الدعاء والكسل

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الدعاء والكسل


لا يتصوّر أحد بأنّ الدعاء والتوسّل ليس له دور في حياة شعب يمرّ بمرحلة إعمار بلاده، بل أقول إنّه لابدّ لشعب أمامه طريق شاق وطويل ويهدف إلى إنجاز عمل عظيم أن يفتح لنفسه باباً واسعاً للدعاء والتضرّع وطلب العون من الله إلى جانب العمل الجاد والسعي الحثيث.

ولهذا نرى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) كانوا يمدّون يد التوسّل والدعاء ويلتجئون إلى الله سبحانه وتعالى في الحروب وفي ساحات الخطر، وعند القيام بالأعمال الكبيرة واتخاذ المواقف المهمة، فهل بإمكان أحد أن يقول بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين في الصدر الأول لم يبذلوا الجهود المضنية من أجل أداء مسؤولياتهم؟

وهل توجد مساعي وجهود أكبر من المساعي والجهود التي بذلها اُولئك المؤمنون؟ فالعشر سنوات التي تولّى فيها النبي (صلى الله عليه وآله) زمام الأُمور في المجتمع الإسلامي كانت مليئة بالجهود الجادّة والمساعي الحثيثة.

وإلى جانب تلك الجهود والمساعي التي كان يبذلها النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون، كان للدعاء والتوسّل والاستغفار والإنابة مكانة خاصّة في حياتهم.

إذن، فالسبيل الوحيد الذي تستطيع الاُمة من خلاله تحقيق النجاح في حياتها هو تعزيز وتوطيد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.

فإذا أرادت الاُمّة إنجاز الأعمال الكبيرة لا بدّ لها من طلب العون والمدد من الله، وإذا ما أرادت إزالة الخوف مـن الأعـداء فيجب عليها أن لا تخشى أحداً إلاّ الله؛ لأن مصائب الشعوب ناشئة ــ كما تعرفون ــ من خشيتها وخوفها من القوى الإستكبارية والأشقياء وقطّاع الطرق الدوليين، والاُمّة تبدأ بالسقوط في منـزلق الذلّة والهوان عندما يتسرّب الخوف إلى قلبها من أصحاب القوة والأشقياء في العالم.

وهذا الأمر لا يقتصر على أبناء الاُمّة فحسب، بل إذا تسرّب الخوف من القوى الكبرى إلى قلوب مسؤوليها وأولياء الاُمور فيها، فسوف تكبّل أيديهم وأرجلهم ولا يستطيعون القيام بأيّ تحرّك من أجل خدمة شعوبهم، والسبيل الوحيد لتقدّم أيّ شعب وتمكينه من الاستغلال الصحيح لقابلياته وطاقاته الذاتية ينحصر في عدم خوفه وخشيته من القوى الطاغوتية وقطاع الطرق الدوليين.

ولكي لا يخشى الإنسان من القوى الكبرى يجب عليه تركيز الخوف من الله تبارك وتعالى في نفسه، فالقلب المليء بالخوف من الله والعامر بحبّ الله عزّ وجلّ لا يتسرّب إليه الخوف والرعب من أيّة قوّة في العالم مهما تعاظمت، وهذه هي الفائدة الحقيقية المترتّبة على الدعاء والتوسّل إلى الله.

 والسرّ الكبير في نجاح إمامنا الراحل رضوان الله عليه الذي وقف كالجبل الشامخ بوجه القوى الكبرى ـ كما كنتم ترون ـ يتمثّل في علاقته الوطيدة مع الله سبحانه وتعالى([1]).
 
الدعاء والكسل
إذن ينبغي أن لا يكون الدعاء ذريعة ومدعاة للكسل، أو أن يهمل الإنسان العلم والأسباب المادّية وقانون العلّية، فالدعاء ليس في عرض هذه الاُمور وإنّما هو في طولها.

وغالباً ما تكون مهمة الدعاء هي توفير كلّ هذه الاُمور.

وأمّا بالنسبة للمعجزة والّتي قد تحدث في بعض المرّات، فلها موضوعها المستقل، وهو من موارد الاستثناء، وفي غير موارد الاستثناء فإن مهمة الدعاء كما أشرنا هي تهيئة وإعداد الأسباب والمستلزمات الّتي لابدّ من وجودها في الحالات الاعتيادية، فعندما يطلب أحدكم من الله أن يتمّ العمل الفلاني مثلاً، والّذي أنتم بحاجة إليه، فلابدّ وأن تكونوا قد استنفذتم قواكم لتحقيقه إلى جانب الدعاء، وإذا أحسستم بالكسل فعليكم أن تدعو الله تعالى أن يطرد عنكم هذا الكسل، ولكي يطرد عنكم الكسل لابدّ لكم من إرادة وعزم وإصرار على تركه.

إذاً هنا يوجد سبب طبيعي وآخر مادّي وهو العزم والإرادة، ولا يتصوّر أحدكم أنّ الله تبارك وتعالى سوف يقضي حاجاتنا بمجرّد أن نجلس في بيوتنا وندعوه تعالى من دون أن نحرّك ساكناً أو نقوم بشيء أو نصمّم على القيام بشيء، فهذا لا يمكن أن يكون أبداً، إذاً الدعاء يجب أن يكون إلى جانب العمل ومع العمل.

ومن هنا نجد أنّ كثيراً من الأعمال لا تكلّل بالنجاح، من دون الدعاء، فإذا ما دعا الإنسان تكلّلت جهوده بالنجاح ووفّق لما كان يطمح إليه([2]).
 
الدعاء من كلمات الإمام الخامنئي (دام حفظه)

([1]) المناسبة: لقاؤه بجمع من عوائل الشهداء والأهالي - الزمان والمكان:  7 ذو الحجة  1414 ﻫـ ق ـ طهران - الحضور: مجموعة من عوائل الشهداء والأهالي من مختلف مدن إيران.
([2]) المناسبة: خطبتي صلاة الجمعة - الزمان والمكان: 17/رمضان/ 1415ﻫ ـ ق ـ طهران - الحضور: جمع من المصلين.

قراءة 671 مرة