّقت بالمادّة: إلىٰ متىٰ تلبثون هنا وتعطّلون المواد، ألم تنقض نوبتكم؟ فشمروا لسفركم، وتأهّبوا للقاء أميركم؛ لتصل التوبة إلىٰ طائفة اُخرى.

 

ولذا فالروح تتمنىٰ الموت وتفارق البدن بالاختيار، والكاره له هو الوهم وإن كان هو أيضاً طالباً له بلسان الاستعداد: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾([5]).

 

ولسان المقال أيضاً دعاؤه مستجاب؛ لكونه يستدعي غذاءه الذي هو النطق، أيّ نطق كان. فهو تعالىٰ مجيب دعوتهم ومبلّغهم إلىٰ اُمنيتهم، وقد لا يساعد الداعي لسان استعداد هويته وإن ساعده بحسب النوع، كطلب كلّ واحدٍ مرتبة الآخر، فلعلّه حيث ليس له علم محيط يضرّه ما استدعىٰ بلسان المقال ويفسده، فحاله وعلله يطلبون له ما يصلحه، كما في الحديث القدسي: (إنّ من عبادي من لا يُصلحه إلّا الغنىٰ لو صرفته إلىٰ غير ذلك لهلك، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر، لو صرفته إلىٰ غير ذلك لهلك)([6]).

 

وعلىٰ هذا فأجلُّ الأذكار ما اشتمل علىٰ توحيده وتمجيد تعالىٰ، لا ما يشعر بالطلب والتكدّي، ولذا قال عليه السّلام: (فوت الحاجة أحب إلي من قضاء الحاجة).

 

وفي الحديث القدسي: (من ترك ما يُريد لما اُريد ترك ما اُريد لما يريد).

 

وفي الدعاء: (اللهم أنت كما اُريد، فاجعلني كما تُريد).

 

وورد: (المؤمن لا يريد ما لا يجد).

 

وإن كان السؤال أيضاً حسناً؛ لأنّه أيضاً من أسباب سعادتك، ومن موجبات تذكّرك، ولهذا كان موسىٰ عليه السّلام مأموراً بمسألة ملح طعامه منه تعالىٰ؛ إذ كلّما يجلب إلىٰ جنابه فهو حسن، وإن كان للحسن عرض عريض»([7]) .

 

شرح دعاء كميل، آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (قدس سره) - بتصرّف

 

([1]) «معاني الأخبار» ص 271، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 16، ص 282، أبواب الأمر والنهي، ب 41، ح 8.

([2]) «معاني الأخبار» ص 271، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 16، ص 282، أبواب الأمر والنهي، ب 41، ح 8.

([3]) «المؤمنون» الآية: 71.

([4]) «طه» الآية: 50.

([5]) «المطففين» الآية: 6.

([6]) الكافي، ج 2، ص 352، باب من آذى المسلمين واحتقرهم، ح 8

([7]) راجع: شرح الأسماء الحسنى - الملا هادى السبزواري - ج ١ - الصفحة ٣٢ - بتصرّف

قراءة 882 مرة