‏من يُرد الله أن يهديه..

قيم هذا المقال
(0 صوت)
‏من يُرد الله أن يهديه..

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾([1])

إشارات:
‏- سُئل رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم: کيف يشرح صدره للإسلام؟ فقال: "الإنابة إلی دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الفوت"([2]).
‏والإمام زين العابدين عليه السلام کان يکثر من قراءة دعاء بهذا المضمون نفسه في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان([3]).
‏- المقصود بالهداية أو الضلالة الإلهية هو تهيئة أسباب الهداية للجديرين بها وحرمان الضالّين منها.
‏- "الصدر" هنا تعني الروح أو الفؤاد، وانشراح الصدر هو توسيع آفاق العقل والفکر، وهمّة الروح وعلوّها لاحتضان الحقّ والدخول في الهداية، ويتطلّب ذلک تجاوز الأهواء والآمال العريضة للقلب. إنّ من افتقد انشراح الصدر يظلّ متقوقعاً علی نفسه، ومنکفئاً علی ذاته لا يتعدّاها. إنّ من أهمّ آثار انشراح الصدر امتلاک البصيرة والنورانية، مضافاً إلی قلب رؤوف يسعی وراء الحقّ.
‏- تعدّ هذه الآية من المعاجز العلمية للقرآن حيث توضّح آثار العروج إلی السماء وتقول: من لا يتّسع صدره لقبول الحقّ، ستضيق عليه روحه وتنحسر إرادته، کالذي يريد التحليق في السماء حيث ضاق صدره واحتبس نفسه بسبب قلّة الأوکسجين.
‏- يقول الإمام الرضا عليه السلام: "من يرد اللـه أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلی جنّته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلی ما وعده من ثوابه حتی يطمئن إليه، ومن يرد أن يُضلّه عن جنّته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه إياه في الدنيا يجعل صدره ضيّقاً حرجاً حتی يشكّ فـي كفره ويضطرب من اعتقاده قلبه حتی يصير كأنّما يصّعّـد في السماء"([4]).
‏- من السنن الإلهية أنّ الله تعالی شرح للحقّ صدور أصحاب القلوب النقيّة، وفي المقابل، حرم المعاندين اللجوجين الفارّين من الإيمان توفيق الانشراح وابتلاهم بالرجس.
‏- إنّ النبي موسی عليه السلام عندما اُمر بحمل الرسالة دعا الله قائلاً: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْري»([5])، لکنّ الله سبحانه وتعالی تفضّل علی نبيّه الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم بأکثر من هذا، حين أنعم عليه بالانشراح وسعة الصدر قبل أن يطلب ذلک، «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ»([6]).

التعاليم:
‏١- التسليم للحقّ يتطلّب سعة الصدر والاستعداد الباطني، «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ«.
‏٢- انشراح الصدر عطيّة إلهية، «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ«.
‏٣- تجاوز دائرة الفطرة والعقل مدعاة لضيق الروح وحرجها وانسدادها، «يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ«.
‏٤- ربّما وجد المنحرفون أنفسهم، في الظاهر، في بحبوحة واستقرار، لکنّهم في الحقيقة، مبتلون بالضيق والحرج، «ضَيِّقًا حَرَجًا«.
‏٥- ضيق الصدر وحرجه هو نوع من رجس الروح، «صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ... الرِّجْسَ«.
‏٦- من لا يؤمن بالحقّ، سيبتلی بالرجس شيئاً فشيئاً، «كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ«.
 
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قرائتي

([1]) سورة الأنعام: ١٢٥.
([2]) تفسير الميزان.
([3]) مفاتيح الجنان.
([4]) تفسير کنز الدقائق.
([5]) سورة طه، الآية ٢٥.
([6]) سورة الانشراح، الآية ١.

 

قراءة 1036 مرة