قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رضوان الله عليه):
"يا أباذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فهو أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله منك خافية".
إعلم انّ الذي يريد النجاة من عذاب الله والفوز بالسعادة الأبدية لابدّ أن لا يأمن من نفسه ولا ينخدع بها، ويكون متفحّصاً لعيوبها دائماً كما يتفحّص عيوب أعدائه لأنّ العيوب مختفية في النفس، وتظهر له عيوب أخرى بعد إزالة كلّ عيب من نفسه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من انّ المؤمن لا ينتفي عنه عيب إلاّ بدا له عيب آخر.
ولابدّ أن يكون الانسان محاسباً لنفسه دائماً، وليعلم انّه سيجيء يوم يحاسب على أعماله، فليحاسب نفسه اليوم وليعد الجواب لأنّ التغافل لا يفيد في رفع حساب الآخرة، كالطير الذي يغمض عينيه إذا اريد اصطياده.
واعلم انّ العمر رأس المال في تحصيل السعادة الأبدية، فليحاسب نفسه كلّ يوم وانّه بماذا صرف دقائق عمره، إن صرفها في الطاعة نفعته، وإن صرفها في المعصية ضرّته، وان لم يصرفها في أيّ شيء فلقد أتلف رأس المال وضيّعه وأعطاه للشيطان.
ففي الصورة الأولى يشوّق نفسه ويرغبها في الزيادة، وفي الصورة الثانية والثالثة يلومها ويؤذيها، ويأخذ منها غرامة مهما أمكن من توبة وإنابة، ويتدارك ما فات بما بقي، وإن كان ما مضى لا يتدارك لأنّ لكل زمان حظ من الأعمال الصالحة، والعمل الذي تعمله في كلّ زمان فهو حقّ ذلك الزمان وما فات ذهب عنك.
وإن لم تطع النفس ولم تقبل فجادلها وجاهدها وألجمها بالفكر الصحيح، وتذكر الآيات والأخبار والوعيد، فإنّ الانسان بمثابة الفرس الجموح الذي يعدو في صحراء وعرة فيها الحفر الكثيرة والآبار عن يمين الطريق ويساره، فإن غفلت لحظة تجد نفسك في قعر بئر الضلالة.
روي بسند معتبر عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل خيراً استزاد الله وحمد الله، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه"([1]).
وروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال لرجل: "إنّك جُعلت طبيب نفسك، وبُيّن لك الداء، وعُرّفت آية الصحة، ودُللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك"([2]).
وقال (عليه السلام) في حديث آخر: إجعل قلبك قريناً برّاً أو ولداً واصلاً، واجعل عملك والدا ًتتبعه، واجعل نفسك عدوّاً تجاهدها، واجعل مالك عارية تردّها([3]).
وقال (عليه السلام) في حديث آخر: "إقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك"([4]).
وقال (عليه السلام) في حديث آخر: "خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم، وفي القوة قبل الضعف، وفي الحياة قبل الممات"([5]).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا يصغر ما ينفع يوم القيامة، ولا يصغر ما يضرّ يوم القيامة، فكونوا فيما أخبركم الله عزّ وجلّ كمن عاين"([6]).
وقال (عليه السلام) في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام): "يا بنيّ للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة فيها يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذّتها فيما يحلّ ويحمد..."([7]).
وقال أبو عبدالله (عليه السلام): "ألا فحاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مقام ألف سنة"([8]).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومن كان في النقص فالموت خير له"([9]).
وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): "ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحزن لك دثاراً، ابن آدم انّك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزّوجلّ ومسؤول، فأعدّ جواباً"([10]).
عين الحياة، العلامة المحدث محمد باقر المجلسي (قدس سره)
([1]) الاختصاص : 243 ـ عنه البحار 70 : 72 ح 24 باب 45.
([2]) الكافي 2 : 454 ح 6 ـ الوسائل 11 : 122 ح 3 باب 1.
([3]) الكافي 2 : 454 ح 7 ـ الوسائل 11 : 122 ح 4 باب 1.
([4]) الكافي 2 : 455 ح 8 ـ الوسائل 11 : 236 ح 2 باب 39.
([5]) الكافي 2 : 455 ح 11 ـ باب محاسبة العمل.
([6]) الكافي 2 : 456 ح 14 ـ باب محاسبة العمل.
([7]) البحار 70 : 65 ح 6 باب 45 ـ عن أمالي الطوسي.
([8]) البحار 70 : 64 ح 4 باب 45 ـ عن أمالي الطوسي.
([9]) البحار 70 : 64 ح 3 باب 45 ـ عن معاني الأخبار : 198 ضمن حيث 4 باب معنى الغايات.
([10]) أمالي الطوسي : 115 ح 30 مجلس 4 ـ عنه البحار 70 : 64 ح 5 باب 45.