السبيل إلى خير الدنيا والآخرة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السبيل إلى خير الدنيا والآخرة

من المعروف أن الدنيا هي دار ممر وليست دار مقر، وأنها مزرعة يجب أن نزرعها لنقطف الثمار في الآخرة. ومن هنا فإن أهم فائدة يحصل عليها الإنسان من خلال الخدمة هي الفائدة الأخروية، فما هي فائدة الخدمة في الآخرة؟ تشير الروايات إلى آثار الخدمة التي سوف تظهر في الآخرة في العديد من الروايات.

 

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمرّ به الرجل له المعرفة به في الدنيا، وقد أمر به إلى النار، والملك ينطلق به، قال فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا، وأسعفك في الحاجة تطلبها مني، فهل عندك اليوم مكافاة؟ فيقول المؤمن للملك الموكل به: خل سبيله قال: فيسمع الله قول المؤمن، فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله!"([1]).

 

وعنه عليه السلام: "من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة بر أو تيسير عسر، أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام"([2]).

 

وعنه عليه السلام: "من مضى مع أخيه في حاجة فناصحه فيها، جعل الله تعالى بينه وبين النار يوم القيامة سبعة خنادق، والخندق ما بين السماء والأرض"([3]).

 

وعنه عليه السلام: "ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله: عليّ ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة"([4]).

 

هذه الجنة التي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر! وتشير الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى عظمة ثواب أهل الخدمة فيها.

 

حيث روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن في شيعتنا لمن يهب الله تعالى له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات ما لا تكون الدنيا وخيراتها في جنبها إلا كالرملة في البادية الفضفاضة فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له ويكرمه ويعينه ويمونه ويصونه عن بذل وجهه له حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل والقصور وقد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزايد في هذا البيت الصغير الذي أريتموه فيما صار إليه من كبره وعظمه وسعته، فيقول الملائكة: يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل فأمددنا بملائكة يعاونوننا فيقول الله، ما كنت لأحملكم ما لا تطيقون، فكم تريدون عددا؟ فيقولون: ألف ضعفنا، وفيهم من المؤمنين من تقول الملائكة تستزيد مددا ألف ألف ضعفنا وأكثر من ذلك على قدر قوة إيمان صاحبهم، وزيادة إحسانه إلى أخيه المؤمن فيمدهم الله تعالى بتلك الاملاك وكلما لقي هذا المؤمن أخاه فبرّه زاده الله في ممالكه وفي خدمه في الجنة كذلك"([5]).

 

وهناك روايات تشير إلى أن النار تصبح محرمة على هؤلاء!.

 

ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن المؤمن ليتحف أخاه التحفة قلت: وأي شئ التحفة؟ قال: من مجلس ومتكاء وطعام وكسوة وسلام فتطاول الجنة مكافأة له، ويوحي الله عزوجل إليها أني قد حرمت طعامك على أهل الدنيا إلا على نبي أو وصي نبي فإذا كان يوم القيامة أوحى الله عزوجل إليها أن كافئي أوليائي بتحفهم، فتخرج منها وصفاء ووصائف، معهم أطباق مغطاة بمناديل من لؤلؤ فإذا نظروا إلى جهنم وهولها وإلى الجنة وما فيها طارت عقولهم، وامتنعوا أن يأكلوا فينادي مناد من تحت العرش إن الله عزوجل قد حرم جهنم على من أكل من طعام جنته فيمد القوم أيديهم فيأكلون"([6]).

 

هذا إذا خدم مؤمناً في مناسبة ما، وأما من لازم الخدمة وقضى عمره في ذلك، فهذا له شأن آخر وكرامة خاصة عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة.

 

فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله تعالى عبادا خلقهم لحوائج الناس، آلى على نفسه إلا يعذبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور، يحدثون الله تعالى والناس في الحساب"([7]).

 

هذه الحقيقة التي تنعكس في كلمات الإمام الخميني (قدس سره) حيث يقول: "إن أقل الخدمات المقدمة لساكني الأكواخ تنفعكم عند الله تبارك وتعالى".

 

ويقول (قدس سره): "فابذل ما في وسعك في خدمتهم فذلك خير زاد، وهو من أفضل الأعمال لدى الله تعالى".

 

وقبل الاخرة تظهر كرامة خدمة الناس بين يدي الإنسان في البرزخ أيضاً! فيسر بها أي سرور!

 

وتشرح تلك المواقف الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه، فكلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تجزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل فما يزال يبشره بالسرور والكرامة من الله سبحانه حتى يقف بين يدي الله عز وجل ويحاسبه حساباً يسيراً ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه، فيقول له المؤمن: رحمك الله نعم الخارج معي من قبري! ما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله عز وجل حتى كان، فمن أنت؟ فيقول له المثال: أنا السرور الذي أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله لأبشرك"([8]).

 

وإن أفضل سرور يمكن أن ندخله على قلب المؤمن هو أن نقضي حوائجه لتقر عينه بذلك.

 

ورغم أن الثواب يظهر في الاخرة، إلا أن الله سبحانه وتعالى يعجل بثواب الدنيا قبل الآخرة لأهل الخدمة، ويعدهم برحمته فيها قبل ثوابه وفضله في الآخرة، وهناك العديد من الروايات التي تشير إلى ذلك.

 

ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من يسر على مؤمن وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والاخرة، قال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عوراته التي يخافها في الدنيا والاخرة، قال: وإن الله عز وجل في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه"([9]).

 

وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله في عون المؤمن مادام المؤمن في عون أخيه المؤمن"([10]).

إن هذه الخدمة الصغيرة التي يقدمها الإنسان ستدخل في ساحة رحمة الله سبحانه وتعالى وكرمه حتى تتضاعف وتكبر وتتحول إلى حدائق من رحمته، الله تعالى أخبر بحقيقتها، لم يصلنا من خبرها إلا إشارات، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لرؤية بركاتها في الدنيا والآخرة.

 

عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته، وأعانه على نجاح حاجته، أوجب الله عز وجل له بذلك اثنتين وسبعين رحمة من الله يعجل له منها واحدة، يصلح بها أمر معيشته، ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله"([11]).

 

وقد حث الإمام الخميني (قدس سره) على العمل والخدمة في سبيل الله لما فيها من خير في الدنيا والآخرة كما أشارت الروايات التي أوردناها حيث يقول (قدس سره): "وأن يسعوا جميعاً للعمل في سبيل الله وفي خدمة عباده المحرومين لأن في ذلك خير وعافية الدنيا والآخرة".

 

خدمة الناس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)، مركز الإمام الخميني الثقافي

 

([1]) ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق، ص‏172.

([2]) مستدرك الوسائل، ج‏31، ص‏132.

([3]) عوالي اللئالي، ج‏1، ص‏375

([4]) الكافي، ج‏2، ص‏194.

([5]) بحار الأنوار، ج‏8، ص‏147.

([6]) الكافي، ج‏2، ص‏207.

([7]) عوالي اللئالي، ج‏1، ص‏373.

([8]) ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق، ص‏200.

([9]) بحار الأنوار، ج‏72، ص‏1.20

([10]) بحار الأنوار، ج‏71، ص‏312.

([11]) الكافي، ج‏2، ص‏199.

قراءة 955 مرة