شهر الهداية والضيافة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
شهر الهداية والضيافة

قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدی‌ وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلی‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلی‌ ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([1]).

إشارات:

‏- "رمضان" هو من "الرمض"، أي: شدة وقع الشمس، وقيل: الحرق دون نار أو دخان، وإنّما سمّي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة، من الإرماض وهو الإحراق، ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت.

‏- شهر رمضان هو شهر نزول القرآن الکريم، وهو الشهر الوحيد المذکور في کتاب الله، ويحتوي علی ليالي القدر.

‏ذکر تفسير البرهان حديث للنبي الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم جاء فيه: "أنّ کلّ الکتب السماوية: التوراة والإنجيل والزبور والصحف والقرآن نزلت في هذا الشهر، شهر رمضان أفضل شهور الله".

‏وکان صلّی الله عليه وآله وسلّم في آخر جمعة من شهر شعبان يلقي خطبة طويلة يستعرض فيها عظمة الشهر الفضيل، وقد وردت تلک الخطبة في بعض کتب التفسير والحديث([2]).

‏وللإمام السجاد (عليه السلام) مناجاة مؤثّرة في وداع شهر رمضان المبارک ذکرت في الصحيفة السجادية.

‏- الإسلام دين بني علی السماحة واليُسر، وعدم تکليف الإنسان ما لا يطيق، فبإمکان المريض أو المسافر أن يقضي ما فاته من صيام شهر رمضان في أيام صحّته أو عودته من السفر، وأن يتيمّم إذا تعذّر عليه الوضوء، وأن يصلّي جلوساً إذا شقّ عليه الوقوف. کلّ هذه تندرج ضمن قاعدة فقهية مشهورة هي "قاعدة لا حرج".

‏رمضان: شهر ضيافة الله

‏- في شهر رمضان يحلّ کلّ إنسان مؤمن ضيفاً علی مائدة الله ببطاقة دعوة کتب عليها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، ولهذه الضيافة مزايا عديدة نذکر منها:

‏١- المضيف هو الله تعالی، وقد وجّه دعوة شخصيّة لضيوفه.

‏٢- تزخر مائدة المضيف بأنواع الخيرات: ليالي القدر، نزول القرآن الکريم، نزول الملائکة، إجابة الأدعية، رهافة الروح، والأمان من النار.

‏٣- تاريخ الدعوة هو شهر رمضان، وهو شهرٌ أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار (کما ذکرت الروايات).

‏٤ـ تفاصيل الدعوة هي أنّه يتمّ تأمين زاد الضيوف لعام کامل في ليلة القدر، وتزدان الأرض بأنوار الملائکة الهابطة إلی الأرض في تلک الليلة المبارکة.

‏٥ ـ طعام هذا الشهر هو طعام الروح، لا طعام الجسم، لتغذية التکامل المعنوي، وآيات الذکر الحکيم هي من ألطاف طعام هذه الضيافة، إذ إنّ تلاوة آية واحدة فيه تعادل تلاوة تمام القرآن في باقي الشهور.

‏إنّها ضيافة من نمط خاص لا تشبهها أيّة ضيافة دنيوية. فالله العالم الغني الخالق الباقي العزيز الجليل يستضيف الإنسان الجاهل الفقير الفاني المخلوق الذليل، ويخاطبه بالقول: "أنفاسکم فيه تسبيح ونومکم فيه عبادة، وعملکم فيه مقبول ودعاؤکم فيه مستجاب"([3]).

‏آداب الضيافة

‏وردت رواية مطوّلة في کتاب وسائل الشيعة في أخلاق الصائم تقول: "فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا...، ولا تظلموا ولا تسافهوا...، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشرّ، واجتنبوا قول الزور والكذب، والخصومة، والنميمة...، وكونوا مشرفين علی الآخرة..."([4]).

‏إنّ شرط حضور المؤمن في هذه الدعوة الربّانية لا يقتصر علی تکلّف مشقّة الجوع والعطش، فقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أنّ من يُعرض عن طاعة أئمة السماء أو يسيء معاملة زوجته في الشؤون الأسرية والشخصية، أو يمتنع عن أداء حقوق الزوجية المشروعة ويعقّ والديه، فإنّ صومه باطل لأنّه لم يلبِّ شروط هذه الضيافة.

‏لطالما ذکرت الفوائد الطبية والمنافع العامة للصوم حيث يتمّ من خلال الإمساک والجوع التخلّص من الفضلات والمواد الزائدة المتراکمة في الجسم. ومن البرکات الأخری التي ينعم بها المؤمن في هذا الشهر المبارک فهي الاستيقاظ في الأسحار ورهافة الروح وإجابة الدعاء، والبائس هو من حُرم کل هذه الخيرات والبرکات.

‏التعاليم:

‏١- فضل شهر رمضان هو لنزول القرآن فيه. وفضل الإنسان أيضاً هو في مقدار ما استضاءت روحه من نور آيات القرآن، «الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ«.

‏٢- وجوب الصوم يکون بعد ثبوت دخول شهر رمضان المبارک، «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ«.

‏٣- قضاء الصوم واجب علی المريض والمسافر، «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ«.

‏٤ـ لا يشترط قضاء الصوم في زمان خاصّ، «أَيَّامٍ أُخَرَ«.

‏٥ـ أساس أحکام الله تعالی السماحة وعدم تکليف الإنسان ما لا يطيق، «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ«.

‏٦ـ العسر والحرج يرفعان الواجبات عن کاهل الإنسان، «ولاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ«.

‏٧ـ قضاء الصوم يکون بمقدار الأيام المعذورة، «ولِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ«.

‏٨ ـ الله يمنّ علی عباده بتوفيق الهداية وأداء العبادات. التکبير دليل علی تعظيم الله وترک الاهتمام بالنفس والآخرين، «ولِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَی مَا هَدَاكُمْ«.

‏٩ـ الصوم سبيل هداية الإنسان وشکر النعم، «ولِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَی مَا هَدَاكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ«.

 

‏سماحة الشيخ محسن قراءتي، تفسير النور

 

([1]) سورة البقرة: 185.

([2]) بحار الأنوار، ج ٩٦، ص ٣٥٦.

([3]) خطبة النبي الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان.

([4]) وسائل الشيعة، ج ٧، ص ١١٩.

قراءة 825 مرة